بدأت التنظيمات الإرهابية، خلال الفترة الماضية، في التركيز على الهجمات الانتحارية كنمط أساسي في العمليات الإرهابية التي تقوم بتنفيذها، وذلك لاعتبارات عديدة، ترتبط بالتداعيات التي تفرضها بالمقارنة بالأنماط الأخرى من تلك العمليات، حيث تؤدى غالبًا إلى سقوط أعداد كبيرة من الضحايا، كما أن احتمالات تنفيذها تبقى أكبر من الأنماط الأخرى.
وقد ألقت العمليات الإرهابية التي شنتها حركة "بوكو حرام" النيجيرية، في بداية مايو الجاري، وأسفرت عن مقتل 86 شخصًا، من خلال هجوميين انتحاريين استهدفا سوقًا تجاريًا ومسجدًا عقب صلاة العصر، في مدينة موبي بولاية اداماوا، مزيدًا من الضوء على اتساع نطاق الاعتماد على هذا النمط من جانب تلك التنظيمات، بشكل بات يفرض تأثيرات مباشرة خاصة على مسارات المواجهات المستمرة بين الأجهزة الأمنية في الدول التي تتصاعد فيها تلك العمليات وبين التنظيمات الإرهابية التي تنشط فيها.
اتجاه متصاعد:
تعد حركة "بوكو حرام" من أكثر التنظيمات الإرهابية التي تستخدم الهجمات الانتحارية في عملياتها، خاصة في ظل اعتمادها على النساء والأطفال في تنفيذ تلك الهجمات. واللافت في هذا السياق، هو أن هذا الاتجاه بدأ يتصاعد عقب مبايعتها لتنظيم "داعش"، في مارس 2015، حتى تحولت تلك الهجمات إلى النمط الرئيسي لعملياتها التي تجاوزت حدود نيجيريا وامتدت إلى دول الجوار، وهو ما لا ينفصل بالطبع عن الآليات التي يستخدمها "داعش" في توسيع نطاق نفوذه داخل دول تلك المنطقة.
ورغم الاستخدام المفرط من قبل "بوكو حرام" لهذا النمط من الهجمات، إلا أنها كانت حريصة أيضًا على عدم استبعاد الأنماط الأخرى. كما أن بعض التنظيمات الإرهابية الأخرى بدأت في تبني الاتجاه نفسه، مثل حركة "طالبان" الأفغانية، التي صعّدت من هجماتها الانتحارية في الفترة الماضية، وكان آخرها الهجوم الانتحاري الذي استهدف مركزًا للشرطة في منطقة سبين بولداك بمقاطعة قندهار جنوب أفغانستان في 5 مايو الجاري، واستخدمت فيه دراجة نارية مفخخة يقودها انتحاري، مما أسفر عن مقتل شرطيين.
وقبل ذلك نفذ أحد عناصر الحركة هجومًا انتحاريًا استهدف منطقة حيوية في القسم الدبلوماسي من العاصمة كابل، في 29 يناير 2017، بشكل أدى إلى مقتل ما يقرب من 100 شخص وإصابة نحو 158 آخرين.
ولم تقتصر الهجمات الانتحارية في أفغانستان على حركة "طالبان"، حيث يعتمد تنظيم "ولاية خراسان"، الذي يتبع "داعش"، على تلك الهجمات التي يركز فيها على استهداف المدنيين، مثل الهجوم الذي وقع في مركز محلي لتسجيل الناخبين في كابول، في 22 إبريل 2018، ونتج عنه مقتل ما لا يقل عن 57 شخصًا، والهجوم على مقر منظمة "انقذوا الأطفال" في 24 يناير من العام نفسه، والذي أسفر عن مقتل 4 أشخاص وإصابة ما يقرب من 14 آخرين، وهو ما دفع المنظمة إلى تعليق برامجها وإغلاق مكاتبها في البلاد.
واتبعت حركة "شباب المجاهدين" الصومالية هذا النمط أيضًا بشكل ملحوظ خلال الفترة الماضية، وهو ما يبدو جليًا في الهجوم الذي وقع في 14 أكتوبر 2017، وأسفر عن مقتل وإصابة ما يقرب من 500 شخص، إلى جانب الهجوم الذي استهدف مجمعًا عسكريًا تابعًا للقوات المسلحة في حي جرسور، في 29 إبريل 2018، وأدى إلى مقتل 5 أشخاص بينهم 3 ضباط رفيعي المستوى بالجيش الصومالي.
وفى منطقة الساحل والصحراء، صعّدت المجموعات القاعدية من هجماتها الانتحارية، خاصة ضد القوات الأممية والفرنسية، على غرار الهجوم الذي استهدف عناصر من القوات الفرنسية من قوة برخان، في يناير 2018، ونتج عنه إصابة 3 جنود.
عوامل متعددة:
يمكن تفسير اتجاه التنظيمات الإرهابية إلى الاعتماد بشكل أكبر على الهجمات الانتحارية في ضوء اعتبارات عديدة يتمثل أبرزها في:
1- صعوبة منعها: ترى التنظيمات الإرهابية أن هذا النمط من الهجمات الإرهابية يمكن أن يحقق أهدافًا عديدة لها أكثر من الأنماط الأخرى التي تراجعت أهميتها بسبب الإجراءات الأمنية المشددة التي بدأت تتبعها كثير من الدول للتعامل مع التهديدات التي يفرضها تصاعد نشاط تلك التنظيمات.
2- تعدد وسائل تنفيذها: حيث تتنوع ما بين العمليات التي يقوم بها شخص يرتدى حزامًا ناسفًا أو يحمل سلاحًا خفيفًا على سبيل المثال، والذي يسمى بـ"الانغماسي"، أو تلك التي تستخدم فيها السيارات والدراجات المفخخة التي تستهدف التجمعات البشرية الكبيرة.
3- مواجهة الضغوط: تسعى التنظيمات الإرهابية من خلال العمليات الانتحارية إلى الرد على الضربات التي تتعرض لها وتؤدي إلى تراجع قدراتها البشرية والتسليحية، لا سيما في ظل الاهتمام المتصاعد الذي تبديه العديد من القوى الدولية والإقليمية بمحاربتها وتقليص نفوذها.
4- رسائل مباشرة: كان لافتًا أن بعض تلك التنظيمات يستند إلى العمليات الانتحارية كآلية لتوجيه رسائل إلى القوى المناوئة له تفيد قدرتها على تنفيذ مزيد من العمليات رغم الهزائم التي تتعرض لها بفعل العمليات العسكرية التي تشنها تلك القوى عليها في أكثر من منطقة.
5- انخفاض التكلفة البشرية: تعد الهجمات الانتحارية، رغم تداعياتها، أقل تكلفة من الناحية البشرية مقارنة بالأنماط الأخرى من العمليات الإرهابية، التي تحتاج، وفقًا لاتجاهات عديدة، إلى عدد أكبر من العناصر الإرهابية لتنفيذها، على نحو قد يزيد من احتمالات إجهاضها من جانب أجهزة الأمن. إلى جانب أن هذه الأنماط تحتاج إلى دعم لوجيستي مثل التخطيط والرصد والمتابعة وتوفير بدائل للهروب بعد تنفيذ العملية الإرهابية.
وفي النهاية، يمكن القول إن تزايد اعتماد التنظيمات الإرهابية على هذا النمط من العمليات الإرهابية يمثل مؤشرًا على تراجع نفوذها ونشاطها، في ظل الضغوط التي تتعرض لها، وساهمت في تقليص مواردها المالية والتسليحية، بعد أن تحولت إلى أحد مصادر تهديد أمن واستقرار كثير من دول المنطقة.