أخبار المركز
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)
  • هالة الحفناوي تكتب: (ما مستقبل البشر في عالم ما بعد الإنسانية؟)
  • مركز المستقبل يصدر ثلاث دراسات حول مستقبل الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي
  • حلقة نقاشية لمركز المستقبل عن (اقتصاد العملات الإلكترونية)

توجه جديد:

لماذا تزايدت مناورات الحرب الإليكترونية فى إيران؟

26 مايو، 2021


أعلن الجيش الإيراني عن إطلاق مناورات الحرب الإليكترونية "درع السماء 1400" في 25 مايو الجاري بمدينة أصفهان وسط البلاد. وتعد هذه المناورات هى الثالثة من نوعها خلال تسعة أشهر. وبحسب التصريحات الرسمية العسكرية، فإن الهدف هو استمرار اختبار القدرات الدفاعية والهجومية الجديدة فى مجال الحرب الإليكترونية التابعة للقوات البرية والجوية والدفاع الجوي والبحرية. وتتعرض ايران بشكل دائم لهجمات إليكترونية خارجية كانت تستهدف بنيتها النووية ثم تحولت لاستهداف المنشآت ذات الطابع المزدوج العسكري/المدني، كان آخرها هذا الأسبوع حيث أعلن عن احتراق مصنع "سيباهان نارجوستار" للكيماويات فى أصفهان التي تشهد المناورات الحالية. ولم تظهر بعد نتائج التحقيقات الخاصة بالانفجار الذي تعرض له أيضاً مجمع عسلويه للكيماويات في مدينة بوشهر في 26 مايو الجاري. 

دلالات رئيسية:

تطرح هذه التحركات الإيرانية دلالات عديدة يتمثل أبرزها في:

1- مناورات غير تقليدية: وهو ما يتماشى مع مسار التصنيع المحلي لبناء القدرات غير التقليدية مثل الدرونز والقوارب الموجهة وبعض "الغواصات" الصغيرة الحجم الهجومية، حيث تتنامى قدرات التسليح الإيرانية فى مجال الدرونز. وقد أعلنت طهران هذا الأسبوع عن جيل جديد من الطائرات والرادارات، حيث نشرت فيديو لإتمام عملية تصنيع طائرة من دون طيار جديدة تحمل اسم "غزة" فى أعقاب انتهاء حرب غزة. ومن اللافت إشارة وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف فى المناورات السابقة إلى تقويض قدرات السلاح الجوي الإيراني، فى إشارة إلى اتجاه إيران نحو تطوير البدائل المتاحة التي قطعت فيها شوطاً طويلاً، معتبراً أن ذلك لا يخل بالأمن الإقليمي أو يعني أن إيران دخلت سباق تسلح فى الوقت التي تمتلك فيه القوى الإقليمية الأخرى قدرات جوية فائقة.

2- تنامي تهديدات الهجمات الإليكترونية السيبرانية: على نحو يفسر دافعاً رئيسياً لإطلاق مثل هذه المناورات. إذ تسعى إيران إلى اكتشاف الموجات الإليكترونية واعتراضها واستهداف موقعها، وهو ما يرجح اعتقاداً لديها بأن هناك خلايا فى الداخل يمكنها استخدام تقنيات العمليات الإليكترونية، فى ظل تنامي العمليات الداخلية التي تستهدف المنشآت الإيرانية. ففى يوليو الماضي أعلن عن اندلاع حريق في ميناء بوشهر أدى إلى احتراق 7 سفن على الأقل. ومع اعتماد طهران هذا التوجه، فإنها تدرك أن قدرات الطرف الآخر فى هذا المجال أعلى بكثير، وبالتالي يتعين عليها مواكبة هذا الأمر بعد أن كانت تتجاهله، على الرغم من أن عدم وجود تلك القدرات فى السابق كان يمنحها ميزة عدم الاكتشاف المبكر فى مسرح العمليات، وهو ما كانت تشير إليه التقديرات الأمريكية، على سبيل المثال، فى وصفها للجيل الأول من الدرونز بـ"الذباب الأعمى"، لكن قدرات الاستخدام والتوجيه مع تطور الأجيال أصبحت تتطلب هذا التحديث.

3- امتلاك تقنيات متقدمة: غالباً ما تشير التقارير الإيرانية فى عملية التصنيع المبكر للطائرات من دون طيار إلى "الهندسة العكسية". فمعظم الطائرات، خاصة الأجيال الأولى، لم تكن ابتكارات إيرانية بقدر ما كانت محاكاة لطائرات أمريكية تحديداً تم إسقاطها فى المجال الإيراني أو الحصول عليها من مسارح عمليات خارجية مثل العراق، لكن أصبح هناك تحول فارق فى الأجيال المصنعة بعد إسقاط الطائرة الأمريكية (RQ-4 Global Hawk) فوق مضيق هرمز فى يونيو 2019، بالإضافة إلى مواكبة التطورات الصينية والهندية والآسيوية فى إطار المشاركة فى العديد من المعارض العسكرية الخاصة بهذا المجال. ومن اللافت فى أعقاب هذه العملية، أن كريس كريبس مدير وكالة الأمن الإليكتروني التابعة لوزارة الأمن الداخلي الأمريكية، أعلن أنه تم اكتشاف زيادة في "النشاط الإليكتروني الهجومي الموجه إلى الولايات المتحدة من قبل أشخاص مرتبطين بالحكومة الإيرانية".

تساؤلات غامضة: 

لكن تكرار المناورات على هذا النحو يطرح عدداً من التساؤلات الرئيسية، منها على سبيل المثال: لماذا لم يتضمن الإعلان هذه المرة عن مشاركة الحرس الثوري، على نحو ما سبق وأشير إلى مشاركة قواته فى المناورات السابقة بهدف اختبار قدرات التنسيق المشتركة بين الجيش والحرس؟. ربما يعود ذلك إلى المهام العملياتية للحرس الثوري فى الخارج عبر استخدام تلك الطائرات سواء بشكل مباشر، أو من خلال وكلاء إيران الإقليميين فى العراق ولبنان وسوريا واليمن. وربما يعود أيضاً إلى طابع منطقة المناورات التي تعد مسرح عمليات داخلياً فى المقام الأول، حيث أن دور فيلق القدس التابع للحرس ينحصر فى المهام الخارجية. 

التساؤل الثاني فى السياق ذاته يتعلق بإعلان نتائج التقييم بعد المناورات. ففى المناورات التقليدية غالباً ما تعلن إيران عن تفاصيل جديدة تتعلق بمستوى القدرات وتنفيذ العمليات وربما تعلن عن قيادة عمليات جديدة أو التمدد فى مسارح العمليات الخارجية لاسيما البحرية، لكنها فى المقابل لا تعلن بشكل موسع عن نتائج مناورات الحرب الإليكترونية، كما أن التقارب الزمني بين تلك المناورات مع استمرار تعرض إيران للمزيد من الهجمات يعني أنه لا يزال أمامها شوط طويل فى هذا المجال ومن ثم تسعى إلى تقصير المدى الزمني. 

تداعيات محتملة: 

تفرض هذه التطورات في مجملها تداعيات عديدة يمكن تناول أبرزها على النحو التالي:

1- حروب الظل: إن أحد الاستنتاجات الرئيسية يتعلق بأن إيران دخلت ساحة الحروب الخفية أو حروب الظل الإليكترونية، والتي تتسع بالتدريج، خاصة وأنها تواجه خصوماً ذوي قدرات نوعية فى هذا المجال كالولايات المتحدة وإسرائيل، وهى حرب شرسة لا يتم الإعلان كثيراً عن تفاصيلها فى ظل عدم القدرة على التنبؤ بها فى أغلب الأحيان. وفى الواقع، فإن الأمر يتطلب من طهران زيادة عامل القدرات الدفاعية أولاً فى مجال الحرب الإليكترونية، ما قد يفسر اهتمامها بتطوير موازٍ فى صناعة الرادارات المحلية، والإعلان المستمر عن مثل هذه المناورات كنوع من الردع الاستباقي عبر استعراض مثل هذه الأنشطة العسكرية. وربما ستعتمد أيضاً على القدرات الروسية والصينية فى هذا المجال.

2- زيادة أعباء الأمن الإقليمي: إصرار إيران على الانخراط فى الأنشطة العسكرية النوعية على هذا النحو يفرض المزيد من الأعباء الأمنية على دول الإقليم، خاصة أنه سيؤدي إلى حدوث تحولات في منظومة الأمن الإقليمي، وهو ما أشار إليه العميد نصير زاده قائد القوة الجوية للجيش الإيراني بقوله أن أكثر "الحروب المستقبلية ستكون حروباً إليكترونية". وربما أيضاً تُقايِض إيران بخفض مستوى الاهتمام بالمجال الصاروخي الذي يزيد من التوتر الإقليمي، خاصة إذا ما ارتبط ذلك بالمباحثات الجارية بشأن الاتفاق النووي فى فيينا. 

 ختاماً، يمكن القول إن إيران لا تزال تواجه تحدي حرب الظل التي تتعرض لها بنيتها التحتية المختلفة بالإضافة إلى المنشآت النووية، لكن على المدى المتوسط قد تتمكن من التوصل إلى نظام دفاعي شبه محكم أو العمل فى المقابل على زيادة الأنشطة الهجومية فى الخارج كأحد بدائل استراتيجية الردع، على نحو سوف يكون محط اهتمام القوى الإقليمية والدولية المعنية بأزمات المنطقة.