أصدر مركز "المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة"، كتاباً جديداً بعنوان "المنظور الجيوثقافي.. توظيف القوى الكبرى للثقافة في العلاقات الدولية"، أعده مجموعة من المؤلفين، وقام بتحريره الدكتور خالد حنفي علي، الباحث المصري بمؤسسة الأهرام.
ويتناول الكتاب الأبعاد الجيوثقافية للتنافس بين القوى الكبرى في النظام الدولي، من خلال استكشاف النماذج الثقافية المتنافسة للقوى الكبرى، خاصة بين الولايات المتحدة وروسيا والصين على صعيد الأهداف والأدوات والمجالات، فضلاً عما تجابهه من إِشكاليات وتحديات. كما يضيف الكتاب الاتحاد الأوروبي، كقوة ثقافية جماعية، تتلاقى تارة مع النموذج الأمريكي في سياق القيم والتقاليد والثقافة الغربية، بينما تأخذ تارة أخرى أبعاداً استقلالية بحكم الخصوصيات الثقافية للدول والمجتمعات الأوروبية.
ويتشكل الكتاب من خمسة فصول أساسية، أولها، أعده الدكتور خالد حنفي علي، ويدرس تحولات ظاهرة استخدام أو توظيف الدول للبعد الثقافي في العلاقات الدولية، معتبراً أن تأثيراتها تقع في منزلة وسط بين الإمبريالية الثقافية، والدبلوماسية الثقافية. ومن ثم، يطرح المداخل التفسيرية للتحولات في توظيف البعد الثقافي لأغراض سياسية أو اقتصادية، مع مناقشة أنماطها وأدواتها وحدود القابلية والممانعة لذلك التوظيف. ويخلص هذا الفصل إلى أن غلبة الطابع الهجين على أنماط التوظيف الثقافي قد يُصعب الادعاء بقدرة أي نموذج جيوثقافي على إخضاع ثقافات أخرى أو ضمان التأثير المحدد في قرارات وسياسات الدول والمجتمعات، ولاسيما مع تصاعد الحاجة للكرامة والاحترام المتبادل والاعتراف بالخصوصية الثقافية.
مستقبل النموذج الثقافي الأمريكي
أما الفصل الثاني، والذي أعدته الدكتورة هايدي عصمت كارس، مُدرسة العلوم السياسية في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، فيناقش مستقبل النموذج الثقافي الأمريكي في ظل جدال تآكل هيمنته العالمية، محاولاً فهم أبعاد توظيف الولايات المتحدة لمنظومة قيمها الثقافية في تحقيق أهداف السياسة الخارجية، وإلى أي مدى تؤثر التحديات الراهنة في الهيمنة الثقافية الأمريكية ومن ثم مصالحها الجيوسياسية.
ويستنتج الفصل أن الولايات المتحدة – برغم ما يعانيه نموذجها الثقافي من تحديات وإشكاليات- لا تزال تحظى بموقع متقدم في التفاعلات الثقافية الدولية، حيث تُعد منتجات ثقافتها الشعبية الأوسع انتشاراً، فضلاً عن أنها من بين الدول الفعالة في استخدام الدبلوماسية الرقمية دون إنكار تقدم دول أخرى عليها في مؤشرات الدبلوماسية الثقافية والقوة الناعمة. مع ذلك، ثمة فجوة تأثير يعانيها النموذج الأمريكي بفعل التناقض بين القيم التي تسعى الولايات المتحدة لنشرها في العالم ومواقف السياسة الخارجية، مما أثر في رؤية المجتمعات الخارجية لهذا النموذج في دول العالم.
مقومات الجيوثقافي الروسي
بدوره، يفحص الفصل الثالث، الذي كتبه الدكتور أحمد سيد حسين، مُدرس العلوم السياسية في كلية الدراسات الاقتصادية والعلوم السياسية بجامعة الإسكندرية، مقومات وأهداف النموذج الجيوثقافي الروسي في سياق الاستراتيجية الروسية لاستعادة النفوذ والمكانة الدولية. حيث تأسس هذا النموذج على الهوية القومية والعرقية، والمسيحية الأرثوذكسية، واللغة الروسية، فضلاً عن نموذج القيادة ممثلاً في شخص بوتين الذي يربط بين حماية هذا النموذج ونشره في دول الخارج القريب، أي دول الاتحاد السوفيتي السابق، وأهداف السياسة الخارجية الروسية.
ويخلص الفصل إلى أن روسيا حددت مجالات انتشار نموذجها الجيوثقافي استناداً لانتشار الناطقين باللغة الروسية، فأصبحت أجزاء من دول الاتحاد السوفيتي السابق مرتبطة بالثقافة الروسية، ومن ثم ظل تركيز النموذج الجيوثقافي الروسي في النطاق الإقليمي خاصة الأوراسي أكثر دون أن يمنع وجوده الثقافي في مناطق أخرى، كالشرق الأوسط وإفريقيا لكن بوتيرة تأثيرية أقل.
طبيعة النموذج الثقافي الصيني
أما الفصل الرابع، من إعداد الدكتورة إيمان فخري، الباحثة المتخصصة في الشؤون الآسيوية، فيستجلي طبيعة النموذج الثقافي الصيني، وكيف وظف قيمه وخصوصيته لتحقيق الأهداف الجيوسياسية والاقتصادية في الخارج، كما يلفت النظر إلى أن قيمة التناغم أصبحت الركيزة الرئيسية في إدارة الصين لعلاقتها الدولية ورؤيتها لشكل النظام العالمي، والتي تتلخص في التعايش واحترام الثقافات والحضارات المختلفة. مع ذلك، يشير الفصل إلى أن التأثير الثقافي الأكبر للصين يتركز أكثر في آسيا، وإن كانت فرص انتشاره عالمياً ليست بالقليلة برغم التحديات التي يتعرض لها من القوى الثقافية الغربية سواءً الولايات المتحدة أو أوروبا.
أهداف وأدوات النموذج الثقافي الأوروبي
أخيراً، يحلل باسم راشد، الباحث المتخصص في الشؤون الأوروبية، في الفصل الخامس من الكتاب، أهداف وأدوات النموذج الثقافي الأوروبي وكيفية توظيفه في تحقيق أهداف السياسة الخارجية الأوروبية، فضلاً عن علاقته مع النماذج الفرعية المكوِّنة له خاصة النموذجين الفرنسي والألماني، وكذا الإشكاليات التي يواجهها النموذج الثقافي الأوروبي على صعيد ضعف الثقة والمصداقية في الاتحاد الأوروبي نتيجة لسعيه لفرض نموذجه الثقافي دون مراعاة الخصوصيات الثقافية، فضلاً عن معضلة مركزية النموذج الثقافي الأوروبي، حيث ينظر له كشكل من أشكال الاستعمارية الجديدة، بما يتناقض مع الفكرة التي يروجها بأنه نموذج يسعى للتفاهم المشترك والتعلم المتبادل.
وتُعد سلسلة "كتب المستقبل" من أبرز منتجات مركز المستقبل، وصدر من خلال هذه السلسلة العديد من الكتب التي تتناول القضايا والموضوعات الاستراتيجية في مختلف المجالات السياسية، والأمنية والعسكرية، والاقتصادية، والتكنولوجية، والمجتمعية، وغيرها.