عقد وزراء خارجية الدول الثلاثة الضامنة لمسار آستانة الخاص بسوريا (الروسي سيرجى لافروف والإيراني محمد جواد ظريف والتركي مولود تشاويش أوغلو) اجتماعهم السابع افتراضياً عبر الفيديو كونفرانس، في 22 إبريل الجاري. وفى حين لم يصدر بيان رسمي عن الاجتماع، أشار وزير الخارجية التركي، في تغريدة، إلى تفاصيل تتعلق بملف إدلب الذي كان الطرفان التركي والروسي قد توصلوا إلى اتفاق بشأنه في 5 مارس الفائت، وشرق الفرات، وتطورات العملية السياسية والوضع الإنساني وعودة اللاجئين، فيما قالت وكالة "مهر" الإيرانية للأنباء أن الوزراء الثلاثة اتفقوا على "احترام الاستقلال والسيادة الوطنية ووحدة الأراضي السورية وإيجاد حل سياسي للأزمة في هذا البلد"، كما كشفت أن الوزراء الثلاثة بحثوا 6 ملفات منها، إلى جانب إدلب، لجنة الدستور وعودة اللاجئين ومواجهة "كورونا" وفصل الإرهابيين عن المعارضة، وهى نتائج تشير إلى طبيعة اللقاء الذي يعد، في الأخير، آلية تنسيق ثلاثية بين الأطراف الثلاثة في سوريا.
مؤشرات عديدة:
على الرغم من إجراءات التباعد السياسي التي فرضتها أزمة "كورونا" على اللقاء الأخير، إلا أن الأجواء والملفات المدرجة على جدول النقاش عكست درجة عالية من الاهتمام من جانب الأطراف الثلاثة، في ظل العديد من المؤشرات، ومنها على سبيل المثال:
1- زيارة ظريف إلى سوريا: قام وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف بزيارة دمشق، في 20 إبريل الحالي، حيث التقى الرئيس بشار الأسد، وهى الزيارة التي أثارت تساؤلات وتكنهات كثيرة حول الدوافع المُلِحَّة التي دفعت ظريف إلى لقاء الأسد في مثل هذه الظروف، وقبيل انعقاد الآلية، وهو ما عكسته صور اللقاء، حيث ظهر الرئيس والوزير وهما يرتديان كمامة ودون أن يتصافحا، في لقاء لم يطل كثيراً. لكن أقرب تلك التهكنات أشارت إليها تقارير وسائل إعلام ايرانية، مثل صحيفة "كيهان" (الدنيا)، التي كشفت أن "المباحثات قد تكون تضمنت جس نبض القيادة السورية حول مبادرة طهران للعب دور الوساطة مع تركيا لتفعيل اتفاقية أضنة"، في الوقت الذي رأت فيه بعض الأوساط أن متابعة التنسيق حول عمل اللجنة الدستورية كان من ضمن تلك المحاور، مضيفة أن "المحادثات تضمنت البحث في البدائل العسكرية لتنصل تركيا من عدم تنفيذ بنود آستانة، ومواجهة الوجود الأمريكي شرقى الفرات، فضلاً عن جهود التصدي لإعادة انتشار القوات الأمريكية في سوريا والعراق".
2- تطورات العلاقات بين موسكو ودمشق: والتي شهدت جدلا ًغير مسبوق منذ بدء الانخراط الروسي فى الأزمة السورية، عكسته حملة هجومية فى وسائل الإعلام الروسية طالت الرئيس الأسد شخصياً، وهو ما فتح الباب أيضاً لتكهنات عديدة حول هذه الحملة وطبيعتها وأهدافها وعلاقة الإدارة الروسية بها، وانطوت العديد من التحليلات الروسية والدولية على أن طهران كانت القاسم المشترك في هذا المشهد، بالنظر إلى المنافسة على الهيمنة على القرار السياسي في دمشق، وطبيعة الانتشار الإيراني، وتطلعات طهران المستقبلية عموماً في سوريا، ومشروعها في الوصول إلى شرق المتوسط، على نحو فرض تلك الأجواء من الاحتكاك على صعيد الأطراف الثلاثة. لكن في المقابل، رجحت تقديرات أخرى أن حدة الخلافات تبدو أعلى من تلك التكهنات، لاسيما أن خطة إيران في سوريا ليست جديدة على روسيا، ودعم هذا الاتجاه أكثر زيارة ظريف إلى دمشق مؤخراً.
3- تداعيات جائحة "كورونا": على الرغم من أن سوريا، حتى الآن، لم تسجل المائة حالة الأولى من المصابين بـ"كورونا" بعد، وسط اعتقاد بأن مناطق الصراعات هى الأكثر عرضة لانتشار الوباء، إلا أن ظروف الحرب لا تسمح بشفافية في هذا الملف، وقد كشفت تقارير مؤخراً عن ظهور بعض حالات الاصابات في أوساط الإيرانيين والعراقيين العاملين تحت مظلة الحرس الثوري في سوريا، خاصة وأن بؤرة انتشار الفيروس في سوريا تتراوح بين دير الزور التي تشكل مفصل الحركة الحدودية لإيران عبر العراق، أو الأماكن الدينية في دمشق مثل مرقد السيدة زينب الذي يتواجد به عدد كبير من الزوار الإيرانيين. وقد أشار تقرير نشره موقع Middle East Eye إلى أن هناك تسريبات حول استمرار حركة الطيران بين طهران ودمشق عبر شركة ماهان المتهمة بنقل الوباء إلى إيران من الصين. ومن المرجح أن ثمة قلقاً من انتشار "كورونا" يتجاوز العلاقات الثنائية إلى درجة إثارة الملف عبر اللقاء الثلاثي.
4- تطورات التحركات الميدانية التركية في سوريا: يستحوذ ملف إدلب على أغلب مشهد التحركات التركية في سوريا، في حين عكست تقارير عديدة مؤخراً مستوى أعلى من التحركات التركية في سوريا في اتجاه المواقع الكردية، والمواقع التى تحتلها أنقرة في الشمال السورى، حيث الجولة الثالثة من نوعها لتوطين اللاجئين في تلك المواقع. لكن اللافت من بين تلك التطورات، هو الالتفاف التركي نحو الأكراد السوريين عبر المناطق الكردية العراقية، وفقاً لما كشف عنه مسئولون أكراد سوريون لصحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية من توتر حالي بين "الحزب الديمقراطي الكردستاني" و"الاتحاد الوطني الكردستاني" واحتمال إقدام الجيش التركي على فتح جبهة جديدة ضد "حزب العمال الكردستاني" بعد تقدم قوات "الحزب الديمقراطي" في بلدة زيني ورتي الاستراتيجية التي تمثل بوابة جبال قنديل في شمال العراق، لاعتقاد أنقرة أن "ذلك يعزز الحصار على مناطق الإدارة الكردية شمال شرقى سوريا وينذر باقتتال كردي – كردي"
تحركات متقاطعة:
لا يمكن فصل الجدل الذي يثار حول الموقف الروسي من تطورات الوجود الإيراني في سوريا، وتأييد النظام السوري لهذا التواجد، واستمرار رفع مستوى التنسيق بين الجانبين دون مشاركة روسيا، عن تحرك الأخيرة في الاتجاه المضاد عبر التفاهمات التي توصلت إليها مع تركيا في اتفاق إدلب الأخير، والذي أثار امتعاض النظام، خاصة وأن الجيش السوري كان يحرز تقدماً في مواقع نفوذ المعارضة المدعومة من جانب أنقرة، وهو التقدم الذي كان يجري تحت مظلة جوية روسية وكاد يصطدم بالوجود العسكري التركي في العديد من المواقع، وبالتالى اعتبر النظام أن روسيا قادت عملية تغيير لقواعد الاشتباك لصالح تركيا.
لم تكن إيران بعيدة عن تلك التطورات، حيث كررت عرض الوساطة بين الطرفين، وتحاول تضييق هوة الخلاف بين النظام السوري وأنقرة، عبر قناة ثنائية بعيدة عن روسيا التي تسعى، وفقاً لاتجاهات عديدة، إلى الحفاظ على تلك التناقضات بين حلفائها في سوريا. ومع ذلك، فإن هناك تقديرات ترى أن روسيا ربما تفرض فيتو على هامش حركة الأطراف في سوريا، خاصة كلما اقترب الوضع السوري من الحسم لصالح النظام، الذي تريد روسيا، في الأخير، التأكيد على أنها صاحبة الدور الأبرز في إنقاذه. لذا كان من بين ما أثيرت حوله علامات استفهام في الحملة الإعلامية الروسية ضد الأسد ما يتعلق بضرورة بقاءه في السلطة من عدمه، خاصة وأن هناك انتخابات في العام المقبل، وكذلك المواقف الخاصة بتفعيل اللجنة الدستورية، والتي اعتبرت آلية تستخدمها روسيا لتوسيع نطاق المناورة تجاه النظام، بشكل يكشف عن حجم التصدعات بين هذه الأطراف، لذا تبقى هناك أهمية للقاء آستانة للتنسيق فيما بينهم خشية انفراط العقد.
في النهاية، يبدو أن ثمة اتجاهاً جديداً طرأ على التفاعلات بين القوى الثلاثة المنخرطة في الصراع السوري (روسيا وإيران وتركيا)، سوف تتحول بمقتضاه إلى مسارات ثنائية لإدارة العلاقات المشتركة، مع الإبقاء على مسار آستانة كقناة للتعامل مع ما يمكن تسميته بـ"فائض التباينات" بين تلك المسارات الثنائية.