أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • د. أحمد سيد حسين يكتب: (ما بعد "قازان": ما الذي يحتاجه "بريكس" ليصبح قوة عالمية مؤثرة؟)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)
  • أ. د. علي الدين هلال يكتب: (بين هاريس وترامب: القضايا الآسيوية الكبرى في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024)

سيناريوهات مختلطة:

وثيقة جديدة في السودان.. فرصة للتوافق أم عودة الإسلاميين؟

10 مايو، 2022


على الرغم من فوضى المبادرات التي تشهدها الساحة السودانية للخروج من مأزق 25 أكتوبر من العام الماضي، بدت ملامح تكتل جديد من العسكريين والقوى المدنية والدينية في التشكل.  ففي منتصف أبريل تسلم السيد مالك عقار، عضو مجلس السيادة، ورئيس لجنة الحوار والتواصل مع الأحزاب السياسية، الوثيقة السودانية التوافقية لإدارة المرحلة الانتقالية من المركز الأفريقي لدراسات الحوكمة والسلام والتحول ومركز دراسات السلام والتنمية بجامعة بحري، واعتبرها من المبادرات المهمة. وقد وقعت على هذه الوثيقة مجموعات سياسية وعشائرية بلغت نحو 76 جهة من بينها جماعات إخوانية محسوبة على النظام السابق. لكن سرعان ما تبرأ منها العديد من تلك المجموعات، مؤكدين أنها لا تمثلهم. 

ومن المرجح أن يواجه اقتراح المجلس العسكري السوداني بتشكيل حكومة انتقالية جديدة مقاومة قوية من الجماعات المؤيدة للديمقراطية، وإذا ما تم المضي قدما في تنفيذ مقترحات هذه الوثيقة لإدارة مرحلة انتقالية جديدة فإن ذلك سوف يسرع من خطى عزلة السودان عن الغرب ويؤدي إلى مزيد من التدهور الاقتصادي. ويحاول هذه المقال تحليل بنود الوثيقة التوافقية الجديدة والسياقات المختلفة وفرص نجاحها في ظل رؤى مستقبلية ضبابية تحيط بالعملية الانتقالية في السودان.

وثيقة جدلية:

تنص الوثيقة السودانية التوافقية لإدارة المرحلة الانتقالية، على الآتي:

1- بناء الثقة بين كل الأطراف من خلال الإفراج عن المعتقلين السياسيين وتطبيق اتفاقية ‎جوبا للسلام والتأكيد على سودانية الحوار بين الأطراف ‎السودانية بجانب توسيع دائرة المشاركة السياسية لكافة المكونات في الفترة الانتقالية ما عدا حزب الرئيس المخلوع، عمر البشير

2- صياغة وثيقة دستورية توافقية جديدة وتمديد الفترة الانتقالية لتسعة أشهر إضافية لتنتهي بإجراء انتخابات في مايو 2024. 

3- التأكيد على أهمية مبدأ الشراكة بين المكونين المدني والعسكري وأطراف اتفاق جوبا للسلام طوال الفترة الانتقالية وأن يتم اعتماد نظام الحكم الفيدرالي ونوع الحكم بحسب اتفاق جوبا. 

4-‏ إعادة تشكيل مجلس السيادة من ثمانية أعضاء مناصفةً بين المدنيين والعسكريين إضافة إلى ثلاثة أعضاء من أطراف اتفاق جوبا للسلام، وتسمية رئيس وزراء من الكفاءات الوطنية بالتشاور مع القوى السياسية والمجتمعية وأطراف اتفاق جوبا للسلام.  

5- تشكيل مجلس تشريعي انتقالي من ثلاثمئة عضو.


وكان في مقدمة الأحزاب الموقعة حزب الأمة القومي، والحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل بجانب مجموعة التوافق الوطني بقوى الحرية والتغيير وحركة تحرير السودان- المجلس الانتقالي وتجمع قوى تحرير السودان وحركة العدل والمساواة. وعلى الرغم من أنه بعد توقيع رئيس حزب الأمة القومي، فضل الله برمة، على الوثيقة سارع الأمين العام للحزب، الواثق البرير، بإصدار بيان أعلن فيه رفضه للوثيقة، وقال إنها لم تعرض على مؤسسات الحزب، وأن الحزب لم يكن طرفاً في أي مبادرة لا تعمل على استعادة الحكم المدني. ومن جانبه، أعلن برمة في بيان منفصل، أنه وقع على الوثيقة بشكل منفرد وأنها لا تعني الحزب في شيء. 

من جهة أخرى أعلن الحزب الاتحادي الديمقراطي (الأصل)، في بيان له، تأكيده أنه لم يفوض أي عضو منه للتوقيع على الوثيقة، معلناً في الوقت ذاته تأييده لأي مبادرة يمكن أن تسهم في حل الأزمة السودانية. ونفت حركتي "تجمع قوى تحرير السودان"، وحركة "تحرير السودان- المجلس الانتقالي"، العضوتين في "الجبهة الثورية"، المشاركة في التوقيع على الوثيقة التوافقية لإدارة الفترة الانتقالية. وقالت هذه الجهات إنها ملتزمة بمبادرة الجبهة الثورية لإيجاد مخرج للأزمة السياسية السودانية، وأنها تسعى لتحقيق توافق سياسي وفقاً لبرنامجها المطروح.

ومن الواضح أن بنود الوثيقة الجديدة تنظر إلى الجيش باعتباره السلطة المؤسسية والمشرفة على عملية الانتقال السياسي من خلال منح سلطات تنفيذية لقيادة الجيش وتجاوز الجماعات المدنية التي كان يتقاسم معها السلطة في السابق. وتحظى الخطة الانتقالية الجديدة بدعم العديد من الأحزاب السياسية المتحالفة مع الجيش، والمتمردين السابقين الموقعين أيضاً على اتفاقية جوبا للسلام لعام 2020، والزعماء القبليين والدينيين. وقد سعى الفريق عبدالفتاح البرهان، الذي قام بإنهاء ترتيبات تقاسم السلطة بين الجيش وائتلاف قوى الحرية والتغيير، بإعادة هندسة المشهد السياسي من خلال الحصول على دعم التنظيمات السياسية التقليدية، وبقايا النظام القديم.

وليس بخافٍ أن هذه المبادرات محاولة لملء الفراغ السياسي الراهن في البلاد، في وقت يبدو فيه أن سلطات الأمر الواقع لا تستطيع إدارة البلاد، وستواصل العمل على هذه المبادرات في محاولة للخروج من الأزمة. وطبقا لمبعوث الاتحاد الأفريقي إلى السودان، محمد الحسن ولد لبات، إنه تم الاتفاق على الدعوة لبداية حوار وطني سوداني في شهر مايو 2022 بهدف التوصل إلى وضع دستوري ديموقراطي لإنهاء المرحلة الانتقالية.

تحديات أربعة:

يمكن الحديث عن عدد من التحديات الكبرى التي تواجه المرحلة الانتقالية في السودان وتقتضي بالضرورة حلولا توافقية. ولعل أبرز هذه التحديات ما يلي:


1. أمننة السياسة: يتولى إدارة السودان اليوم نظام سياسي يقوده الجنرال عبدالفتاح البرهان، ونائبه الجنرال محمد حمدان دقلو (حميدتي)، فضلاً عن تحالف فضفاض من المتمردين السابقين. وعلى الرغم من استخدام قوات الأمن إجراءات شديدة لبسط السيطرة، وفي ظل التحديات الاقتصادية ودرجات الحرارة المرتفعة، استمرت الاحتجاجات المؤيدة للديمقراطية في جميع أنحاء البلاد. ويبدو أن التكتيكات التنظيمية الفعالة للغاية للحركات الاحتجاجية ونجاحها في الإطاحة بالبشير يجعلها قادرة على الصمود.  إذ لا يخفى أنه منذ قرارات أكتوبر2021، أسفرت الحملة العسكرية ضد آلاف المتظاهرين المطالبين برحيل قادة الجيش عن مقتل 93 شخصاً وإصابة الآلاف، وفقا لبعض التقارير. ومع ذلك يواصل آلاف السودانيين مقاومة المجلس العسكري، كما حدث في احتجاجات 6 أبريل الأخيرة لإحياء الذكرى الثالثة لسقوط البشير ورفضهم المستمر للخضوع للحكم العسكري.

وإذا كان الجهاز الأمني اتسم بالوحدة دوما في مواجهة انقسام الجماعات المدنية، فإنه منذ أن أدخل البشير قوات الدعم السريع شبه العسكرية، بقيادة الجنرال حميدتي، إلى قلب المركز السياسي والجغرافي، بدت بوادر انقسامات صارخة داخل الكتلة الأمنية. ولعل ذلك يقوض مفهوم الاستقرار السياسي ويخلق مواقع انقسام مختلفة بين الجنرالات، كما يفسر ذلك لنا أيضاً تحركات ومناورات البرهان.  

2. الانهيار الاقتصادي: إن الزيادات العالمية في أسعار المواد الغذائية مصحوبة بنقص الوقود والقمح والإمدادات الطبية، وفي بعض الحالات القصوى، المياه، تعني أن مستوى المعيشة في السودان قد انخفض بشدة خلال السنوات القليلة الماضية. كما يقترب التضخم من نسبة 250٪، إذ فقد الجنيه السوداني ربع قيمته في السوق السوداء، ما جعل استيراد الضروريات الأساسية مثل النفط أو الصابون أو الطاقة أكثر تكلفة، وقد تأثرت الغالبية العظمى من المواطنين بشدة من المشاكل الاقتصادية. وفي القطاع الزراعي، شهدت البلاد انخفاضاً يقارب الثلث في إنتاج القمح والذرة الرفيعة، لأسباب مناخية، مع تعاقب موجات الجفاف ثم الأمطار الغزيرة، والأمراض في حالة الذرة الرفيعة خاصة، وأخيراً مشاكل الري المتعلقة بنقص الكهرباء لمضخات المحركات. ويقدر برنامج الغذاء العالمي ومنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة أن 40٪ من سكان السودان سيواجهون انعدام أمن غذائي حاد بحلول نهاية عام 2022 إذا لم تحدث انفراجة كبرى في حالة الانسداد الحالية.  

3.  انقسام القوى المدنية: تؤكد الخبرة السودانية على وجود مسار محدد تاريخياً، حيث يمثل الانقسامات بين الجماعات المدنية قوة دافعة لانهيار الإجماع السياسي الذي يصبح ذريعة للاستيلاء على السلطة من قبل جيش موحد يتعهد بعودة الاستقرار. وعلى الرغم من أن السودان في عام 2019 شهد ثورة وانقلاباً في الوقت نفسه، فإن كسر هذه الحلقة المفرغة بين الحكم المدني والعسكري بحاجة إلى حلول إبداعية وإن كانت بشكل توافقي. 

وإلى جانب التنظيمات السياسية والأحزاب التقليدية، يتسم المشهد السياسي السوداني بوجود العديد من التحالفات المدنية الهشة والتي تفتقد الهيراركية التنظيمية. ومن أبرز تلك التنظيمات المدنية قوى الحرية والتغيير، وهي تحالف لجماعات معارضة مدنية، بما في ذلك الأحزاب السياسية التقليدية وجمعية المهنيين السودانيين التي تضم الأطباء والعاملين في القطاع الصحي، والمحامين الذين ينظمون الاحتجاجات بشكل أساسي؛ وحركات الجماعات المسلحة النشطة التي تتحد تحت مظلة الجبهة الثورية السودانية. وعلى الرغم من توافقهم حول الهدف العام المتمثل في الانتقال الديمقراطي وانتخاب حكومة مدنية، فإن قوى الحرية والتغيير منقسمة حول كيفية تحقيق ذلك.  

هناك أيضاً "لجان المقاومة المحلية"، التي يشار إليها أحياناً باسم "لجان الأحياء"، وهي مجموعات محلية منظمة من المدنيين تقود تنظيم الاحتجاجات المطالبة بالانتقال إلى الديمقراطية. وقد ظهرت هذه اللجان في الأصل رداً على تدهور الاقتصاد في عهد البشير. وبمرور الوقت، أصبحت مهتمة بشكل متزايد بالتسيس خاصة بعد 25 أكتوبر 2021، كما لا يوجد تسلسل هرمي لها، حيث تعمل هذه اللجان بمقتضى هيكل لامركزي. ويقود لجان المقاومة في الغالب الشباب ويتجاوزون اعتبارات الطبقة والعمر والعرق. لقد ابتعدت هذه اللجان، بشكل عام، عن اللجوء إلى العنف ورفض المفاوضات المغلقة والنهج التقليدي الفوقي المتبع في السياسة السودانية. 

ولعل أبرز الانقسامات الرئيسية بين المجموعات المدنية تتمثل في نماذج الحكم والإدارة، فثمة خلافات سياسية واختلافات أيديولوجية بين هذه المجموعات حول كيفية إنشاء أجندة ناجعة للانتقال السياسي، تكسر الدورة المفرغة بين الانقلاب والثورة والانتقال. 

4. تبعات الحرب الأوكرانية: لقد سمحت تحولات النظام الدولي في أعقاب الحرب في أوكرانيا للقادة العسكريين في السودان، لاسيما البرهان وحميدتي بالمناورة من خلال استخدام الورقة الروسية لترسيخ نظامهما، ويمكن لروسيا بثقلها الدولي، لاسيما من خلال مجلس الأمن أن تسمح لهما بالخروج من عزلتهما على الساحة الدولية. 

إننا أمام عودة متلازمة الرجل القوي في الخبرة الأفريقية والتي يجسدها فلاديمير بوتن نفسه في روسيا. من الملحوظ أن روسيا تواصل تعزيز وجودها في البلاد من خلال انتشار مقاولي شركة فاجنر الروسية بشكل أساسي في مناجم الذهب بالتعاون مع قوات الدعم السريع بزعامة الجنرال حميدتي. 

ويبدو أن الطموح الروسي الأكبر يتمثل في إقامة قاعدة بحرية روسية في بورتسودان تتيح لها الوصول إلى البحر الأحمر. وسوف تكون هذه أول قاعدة عسكرية لروسيا في أفريقيا. وثمة تقارير تفيد بأن روسيا تحصل على نحو 30 طناً من الذهب السوداني سنويا بشكل غير مشروع. وسوف يخفف الذهب السوداني من حدة العقوبات الغربية المفروضة على روسيا.

وعلى الرغم من أن إدارة الرئيس بايدن بدأت تهدد بفرض عقوبات اقتصادية على قادة السودان رسمياً كعامل ضغط من أجل عودة الحكومة المدنية، فإن التقاعس الفعلي للولايات المتحدة خلال الفترة السابقة يشير إلى أن الهدف من الضغط هو تقويض التحالف الوثيق بين بوتين وقادة السودان الحاليين. 

مخاطر محدقة:

إذا أقر المكون العسكري اقتراحه، فمن المرجح أن تتكثف الاحتجاجات والحملات الأمنية على المدى القصير، في حين أن القوة العسكرية الموحدة ستعني على الأرجح عزلة أكبر عن الغرب وأزمة اقتصادية متسارعة على المدى المتوسط إلى الطويل. وعلى الرغم من ادعاءات الجماعات المؤيدة للديمقراطية بأن اقتراح الوثيقة التوافقية لا يحظى بدعم شعبي، فإن الحقيقة هي أن الجيش لديه شبه احتكار للسلطة السياسية وقد يشرع الصفقة من دون الموافقة المطلوبة دستورياً من الفصائل السياسية المتباينة والمواطنين. وربما تتم الاستفادة من حالة الغموض التي تميز الوثيقة الدستورية الصادرة في أغسطس 2019. ويمكن تحقيق ذلك من خلال مسارين:

1. بحث الاعتماد على الإسلاميين كقاعدة لبناء الشرعية المدنية، لدرء عواقب المأزق الحالي ولإعادة إنشاء واستعادة الشبكات الأمنية في عهد البشير، يحاول البرهان ترسيخ قبضة نظامه من خلال التحالف مع نخب الجماعات المسلحة الموقعة على اتفاق جوبا من ناحية والدائرة المدنية الوحيدة التي يمكنه حشدها وهم الإسلاميون. فمنذ أحداث 25 أكتوبر، استبدل البرهان العديد من المسؤولين في وزارة العدل وأجهزة المخابرات وأعاد صلاحيات أجهزة الأمن العام. 

وبدعم من الإسلاميين، يحاول البرهان كسب الوقت لإعادة ترسيخ شبكة المحسوبية القديمة، سواء داخل الحكومة أو خارجها، على الرغم من أن الاقتصاد ليس لديه القدرة على توفير الموارد اللازمة للقيام بذلك. ومن أبز المؤشرات على ذلك الإفراج عن رئيس حزب المؤتمر الوطني المنحل إبراهيم غندور، كما تم مؤخراً تشكيل التيار الإسلامي العريض الذي يحتل فيه الإخوان المسلمون موقع الصدارة. لقد كان من الموقعين على ميثاق التحالف: الإخوان المسلمون؛ التنظيم العالمي بقيادة عادل على الله، وجماعة الإخوان المسلمين السودانية بزعامة عوض الله حسن. 

2. العمل على إنهاء العملية الديمقراطية التي قادتها الأمم المتحدة والتي أعقبت أحداث 25 أكتوبر، وهو ما يعني تبخر آمال المجتمع المدني في وجود حكومة من دون قيادة عسكرية. وهو ما ظهر في دعوة الفريق عبدالفتاح البرهان وأعضاء عسكريون آخرون إلى طرد فولكر بيرتس، رئيس بعثة الأمم المتحدة المتكاملة للمساعدة الانتقالية في السودان، رداً على كلمة ألقاها مؤخراً، قال إنه "في ظل عدم وجود اتفاق سياسي للعودة إلى المسار الانتقالي المقبول، فإن الوضع الاقتصادي والوضع الإنساني والوضع الأمني يتدهور".

سيناريوهات ثلاثة:

يمكن الحديث عن ثلاثة سيناريوهات أساسية تحدد مسار الآفاق المستقبلية المختلفة للسودان على المدى القصير. تأخذ هذه السيناريوهات في الاعتبار الاختلافات الرئيسية في نظام الحكم، والبيئات الاقتصادية والأمنية ومدى قدرة الناس على الوصول إلى السلع والخدمات الأساسية، وذلك كالتالي:   


1. سيناريو حافة الهاوية: إذا تم تنفيذ الصفقة من دون الاعتداد بمطالب حركة الاحتجاج الشعبي بقيادة قوى الحرية والتغيير، فمن المحتمل جداً أن يشهد السودان مزيداً من التظاهرات والاحتجاجات بشكل متواتر وأكثر كثافة. وقد يفضي ذلك إلى زيادة مستويات العنف والنهب حيث من المحتمل أن تقوم قوات الأمن بقمع هذه الحركات. وربما يكون تصاعد العنف نتيجة انقسام محتمل داخل المؤسسة الأمنية نفسها، لاسيما فيما يتعلق بقوات الدعم السريع بقيادة حميدتي. وعلى المدى المتوسط إلى الطويل، من المرجح أن يمهد توطيد القوة العسكرية عبر حكومة انتقالية معيّنة من قبل المكون العسكري وحلفائه الطريق لانتخابات غير عادلة، وعزلة دولية من قبل الغرب، وانسحاب محتمل لبعثة الأمم المتحدة. وقد تسرع هذه العوامل من الانهيار الاقتصادي، وتزيد من سوء حالة انعدام الأمن الغذائي، وتؤدي في نهاية المطاف إلى زيادة تدفق اللاجئين عبر الحدود السودانية.

2. سيناريو "الحكومة المدنية": يمكن التوصل إلى اتفاق حكم انتقالي جديد تماماً بدعم واسع من الجيش والجماعات السياسية والمدنية والمسلحة الرئيسية. وتسمح مواعيد الانتخابات المقترحة بإطار زمني واقعي للتسجيل والدعاية مع وجود شخصية مدنية تحظى بالقبول العام تقود عملية الحكم الانتقالي. ومن المرجح أن يساعد الشركاء الخارجيون مثل الإمارات العربية المتحدة ومصر في تحقيق هذا المسار. ومن المفترض كذلك أن تدعم بعثة الأمم المتحدة في السودان التحول الديمقراطي بالاشتراك مع جهود الاتحاد الأفريقي وتنظيم "الإيجاد". بيد أن تحقيق هذا السيناريو يرتبط بعدة أمور أساسية، مثل، حدوث تقدم واضح في تنفيذ الترتيبات الأمنية لاتفاقية جوبا للسلام وتراجع الصراع في دارفور وأماكن أخرى، وتوقف الاحتجاجات إلى حد كبير والحصول على الدعم المالي الدولي.

3. سيناريو "عودة نمط حكم الإسلاميين": يقوم الجيش وعناصر النظام السابق بفرض سيطرة متزايدة على مراكز الحكم الوطني. وعلى الرغم من انخفاض المعارضة المفتوحة في المناطق الريفية، فإن الاحتجاجات تتصاعد في الخرطوم ومدن أخرى. كما أن غير الموقعين على اتفاقية جوبا يسهمون في تأجيج الصراع في دارفور. ومن المرجح أن يتراجع الاقتصاد بشكل كبير، على الرغم من محدودية التجارة مع الدول المتعاطفة، واستمرار بعض المساعدات التنموية التي تمنع الانهيار التام. في هذا السيناريو، قد يسعى تحالف الجيش مع الجماعات الموالية له من الإسلاميين إلى إجراء انتخابات رئاسية لعام 2024 لتقوية قبضتهم على السلطة وإضفاء الشرعية عليها.

وطبقاً لبعض التقديرات، فإن تطورات الأحداث على المستويين المحلي والإقليمي في منطقة أو أكثر مثل دارفور وشرق السودان بشكل مستقل عن الأحداث في العاصمة، يعني أنه يمكن تحقق سيناريوهات مختلفة في مناطق مختلفة في وقت واحد. ولعل ما يجعل مسارات الخروج من الأزمة بالغة التعقيد وتنذر بإمكانية اندلاع حرب أهلية هو الطموح السياسي لجنرالات الجيش في مقابل الرفض المطلق من جانب حركة الاحتجاج الشعبي لنمط الحكم العسكري. وبما أن السياسة هي "فن الممكن" فلا مناص أمام مختلف الأطراف السودانية تجنباً لسيناريو "حافة الهاوية" من أن تقبل بصيغة "دياركية" تضمن المشاركة في الحكم بين المكونين المدني والعسكري.