أخبار المركز
  • شريف هريدي يكتب: (الرد المنضبط: حسابات الهجمات الإيرانية "المباشرة" على إسرائيل)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (عام على حرب السودان.. ترابط المسارين الإنساني والسياسي)
  • د. أحمد أمل يكتب: (إرث فاغنر: هل قاد "التضليل المعلوماتي" النيجر للقطيعة مع واشنطن؟)
  • عادل علي يكتب: (موازنة الصين: دوافع تزايد الانتشار الخارجي للقوة البحرية الهندية)
  • إبراهيم فوزي يكتب: (معاقبة أردوغان: لماذا خسر حزب العدالة والتنمية الانتخابات البلدية التركية 2024؟)

هبة الأقصى:

حدود تحول الحراك الفلسطيني إلى انتفاضة

27 أكتوبر، 2015


منذ مطلع أكتوبر الجاري، تتصاعد أرقام القتلى والجرحى والمعتقلين في صفوف الفلسطينيين الذين بدأوا موجة من المواجهات مع المستوطنين الإسرائيليين في القدس الشرقية بعد تزايد محاولاتهم اقتحام ساحة المسجد الأقصى، حيث بلغ عدد القتلى الفلسطينيين حوالي 40،  فيما أصيب أكثر من 1000 آخرين، إلى جانب اعتقال السلطات الإسرائيلية لعشرات من الشباب الذي يتظاهر بشكل يومي ضد قوات الاحتلال قرب نقاط التفتيش في مدن الضفة وعلى الحدود مع قطاع غزة.

وعلى الطرف المقابل وصلت خسائر إسرائيل منذ مطلع شهر أكتوبر الحالي إلى مقتل 7 مستوطنين وإصابة 11 بجراح خطيرة و16 بجراح متوسطة و70 بجراح طفيفة.

وقد فرضت هذه الأحداث السابقة نفسها على الشارع الإسرائيلي، وبات الجدل محتدماً بين الخبراء والمحللين هناك حول طبيعة هذه المواجهات، وهل هي انتفاضة فلسطينية ثالثة على غرار انتفاضتي عامي 1987، و2000؟، أم انها بدايات انتفاضة غير مكتملة؟ أم  أنها مجرد أحداث عنف مؤقتة ستنتهي في فترة وجيزة؟

حتى هذه اللحظة ترفض إسرائيل الرسمية ممثلة في رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو، ووزير الدفاع "موشيه يعلون" وصف ما يحدث في الأراضي الفلسطينية بأنه انتفاضة أو إرهاصات أولية لها، فيما يختلف المحللون والخبراء حول تحديد طبيعة المواجهات دون اتفاق واضح، وإن كان الرسميون والمعلقون والخبراء الأمنيون الإسرائيليون يتفقون على ضرورة أن تستعد إسرائيل لسيناريو التصعيد حتى لو كان بعيد الاحتمال في المستقبل القريب، وينصحون بتشديد الإجراءات العقابية ضد المشاركين في الأحداث وعائلاتهم على أمل استعادة الردع وإقناع الفلسطينيين بالتراجع  عن المضي قدماً في هذا المسار.

وثمة ما يدعو للقول هنا بأن الأحداث الجارية، وإن عبرت عن حالة اليأس والإحباط التي يعيشها الشباب الفلسطيني في الضفة وغزة جراء استمرار الحصار ضد القطاع وتعطل عملية التسوية مع السلطة في رام الله وتدهور الأحوال المعيشية على الجانبين؛ إلا أن سلطة غزة ممثلة في حركة حماس، وسلطة أبو مازن في رام الله - رغم تأييد الأولى للعمليات التي يقوم بها الشباب الفلسطيني، وامتناع الثانية عن إدانة هده الاعمال علناً - لا يظهران قدراً كبيراً من الاستعداد لدعم هذه "الهبة الشعبية" لأسباب عديدة سوف توضحها السطور اللاحقة، وهو ما يرجح أن موجة المواجهات الحالية بين الفلسطينيين والإسرائيليين ليست مرشحة للتحول إلى النمط المعتاد لما يعرف باسم "انتفاضة"، خاصة أن الأوضاع الإقليمية والدولية بدورها ليست ملائمة لتشجيع الفلسطينيين على الاستمرار في خط التصعيد الذي يقود إلى هذا النمط.

موقف حركة حماس

على الرغم من تشجيع حركة حماس الشباب الفلسطيني على الاستمرار في شن هجمات "الطعن بالسكاكين" ودهس المستوطنين الإسرائيليين في الطرقات، فإنها لم تتحرك لتقديم الدعم العملي لهذه الممارسات، إذ تخشى قيادات حماس أن يؤدي دعمها لهذه الأعمال إلى تورطها في ضرورة الدفاع عنها بالعودة إلى عمليات إطلاق الصواريخ من القطاع ضد المدن الإسرائيلية داخل الخط الأخضر (حدود الرابع من يونيو 1967)، وهو ما قد يزيد من إصرار اسرائيل على اقتلاع حكم حماس هناك، حتى لو اقتضى الأمر إعادة احتلال القطاع مرة أخرى لفترة مؤقتة لتنفيذ هذه المهمة.

وتدرك حماس أن الدخول في حرب أخرى مع اسرائيل في وقت لم تحقق الحرب السابقة التي خاضتها في صيف العام الماضي أية نتائج إيجابية بالنسبة لها أو للقضية الفلسطينية، بل  تسببت عملياً  في زيادة معاناة الشعب الفلسطيني في القطاع جراء تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية ، ربما يزيد من حدة الانتقادات الموجهة إليها كونها تدخل شعبها في مواجهات شديدة الخطورة في وقت لا تكون قادرة على توفير الحماية له، أو تعويضه عن الأضرار التي تلحق به نتيجة هذه المغامرات غير المحسوبة.

على الجانب الآخر تدرك حماس أيضاً أن أولويات النظامين الإقليمي والدولي حالياً هو منع تمدد وانتشار الجماعات المتطرفة مثل "داعش" والمنظمات السلفية الجهادية في الشرق الأوسط، وبالتالي فإن تراجع الاهتمام بالقضية الفلسطينية سيظل أمراً قائماً في المدى المنظور، وأنه حتى في حالة اضطرار القوى  الإقليمية والدولية للتعامل مع التصعيد الخطير في المواجهات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، فإن ذلك سيكون على حساب حماس ولصالح منافستها حركة فتح والسلطة الفلسطينية، حيث يمكن في حينها أن يتم فرض إعادة السلطة الفلسطينية للقطاع عبر مشروع قرار دولي مشمول باستخدام البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة  وإسقاط حكم حماس،  تمهيداً لعودة عملية التسوية المعطلة بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

حسابات حركة فتح والسلطة الفلسطينية

حتي الآن ما يزال موقف رئيس السلطة الفلسطينية أبو مازن هو عدم تقديم الدعم أو التأييد السياسي العلني لأعمال الطعن والدهس الموجهة ضد الإسرائيليين، وفي الوقت نفسه عدم الإعلان صراحة عن إدانته لها، اذ على الرغم من يقينه بأن حكومة بنيامين نتانياهو غير مستعدة لتجميد الاستيطان في الضفة مقابل عودة المفاوضات مع الفلسطينيين، إلا أنه لا يريد أن يخسر الدعم الدولي والإقليمي لموقفه الذي أسس على خيار السلام وما يسميه "المقاومة الفلسطينية الرشيدة"، والتي تعني حصراً المظاهرات والاحتجاجات أو حتى استخدام ساحة الأمم المتحدة كبديل لتعطل المفاوضات المباشرة مع إسرائيل.

من جانب آخر لا يريد أبو مازن أن تستغل حركة حماس استمرار تنسيق أجهزة أمنية مع أجهزة الأمن الإسرائيلية لتهدئة الأوضاع في القدس والضفة لإحراجه أمام الشباب الفلسطيني الذي يقاوم الاحتلال بأعمال الطعن والدهس، وبالتالي فهو لا يعلن إدانته لهذه الأعمال بشكل صريح.

وفي الاتجاه المضاد يدرك أبو مازن أن هذه الأعمال تشكل ضغطاً على الإسرائيليين يمكن أن يقودهم للاستجابة لبعض مطالب السلطة لقاء استئناف مفاوضات التسوية، وبالتالي في أن بقاءها (أي هذه الأعمال) في الحدود الدنيا قد يكون مفيداً في هذا  الجانب.

وأخيراً فإن السلطة الفلسطينية تمر بأزمة عنيفة في داخلها جراء الصراع على من يخلف أبو مازن في رئاستها، وثمة تقارير تشير إلى أن هناك تنظيم مواز داخل حركة فتح يعرف باسم "جيش الظلال"، وهو تنظيم مسلح سبق لأفراده الحاليين أن شاركوا في الانتفاضة الثانية عام 2000، ويخشى رئيس السلطة الفلسطينية من انفلات هذا التنظيم وعدم خضوعه لأوامره؛ الأمر الذي قد يحمل أبو مازن مسؤولية تصعيد المواجهات مع الإسرائيليين في حالة انضمام هذا التنظيم لأعمال الطعن والدهس الحالية، بل وربما استخدام الأسلحة القتالية ضد قوات الأمن الإسرائيلية؛ وبالتالي فإن أبو مازن يسعى جاهداً لكبح انتفاضة الشباب الفلسطيني حالياً ومنع تصاعدها إلى أعمال أكثر عنفاً وأكثر امتداداً داخل مدن الضفة الغربية حتى لا يعطي الفرصة لجيش الظلال لتوريطه في حرب واسعة مع إسرائيل قد تقضي نهائياً على سلطته ووجوده على الساحة السياسية الفلسطينية.

خلاصة ونتائج

بغض الطرف عن خطاب نتنياهو التصعيدي، والذي هو موجه بالأساس من شخص يميني لأشخاص أكثر يمينية وتطرفاً، فإنه من المنطقي أن تسعى إسرائيل بكافة السبل إلى منع تصعيد المواجهات الجارية منذ مطلع أكتوبر الجاري مع الفلسطينيين في الضفة والقدس وعلى الحدود مع قطاع غزة، فعلاوة على التكلفة البشرية والاقتصادية لهذه المواجهات، لا تريد حكومة نتنياهو أن تمد الرأي العام العالمي بموارد جديدة يستغلها في إدانة السياسات الإسرائيلية وزيادة الضغط من أجل نزع شرعيتها الأخلاقية والقانونية.

كما أن استمرار تعطل مسيرة التسوية، والتي تعتبرها دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية مسؤولية إسرائيلية، ينذر بمزيد من التوتر في العلاقات الإسرائيلية – الأمريكية، والأوروبية - الإسرائيلية، وهو ما قد ينعكس في امتناع الأوروبيين والأمريكيين عن حماية إسرائيل من قرارات الإدانة الدولية داخل الأمم المتحدة، والتي تصب في نفس اتجاه نزع الشرعية عنها.

ومن المنطقي أيضاً ألا تتورط حماس أو السلطة في تصعيد غير محسوب قد يقود كلتيهما إلى مواجهات حادة مع إسرائيل والمجتمع الدولي، ويجر مخاطر واسعة عليهما.

بمعنى أكثر وضوحاً، فإن ضعف رغبة حماس والسلطة الفلسطينية في دعم ما يسمى "هبة السكاكين" هو الكابح الرئيسي لعدم تحول المواجهات الجارية بين الفلسطينيين والإسرائيليين إلى انتفاضة فلسطينية ثالثة، غير أن تثبيت هذا الوضع عند حد المناورات السياسية بين فتح وحماس، وانخفاض وتيرة الخسائر الإسرائيلية بشرياً واقتصادياً، يقتضي أن تُمارس كل الأطراف سياسات من شأنها تحقيق هذا الهدف، فعلى إسرائيل ألا تكتفي بمعالجة الوضع عبر الوسائل الأمنية وحدها، بل لابد من إجراءات لتقليل المعاناة في الضفة وغزة، ولابد من لجم المستوطنين ومنعهم من استفزاز المواطنين الفلسطينيين، خاصة في مناطق المقدسات الدينية، والأهم البحث عن صيغة لاستئناف عملية التفاوض مع السلطة الفلسطينية.

وفيما يتعلق بكل من فتح وحماس، فعليهما إدراك أن تعقيدات الأوضاع الفلسطينية الداخلية والتدخلات الإقليمية والدولية الحالية في الشرق الأوسط لمحاصرة تهديدات الجماعات المتطرفة، لا يسمحان بخلق أزمة جديدة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، قد تقود المنطقة بأكملها إلى سيناريوهات يصعب السيطرة عليها أو التنبؤ بنتائجها.