أخبار المركز
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)
  • هالة الحفناوي تكتب: (ما مستقبل البشر في عالم ما بعد الإنسانية؟)
  • مركز المستقبل يصدر ثلاث دراسات حول مستقبل الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي
  • حلقة نقاشية لمركز المستقبل عن (اقتصاد العملات الإلكترونية)

المصري اليوم:

الحاجة لمبادرة أممية لاحتواء الخطر النووى

20 أكتوبر، 2022


ذكّرتنى الأحداث الجارية بأيام تعيينى فى أواخر السبعينيات عضوًا شابًا من أعضاء الوفد المصرى إلى الأمم المتحدة فى جنيف، والمسؤول عن قضايا الأمن الدولى ونزع السلاح فى قصر الأمم.. وتذكرت الدهشة التى شعرت بها حينها إزاء دفاع كل من مندوبى السوفيت والولايات المتحدة المستميت ودعمهما الشديد للمنطق الاستراتيجى للأسلحة النووية واستدامتها وقيمتها الرادعة الجوهرية ومفاهيم مثل: «التدمير المؤكد المتبادل».

وحتى عندما كنت دبلوماسيًا فى مستهل رحلته لاكتساب الخبرة المهنية، بدت هذه المفاهيم غريبة وأقرب لأفلام دكتور سترينجلوف Dr. Strangelove الهوليوودية، ولا تتعدى كونها إلى حد ما مثل لعبة الروليت الروسية الخطرة، فلم يكن أى منها مبنيًا على التفكير العقلانى أو على أى حسابات دقيقة.

- لعبة الانتشار النووى

أدرك القادة الحكماء فى الولايات المتحدة وروسيا سريعًا خطأ هذه المفاهيم، كما أدركوا المخاطر المحتملة الكبيرة لسوء التقدير العسكرى، أو حتى لأى اشتباك نووى طائش بسبب خطأ بشرى أو خطأ فى الأنظمة.. وهكذا شهدت الثمانينيات والتسعينيات تعاونًا جادًا ومستمرًا بين هاتين القوتين للحد من تنامى المخزونات النووية، وإزالة الأسلحة النووية المستهدفة، وإنشاء أنظمة لإدارة الأزمات.

ولقد تم التفاوض بشأن معاهدة تخفيض الأسلحة الاستراتيجية (ستارت)، ومعاهدة تخفيض الأسلحة الهجومية الاستراتيجية (سورت)، ومعاهدة القوات النووية متوسطة المدى (INF)، ومعاهدة الحظر الجزئى للتجارب النووية (PTBT)، ودخلت هذه المعاهدات حيز التنفيذ كتعبير عن إدراك الطرفين أن التباهى بالأسلحة النووية والتهديد باستخدامها لم يكن أسلوبًا صحيحًا، بل هو فى الواقع سياسة خطيرة.

ولكن القوتين اللتين تمتلكان أكبر ترسانات عسكرية لم تستطيعا، للأسف، الاتفاق على نزع الأسلحة النووية من ترساناتهما أو تخفيضها تخفيضًا شاملًا أو حظر استخدامها.

اقرأ المزيد...

وتجدر الإشارة إلى حقيقة أن التقارير أشارت إلى أن الرئيس الأمريكى رونالد ريجان، والأمين العام للحزب الشيوعى السوفيتى ميخائيل جورباتشوف اتفقا بالفعل على هذه الأهداف الطموحة فى قمة ريكيافيك فى 11-12 أكتوبر 1986، قبل أن تتراجع مؤسساتهما، والترويج بدلًا من ذلك لمعاهدة القوات النووية متوسطة المدى (INF) التى أبرمت فى نهاية المطاف فى عام 1987.

وعلى مدى عقود، تبنت القوتان الرئيسيتان سياسة الاحتواء النووى العالمى، وأصرتا على حقهما فى الاحتفاظ بأسلحتهما النووية، بينما قبلتا على مضض حيازة الأعضاء الدائمين الآخرين فى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة (مثل فرنسا والمملكة المتحدة والصين) السلاح النووى.

وغنى عن القول إن هذه السياسة لم تكن فعالة فى الانتشار، حيث رأينا دولًا مثل الهند وباكستان وكوريا الشمالية تعلن على الملأ عن قدراتها النووية.. علاوة على ذلك، فإن قدرة إسرائيل النووية غير المعلنة صارت سرًا مكشوفًا، كما أطلقت دول أخرى برامج نووية مثيرة للقلق، حيث لم تصل إلى مستوى الشفافية والمصداقية المطلوبة نفسه، وكان آخرها البرنامج النووى الإيرانى.

وتستمر حيازة الأسلحة النووية فى تهديد السلم والأمن الدوليين، كما هى الحال مع عدم تطبيق معاهدة حظر الأسلحة النووية (NPT) على دول العالم كافة، ولا سيما على الشرق الأوسط، فإسرائيل هى الدولة الإقليمية الوحيدة التى لم تشترك فى المعاهدة.

ومع ذلك، شهدنا فى الأشهر الأخيرة تكرار التهديدات النووية المتبادلة بين روسيا والولايات المتحدة بعد عقود من توقفهما عن ذلك. ولقد صرح الرئيس بوتين، فى لقاء تليفزيونى مخاطبًا الأمة الروسية، بأن بلاده تمتلك «أسلحة دمار شامل مختلفة» و«سنلجأ لكل الوسائل المتاحة لنا»، مضيفًا أنه يعنى ما يقول. وأعلن جوزيب بوريل، من الاتحاد الأوروبى، أن حرب أوكرانيا قد وصلت إلى «لحظة خطيرة.. وأن تهديد بوتين باستخدام الأسلحة النووية لهو أمر بالغ السوء». ووصف الرئيس بايدن تهديدات بوتين النووية بأنها «تجاهل طائش لنظام منع انتشار الأسلحة النووية».

وعندما سُئل بايدن عن رد الولايات المتحدة إذا ما لجأت روسيا للسلاح النووى، أكد أن الرد سيكون «هائلًا». وكانت تعليقات المسؤولين الأمريكيين والروس الآخرين أكثر صراحةً ووضوحًا. ولقد صرّح الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش بأنه فى خضم التوترات العالمية الحالية، «فإن الإنسانية لا يفصلها عن الإبادة النووية سوى سوء تفاهم وسوء تقدير واحد».

اقرأ أيضاً...

- الحاجة إلى التعددية

على المجتمع الدولى أن يتحرك الآن لاحتواء الوضع النووى المتفاقم وغير المستقر على نحو خطير، والذى يمثل تهديدًا حقيقيًا لنا جميعًا.

ولمعالجة هذا الوضع، صار من الحتمى الآن التوصل إلى صيغة ثنائية الأركان من شأنها أن تدفع الأوكرانيين والروس إلى الجلوس إلى طاولة المفاوضات للتوصل إلى وقف لإطلاق النار وبدء المفاوضات بينهما، على أن يمتد الهدف إلى تمكين القوتين الرئيسيتين من التوقف والتراجع عن مواقفهما النووية، وكذلك إعادة تنشيط الإجراءات التى تساعد على احتواء ومنع أى سوء فهم أو تصرف غير مقصود فيما يتعلق بالأسلحة النووية.

وعلى الأمم المتحدة، ولا سيما مجلس الأمن، تولى زمام المبادرة هنا. فمن الناحية الواقعية، وبالنظر إلى التوترات بين الأعضاء الدائمين فى الغرب وبين روسيا، لا أتصور أن مجلس الأمن سيتخذ أى قرارات توافقية بشأن هذه الأمور. وبناء على ذلك، أرى أن يتم اقتراح إجراء محادثات تحت رعاية مشتركة من الأمين العام للأمم المتحدة مع دعم من رئيس مجلس الأمن بحكم منصبه، فلقد لعب الأمين العام دورًا مشابهًا فى عقد مؤتمر جنيف لحل الصراع العربي- الإسرائيلى بعد حرب أكتوبر 1973، حيث شارك فى استضافة المؤتمر مع الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتى.

وبموجب المادة 99 من ميثاق الأمم المتحدة، يستطيع الأمين العام أن يتولى زمام المبادرة فى هذا الصدد من دون الحاجة إلى استصدار قرار من مجلس الأمن، فلطالما تولى رؤساء المجلس مبادرات بحكم مناصبهم من دون أن يصدروا قرارًا رسميًا. وميزة هذه الطريقة وجودها ضمن المحادثات فى سياق ميثاق الأمم المتحدة، بالإضافة إلى توفيرها رعاة وقادة متميزين. وسيكون الصراع بين أوكرانيا وروسيا هو أحد محورى هذه العملية، أما المحور الآخر فسيركز على الحد من التهديدات النووية المتبادلة بين روسيا والولايات المتحدة.

وبصفتى عربيًا من دولة غير منحازة، أوصى بأن يأتى هذا الاقتراح رسميًا أولًا من ممثل أو أكثر من الدول غير المنتسبة للمجلس ومن غير الدول دائمة العضوية فيه.

والوقت هو جوهر المسألة، والرضا عن الأوضاع الحالية هو ترفٌ لا يمكننا تحمله من دون المخاطرة بانتشار تهديدات الأسلحة النووية الخطيرة، والمخاطرة بأن تصبح تلك الأسلحة مرة أخرى أداة استعراض فى مجال الجغرافيا السياسية على الصعيدين العالمى والإقليمى.

* وزير الخارجية السابق

■ ينشر بترتيب خاص مع مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، أبوظبى

*لينك المقال في المصري اليوم*