أخبار المركز
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)
  • هالة الحفناوي تكتب: (ما مستقبل البشر في عالم ما بعد الإنسانية؟)
  • مركز المستقبل يصدر ثلاث دراسات حول مستقبل الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي
  • حلقة نقاشية لمركز المستقبل عن (اقتصاد العملات الإلكترونية)

الشروق:

استراتيجية الأمن القومى الأمريكى لمواجهة صراعات القوى الكبرى

20 أكتوبر، 2022


نشر مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة تحليلا حول الاستراتيجية الجديدة للأمن القومى الأمريكى التى أطلقها، بايدن، قبل أيام. تناول التحليل أهداف الاستراتيجية، وآليات تنفيذها، والتحديات التى تعوقها... نعرض التحليل فيما يلى.

أصدر البيت الأبيض، فى 12 أكتوبر 2022، استراتيجية جديدة للأمن القومى الأمريكى، وهى أول استراتيجية من نوعها، فى عهد الرئيس جو بايدن، والتى أعلن فيها أن الهدف الرئيسى للولايات المتحدة يتمثل فى «التغلب على الصين وكبح جماح روسيا»، كما دعت الاستراتيجية إلى تقليص الاعتماد على «الخصوم»، وتعديل العولمة.

تنص الوثيقة على ضرورة أن تقوم الولايات المتحدة بتقوية الداخل الأمريكى ليكون قادرا على المنافسة المتصاعدة مع الأنظمة السلطوية على الساحة الدولية، بالإضافة إلى استقطاب الحلفاء والدول الصديقة ليعملوا فى الساحة الدولية بموجب الأسس التى تراها واشنطن ضرورية لضمان الأمن والسلم الدوليين، والتى تتمثل فى التالى:

أولا: مواجهة التهديدات الصينية: تُعد الصين، حسب الوثيقة، المنافس الوحيد على المستوى الدولى الذى ينوى إعادة رسم النظام الدولى كليا، ولديه القدرات الاقتصادية والدبلوماسية والعسكرية، للقيام بذلك. ويزيد من تهديد ذلك امتلاك بكين طموحات كبيرة فى مناطق النفوذ التقليدية للولايات المتحدة، وتحديدا المحيطين الهادئ والهندى. ويعكس ذلك استمرار إصرار واشنطن على أن مناطق نفوذها تمتد إلى مناطق العالم أجمع، وأنه ليس من حق الصين امتلاك مناطق نفوذ حتى فى جوارها المباشر، وتحديدا فى المحيط الهادئ. ويكشف ذلك أن واشنطن لاتزال تسعى للإبقاء على هيمنتها على النظام الدولى.

وتعدد الوثيقة أدوات الصين لكى تصبح القوة المهيمنة على النظام الدولى، والتى تتمثل فى تقدمها التكنولوجى، ونفوذها الدولى والدبلوماسى على المؤسسات الدولية، وتوفير تكنولوجيات صينية تصب فى النهاية لصالحها القومى ولقيمها التى تسعى للترويج لها، فضلا عن توظيف أساليب القهر الاقتصادية مستغلة الانفتاح الاقتصادى العالمى لزيادة الاعتماد الدولى عليها، وبتقليل اعتمادها على العالم. كما تستمر الصين فى زيادة استثماراتها العسكرية لتطوير جيشها بشكل متسارع لبسط سيطرتها على منطقتى الهادئ والهندى مهددة بما يهدد مصالح الولايات المتحدة وحلفاءها فى المنطقة وفقا للوثيقة.

وحددت الوثيقة بعض السياسات الأمريكية للرد على الصين، والتى تتمثل فى استمرار التدخل فى الشئون الداخلية للصين، كما يلى:

‌أــ توظيف ورقة حقوق الإنسان: تؤكد الاستراتيجية أهمية فضح الأساليب الصينية للتعامل غير الإنسانى مع الإيجور، وحقوق الإنسان لسكان التبت.

‌ب ــ دعم الديمقراطية فى هونج كونج: تؤكد واشنطن ضرورة الوقوف أمام محاولات بكين إضعاف الاستقلالية والديمقراطية التى تتمتع بها هونج كونج.

‌ج ــ منع الصين من ضم تايوان: أكدت الولايات المتحدة استمرارها فى دعم سياسة الصين الواحدة، غير أنها فى الوقت ذاته أكدت رفضها أى محاولات أحادية من جانب الصين لتغيير «الوضع الراهن بالقوة وبشكل أحادى». وعلى الرغم من نفى واشنطن نيتها دعم استقلال تايوان، فإنها أكدت مواصلة تقديم الدعم العسكرى لتايوان. وإذا ما تم الأخذ فى الاعتبار تهديدات الإدارة الأمريكية الحالية بالتدخل للدفاع عن تايوان عسكريا، فإنه يلاحظ أن واشنطن سوف تعمل بكل قوة على منع توحد الصين وتايوان، نظرا للوزن الاقتصادى الكبير، الذى تتمتع به تايوان، إذ يقدر ناتجها المحلى الإجمالى لعام 2022 بنحو 850 مليار دولار.

‌دــ التعاون فى بعض الملفات: لم تستبعد الاستراتيجية التعاون تماما مع بكين فى بعض المجالات، إذ أكدت أن هناك بعض المعضلات التى تواجهها الولايات المتحدة، والتى تتشاركها مع الصين مثل: التغير المناخى والصحة العامة العالمية.

ثانيا: احتواء الإمبريالية الروسية: عدت الوثيقة الأمريكية روسيا دولة تسعى لفرض نفوذها «الإمبريالى» على الدول المجاورة لها منذ ما يقارب عقدا من الزمان فى محاولة لتغيير النظام الدولى. ولعل المثل الواضح فى هذا الإطار هو حرب روسيا ضد أوكرانيا، بالإضافة إلى تدخلاتها العسكرية فى الشأن السورى، فضلا عن محاولة زعزعة استقرار الدول المجاورة باستخدام الهجمات السيبرانية والاستخباراتية فى دول آسيا الوسطى، وشرق أوروبا وحتى حول العالم؛ حيث أكدت الوثيقة التدخل الروسى فى العملية الانتخابية الأمريكية فى 2016.

حاولت الوثيقة تأطير الحرب الأوكرانية ليس باعتبارها صراعا جيوسياسيا بين الغرب وروسيا، ولكن باعتباره دفاعا عن المبادئ الأساسية للأمم المتحدة الخاصة بالسيادة، ووحدة أقاليم الدول. ووضعت الاستراتيجية الآليات للتعامل مع التحدى الروسى، والذى يتمثل فى التالى:

‌أــ الدعم المستمر لأوكرانيا: تسعى الولايات المتحدة لاحتواء السياسات الروسية العدائية من خلال الدعم المستمر للشعب الأوكرانى، لكى يتمكن من الدفاع عن نفسه ودعمه اقتصاديا وإنسانيا من خلال جمع المساعدات من الحلفاء والدول الصديقة، بحيث تتحول الحرب الروسية ضد أوكرانيا إلى «خطأ أو فشل استراتيجى».

‌ب ــ استنزاف الاقتصاد الروسى: ستقوم الولايات المتحدة بتوجيه ضربات اقتصادية تهدف لإضعاف مجال الدفاع والفضاء الروسى، بالإضافة إلى زيادة قدرات الناتو لردع روسيا من الاعتداء على الدول الأوروبية، من خلال الترحيب بالسويد وفنلندا فى الحلف.

‌ج ــ منع روسيا من استخدام النووى: ترى الوثيقة أن إضعاف روسيا، عسكريا واقتصاديا، عبر استنزافها فى أوكرانيا، قد يؤدى إلى لجوء روسيا للأسلحة النووية، ولذلك أكدت الاستراتيجية أن الولايات المتحدة: «لن تسمح لروسيا، أو لأى قوة أخرى، بتحقيق أهدافها من خلال استخدام الأسلحة النووية أو التهديد باستخدامها»، لكن الوثيقة لم تناقش رد الولايات المتحدة وحلف الناتو إذا اختار بوتين استخدام سلاح نووى تكتيكى فى أوكرانيا، فى استمرار واشنطن فى اتباع استراتيجية الغموض الاستراتيجى.

• • •

يمكن إيراد عدد من الملاحظات الأساسية على الاستراتيجية الأمريكية الجديدة:

أولا: تأكيد سياسات بايدن السابقة: يلاحظ أنه على الرغم من إصدار الوثيقة بعد 21 شهرا من ولاية بايدن، فإنها لم تقدم أى شىء جديد، فقد أرسى بايدن بوضوح الخطوط العريضة لاستراتيجيته خلال الفترة الماضية، خاصة فيما يتعلق بأولوية مواجهة التهديدات النابعة من روسيا والصين، أو تشكيل شراكات دولية لمواجهتهما.

ثانيا: إجماع ديمقراطى ــ جمهورى: من الواضح أن الاستراتيجية الجديدة لبايدن، خاصة فيما يتعلق بمراجعة العولمة، وحماية العمالة الأمريكية، وتعزيز الإنفاق العسكرى، لا تختلف عن استراتيجية الرئيس الأمريكى الجمهورى السابق، دونالد ترامب، وهو ما يعنى أنه أصبح هناك توافق داخل واشنطن بين الحزبين على كيفية توجيه السياسة الأمريكية فى عصر صراعات القوى الكبرى.

ثالثا: تحديات أمام سياسة واشنطن الصينية: أكدت الوثيقة، على نحو واقعى، أن هناك صعوبات قد تواجه أسلوب تعامل واشنطن مع بكين على الساحة الدولية، والتى يتمثل أبرزها فى وجود اختلاف دولى وحتى ضمن بعض حلفاء واشنطن فى وجهات النظر فيما يخص كيفية التعامل مع الصين.

وتسعى واشنطن لمواجهة ذلك عبر تقوية الدبلوماسية الأمريكية لتوضيح غايات الصين الحقيقية، غير أنه من الواضح أن هذه الجهود لن تكون يسيرة، وذلك فى ضوء أن العديد من حلفاء واشنطن قد انضموا إلى عدد من المؤسسات الدولية، التى أسستها الصين، مثل البنك الآسيوى للاستثمار فى البنية التحتية، وذلك على الرغم من ممارسة واشنطن ضغوطا على هذه الدول لدفعها للتراجع عن هذه الخطوة.

رابعا: غياب الخيارات النووية الأمريكية: على الرغم من تلويح واشنطن بخيارات عدة لمنع روسيا من استخدام الأسلحة النووية، فإنها فى واقع الأمر لا تمتلك أى سياسات واقعية قابلة للتطبيق، إذ إن أى محاولة من جانب واشنطن للرد عسكريا على روسيا لاستخدامها أسلحة نووية لن يترتب عليه سوى اندلاع حرب نووية بين الجانبين، وهو سيناريو تتحاشاه واشنطن بالتأكيد.

• • •

فى الختام، يمكن القول إن الاستراتيجية الأمريكية رسمت ملامح السياسة الأمريكية فى عصر صراعات القوى الكبرى، والتى تعكس إجماعا داخليا، يتجاوز الانقسامات الحزبية، ويتضمن تركيزا على إقامة شراكات عسكرية واقتصادية مع الحلفاء، لمواجهة الخصوم، وتحديدا روسيا والصين، مع إعادة مراجعة «العولمة» لضمان عدم استمرار تحقيق الصين فوائد اقتصادية أكبر على حساب الولايات المتحدة.

*لينك المقال في الشروق*