للحرب السورية ومصير بشار الأسد حضور مهم ومختلف بين المرشحين الأساسيين للرئاسة الفرنسية. فزعيمة «الجبهة الوطنية» مارين لوبن التي تتصدر استطلاعات الرأي ترى «أن بشار الأسد وحده هو الرادع ضد الدولة الإسلامية.» وأعربت عن إعجابها بالتدخل الأميركي بعد ما كان قاله دونالد ترامب من أن الولايات المتحدة لن تكون شرطي العالم. أما إمانويل ماكرون الذي يأتي في المرتبة الثانية في استطلاعات الرأي فدعا بوضوح الى عمل دولي منسق ضد نظام بشار الأسد بعد الهجوم الكيماوي الذي استهدف ريف إدلب. وقال ماكرون إن للشعب السوري عدواً هو بشار الأسد. أما فرانسوا فيون وهو في المرتبة الثالثة في الاستطلاعات فحاول أن يراعي موقفي أميركا وروسيا. إذ إنه تفهم الصدمة والرد الأميركي على الهجوم الكيمياوي المريع ولكنه قال إنه لا ينبغي أن يؤدي ذلك إلى مواجهة بين القوات الغربية وروسيا وإيران. وجان لوك ميلانشون المرشح الذي أصبح متساوياً مع فيون وفق الاستطلاعات انتقد بشدة الرئيس فرانسوا هولاند والمستشارة الألمانية وقال إنهما يتبعان واشنطن.
إن مما لا شك فيه أن سياسة ترامب إذا استمرت كما هي بمعاقبة النظام السوري ستؤثر بشكل كبير على الموقف الغربي وخصوصاً على الرئيس الفرنسي الجديد سواء كان فيون أو ماكرون. فبعد أقل من شهر تنتخب فرنسا رئيساً جديداً. والسياسة الفرنسية التي قادها الرئيس هولاند في ما يخص الملف السوري كانت صائبة وشجاعة ومبنية على معرفة جيدة بالملف السوري وممارسات النظام. ولكن هولاند مع بعض الدول الأوروبية مثل بريطانيا عانى من التراجع الأميركي إزاء النظام السوري وروسيا وانقسامات المعارضة السورية وأيضاً انقسام أوروبا. فكانت الدبلوماسية الفرنسية تعاني من تنازلات وزير الخارجية الأميركي السابق جون كيري لنظيره الثعلب الروسي سيرغي لافروف وهو دبلوماسي محنك وذكي تفوق باستمرار على كيري الذي كثيراً ما كان يتم وصف كلامه بأنه فارغ. واليوم وسورية حضرت في الحملة الانتخابية الرئاسية في فرنسا يجدر السؤال هل يمكن أن تتغير سياسة فرنسا كلياً إزاء الملف السوري؟
إذا فازت مارين لوبن سيحصل انقلاب كامل في سياسة فرنسا الخارجية والداخلية، فعلى الصعيد الخارجي واضح أنها تريد الترابط مع روسيا، وقد استقبلها بوتين أخيراً في موسكو. وخروجها من الاتحاد الأوروبي واليورو سيؤدي إلى تفكك أوروبا وإضعافها لأن فرنسا مع ألمانيا هما محرك الاتحاد الأوروبي. وتفكيك أوروبا له تداعيات كبرى على الملفات العربية، ومنها الملف السوري. أما إذا فاز ماكرون فلن يتغير الكثير في الموقف من النظام السوري، خصوصاً أن وزير الدفاع الفرنسي جان إيف لودريان التحق به وسيكون ركناً مهماً في سياسة ماكرون الخارجية لخبرته في مجال الدفاع خلال السنوات الخمس الماضية. ويقال إن ماكرون قد يحاط بفريق دبلوماسي له خبرة طويلة في القضايا العربية، وخصوصاً الملف السوري. أما فيون، فإذا اصبح رئيساً سيكيف سياسته إزاء سورية وروسيا كما فعل منذ بداية حملته الانتخابية. فكان يقول إنه بين «داعش» والأسد يختار الأسد الذي يحمي مسيحيي الشرق، وفق رأي فيون. لكنه تراجع لاحقاً عن هذا الموقف مصححاً إياه وواصفاً بشار الأسد بالديكتاتور، ثم تفهم أخيراً الضربة الأميركية على «النظام السوري الوحشي» ولكنه أبدى حذراً إزاء التصعيد بين روسيا والولايات المتحدة. ولا شك في أن فيون حريص على علاقة جيدة مع بوتين ولكنه سيضع مصلحة فرنسا فوق علاقة الصداقة مع الرئيس الروسي لو تم انتخابه، وله خبرة واسعة في السياسة الفرنسية وهو أيضاً محوط بديبلوماسيين محنكين يعرفون الملف جيداً. أما ميلانشون، فإذا تم انتخابه، وهذا مستبعد، فسيكون حليفاً لروسيا في الشأن السوري. وعلى ضوء هذه المواقف قد يكون أسوأ ما يحصل لفرنسا وأوروبا احتمال انتخاب مارين لوبن.
*نقلا عن صحيفة الحياة