أخبار المركز
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)

أولوية كبح التضخم:

كيف سيحدد الملف الاقتصادي الفائز بالانتخابات الرئاسية الأمريكية القادمة؟

15 يوليو، 2024


تستحوذ الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2024 على اهتمام عالمي واسع؛ فللمرة الثانية يتنافس الرئيس الأمريكي الحالي، الديمقراطي جو بايدن، مع الرئيس السابق، الجمهوري دونالد ترامب على سدة الرئاسة، وسط تحديات جمة تعترض مسار نمو الاقتصاد الأمريكي، وتؤثر في الوقت نفسه في توجهات الناخبين الأمريكيين إزاء اختيار المرشحين الرئاسيين؛ حيث ينظرون إلى الملف الاقتصادي باعتباره عامل جوهري في تحديد من سيصوتون له بالانتخابات الرئاسية التي ستجرى في شهر نوفمبر المقبل. 

الأجندة الاقتصادية: 

تكشف الأجندة الاقتصادية للمرشحيْن الرئاسييْن جو بايدن ودونالد ترامب عن تباين ملحوظ في البرامج والأهداف. فـبايدن يركز في برنامجه على بناء نظام ضريبي أكثر عدالة، ورفع معدل ضريبة الدخل على الشركات الأمريكية إلى 28%، واتخاذ مزيد من الإجراءات لمكافحة الاحتكار، ومنح تخفيضات ضريبية للطبقة المتوسطة، وخفض الأسعار وتكاليف المعيشة، مع إعادة بناء البنية التحتية الأمريكية.

كما من المتوقع أن يستمر بايدن، حال فوزه بالانتخابات الرئاسية القادمة، في استخدام التعريفات الجمركية كآلية لمساعدة الشركات الأمريكية وتعزيز تنافسيتها على حساب الشركات الصينية المدعومة من الحكومة. وكذلك يُرجح أن يتم تمديد معدلات ضريبة الدخل الشخصي المنخفضة للأفراد الذين يكسبون أقل من 400 ألف دولار سنوياً، مع رفع الضرائب على الشركات؛ مما يقلل العجز المالي ويحد من التضخم، وهو ما يراه العديد من الاقتصاديين مفيداً لدعم آفاق نمو الاقتصادي الأمريكي. 

أما ترامب، فقد أوضح توجهاته على الصعيد الاقتصادي من خلال طرح "الأجندة 47" (في إشارة الى أن الرئيس المقبل سيكون الـ47 للولايات المتحدة)، وتتضمن تعزيز الحمائية التجارية من خلال فرض تعريفة جمركية بنسبة 10% على جميع الواردات الأمريكية، وتعريفة بنسبة 60% على الواردات من الصين، بالإضافة إلى خفض تكلفة استهلاك الطاقة والكهرباء، والسعي نحو تحقيق استقلال أمريكا في مجال الطاقة، وإلغاء اللوائح التي تعوق إنتاج الطاقة المحلي، والتراجع عن الكثير من مبادرات بايدن بشأن الطاقة النظيفة. كما تعهد ترامب بتقديم تخفيضات ضريبية للشركات، وإحداث قفزة نوعية في مستوى المعيشة للأمريكيين.

بيد أن الأجندة الاقتصادية لترامب لاقت اعتراضاً واسعاً من قبل الأوساط الاقتصادية الأمريكية، فقد حذر 16 خبيراً اقتصادياً من الحائزين على جائزة "نوبل" من أن الاقتصاد الأمريكي والعالمي سيعاني من صعوبات جمة؛ إذا فاز ترامب في الانتخابات الرئاسة القادمة. وتشير دراسة أجرتها وكالة "موديز" إلى أن سياسات ترامب ستؤدي إلى ركود الاقتصاد الأمريكي بحلول منتصف عام 2025.


ستؤدي التعريفات الجمركية التي يعتزم ترامب فرضها إلى رفع التكاليف التي ستتكبدها الشركات الأمريكية، والتي ستقوم بتمريرها بطبيعة الحال إلى المستهلكين؛ مما سيزيد التضخم بنحو 2.5 نقطة مئوية على مدى عامين مع انخفاض النمو الاقتصادي بنحو نصف نقطة مئوية وفقاً لــ"بلومبيرغ إنتليجنس". في حين تبدو وكالة "موديز" أكثر تشاؤماً؛ إذ تتوقع أن تؤدي التعريفات الجمركية إلى فقدان 2.1 مليون وظيفة، مع انكماش الاقتصاد الأمريكي بنسبة 1.7%. 

وترى وكالة "موديز" أيضاً أن التخفيضات الضريبية المقترحة من قبل ترامب سوف تحتاج لتخصيص مزيد من الأموال لصالح الإنفاق الرأسمالي، بينما من المحتمل أن تسهم في خلق نحو 450 ألف وظيفة زيادة عن خطة بايدن بحلول عام 2028. لكنها بنهاية المطاف قد تضيف 4.6 تريليون دولار أخرى إلى الدين الأمريكي حتى عام 2034، وقد تؤدي لرفع معدلات التضخم؛ وهذا من شأنه أن يضطر مجلس الاحتياطي الفدرالي لاستمرار تشديد السياسة النقدية.

تفوق ترامب:

على الرغم من الضغوط التضخمية المحتمل أن تنشأ عن الأجندة الاقتصادية لترامب، فإن نتائج استطلاعات الرأي تؤكد ثقة الناخبين في قدرة ترامب على إدارة الاقتصاد الأمريكي وتحقيق نتائج اقتصادية أفضل؛ مما يترك بايدن أمام مهمة صعبة لإقناع الناخبين بإنجازاته الاقتصادية. وتكشف نتائج الاستطلاعات بشأن اختيار المرشح الرئاسي المقبل عن قناعات مختلفة للمواطنين الأمريكيين حول إدارة الملف الاقتصادي، وأولها تشاؤم الأمريكيين بشأن أداء الاقتصاد الأمريكي؛ إذ توصلت نتائج استطلاع للرأي أجراه معهد "هاريس" في شهر مايو 2024 إلى أن 55% من الأمريكيين يرون أن الاقتصاد ينكمش بالفعل، في حين يرى 49% من المستطلعة آراؤهم أيضاً أن البطالة وصلت إلى أعلى مستوياتها منذ 50 عاماً، على الرغم من تراجعها في الواقع الفعلي. 

أما ثانيها، فيتمثل في النظر إلى الاقتصاد باعتباره العامل الأساسي في تحديد من سيصوتون له، فبحسب استطلاع أجرته شركة "إبسوس" وهيئة الإذاعة الأمريكية (ABC) في إبريل 2024، جاء الاقتصاد بنسبة 88% والتضخم بنسبة 85% باعتبارهما القضيتان الأكثر أهمية بالنسبة للأمريكيين في تحديد المرشح الرئاسي الذي سيدعمونه. 

وفي استطلاع نشرته مؤخراً مجلة "إيكونوميست" بالتعاون مع "يوجوف" (YouGov)، قال 22% من الناخبين إن التضخم هو القضية الأكثر أهمية بالنسبة لهم. وقد برز العامل الاقتصادي أيضاً خلال المناظرة التي خاضها كل من بايدن وترامب؛ إذ تضمنت تُهماً متبادلة بمسؤولية كل منهما عن تردي الوضع الاقتصادي.


ويتمثل العامل الثالث في الثقة في ترامب لإدارة الاقتصاد، فوفقاً لاستطلاع أجرته صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية وكلية روس للأعمال بجامعة ميشيغان الأمريكية في شهر يونيو 2024، قال 41% من الناخبين إنهم يثقون في ترامب فيما يتعلق بالاقتصاد، مقارنة بـ37% يثقون في بايدن. ووفقاً لاستطلاع آخر أجرته شبكة "سي بي أس نيوز" في مارس 2024، يعتقد 17% فقط أن سياسات بايدن ستؤدي إلى انخفاض الأسعار، مقابل 44% لترامب. في حين يعتقد 39% من الأمريكيين أنهم سيكونون أفضل حالاً مالياً إذا تم انتخاب ترامب، مقارنة بـ23% لبايدن، وفقاً لاستطلاع لقناة "سي أن بي سي".

مفارقات انتخابية:

على الرغم من تفوق ترامب على بايدن في نتائج استطلاعات الرأي المذكورة سلفاً، فإنه بتحليل أداء الاقتصاد الأمريكي خلال الفترة التي قضاها كل منهما في سدة الرئاسة، يتضح أن المؤشرات الاقتصادية لم تتحسن بالشكل المطلوب في عهد أي منهما، بل بالكاد كان الاقتصاد الأمريكي يكافح من أجل التعامل مع التداعيات الاقتصادية لجائحة "كورونا"، والحرب الروسية الأوكرانية. 

فعلى صعيد النمو الاقتصادي، بلغ متوسط نمو الناتج المحلي الإجمالي 2.6% في عهد ترامب باستثناء عام 2020 الذي شهد فيه الاقتصاد انكماشاً بسبب "كورونا"، بينما بلغ متوسط النمو في عهد بايدن (الفترة 2021 - 2023) 3.4%. وحتى الآن، لم يشهد الاقتصاد الأمريكي ركوداً في عهده كما كان متوقعاً.  


وفي السنوات الثلاث الأولى من رئاسة ترامب، بلغ متوسط التضخم 2.1%، وهو قريب من المستوى المستهدف من قبل مجلس الاحتياطي الفدرالي والبالغ 2%، في حين تراجع التضخم إلى 1.2% عام 2020 بسبب جائحة كوفيد-19. أما في عهد بايدن، فقد سجل التضخم 5.6% في المتوسط، كما بلغ ذروته عند 8% عام 2022 بسبب تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية. 

وفيما يتعلق بالتوظيف، أضاف الاقتصاد الأمريكي أكثر من 15 مليون وظيفة في عهد بايدن وانخفضت البطالة إلى أدنى مستوى منذ 53 عاماً عند 3.4% في شهر يناير 2023. بينما فقد الاقتصاد الأمريكي 2.7 مليون وظيفة خلال رئاسة ترامب بسبب الإغلاق الاقتصادي، ووصلت البطالة ذروتها عند 8.1% عام 2020.

 وقد ارتفع الدين الوطني للحكومة الفدرالية بنسبة 25% في عهد بايدن ليتجاوز 34 تريليون دولار، بينما ارتفع بنسبة 39% خلال رئاسة ترامب. وفي عهد ترامب انخفضت أسعار البنزين إلى أقل من 2 دولار للجالون في ربيع عام 2020 بسبب الإغلاق الاقتصادي، على الرغم من أنها ارتفعت فوق 2.30 دولار للجالون بحلول الوقت الذي ترك فيه ترامب منصبه. وفي عهد بايدن ارتفعت أسعار البنزين لأعلى مستوى لها على الإطلاق بأكثر من 5 دولارات للجالون عام 2022؛ بسبب الحرب الروسية الأوكرانية. 

وتأسيساً على ما سبق، يمكن القول إن تقدم ترامب على بايدن في نتائج استطلاعات الرأي، يعكس حقيقة مفادها أن الناخبين الأمريكيين يدعمون ذاك المرشح الرئاسي الذي حقق نتائج اقتصادية أفضل (خلال فترة حكمه) هذا ليس فبحسب، وإنما يؤيدون أيضاً المرشح الذي يميلون للثقة في قدرته على قيادة الاقتصاد الأمريكي نحو الأفضل، أو سينجح في تحسين معيشتهم وتلبية احتياجاتهم الأساسية؛ لذا يشير أغلب الناخبين إلى أن وضعهم المالي ربما يكون أفضل في عهد ترامب مقارنة ببايدن.

مع ذلك، لا تزال فرص نجاح بايدن واردة، وذلك حال تمكنه من إقناع الناخبين بقدرته على تحسين أوضاع الاقتصاد الأمريكي في المستقبل القريب، خاصة فيما يتعلق بكبح جماح التضخم، والذي يمثل الهاجس الرئيسي للمواطنين الأمريكيين. ورغم كل ما ذكرناه آنفاً، لا تبدو نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية القادمة محسومة على أية حال. إن اختيار الأمريكيين لمرشحهم الرئاسي المقبل، لن يتوقف بطبيعة الحال على نتائج الملف الاقتصادي فقط، رغم إلحاح هذا العامل في الوقت الحاضر.