أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

مهمة صعبة :

هل تنجح حكومة المشيشي في مواجهة الأزمات في تونس؟

06 سبتمبر، 2020


أدت حكومة التكنوقراط المستقلين التي شكلها رئيس الوزراء التونسي هشام المشيشي اليمين الدستورية في 2 سبتمبر الجاري، وذلك بعد أن حصلت على أغلبية الأصوات اللازمة لمنحها الثقة وتمريرها والبدء في مهامها المكلفة بها، حيث صوت 134 عضواً من إجمالي 217 عضواً بالبرلمان، بالموافقة عليها، وأيدتها الكتل البرلمانية لحركة النهضة (54 مقعداً)، وحزب قلب تونس (26 مقعداً) والإصلاح (16 مقعداً)، والكتلة الوطنية (11 مقعداً)، وتحيا تونس (10 مقاعد)، فيما عارضت الكتل النيابية لكل من الحزب الدستوري الحر (16 مقعداً) والكتلة الديمقراطية (38 مقعداً)، إضافة إلى ائتلاف الكرامة (19 مقعداً)، وذلك خلال الجلسة البرلمانية التي امتدت طوال يوم الأول من سبتمبر، وتم الإعلان عن منح الثقة لهذه الحكومة بعد ذلك بيوم واحد، لتبدء عملية إدارة شئون الدولة بداية من ذلك التاريخ الهام في الحياة السياسية التونسية.

دلالات مختلفة:

تكتسب عملية التصويت داخل البرلمان بالموافقة على حكومة التكنوقراط (28 وزيراً) برئاسة هشام المشيشي أهمية خاصة، لما لذلك من دلالات سياسية عديدة، وهو ما يمكن توضيحه على النحو التالي:

1- الحكومة الثانية: تعد الحكومة الجديدة برئاسة المشيشي هى الثانية التي تحصل على موافقة البرلمان في فترة زمنية لم تتجاوز 6 شهور، ففي فبراير الماضي حصلت حكومة الفخفاخ على ثقة البرلمان بعد تصويت 129 عضواً لصالحها، كما أنها تعد حكومة الرئيس الثانية أيضاً، بمعنى قيام الرئيس قيس سعيد بتكليف الوزير هشام المشيشي – وفقاً للدستور – بعد تقديم الفخفاخ استقالته في أواخر شهر يوليو الماضي، وكان قيس سعيد قد سبق له اختيار الفخفاخ بعد فشل مرشح حركة النهضة الحبيب الجملي في الحصول على ثقة البرلمان في شهر يناير الماضي، وهكذا تعد حكومة المشيشي هي حكومة الرئيس الثانية التي تحصل على ثقة البرلمان منذ تولي قيس سعيد منصب رئيس البلاد.

2- مناورات النهضة: كشفت عملية التصويت بالموافقة على حكومة المشيشي عن ذلك التحول الحاصل في موقف حركة النهضة تجاه حكومة المستقلين، ففي بداية الأمر أعلنت قيادات حركة النهضة معارضتها لقيام الرئيس سعيد بتكليف وزير الداخلية في حكومة الفخفاخ المستقيلة، لتشكيل الحكومة الجديدة، ووصفت إياه بالاختيار الخاطئ نظراً لعدم تمتعه بالخبرة الاقتصادية اللازمة لإخراج البلاد من أزمتها الحالية وتصحيح أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية المتردية، وعقب إعلان المشيشي عن حكومته عبرت النهضة عن رفضها لتشكيل حكومة من المستقلين بدلاً من تشكيل حكومة وحدة وطنية تعبر عن الأحزاب السياسية التي فازت في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، إلا أنها تراجعت وعدلت موقفها وعكست تصريحات قادتها اتجاهها للتصويت بالموافقة على هذه الحكومة.

3- محدودية الخيارات: يمكن القول إن النواب كانوا مضطرين لدعم الحكومة ومنحها الثقة لأنه البديل الأمثل في ظل تعقد المشهد السياسي وتصاعد الخلافات السياسية بين الأحزاب والقوى السياسية الممثلة داخل البرلمان، كما أن البديل لعدم منحها الثقة تمثل في حل البرلمان وإجراء انتخابات برلمانية مبكرة وفقاً لم ينص عليه الدستور في هذا الشأن، وبالتالي عبرت عملية التصويت بمنح الثقة لحكومة المشيشي وبشكل واضح عن محدودية الخيارات المتاحة، في ظل عدم جاهزية معظم الأحزاب لخوص معركة انتخابية جديدة.

تحديات داخلية:

من المتوقع أن تواجه حكومة التكنوقراط برئاسة المشيشي جملة من الأزمات الداخلية والتي تتطلب منها سرعة حلها بشكل يؤكد قدرتها على إدارة شئون البلاد، ومن أهم هذه الأزمات أو المشكلات ما يلي:

1- المشكلات الاقتصادية: تعد الأزمة الاقتصادية التي تواجهها البلاد خلال الفترة الأخيرة من أبرز التحديات أو المشكلات التي تتطلب من الحكومة الجديدة جهوداً كبيرة في محاولة لإخراج البلاد منها، وسيتضح خلال الفترة القادمة مدى قدرة البرنامج الاقتصادي الذي أعلن عنه رئيس الحكومة الجديدة على حل المشكلة الاقتصادية على الصعيدين الداخلي والخارجي، في ظل ارتفاع نسبة البطالة بين الشباب وما أدى إليه ذلك من تزايد في معدلات الهجرة غير الشرعية إلى الخارج، وكذلك مخاطبة المؤسسات الدولية المانحة للحصول على مساعدات وقروض وكذلك جذب المستثمرين الأجانب بعد إعادة الثقة في الاستثمار الداخلي، وذلك من أجل إنعاش الاقتصاد الوطني، كما أن الحكومة الجديدة سيتعين عليها الضغط على البرلمان من أجل تمرير قانون المالية والمقرر له في منتصف شهر أكتوبر القادم. 

2- الظهير السياسي: يبدو غياب ظهير سياسي للحكومة من المشكلات التي تواجهها، وذلك نظراً لما لها من تداعيات على العمل الحكومي، فرئيس الوزراء الجديد شخصية مستقلة لا ينتمي لأي من الأحزاب السياسية المتصدرة للمشهد السياسي، وذلك على غرار رئيس الحكومة المستقيل إلياس الفخفاخ والذي تم اختياره من قبل الرئيس قيس سعيد.

 وهذه المشكلة تثير استياء الأحزاب السياسية وتدفعها إلى اتهام رئيس البلاد بـ"عدم الالتزام باختيارات الناخبين والتجربة الديمقراطية بشكل عام"، وقد يؤدي ذلك إلى اتجاه هذه الأحزاب لممارسة ضغوطها على رئيس الحكومة المستقيل المدعوم من مؤسسة الرئاسة، وبالتالي تصعيد الخلافات مرة أخرى بين الأحزاب ورئيس البلاد، بشكل قد يؤدي، في أحد السيناريوهات، إلى سحب الثقة من هذه الحكومة باعتبارها حكومة غير سياسية لا تعبر عن الأحزاب وكتلهم البرلمانية، وفي هذه الحالة ستدخل البلاد في أزمة سياسية جديدة مع تكرار أسباب حدوثها.

3- استكمال الهيئات الدستورية: لاتزال هناك بعض الهيئات الدستورية التي لم يتم تشكيلها حتى الآن وعلى رأسها المحكمة الدستورية، وهى إشكالية تتطلب من الحكومة الجديدة حلها بالتعاون والتنسيق مع الكتل النيابية داخل البرلمان، خاصة وأن عدم تشكيلها أظهر عيوب العمل البرلماني في البلاد. وفي ظل غياب هذه المحكمة فإن تداعيات ذلك على النظام السياسي للبلاد ستكون قوية، خاصة وأن المحكمة مختصة بالفصل في النزاعات أو الخلافات حول الاختصاصات بين كل من رئيس الدولة ورئيس الحكومة.

4- تهديدات الأمن القومي: فالحفاظ على الأمن القومي للبلاد في مواجهة التهديدات الإرهابية يعد من التحديات التي ستتطلب من الحكومة الجديدة ضرورة اتخاذ إجراءات وسياسات حاسمة، بالتوازي مع مطالبة بعض الأحزاب السياسية الرافضة لتصاعد دور حركة النهضة ووصولها للسلطة، بفتح باب التحقيق للكشف عن فساد قيادات الحركة والكشف عن الجهاز السري للنهضة في ظل اتهامه بالتورط في قضايا اغتيال المعارضين له خلال السنوات الماضية، ومن المؤشرات الدالة على ذلك تقديم رئيس التيار الديمقراطي محمد عبو استقالته من رئاسة الحزب وإعلانه اعتزال الحياة السياسية ومطالبته بالتحقيق مع حركة النهضة في قضايا الفساد المرفوعة ضدها (تبييض الأموال).

ختاماً، جاء التصويت بالموافقة على منح ثقة البرلمان للحكومة الجديدة برئاسة المشيشي لتتجنب معه البلاد عواقب الاتجاه نحو حالة من الفراغ الدستوري وذلك في حالة عدم التصويت لها، الأمر الذي من شأنه المساهمة في دعم المشهد السياسي المتأزم ومن ثم تحقيق الاستقرار السياسي اللازم لمساعدة الحكومة الجديدة على القيام بالمهام الموكلة إليها وخاصة فيما يتعلق بتحسين الأوضاع الاقتصادية للبلاد، ومنع تفاقم الاحتقان الاجتماعي داخل المجتمع خلال الفترة القادمة.