استضاف مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، الأستاذ علي بكر، الباحث في مجلة السياسة الدولية، ورئيس برنامج دراسات الحركات الإسلامية بالمركز الإقليمي بالقاهرة، يوم 10 مارس 2015، في لقاء عام ناقش قضية "نساء داعش"، حيث تناول بكر عدداً من المحاور المهمة المرتبطة بتصاعد ظاهرة نشاط العنصر النسائي داخل هذا التنظيم الإرهابي.
تحول دور المرأة داخل التنظيمات العنيفة
أشار بكر في البداية إلى أن ظاهرة النساء المقاتلات في صفوف "داعش" أثارت العديد من التساؤلات، خاصة بعد تزايد أعدادهن ضمن صفوف التنظيم من جانب، واكتشاف بعض الشبكات التي تعمل على تجنيد النساء والفتيات للانضمام إلى التنظيم من عدة دول أوروبية من جانب آخر. وأكد أن هناك ظاهرة أخرى تستحق التوقف، وهي أن "داعش" قدم نموذجاً إرهابياً مختلفاً عن سائر التنظيمات الجهادية السابقة، فتاريخياً كان دور المرأة محدوداً، وهو غالباً دور دعوي، داخل التنظيمات العنيفة، فلم تلعب أدوراً سياسية وعسكرية كتلك التي تمارسها داخل "داعش" حالياً، حيث تحولت المرأة إلى العمل المسلح، بما في ذلك المقاتلات الأوروبيات، بل كانت تطيع القائد أو المرشد، أما اليوم فإنها تذهب وتسافر لبلاد أخرى لتبايع "الخليفة".
وقد أصبحت ظاهرة تعاظم دور نساء "داعش" مهمة أيضاً بالنظر إلى عاملين، أولهما التأثير الذي يمكن أن يؤدي إليه وجود هذه الأعداد في الأراضي التي يسيطر عليها "داعش"، خصوصاً في سوريا والعراق. وثانيهما الخطر المتعلق بأعداد المنضمات إلى التنظيم ودوافعهن ومستقبلهن في حالة عودتهن إلى دولهن الأصلية، فإضافة إلى العراق وسوريا، انضمت للتنظيم نساء ومقاتلات من دول شمال أفريقيا ومنها تونس ومصر، علاوة على السعودية، وانضمت كذلك أعداد من النساء من الدول الغربية، خاصة فرنسا وبريطانيا، وتتراوح أعمارهن في الأغلب بين 18 و21 سنة.
دوافع النساء للانضمام إلى "داعش"
فيما يتعلق بدوافع انضمام النساء إلى "داعش"، ذكر بكر أن هذا التنظيم استطاع أن يكون أكثر جذباً لهن على الرغم من أنه الأكثر وحشية وقسوة، مرجعاً ذلك إلى عدد الأسباب المختلفة التي تدفع النساء إلى الانضمام إلى "داعش"، وعلى رأسها:
1 ـ الدوافع الشخصية، وتتمثل في رغبة النساء العراقيات والسوريات في رد الفعل والثأر، فقد تعرضت الكثير منهن لظروف قاسية، فمنهن من فقدت أبناءها أو زوجها أو أفراداً من أسرتها بالكامل أو تعرضن للخطف أو التعذيب، فكان خيار الانضمام إلى "داعش" هو الحل الأمثل للانتقام، هذا علاوة على إمكانية الحياة في ظل حماية جديدة، حتى لو كانت من "داعش".
2 ـ الدوافع الطائفية، وتتمثل في أن الحرب الأهلية في العراق وسوريا أدت إلى تحول الصراع من صراع سياسي إلى صراع طائفي بالدرجة الأولى، وهو ما دفع كثير من النساء للانضمام إلى "داعش"، ليس من باب القناعة بفكر التنظيم، وإنما من باب الدفاع عن عقيدة أهل السنة، وأن "داعش" هي الطريق الوحيد إلى قيام دولة إسلامية سنية.
3 ـ الدوافع الأيديولوجية، وتتمثل في الجاذبية الفكرية الموجودة في الفكر الداعشي، حيث لامس إعلان التنظيم "دولة الخلافة" وتراً عند بعض المسلمين الذين لديهم فهم خاطئ لمفهوم الدولة، وتصورات مغلوطة عن التاريخ الإسلامي، بحيث أصبح الالتحاق بالدولة الإسلامية والحياة في كنفها هو أمنية العديد من الإسلاميين "أو المتأسلمين"، ومنهم النساء.
4 ـ الدوافع الاجتماعية، إذ تواجه العديد من النساء المسلمات في المجتمعات الغربية حالة اغتراب في مجتمعاتهن، خاصة إذا كن ممن أشهرن إسلامهن، مما يدفع بهن للسفر للالتحاق بـ"داعش" من أجل العيش في دولة إسلامية لا يشعرن فيها بالاغتراب.
5 ـ الدوافع الإنسانية، فالعديد من السيدات الغربيات اللاتي هاجرن للعيش في "داعش" قد نشأن على القيم الغربية، مثل العدالة والمساواة وحقوق الإنسان، ومن ثم - وبناء على هذه الدوافع والقيم – فإنهن ينظرن إلى ترك الشعب السوري يُقتَل بهذه البشاعة وتغاضي الحكومات الغربية عن ذلك أمر لا يمكن تحمله، ما يدفعهن إلى الذهاب إلى تقديم المساعدات الإنسانية للفقراء.
وأشار بكر إلى أن كافة هذه الدوافع تكاد تنطبق بالطبع على كل من النساء والرجال، لكنه أكد على أن ذلك يعد جزءاً من استراتيجية التجنيد والدعاية من تنظيم "داعش"، فكافة التنظيمات "الجهادية" لا تفرق كثيراً في مسألة التجنيد والحشد، وهو ما تفوق فيه "داعش" على سائر التنظيمات الأخرى، كما أنه ربما أوجد شبكات عبر مواقع التوصل الاجتماعي مهمتها تجنيد الفتيات، سواءً من الدول العربية أو الأوروبية، وغيرها.
دور "الداعشيات"
على الرغم من أن أغلب الحركات السلفية ترى أن مشاركة النساء في الحياة العامة يجب أن تقتصر على المنزل ورعاية الأطفال والأزواج "المجاهدين"، فإن تنظيم "داعش" أدخل قيماً مختلفة، تتمثل في حمل النساء السلاح، بالإضافة إلى القيام بأعمال المساعدات الإنسانية والتمريض ورعاية الجرحى والقيام ببعض المهام اللوجستية، مثل توصيل الأموال للمجاهدين أو العمل في الشرطة النسائية، بالإضافة إلى التدريب على حمل السلاح، وبعضهن يقمن بأنشطة على الإنترنت من أجل تجنيد فتيات أخريات.
وأشار المحاضر إلى أن عدد السيدات الأجانب المنتميات إلى التنظيم بلغ حوالي 10% كنسبة من إجمالي المقاتلين من الأجانب، لكنه أكد على غياب الأرقام الحقيقية الدقيقة عن عدد "الجهاديات في التنظيم". وتعد فرنسا إحدى أهم الدول التي تأتي منها النساء، فقد وصل عددهن إلى ما يقرب من 100 إلى 150 امرأة؛ ومن ثم يعتبر المحللون، وفقاً للمحاضر، أن هناك ما يمكن اعتباره ظاهرة التحول في دور المرأة من مجرد العمل الدعوي ورعاية الأسرة والاطفال والإنجاب إلى العمل المسلح.
تداعيات محتملة
تطرق المحاضر إلى سؤال شديد الأهمية حول التداعيات التي يمكن أن تكون محتملة من جراء تدفق أعداد من النساء للانضمام لتنظيم "داعش"، خاصة في العراق وسوريا، وذكر أبرز هذه التداعيات فيما يلي:
1 ـ المساهمة في ترسيخ أركان "الدولة الإسلامية"، فظهورهن ضمن قوات التنظيم وهن يحملن السلاح في وسائل الإعلام، يعكس أمام العالم إيمان النساء والرجال بـ "عدالة القضية"، كما يوضح أن هناك تطوراً فكرياً ألم بالفكر الإسلامي فيما يخص بمشاركة المرأة في الحياة السياسية.
2 ـ إيجاد واقع سكاني جديد بسبب زيادة أعداد المهاجرات إلى أراضي "داعش"، نتيجة عملية الدعوة التي تقوم بها الداعشيات من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، والتي تؤدي إلى استقطاب أعداد إضافية من الراغبات في "الجهاد"، مما يؤدي إلى انتشار حالات الزواج بينهن وبين المقاتلين الأجانب من "داعش"، إذ عادة ما يحدث الزواج بين الجنسية ذاتها، مما يؤدي إلى إيجاد واقع سكاني جديد في المنطقة التي يسطر عليها التنظيم، والتي قد يصعب تغييرها في المستقبل.
3 ـ التداعيات المحتملة الناتجة عن خطر العائدات من المقاتلات إلى مجتمعاتهن الأصلية، وما يمكن أن تقمن به من نشر العنف، حيث إنهن يحملن وتشبعن بمبادئ العنف والتطرف.