أخبار المركز
  • شريف هريدي يكتب: (الرد المنضبط: حسابات الهجمات الإيرانية "المباشرة" على إسرائيل)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (عام على حرب السودان.. ترابط المسارين الإنساني والسياسي)
  • د. أحمد أمل يكتب: (إرث فاغنر: هل قاد "التضليل المعلوماتي" النيجر للقطيعة مع واشنطن؟)
  • عادل علي يكتب: (موازنة الصين: دوافع تزايد الانتشار الخارجي للقوة البحرية الهندية)
  • إبراهيم فوزي يكتب: (معاقبة أردوغان: لماذا خسر حزب العدالة والتنمية الانتخابات البلدية التركية 2024؟)

خلافات متصاعدة:

أبعاد الدعوة المغربية لمنح "القبائل" الجزائرية حق تقرير المصير

26 يوليو، 2021


استدعت وزارة الخارجية الجزائرية سفير بلادها لدى المغرب في 18 يوليو 2021، وذلك للتشاور معه بشأن ما قام به السفير المغربي لدى الأمم المتحدة خلال مشاركته في الاجتماع الأخير لوزراء خارجية دول حركة عدم الانحياز خلال الفترة الأخيرة بالعاصمة الأذربيجانية "باكو"، إذ دعا لمنح منطقة القبائل الواقعة شرق الجزائر الحق في تقرير المصير.

واعتبرت الجزائر أن ذلك الإجراء يخالف القانون الدولي والقانون التأسيسي للاتحاد الأفريقي، كما يتعارض مع المبادئ والاتفاقيات الحاكمة للعلاقات المغربية – الجزائرية مع الإشارة إلى احتمال اتخاذ إجراءات أخرى، في ظل غياب أي صدى إيجابي ومناسب من قبل الجانب المغربي.

تطورات سياسية مهمة:

تزامن الحديث عن التصعيد الحالي في العلاقات الجزائرية – المغربية في سياق عدد من التطورات السياسية المهمة، ومن أبرزها ما يلي:

1- تنامي الغضب الشعبي الجزائري: تصاعد الاحتجاجات الشعبية في الولايات الواقعة جنوب الجزائر بسبب معاناة سكان هذه المناطق من التهميش الاقتصادي والبطالة، واتهام الشركات النفطية العامة والخاصة العاملة في جنوب البلاد بالفساد واتباع التمييز في منح الوظائف، هذا بالإضافة إلى نقص الخدمات (المياه – الكهرباء) المقدمة للمواطنين هناك، وهو مؤشر مهم على عدم استقرار الأوضاع السياسية والاجتماعية جنوب الجزائر.

2- اتهام المغرب بانتهاك الحريات: مواجهة المغرب اتهامات دولية بانتهاك حقوق الإنسان والحريات العامة في البلاد، خاصة بعد تقرير الخارجية الأمريكية الصادر في منتصف شهر يوليو الجاري متهماً السلطات المغربية بانتهاك المعايير الخاصة بإجراء محاكمات قضائية عادلة ضد بعض الصحفيين المعتقلين بشكل يتعارض مع الوعود المغربية بإتاحة المجال أمام حرية الصحافة والتعبير.

أسباب تصاعد الخلافات:

 يمكن إرجاع أسباب تصاعد الخلافات بين دولتي المغرب والجزائر خلال الفترة الأخيرة للعوامل التالية:

1- تقرير مصير منطقة القبائل: أدت المذكرة التي تقدم بها عمر هلال، السفير المغربي لدى الأمم المتحدة، خلال اجتماع وزراء خارجية دول حركة عدم الانحياز في الفترة 13 – 14 يوليو الجاري بدولة أذربيجان، والتي تعتبر منطقة القبائل الأمازيغية الواقعة شرق الجزائر منطقة واقعة تحت الاستعمار، وتدعو المذكرة الأمم المتحدة لمنح هذه المنطقة حقها في تقرير المصير. 

وأثار ذلك الموقف حفيظة الموقف الجزائري، بداية من استدعاء السفير الجزائري لدى الرباط للتشاور معه في هذا الخصوص، وإصدار مجلس الأمة الجزائري بياناً أدان فيه الموقف المغربي ووصفه بغير المقبول. 

كما أصدر عدد من الأحزاب السياسية في منطقة القبائل وعلى رأسها "جبهة القوى الاشتراكية" ــ حزب معارض لم يشارك في الانتخابات البرلمانية الأخيرة ــ بياناً أعربت فيه عن رفضها الموقف المغربي تجاه منطقة القبائل واعتبار المذكرة المغربية المشار إليها على أنها جزء من المؤامرة التي تحاك ضد وحدة الدولة الجزائرية وسيادتها حيث وصف البيان الموقف المغربي بأنه محاولة لزرع الانقسامات داخل البلاد. 

ونفى البيان مطالبة سكان منطقة القبائل بالحصول على حق تقرير المصير، كما أنهم ليسوا تحت الاستعمار، وهو ما دعا إليه البيان الصادر عن حزب "جيل جديد" الذي عبر عن رفضه الموقف المغربي تجاه منطقة القبائل الجزائرية، واصفاً إياه برغبة الرباط في استمرار العداء مع الجزائر.

2- اتهام الجزائر المغرب بدعم الإرهاب: اتهمت وزارة الخارجية الجزائرية الرباط بما أسمته الدعم متعدد الأوجه للتنظيمات الإرهابية المعادية للجزائر، وتحديداً تنظيم "حركة استقلال القبائل"، كما اتُهمت الرباط كذلك بدعم التنظيمات الإرهابية خلال فترة العشرية السوداء بالجزائر. 

3- نفي المغرب اتهامات التجسس: نفت السطات المغربية الاتهامات الجزائرية باستخدام نظام "بيجاسوس" الإسرائيلي والتجسس على بعض المسؤولين والمواطنين الجزائريين، وهو ما اعتبرته المغرب محاولة جزائرية لتشوية الدور الإقليمي للمغرب خلال الفترة الأخيرة بعد أن أصبح للمغرب دور ونفوذ على مستوى المنظمات الدولية والإقليمية، خاصة الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي. 

ورفضت الحكومة المغربية برئاسة سعد الدين العثماني هذه الاتهامات، وأكدت أنه لم يسبق لها اقتناء برمجيات معلوماتية لاختراق أجهزة الاتصالات. وأعلن وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة لجوء بلاده للقضاء المحلي والدولي لوقف ما وصفه بحملة الافتراءات الجزائرية ضد المغرب، والتي تهدف لتقويض دور المغرب في مجال مكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية، وما لذلك من تداعيات سلبية على استقرار المنطقة.

4- تحقيق المغرب نجاحات دبلوماسية: يعد الموقف الجزائري الداعم لاستقلال إقليم الصحراء المغربية عن المغرب من أسباب استمرار التوتر في العلاقات مع المغرب، واتضح ذلك خلال كلمة وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة خلال مشاركته في الاجتماع الأخير لوزراء خارجية دول عدم الانحياز بتأكيده دعم بلاده لمطالب جبهة "البوليساريو"، مما دفع السفير المغربي لتقديم المذكرة المشار إليها بدعم استقلال منطقة القبائل. 

وتمكنت الدبلوماسية المغربية، خلال الفترة الأخيرة، من كسب تأييد إقليمي ودولي لموقفها تجاه قضية الصحراء، لاسيما الاعتراف الأمريكي بسيادة الرباط على منطقة الصحراء، هذا إلى جانب افتتاح العشرات من الدول قنصليات لها بمدينتي العيون والداخلة بإقليم الصحراء، بشكل عزز من نفوذ المغرب، وفي المقابل أضعف من موقف البوليساريو ومن ورائها الجزائر، مما ساهم في تدهور العلاقات بين الدولتين.

5- إعلان ترسيم الحدود مع الجمهورية الصحراوية: أعلنت الجزائر في مطلع شهر يوليو الجاري ترسيم الحدود مع الجمهورية الصحراوية (جبهة البوليساريو) وذلك في إطار الاعتراف الجزائري الرسمي بالجمهورية الصحراوية. واستفز هذا الإجراء الرباط واعتبرته تهديداً لأمنها القومي. 

وقد يكون هذا الإعلان الجزائري مؤشراً على تقديم المزيد من الدعم العسكري الجزائري لعناصر جبهة البوليساريو بما يمكنها من شن هجمات ضد بعض الأهداف المغربية داخل الأراضي المغربية، خاصة بعد أن أحكمت السلطات المغربية سيطرتها على معبر "الكركرات" الحدودي مع موريتانيا.

6- طرد مزارعي "فجيج" المغاربة: قامت القوات الجزائرية خلال مارس الماضي بطرد عشرات المزارعين المغاربة (40 – 50 عائلة مغربية) من أراضي منطقة "العرجة" قرب مدينة "فكيك" (فجيج) الحدودية مع المغرب، والتي تضم حوالي 10 آلاف نخلة وتتسم بخصوبة أراضيها ويعيش بها مواطنون مغاربة منذ سنوات طويلة. 

وتقيم السلطات الجزائرية سيادتها على تلك المناطق، وفقاً لاتفاقية وقعت بين الجانبين الجزائري والمغربي عام 1972 وصُدق عليها عام 1989. وادعت السلطات الجزائرية أن هذه المنطقة شهدت رواجاً لعصابات الجريمة المنظمة وانتشرت بها عمليات تهريب المخدرات. 

وجاء ذلك الإجراء عقب إعلان الحكومة المغربية تقنين زراعة "القنب" الهندي، غير أن السبب الحقيقي هو الرد على سيطرة السلطات المغربية على معبر الكركرات الحدودي مع موريتانيا وطرد عناصر جبهة البوليساريو من هناك.

السيناريوهات المحتملة:

في ضوء المعطيات الراهنة، فإن هناك بعض السيناريوهات المحتملة بشأن العلاقات المغربية – الجزائرية خلال الفترة القادمة، ومن أبرزها ما يلي:

1- استمرار توتر العلاقات الدبلوماسية: يرجح هذا السيناريو اتجاه العلاقات الجزائرية – المغربية نحو مزيد من التوتر على المستويات كافة، لاسيما الدبلوماسية والسياسية، وقد يتخذ ذلك صوراً متعددة، مثل إصدار البيانات الرسمية التي يتبادل فيها الطرفان الاتهامات بزعزعة استقرار بعضهما البعض، بالإضافة إلى التقارير الإعلامية لتبرير وجهة نظر كل طرف على حساب الطرف الآخر، وهو ما سيزيد من حدة التوتر بين الدولتين بشكل يصل إلى حد القطيعة الكاملة للعلاقات الثنائية بين الجانبين. 

2- مناوشات عسكرية غير مباشرة: يذهب هذا السيناريو إلى احتمال أن تشهد الفترة القادمة بعض التوترات التي قد تصل إلى حد الاشتباكات العسكرية غير المباشرة، عبر دفع الجزائر عناصر البوليساريو لشن بعض الهجمات ضد الأهداف المغربية. وفي المقابل قد تستخدم المغرب حركة استقلال القبائل في تنفيذ بعض الهجمات داخل الجزائر.

وقد يتطور الأمر إلى اشتباكات مباشرة بين الجانبين الجزائري والمغربي، ويستند هذا السيناريو إلى إشارة بيان وزارة الخارجية الجزائرية إلى إمكانية اتخاذ إجراءات غير دبلوماسية، إضافة إلى وجود تعزيزات عسكرية مغربية على الحدود مع الجزائر. كما تتهم الجزائر الجانب المغربي بالتحالف مع إسرائيل وإقامة قواعد تجسس لاستهداف الجزائر.

وفي الختام، فإن المؤشرات الراهنة ترجح استمرار نمط التوتر الغالب على العلاقات الجزائرية – المغربية خلال الفترة القادمة، لاسيما بعد أن تبنت المغرب سياسة المعاملة بالمثل مع جارتها الجزائر وتحديداً فيما يتعلق بدعم الحركات المطالبة بحق تقرير المصير، مثلما تدعم الجزائر النزعات الانفصالية لجبهة البوليساريو.

                                             لتحميل الموضوع بصيغة PDF يمكن الضغط على هذا الرابط