أخبار المركز
  • شريف هريدي يكتب: (الرد المنضبط: حسابات الهجمات الإيرانية "المباشرة" على إسرائيل)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (عام على حرب السودان.. ترابط المسارين الإنساني والسياسي)
  • د. أحمد أمل يكتب: (إرث فاغنر: هل قاد "التضليل المعلوماتي" النيجر للقطيعة مع واشنطن؟)
  • عادل علي يكتب: (موازنة الصين: دوافع تزايد الانتشار الخارجي للقوة البحرية الهندية)
  • إبراهيم فوزي يكتب: (معاقبة أردوغان: لماذا خسر حزب العدالة والتنمية الانتخابات البلدية التركية 2024؟)

الردع الممتد:

هل مثلت قمة بايدن – يون تهديداً لكوريا الشمالية والصين؟

03 مايو، 2023


قام رئيس كوريا الجنوبية، يون سوك يول، بزيارة دولة رسمية نادرة، هي الأولى من نوعها لزعيم كوري جنوبي منذ ما يزيد عن عقد من الزمن، إلى واشنطن خلال الفترة من 24 إلى 30 إبريل 2023، عقد خلالها قمة مع نظيره الأمريكي، جو بايدن، شهدت مناقشة عدة قضايا من بينها تعزيز التحالف العسكري والتعاون الاقتصادي والأمني بين البلدين.

تهديدات لكوريا الشمالية

تضمنت قمة رئيسي الولايات المتحدة الأمريكية وكوريا الجنوبية، عدة رسائل تهديدية صريحة تجاه كوريا الشمالية، تمثلت في التالي:

1- التهديد بإسقاط نظام بيونغ يانغ: وجه بايدن، أثناء المؤتمر الصحفي مع يون، تحذيراً رسمياً شديد اللهجة إلى كيم جونغ أون، زعيم كوريا الشمالية، مفاده اتجاه واشنطن إلى إنهاء النظام الحاكم في بلاده في حالة إقدامه على شن هجوم نووي ضد الولايات المتحدة، أو أحد حلفائها، وهو ما يشير إلى سعي واشنطن لطمأنة حلفائها في جنوب شرق آسيا، وخاصة كوريا الجنوبية.

2- تحييد خطر كوريا الشمالية: تمثل أحد أهداف قمة بايدن – يون في توجيه رسالة تحذيرية شديدة اللهجة إلى بيونغ يانغ، مفادها الحذر، مما يمكن أن تواجهه من تداعيات حال إقدامها على شن هجوم نووي ضد جارتها الجنوبية.

ويتضح ذلك في ضوء تبني يون وبايدن "إعلان واشنطن" الذي يعزز بشكل كبير تعاونهما في الشأن الدفاعي بما في ذلك النووي. وتشمل الإجراءات التي تقررت بموجب هذا الإعلان، إرسال غواصة نووية أمريكية إلى مياه كوريا الجنوبية، وهو أمر لم يحدث منذ ثمانينيات القرن العشرين، وتدابير أخرى بينها مشاركة مزيد من المعلومات في حال وقوع هجوم كوري شمالي. 

ويشير ذلك إلى إمكانية استخدام الولايات المتحدة أسلحتها النووية للدفاع عن كوريا الجنوبية بموجب ما تسميه "الردع الممتد" الذي يعزز التزام واشنطن بتعبئة قدراتها العسكرية الشاملة، بما في ذلك النووية، للدفاع عن حليفتها.

3- محاولة دفع بيونغ يانغ للحوار: على الرغم من اللهجة المتشددة التي تضمنها "إعلان واشنطن" تجاه كوريا الشمالية، فإنه لم يغلق باب الحوار مع بيونغ يانغ، وهو ما أكده رئيسا البلدين. فقد أكد بايدن أهمية مواصلة مساعي الحوار مع كوريا الشمالية، بهدف تعزيز الاستقرار في شبه الجزيرة الكورية، والحد من خطر الانتشار النووي، علاوة على معالجة قضايا حقوق الإنسان. وبدوره، أكد يون انفتاحه على الحوار مع الجار الشمالي على الرغم من تأكيده في خطاب ألقاه أمام الكونغرس، أن بلاده سترد بحزم على الاستفزازات الكورية الشمالية، إلا أنه في النهاية قال إن بلاده ستبقي باب الحوار مفتوحاً حول نزع السلاح النووي الكوري الشمالي.

رسائل ضمنية للصين 

بجانب الرسائل الصريحة التي تضمنتها القمة إزاء كوريا الشمالية، فقد انطوت أيضاً على رسائل أخرى ضمنية للصين، الحليف الوثيق لبيونغ يانغ، يمكن توضيح أبرزها على النحو التالي:

1- ضمان الأمن في مضيق تايوان: أكدت القمة أهمية الحفاظ على السلام والاستقرار في مضيق تايوان كعنصر رئيسي للأمن والازدهار في المنطقة، وكذلك ضمان حرية الملاحة في بحر الصين الجنوبي، بينما لم يشر "إعلان واشنطن" إلى ذلك الأمر، وهو ما قد يعني أن التعاون الدفاعي بين سيول وواشنطن سوف يقتصر على كوريا الشمالية، ولن يمتد إلى الصين.

ويلاحظ أن الموقف الكوري الجنوبي من المسألة التايوانية قد شهد تحولاً، إذ بعدما كانت سيول تمتنع عن اتخاذ أي موقف من شأنه إثارة غضب الصين حول تايوان، اتجه الرئيس يون إلى تبني موقف مغاير، فقد استبق زيارته لواشنطن بتصريح لوكالة رويترز أكد فيه أن التوتر بين الصين وتايوان "مسألة دولية" على غرار كوريا الشمالية، ملقياً مسؤولية التوتر المتصاعد على "محاولات تغيير الوضع القائم بالقوة"، وموضحاً أنه يعارض تلك المحاولات، وعاد أثناء القمة مع نظيره الأمريكي ليؤكد أهمية ضمان الاستقرار في المضيق، وهو ما يعني ضمناً معارضة أي محاولة من جانب الصين لضم تايوان بالقوة، وهو موقف أثار غضب بكين.

2- تحالف محتمل في مواجهة بكين: يُعد الاتفاق الجديد بين سيول وواشنطن لنشر غواصات أمريكية مسلحة نووياً في كوريا الجنوبية تطوراً مقلقاً للصين، باعتباره مؤشراً على إمكانية اتجاه كوريا الجنوبية تدريجياً لدعم الاستراتيجية الأمريكية لاحتواء الصين. 

ولعل ما يشير إلى ذلك الأمر، إعلان الرئيس يون دعم بلاده لما أسماه "الجهود التعاونية التي تدعمها الولايات المتحدة لضمان الأمن والاستقرار في المنطقة بما في ذلك إقامة تحالف أوكوس"، وهو ما يعني ضمناً القبول بالتحالفات الأمنية التي تؤسسها واشنطن لتطويق الصين، خاصة وأن هذا التحالف تحديداً يستهدف مراقبة التحركات البحرية للصين، في المحيطين الهادئ والهندي. 

3- غياب الإشارة إلى قضية الرقائق: لم يتضمن البيان المشترك للقمة الإشارة إلى أشباه الموصلات. ومارست واشنطن ضغوطاً على كوريا الجنوبية، في السابق، لكي تنضم إلى ضوابط التصدير، التي تسعى الأولى لفرضها على الصين، فيما يتعلق بأشباه المواصلات المتطورة، وذلك من أجل تقييد التطور التكنولوجي والعسكري للصين، غير أن سيول لم تستجب بعد لهذه الضغوط. وأكد الرئيسان في حديثهما لوسائل الإعلام اعتزامهما تطوير التعاون بينهما في مجال الرقائق والتكنولوجيا الكمومية وغيرها من مجالات التعاون دون الإشارة إلى الصين. 

كما طلبت واشنطن أخيراً من كوريا الجنوبية حث صانعي الرقائق على عدم سد أي فجوة في السوق الصيني إذا منعت بكين شركة ميكرون تكنولوجي الأمريكية لتصنيع رقائق الذاكرة من بيع منتجاتها في السوق الصيني، إذ أعلنت، بكين في مارس 2023، أنها ستجري مراجعة أمنية لمنتجات ميكرون المباعة في البلاد، وليس من الواضح بعد نتائج هذه الضغوط.

مظلة أمريكية محدودة الفاعلية

يلاحظ أنه على الرغم من أهمية إعلان واشنطن، فإنه لا يخلو من الانتقادات، حيث رأى العديد من المحللين أنه جاء قاصراً عن الرد على التهديدات التي تفرضها كوريا الشمالية، وهو ما يمكن تفصيله على النحو التالي: 

1- مقايضة ثنائية: يلاحظ أن كوريا الجنوبية غيرت سياستها تجاه الصين، فقد كانت تتجنب إثارة غضب الصين، عبر تأكيد دعم سياسة صين واحدة، كما أنها رفضت الانضمام إلى تحالف الرقائق الرباعي الذي كانت واشنطن تسعى لتأسيسه في مواجهة الصين، غير أنه بدا من الواضح أن سيول اتجهت للتجاوب مع الضغوط الأمريكية عبر دعم الاستقرار في مضيق تايوان، وهو ما يعني ضمناً رفض محاولات بكين ضم تايوان بالقوة العسكرية، فضلاً عن دعم التحالفات الأمنية الأمريكية في جنوب شرق آسيا. ويبدو أن ذلك جاء نظير الحصول على المظلة النووية الأمريكية. 

2- إجراءات قاصرة: يلاحظ أن إعلان واشنطن لم يسهم في الضغط على كوريا الشمالية لوقف إجراءاتها الاستفزازية، مثل إجراء تجارب الصواريخ البالستية، أو التجارب النووية، والتي تهدف كوريا الشمالية من خلالها إلى تأكيد امتلاكها لأسلحة نووية متنوعة، استراتيجية وتكتيكية، فضلاً عن قدرتها على تهديد البر الأمريكي الرئيسي. فقد أطلقت بيونغ يانغ، في عام 2022 وحده، أكثر من مئة صاروخ، كشفت عن قدرتها على جعل ترسانتها من الصواريخ أسهل في الإطلاق، ويصعب تعقبها، وقادرة على حمل رؤوس حربية نووية متعددة. 

3- ردع ممتد محدود: يلاحظ أن كوريا الجنوبية كانت تستضيف أسلحة نووية أمريكية حتى عام 1991، حينما قررت واشنطن سحبها. وتظهر استطلاعات الرأي الكورية الجنوبية وجود دعم شعبي لفكرة استضافة أسلحة نووية أمريكية، أو حتى امتلاك سيول لأسلحة نووية، إذ يدعم 70% من المستطلع آراؤهم أحد الخيارين. 

وفي المقابل، جاء إعلان واشنطن محدوداً، إذ أكدت سيول احترامها لمعاهدة حظر الانتشار النووي، أي أنها لن تسعى لامتلاك السلاح النووي، كما أن واشنطن سوف يقتصر ردعها النووي على نشر غواصة نووية أمريكية في كوريا الجنوبية. ومن الواضح أن هذا الخيار قد لا يمثل ردعاً كافياً لبيونغ يانغ، خاصة في ظل التطور، النوعي والكيفي، لقدرات كوريا الشمالية النووية. 

ردود إقليمية رافضة

بالنظر إلى استهدافهما من جانب قمة بايدن – يون، فقد قابلت كل من كوريا الشمالية والصين مخرجات القمة بردود فعل قوية، يمكن توضيحها على النحو التالي:

1- رفض الاستفزاز النووي: رفضت بيونغ يانغ تهديدات القمة الأمريكية – الكورية الجنوبية ضدها، واعتبرت أن "إعلان واشنطن" مؤامرة حرب نووية خطرة تتستر بلافتة الأمن، وذهبت إلى أن زيارة يون تمثل استفزازاً على طريق الحرب النووية، كما أنها ستجعلها أكثر إصراراً على تعزيز ردعها العسكري ضد جارتها الجنوبية وحليفتها واشنطن.

ورأت كيم يو جونغ، شقيقة الزعيم الكوري الشمالي، كيم جونغ أون، أن الاتفاق المبرم بين سيول وواشنطن لتعزيز الأمن في كوريا الجنوبية، سيؤدي إلى تعريض السلام والأمن في شمال شرق آسيا والعالم لخطر أكبر، مؤكدة أن بلادها مقتنعة بضرورة تحسين برنامجها الخاص للردع النووي، وهي التصريحات التي رأت وزارة التوحيد في كوريا الجنوبية أنها تشير إلى أن التوترات العسكرية في شبه الجزيرة الكورية يمكن أن "تتصاعد بشكل كبير إلى مستويات مماثلة للعام 2017".

وتشير تعليقات كوريا الشمالية على مخرجات القمة إلى أنها سوف تستمر في سياسات تعزيز قوتها النووية. وأجرت خلال الأشهر الماضية سلسلة من التجارب على أسلحة، شملت إطلاق العديد من أقوى صواريخها البالستية العابرة للقارات. كما أعلنت إطلاق "نوع جديد" من هذه الصواريخ يعمل بالوقود الصلب، في خطوة عدّها كيم جونغ أون "كبيرة" ضمن برنامج بلاده للتسلح. ووصفت كوريا الشمالية العام الماضي وضعها كقوة نووية بأنه "نهائي ولا رجعة فيه"، مستبعدة أي إمكانية لإجراء مفاوضات بشأن التخلي عن الأسلحة النووية. 

2- دعم صيني لبيونغ يانغ: تمثلت أبرز ملامح الرد الصيني على مخرجات القمة في التالي:

أ- رفض استهداف كوريا الشمالية: رفضت بكين ما تضمنته مخرجات القمة من مواقف تجاه كوريا الشمالية، متهمة واشنطن وسيول بالعمل على زعزعة الأمن والاستقرار وزيادة حدة التوترات في شبه الجزيرة الكورية، وطالبت جميع الأطراف بضرورة التركيز على جوهر قضية شبه الجزيرة الكورية والقيام بدور بناء في تعزيز التسوية السلمية للقضية، علاوة على أنها رأت أن التحركات الأمريكية "تؤدي إلى تفاقم التوترات في شبه الجزيرة الكورية وتقويض السلام والاستقرار الإقليميين، وتتعارض مع هدف إخلاء شبه الجزيرة من الأسلحة النووية". 

وكان الرئيس الصيني شي جين بينغ قد أبدى عزمه دفع العلاقات مع كوريا الشمالية نحو "مستوى أعلى"، وذلك في رسالة بعث بها إلى زعيمها كيم جونغ أون، في 18 إبريل 2023، وهو ما يعني أن الاتفاق الأمريكي – الكوري الجنوبي الأخير سوف يعزز هذا التوجه الصيني. 

ب- رفض إقحام الصين في بيان القمة: قدمت بكين احتجاجاً رسمياً ضد ما وصفته بالتعبيرات الخاطئة التي أوردها البيان المشترك عن الصين، وخاصة بشأن السلام حول مضيق تايوان، معربة عن "استيائها الشديد"، محذرة من أنه يتعين على كوريا الجنوبية والولايات المتحدة الاعتراف بوضوح بواقع قضية تايوان واحترام سياسة صين واحدة، وحثتهما على توخي الحذر في أقوالهما وأفعالهما حول هذه القضية.

ج- انتقاد المظلة النووية الأمريكية: شجبت الصين خطة الولايات المتحدة لإرسال غواصة نووية بالستية إلى كوريا الجنوبية، وغيرها من "الأصول الاستراتيجية الأمريكية" الفرعية في شبه الجزيرة الكورية، مُرجعة ذلك إلى "المصالح الجيوسياسية الأنانية" لأمريكا، نتيجة "لعقلية الحرب الباردة"، واتهمت واشنطن بـ "تأجيج المواجهة" في شبه الجزيرة الكورية.

د- تبني لهجة تصالحية تجاه سيول: لم تتبنى بكين أي إجراءات انتقامية ضد سيول، وذلك بخلاف موقفها عام 2016، عندما اعتبرت قرار سيول بنشر نظام الدفاع الصاروخي المضاد للصواريخ "ثاد" الذي قدمته الولايات المتحدة ضد الصواريخ الكورية الشمالية بمثابة تهديد للأمن القومي للصين، وقامت وقتها بفرض عقوبات اقتصادية على كوريا الجنوبية. وربما ينبع موقف بكين من حرصها على تجنب دفع كوريا الجنوبية أكثر باتجاه المشاركة الفعلية في الجهود الأمريكية لاحتواء الصين، خاصة وأن موقفها تجاه "الأوكوس" لا يخرج عن الدعم الدبلوماسي، كما أنها لم تنضم فعلياً إلى أي تحالفات أمريكية تجاه الصين. 

وفي التقدير، يمكن القول إن زيارة رئيس كوريا الجنوبية لواشنطن كشفت عن تغير موقف الأولى من عدد من القضايا في شرق آسيا، خاصة الموقف من قضية تايوان، وكذلك التحالفات الأمريكية ضد الصين، ويبدو أن ذلك جاء مقابل الحصول على مظلة نووية أمريكية في مواجهة بيونغ يانغ، والتي لن تنجح في كبح السلوك العدائي للأخيرة. ويلاحظ أن المواقف الكورية الجنوبية تجاه الصين لا تزال مواقف دبلوماسية، أي أنها لم تنخرط في أي تحالف أمريكي تجاه الصين. وفي حالة أقدمت كوريا الجنوبية على ذلك، فإن ذلك الأمر سوف يصعد من التوترات في جنوب شرق آسيا.