أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يصدر العدد الثاني من مجلة "اتجاهات آسيوية"
  • أ. د. نيفين مسعد تكتب: (عام على "طوفان الأقصى".. ما تغيّر وما لم يتغيّر)
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (بين موسكو والغرب: مستقبل جورجيا بعد فوز الحزب الحاكم في الانتخابات البرلمانية)
  • د. أيمن سمير يكتب: (هندسة الرد: عشر رسائل للهجوم الإسرائيلي على إيران)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (من المال إلى القوة الناعمة: الاتجاهات الجديدة للسياسة الصينية تجاه إفريقيا)

انتخابات طهران:

حدود التغيير المتوقع في المؤسسات الإيرانية

25 فبراير، 2016


تُجرى انتخابات مجلس الشورى الإسلامي (البرلمان) ومجلس خبراء القيادة في إيران يوم 26 فبراير 2016، حيث سيختار الإيرانيون 290 مقعداً لمدة أربع سنوات من بين أكثر من ستة آلاف مرشح لعضوية مجلس الشورى، و88 مرشحاً من بين إجمالي 161 مرشحاً لمجلس الخبراء.

وتعد هذه واحدة من أهم الانتخابات الإيرانية منذ الثورة الإسلامية عام 1979، على اعتبار أنها تعد استفتاء على مسار البلاد الحالي فيما يتعلق بالانفتاح على الغرب وكذلك الولايات المتحدة بعد الاتفاق النووي الأخير، ومن ثم يأمل الرئيس الإيراني "حسن روحاني" من خلال الانتخابات تعزيز سلطته أمام تيار المحافظين المتشدد.

كما أن "مجلس الخبراء" المقرر انتخابه لمدة ثماني سنوات سيكون عليه اختيار خليفة المرشد الأعلى الحالي "علي خامنئي" (76 عاماً) الذي يعاني تدهور حالته الصحية.

السياق العام للانتخابات الإيرانية

تُجرى الانتخابات الإيرانية الحالية في ظل ظروف قد تؤثر على نتائجها المحتملة، ومن أبرزها ما يلي:

1– الحالة الصحية المتراجعة للمرشد الأعلى للثورة الإسلامية "علي خامنئي"، والذي يشغل أهم منصب في النظام السياسي الحاكم. وتخشى الأطراف المتشددة من الرحيل المفاجئ لـ"خامنئي"، لذا ترغب في ترتيب الأوضاع بشكل يضمن لهذا التيار المحافظ المتشدد استمراره في السيطرة على مفاصل الدولة، والإبقاء على وضعيته الراهنة.

2- طموح عدد من الشخصيات البارزة في تولي منصب المرشد الأعلى للثورة الإسلامية، خاصةً "علي أكبر هاشمي رافسنجاني" الذي ارتبط اسمه بأحداث عدة منذ ثورة 1979، كما أنه ينسب الفضل لنفسه في تولي المرشد الحالي "خامنئي" مقاليد الأمور بعد وفاة مؤسس النظام الإسلامي الإيراني آية الله "الخميني"، إذ دعمه في مواجهة المعارضين له آنذاك.

3– تجاذب التيارين الرئيسيين في إيران، سواء المحافظين المتشددين أو الإصلاحيين، على دعم وضعيتهم في الداخل، خاصةً مع نجاح التيار الإصلاحي في تحقيق عدد من الإنجازات على الصعيدين السياسي والاقتصادي، لاسيما بعد دخول الاتفاق النووي مع الغرب حيز النفاذ بعد التقرير الأخير للوكالة الدولية للطاقة الذرية الذي صدر في منتصف يناير 2016، وما ترتب عليه من كسر حالة العزلة التي ظلت تعيشها إيران لفترة طويلة، والرفع التدريجي للعقوبات المرتبطة بالبرنامج النووي، فضلاً عن التحولات الداخلية المرتقبة نتيجة حالة الانفتاح المتوقعة بسبب الاستثمارات الأجنبية.

وتعطي هذه التطورات للتيار الإصلاحي بقيادة الرئيس "حسن روحاني"، أفضلية على الصعيد الشعبي في مواجهة الحالة المتشددة التي يرفضها كثير من الشباب الإيراني الساعي للخروج من عباءة النظام الحاكم بشكله الحالي.

4- رغبة المتشددين في الحفاظ على سيطرتهم على المؤسسات الاقتصادية الرئيسية التي تمثل عصب الدولة الإيرانية، لاسيما قطاعي النفط والغاز، ويأتي على رأس هؤلاء الحرس الثوري الإيراني الذي يعد الهيئة الرئيسية التي يعتمد عليها النظام الإيراني في دعم وضعيته الداخلية، فضلاً عن كونه ذراعه الطولى لتصدير الثورة الإسلامية بنمطها الحالي للخارج، ويدعمه رجال الدين المتشددون الذين يرون في حالة الانفتاح على الغرب تهديداً رئيسياً لهم.

5- تحكم التيار المحافظ المتشدد في مجريات العملية الانتخابية سواء مجلس الشورى الإسلامي أو مجلس الخبراء، حيث يسيطر على مجلس صيانة الدستور المكلف بالإشراف على الانتخابات وتحديد المرشحين. كما تُجرى هذه الانتخابات تحت إشراف المرشد الأعلى للثورة الإسلامية، والحرس الثوري الإيراني، وغيرهما من دوائر السلطة والمؤسسات المنتمية للتيار المحافظ.

تأثير أكبر لانتخابات مجلس الخبراء

على الرغم من أنه من المقرر إجراء انتخابات مجلس الشورى الإسلامي في ذات اليوم مع انتخابات مجلس خبراء القيادة، غير أن نتيجة الأخيرة يُرجح أن يكون لها أثر أكبر في المدى الطويل.

ويتكون "مجلس خبراء القيادة" حالياً من عدد 86 عضواً (تُجرى الانتخابات القادمة على عدد 88 مقعداً في دورته الجديدة)، وترجع أهميته من كونه الجهة المُناط بها اختيار المرشد الأعلى للثورة الإسلامية، والنظر في مدى صلاحية من يتولى هذا المنصب للاستمرار فيه. ولذلك، فإن هذا المجلس هو الأبرز ضمن الهيكل التنظيمي داخل تركيبة النظام مؤسساتياً منذ نشأته.

وعليه، فإن المرشد الأعلى "علي خامنئي" حرص، منذ توليه منصبه، للسيطرة على مجلس الخبراء من خلال التحكم في أعضائه، لاسيما هيئته العليا، كضمانة لعدم وجود معارضة فاعلة تهدد وضعية المرشد أو تشكك فيها، خاصةً مع سابق وجود عدد من المراجع الدينية الشيعية التي ظلت على خلاف كبير مع "خامنئي" سواء داخل المجلس أو خارجه، ومن أبرزهم آية الله "حسين علي منتظري" الذي سبق له تولي منصب نائب المرشد الأعلى "الخميني"، وعُزل من منصبه بعد احتجاجه على الإعدامات التي جرت عام 1988 لمعارضي النظام، وظل تحت الإقامة الجبرية في "قم" منذ ذلك التاريخ حتى وفاته في 19 ديسمبر 2009.

وينص دستور الجمهورية الإسلامية في إيران على أن "مجلس خبراء القيادة" هو الذي يعين الشخصية الدينية التي تتوافر فيها كل الشروط الدينية والفقهية لتولي منصب قائد الثورة الإسلامية "الولي الفقيه" الذي هو المحور الأساسي في نظامها، والتي من بين صلاحياته أيضاً رسم السياسات العامة للنظام والإشراف على مدى سلامة تنفيذ هذ السياسات من الناحية الدينية والدستورية، وتعيين وعزل فقهاء "مجلس صيانة الدستور"، ورئيس السلطة القضائية، ورئيس مؤسسة الإذاعة والتليفزيون، ورئيس هيئة الأركان المشتركة للقوات المسلحة، ولديه سلطة إعلان الحرب، وكذلك التوقيع على أمر تنصيب رئيس الجمهورية بعد انتخابه من قبل الشعب وعزله أيضاً.

وإذ كان "مجلس خبراء القيادة" هو من ينتخب المرشد الأعلى للثورة الإسلامية، فيحق للمجلس أيضاً حسب الدستور عزل المرشد إذا ثبت عجزه عن أداء واجباته، أو فقد مؤهلاً من مؤهلات اختياره.

الانتخابات البرلمانية واستبعاد التغيير

تمثل الانتخابات الحالية تحدياً شديداً للنظام الحاكم في إيران على خلفية الصراع الداخلي بين الإصلاحيين والمتشددين، فالتيار الإصلاحي، الذي يرأسه حالياً الرئيس "حسن روحاني" ويسانده في خلفية المشهد عدد من الشخصيات البارزة وفي مقدمتهم الرئيسان الأسبقان "محمد خاتمي" و"هاشمي رافسنجاني"، يسعى لاستثمار حالة الزخم الشعبي المساند له منذ نجاحه في توقيع الاتفاق النووي الذي بموجبه تقلصت الضغوط الاقتصادية المفروضة على إيران منذ أمد بعيد.

وفي مواجهة ذلك، وارتباطاً بإدراك المتشددين تراجع شعبيتهم لدى القطاعات الرئيسية من المواطنين، خاصةً في المدن الكبرى وبين الفئات العمرية الشابة، فقد لجأ هذا التيار إلى الاعتماد على "مجلس صيانة الدستور"، الذي يبت في مدى صلاحية كل مرشح لخوض الانتخابات، لإقصاء معارضيه أو التيارات والأشخاص التي لا يرغب المحافظون المتشددون في صعودها على المستوى السياسي.

وعلى صعيد موقف المرشد الأعلى للثورة الإسلامية "علي خامنئي"، فإنه يسعى لبقاء خيوط المعادلة بين يديه، وبالتالي فإن أي حديث عن وقوع تعديلات على مسار أو هيكل النظام بشكله الحالي يعتبر أمراً غير وارد، نظراً لعدم وجود رغبة حقيقية لدى النظام الإيراني في إحداث أي تغيرات، على اعتبار أن مجرد التفكير في ذلك سيفتح المجال لمزيد من التطلعات في التغيير من داخل المجتمع الذي يمثل الشباب القطاع الأعرض فيه.

ولا يمكن إغفال حجم الضغوط التي يتحسب لها "خامنئي" من جانب مؤسسة الحرس الثوري والمؤسسات الأخرى المتشددة أو المحسوبة على التيار المتشدد، بالإضافة إلى رجال الدين المساندين والساعين للحفاظ على مكتسباتهم ووضعيتهم داخل الدولة، فضلاً عن أن حدوث أي تغيير لصالح الإصلاحيين سيمثل بالتبعية تحدياً رئيساً لسلطة المرشد وصلاحياته شخصياً، الأمر الذي يسعى دائماً "خامنئي" لتفاديه بشتى السبل.

وأكد "خامنئي" في تصريحات أخيرة قبل الانتخابات أن الشعب الإيراني يريد برلماناً شجاعاً في مواجهة الولايات المتحدة، وفق ما نقلت وسائل الإعلام الإيرانية.

الخلاصة، إن احتمالات حدوث تغيرات جذرية على التركيبة الحالية داخل مجلس الشورى الإسلامي الإيراني (البرلمان) على نحو يؤدي إلى فوز الإصلاحيين بهذه الانتخابات، هو أمر غير متوقع، في ظل مساعي المحافظين المتشددين للسيطرة على البرلمان، لموازنة الموقف في مواجهة الرئيس "روحاني"، فضلاً عن التحكم في التشريع بشكل عام، وهو ما يعكسه استبعاد عدد كبير من المرشحين الإصلاحيين من جانب "مجلس صيانة الدستور"، والتضييق على الحملات الانتخابية لمن تم قبول ترشحهم.

ويُعطي ذلك انطباعاً بأن المرشد الأعلى "خامنئي" قد حسم الأمر لصالح عدم إحداث تحولات داخل النظام الإيراني، واختياره موازنة المكاسب بين التيارين الرئيسيين المتصارعين في الوقت ذاته.

وينطبق الأمر ذاته على انتخابات "مجلس خبراء القيادة"، في ضوء رغبة التيار المتشدد في السيطرة على الكتلة التصويتية الرئيسية بهذا المجلس، لأنه سيكون منوطاً به اختيار خليفة المرشد الحالي.

مُجمل القول، تشير التقديرات إلى عدم حدوث تغيير متوقع لمصلحة الإصلاحيين والمعتدلين سواء في انتخابات مجلس الشورى الإسلامي أو مجلس خبراء القيادة اللذين يهيمن عليهما المحافظون المتشددون.