أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • د. أحمد سيد حسين يكتب: (ما بعد "قازان": ما الذي يحتاجه "بريكس" ليصبح قوة عالمية مؤثرة؟)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)
  • أ. د. علي الدين هلال يكتب: (بين هاريس وترامب: القضايا الآسيوية الكبرى في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024)

نوايا غامضة:

ماذا يعني تخصيب اليورانيوم في منشأة فوردو؟

10 نوفمبر، 2019


يشير اتخاذ إيران للخطوة الرابعة لتخفيض التزاماتها في الاتفاق النووي، في 6 نوفمبر الجاري، إلى أنها ما زالت مُصِرَّة على رفع مستوى التصعيد مع الولايات المتحدة الأمريكية، رغم الضغوط التي تفرضها العقوبات الأمريكية عليها، حيث تحاول عبر الخطوة الأخيرة، وتحديداً من خلال إعادة عمليات تخصيب اليورانيوم إلى منشأة فوردو، التي تحظى باهتمام خاص من جانب القوى المعنية ببرنامجها النووي، إثارة قلق تلك القوى تجاه نواياها الحقيقية في هذا البرنامج، في مسعى لفرض ضغوط مقابلة على الإدارة الأمريكية من أجل دفعها إلى تبني سياسة أكثر مرونة في التعامل معها، وعدم التمسك بالشروط التي سبق أن أعلنتها لتقليص حدة تلك العقوبات.

تصعيد مستمر:

لم تكتف إيران برفع مستوى تخصيب اليورانيوم إلى 5% ليتجاوز النسبة المنصوص عليها في الاتفاق النووي (3.67%)، أو زيادة كمية اليورانيوم المخصب عن 300 كيلو جرام (التي أقرها الاتفاق أيضاً)، وإنما بدأت في توسيع نطاق عمليات التخصيب عبر عدم حصرها في منشأة ناتانز فقط، وإنما نقلها أيضاً إلى منشأة فوردو، التي قامت ببناءها تحت الأرض وفرضت حماية خاصة عليها، بشكل يشير إلى أنها تحاول توجيه رسائل مزدوجة إلى القوى المعنية بمسارات الاتفاق النووي، لا تفيد فقط إصرارها على مواصلة تخفيض التزاماتها النووية، وإنما تعيد الشكوك الخاصة بوجود جانب خفي لبرنامجها النووي إلى الواجهة من جديد. وربما ترى طهران أن هذا "الغموض" يمكن أن يعزز موقعها التفاوضي ويفرض مُحفِّزات جديدة للدول الأوروبية من أجل التدخل لإنقاذ الاتفاق في المرحلة القادمة عبر مواصلة جهود الوساطة بين طهران وواشنطن.

أهمية خاصة:

تكتسب الخطوة الرابعة تحديداً التي اتخذتها طهران في 6 نوفمبر الجاري، عندما قامت بضخ غاز سادس فلورايد اليورانيوم في نحو 1040 جهاز طرد مركزي في منشأة فوردو، أهمية خاصة في ضوء اعتبارات أساسية ثلاثة تتمثل في:

1- خطورة فوردو: دائماً ما أثارت منشأة فوردو مخاوف خاصة لدى الأطراف المعنية بالبرنامج النووي الإيراني، التي تبدي شكوكاً مستمرة في أن إيران حاولت، في مرحلة معينة، تفعيل جانب عسكري لبرنامجها النووي بعيداً عن رقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية. فقد كشفت أجهزة الاستخبارات الغربية في يونيو 2009 عن تلك المنشأة، التي تشير تقارير عديدة إلى أن إيران بدأت في تأسيسها بشكل سري في منطقة جبلية تتسم بصخورها الصلبة قبل ذلك بأعوام عديدة. وأعلنت إيران في عام 2016 أنها نشرت أنظمة صواريخ "إس 300" للدفاع الجوي حولها. وبالطبع، فإن ذلك دفع اتجاهات عديدة للإشارة إلى أن إيران لديها ما تحاول أن تخفيه عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية والقوى المعنية ببرنامجها النووي، وأن الشكوك التي أبدتها تلك الاتجاهات حول بعض أنشطتها النووية باتت تحظى باهتمام وزخم خاص من جانب تلك القوى.

وقد كان لافتاً، على سبيل المثال، أن صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية نشرت تقريراً، في 8 سبتمبر 2019، أشار إلى أن سلاح الجو الأمريكي تمكن، على سبيل المحاكاة، من تدمير نسخة من منشأة فوردو. وبالطبع، فإن ذلك يطرح دلالتين رئيسيتين: أولاهما، أن واشنطن ترى أن منشأة فوردو تحديداً تعتبر الأهم والأكثر خطورة في برنامج إيران النووي، باعتبار أنها يمكن أن تستخدم بشكل أكبر في حالة ما إذا اتجهت إيران إلى اتخاذ قرار بالوصول إلى مرحلة امتلاك القنبلة النووية. وثانيتهما، أن إدارة الرئيس دونالد ترامب تحاول منع إيران من امتلاك فرصة "ابتزاز" الدول الغربية نووياً عبر منشأة فوردو، من خلال توجيه رسالة واضحة إليها بأنها قادرة على الوصول إلى المنشأة وتدميرها رغم التحصينات التي تحظى بها. ولا ينفصل ذلك دون شك، عن محاولة واشنطن إقناع طهران بأن التصعيد الحالي لن يجد نفعاً وأن الضغوط التي تحاول إيران ممارستها لن تؤدي إلى حدوث تغييرات في السياسة الأمريكية الحالية.

2- التوسع الأفقي: لم تعد إيران تركز فقط، في إطار ممارسة ضغوط على الدول الغربية، على رفع مستوى تخصيب اليورانيوم وزيادة كمياته (التوسع رأسياً)، وإنما بدأت في التوسع أفقياً في برنامجها النووي من خلال إعادة تخصيب اليورانيوم إلى منشأة فوردو بعد أن كانت مقتصرة، وفقاً للاتفاق النووي، على منشأة ناتانز فقط، على نحو يوحي بأنها تتجه تدريجياً إلى رفع مستوى التصعيد مع الدول الغربية، خاصة في ظل إصرار الأخيرة على مواقفها، حيث ما زالت الولايات المتحدة الأمريكية حريصة على فرض مزيد من العقوبات ضد إيران، وآخرها العقوبات التي أعلنت عنها وزارة الخزانة الأمريكية، في 4 نوفمبر الجاري وبالتزامن مع ذكرى احتلال السفارة الأمريكية في طهران، وضمت بعض الشخصيات النافذة في مكتب المرشد الأعلى للجمهورية علي خامنئي، ومنهم ابنه مجتبي خامنئي، ومدير مكتبه محمد محمدي گلپايگاني، ومستشاره للعلاقات الدولية علي أكبر ولايتي، ورئيس السلطة القضائية إبراهيم رئيسي.

3- الفتوى "المرنة": تعمدت إيران الإشارة من جديد إلى أنها قد تجري تغييرات في سياستها النووية المعلنة حالياً، في إشارة إلى أنها تحاول الإيحاء بأن لديها مزيداً من أوراق الضغط التي يمكن أن تستخدمها في مواجهة العقوبات والضغوط الأمريكية. وقد كان لافتاً، على سبيل المثال، أنها أشارت على لسان المساعد الخاص لرئيس منظمة الطاقة الذرية على أصغر زارعان، في 20 أكتوبر الفائت، إلى أن "لديها تقنية تصنيع القنبلة النووية رغم الفتوى التي أصدرها المرشد خامنئي في هذا الصدد"، مضيفاً أن "ذلك يعزز القدرة التفاوضية لإيران على الساحة الدولية".

تداعيات محتملة:

من المتوقع أن تفرض خطوة تخصيب اليورانيوم في منشأة فوردو تداعيات عديدة خلال المرحلة القادمة، لن تقتصر فقط على زيادة وارتفاع مستوى تخصيب اليورانيوم، بما يُقرِّب إيران تدريجياً من المرحلة التي كان عليها برنامجها النووي قبل الوصول للاتفاق النووي، وإنما ستمتد أيضاً إلى تصاعد حدة التوتر في العلاقات الإيرانية-الغربية، وهو ما يبدو جلياً في ردود فعل الدول الغربية إزاء الخطوة الإيرانية الأخيرة، التي اعتبر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في 5 نوفمبر الجاري، أنها تمثل "خطوة خطيرة وتشير للمرة الأولى إلى أن إيران ربما تنسحب من الاتفاق النووي". وقد كان لافتاً أن العلاقات بين باريس وطهران اتسمت بالتوتر خلال الفترة الأخيرة، حتى قبيل الإعلان عن خطوة التخصيب في فوردو، حيث سبق أن قال المرشد الأعلى علي خامنئي، في 3 من الشهر نفسه، أن "ماكرون إما ساذج أو متواطئ مع أمريكا، عندما يردد أن محادثات بين واشنطن وطهران ستحل المشاكل".

من هنا، يمكن القول إن إيران تحاول تحسين شروط التفاوض مع القوى الدولية، لاسيما الدول الغربية، من خلال الإيحاء بأن الاتفاق النووي فضلاً عن فتوى خامنئي الخاصة بالقنبلة النووية تساهم في توسيع حرية الحركة وهامش الخيارات المتاح أمامها، على نحو يعني أنها لن تستجيب للضغوط التي تفرضها الولايات المتحدة الأمريكية في الوقت الحالي وأنها ستواصل اتخاذ مزيد من الخطوات التصعيدية الخاصة بتخفيض مستوى التزاماتها في الاتفاق النووي خلال المرحلة القادمة.