أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

قيود عالمية:

لماذا يُهدد غير المُلقحين ضد كورونا السلام المجتمعي؟

18 يناير، 2022


أثار انتشار متحور أوميكرون الذعر في العالم؛ لكونه سلالة شديدة العدوى من فيروس كورونا المستجد، فضلاً عن أن ظهوره تزامن مع فصل الشتاء، مما أثار مخاوف من انتشاره بشكل كبير وسريع. وقد فرضت هذه المخاوف جدلاً حول عدة قضايا؛ أهمها كيفية التعامل مع الذين يرفضون تلقي اللقاحات المضادة لفيروس كورونا، حيث لُوحظ في الفترة الأخيرة اتجاه العديد من الدول نحو تشديد إجراءاتها وقيودها ضد غير المُطعمين.

إجراءات تقييدية:

تنوعت الإجراءات التي اعتمدت عليها الدول في التعامل مع رافضي لقاحات كورونا، ويمكن رصد أهمها فيما يلي: 

1- تقييد حركة غير المُطعمين: اعتمدت معظم الدول على ضرورة وجود إثبات لتلقي اللقاح قبل ارتياد المؤسسات الحكومية أو العامة. فعلى سبيل المثال، أقرت الجمعية الوطنية الفرنسية، في 6 يناير 2022، قانوناً لحظر الأشخاص غير المُلقحين من ارتياد المطاعم والحانات ودور السينما والحفلات الموسيقية والعديد من الأماكن العامة الأخرى. وجاء ذلك بالتزامن مع تصريح الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، لصحيفة "لوباريزيان"، يوم 4 يناير الجاري، والتي قال فيها: "أريد حقاً أن أنغص على غير المُلقحين حياتهم. وبالتالي، سنواصل القيام بذلك حتى النهاية. هذه هي الاستراتيجية".  في حين أن جمهورية التشيك قد اتخذت في نوفمبر 2021 قراراً بمنع غير المُلقحين من ارتياد الأماكن العامة المُغلقة، حتى لو كان بحوزتهم تحليل PCR سلبي، ويستمر سريان هذا القرار حتى نهاية فبراير المقبل.

وعربياً، قررت دولة الإمارات منع سفر مواطنيها غير المُطعمين بلقاح كوفيد-19، ابتداءً من 10 يناير الجاري، ويُشترط الحصول على الجرعة الداعمة للمُطعمين من مواطني الدولة حسب البروتوكول الوطني للجرعات الداعمة للسماح لهم بالسفر.

2- فرض غرامات مالية: يمكن التمييز بين آليتين رئيسيتين هنا؛ الأولى اعتمدتها دول مثل سنغافورة والتي بدأت منذ 8 ديسمبر 2021 في تطبيق قرار يقضي بأن يتحمل الأشخاص الرافضون لتلقي لقاح كورونا تكاليف علاجهم كافة حال إصابتهم بالفيروس، وذلك بالرغم من أنه في السابق كانت سنغافورة تتحمل تكاليف الرعاية الطبية للمواطنين والمُقيمين المُصابين بالوباء. والآلية الثانية هي فرض غرامات مالية شهرية على غير المُلقحين، فمنذ 15 يناير الجاري فرضت مثلاً اليونان غرامة تُقدر بمبلغ 100 يورو شهرياً على الذين تخطوا الـ 60 عاماً ويرفضون تلقي اللقاح. 

كما تقوم مقاطعة كيبيك الكندية بدراسة فرض ضرائب على غير المُلقحين، حيث أشار رئيس وزراء المقاطعة، فرنسوا ليغولت، يوم 11 يناير الجاري، إلى أن الضرائب التي سيتم فرضها ستكون مبالغ كبيرة وتتعدي 100 دولار للفرد الواحد، وستُطبق فقط على الأشخاص غير المؤهلين للحصول على إعفاءات طبية. وفي سياق متصل، سحبت محكمة في مقاطعة كيبيك الكندية حقوق الحضانة من أب لطفله مؤقتاً بسبب رفضه اللقاح المُضاد لفيروس كورونا، وعلّقت المحكمة حق الأب في حضانة طفله حتى فبراير المقبل، ما لم يأخذ اللقاح.

3- التوسع التدريجي في فرض التطعيم: كانت إيطاليا من أولى الدول التي فرضت التطعيم الإجباري على العاملين في المجال الطبي، كما فرضت في 15 ديسمبر 2021 تطعيماً إجبارياً على المعلمين وضباط الجيش والشرطة وعمال الإنقاذ. وفي 5 يناير الجاري، تم الإعلان عن أن اللقاحات ستكون إلزامية في إيطاليا لمن هم فوق الـ 50، وللعاملين بالجامعات. 

ومن جانبه، أكد وزير الصحة البريطاني، ساجد جاويد، أنه اعتباراً من أبريل المقبل سيتعين على جميع موظفي الرعاية الصحية الذين يعملون بشكل مباشر مع الجمهور أن يتلقوا اللقاح. كما فرضت فرنسا التطعيم بشكل إجباري على العاملين في مجالات الرعاية الصحية والنقل والإطفاء، منذ سبتمبر الماضي.

4- فرض التطعيم على البالغين كافة: أعلن المستشار النمساوي، ألكسندر شالنبرغ، أن التطعيم سيصبح إلزامياً داخل حدود النمسا بداية من فبراير المقبل، لتصبح النمسا هي الدولة الأوروبية الأولى التي تفرض التطعيم على مواطنيها. كما صرح المستشار الألماني، أولاف شولتز، بأنه سيكون هناك تصويت في البرلمان الألماني لجعل تلقى اللقاح إجبارياً.


دوافع التقييد:

يمكن التمييز بين عدد من الدوافع وراء تصاعد الإجراءات التقييدية تجاه غير المُلقحين ضد فيروس كورونا في بعض دول العالم، ومنها الآتي: 

1- الحد من انتشار الوباء: تُظهر الدراسات من شركات فايزر Pfizer، وموديرنا Moderna، وجونسون آند جونسون Johnson & Johnson، أن اللقاحات المتوفرة لفيروس كورونا تعمل على الوقاية من الإصابة بأعراض شديدة تستلزم الدخول للمستشفى، وأن الجرعة التعزيزية من اللقاح تعمل على تقليل فرص الإصابة بمتحور أوميكرون. وبالتالي فإن رفض التطعيم سيؤدي إلى انتشار وباء كورونا، وقد يؤدي إلى ظهور سلالات جديدة قد لا تتمتع معها اللقاحات الحالية بفعالية كبيرة، وهو سيناريو كارثي تسعى جميع الدول لتجنبه.

2- الحفاظ على الأنظمة الصحية من الانهيار: أصدر المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية في الولايات المتحدة الأمريكية، في نوفمبر الماضي، إحصائية مفادها أن الأشخاص غير المُلقحين ضد كورونا أكثر عُرضة للإصابة بالعدوى خمس مرات أكثر من الذين تم تطعيمهم، وأن الأشخاص غير المُلقحين عُرضة للموت بالفيروس بنسبة أكبر بـ 10 مرات من نظرائهم المُلقحين. كما تشير الإحصائيات الصادرة عن مركز بيترسون للرعاية الصحية في الولايات المتحدة، إلى أن تلقي اللقاح كان من الممكن أن يمنع دخول نحو ما يزيد على 690 ألف مصاب بفيروس كورونا إلى المستشفيات الأمريكية خلال الفترة من يونيو إلى نوفمبر 2021. 

ومثلت نسبة مصابي كورونا غير المُلقحين في العناية المركزة بالمملكة المتحدة خلال شهر ديسمبر 2021، ما يزيد على 61% من إجمالي نسبة المُصابين بالفيروس. ومن ثم، فإن رفض تلقي اللقاح سيترتب عليه تزايد أعداد المُصابين في العناية المركزة بالمستشفيات، مما قد يدفع الأنظمة الصحية إلى حافة الانهيار. 

3- ترشيد النفقات الصحية: لا شك أن تزايد دخول مُصابي كورونا غرف العناية المركزة سيترتب عليه ارتفاع النفقات الطبية. فعلى سبيل المثال، يبلغ متوسط تكلفة العلاج اليومية بالعناية المركزة في أستراليا حوالي 4375 دولاراً، وقد يحتاج المُصابون بالفيروس للمكوث في العناية المركزة لمدة تتراوح بين أسبوعين و4 أسابيع. وفي الولايات المتحدة الأمريكية، تشير التقديرات إلى أن متوسط تكلفة التعافي من فيروس كورونا لكل مُصاب تبلغ حوالي 20 ألف دولار. وبالتالي فإن أي زيادة في النفقات الصحية سيعرقل جهود التعافي الاقتصادي، حيث سيتعين على الدول تخصيص مزيد من الأموال لعلاج المُصابين بالفيروس. 

4- دعم جهود التعافي الاقتصادي: وفقاً لشركة McKinsey & Company، فإن استمرار حملات التطعيم بحلول نهاية عام 2022، سيعمل على انتعاش الاقتصادات وسيضخ ما بين 800 مليار دولار و1.1 تريليون دولار في الاقتصاد العالم. بيد أن استمرار انتشار فيروس كورونا ورفض اللقاحات، يهدد العالم بفترات إغلاق أكبر، وتقييد حركة السفر، وتخفيض العمالة في المصانع، مما يعني تزايد البطالة أو خفض المرتبات للموظفين الذين سيستمرون في عملهم؛ وهو ما سيؤدي في المُجمل إلى اضطراب سلاسل التصنيع والتوريد في العالم، وبالتالي عرقلة التعافي الاقتصادي. 


أزمات محتملة:  

هناك مستويان لتداعيات تبني حكومات الدول نهجاً متشدداً تجاه غير المُلقحين ضد فيروس كورونا، وهما كالتالي: 

1- انقسام داخلي في المجتمعات: بسبب الجدل المُحتدم حول مدى إلزامية التطعيم ضد فيروس كورونا، فقد أصبح هناك انقسام مجتمعي في الدول بين فئتين؛ الأولى ترى أن الوباء قد أنهكها على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي والنفسي، في حين أن الفئة الثانية لا تثق في التطعيم وترفض تلقيه. ومن ثم فإن هناك احتقاناً بين هاتين الفئتين، ففي حين يرى أنصار التطعيم أن رافضيه يعطلون عودة الحياة إلى طبيعتها ويعملون على إطالة أمد الوباء، فإن الرافضين للقاح يرون أن فرضه عليهم هو بمنزلة اختراق لخصوصيتهم وانتهاك لحرياتهم. وهذا انقسام عميق وخطير، فقد شهدت الولايات المتحدة وعدة دول أوروبية تظاهرات لرفض اللقاح، وتحولت معظم هذه التظاهرات إلى أعمال عنف بين الشرطة والمحتجين، ما يزيد من مخاطر الانقسام المجتمعي حول تشديد الإجراءات التقييدية. 

علاوة على ذلك، فإن ثمة جدلاً محتدماً داخل الشركات والمؤسسات، بسبب أن الموظفين المُلقحين يتعين عليهم الحضور إلى مقر العمل، في حين أن غير المُلقحين يعملون من المنزل، مما يُشعر العاملين الذين تلقوا التطعيم أنهم يتحملون مهام إضافية نيابة عن زملائهم الذين يرفضون اللقاح.

وهنا يمكن القول إن أزمة غير المُلقحين قد تستمر طوال فترة ارتفاع الإصابات بفيروس كورونا، ومن الممكن أن يتم تخفيف بعض الإجراءات التقييدية عندما يبدأ عدد الإصابات في الانخفاض، ولكن من المرجح أيضاً ألا يتم إلغاء القيود كافة على غير المُلقحين بشكل دائم، لأن هذا سيثير غضب من تلقوا التطعيم.

2- اندلاع أزمات دبلوماسية بين الدول: ظهر ذلك في الأزمة الحالية بين صربيا وأستراليا، على خلفية رفض الأخيرة السماح للاعب التنس الصربي والمُصنف الأول على العالم، نوفاك جوكوفيتش، بدخول أستراليا للمشاركة في بطولة أستراليا المفتوحة للتنس، وذلك بسبب رفض اللاعب تلقي اللقاح. إذ وصل جوكوفيتش إلى أستراليا، يوم 5 يناير الجاري، وكان يُتوقع أن يُسمح له بدخول البلاد، كونه قد أُصيب بفيروس كورونا في ديسمبر الماضي؛ بيد أن السلطات الأسترالية ألغت تأشيرة دخوله، وذلك تطبيقاً للشروط التي تقتضي بألا يتم السماح بدخول البلاد لغير المُلقحين، وتم نقله إلى مركز احتجاز المسافرين في ملبورن.

وقد بدأت الأمور في التعقد بين الحكومتين الأسترالية والصربية، مع مطالبة الأخيرة بالإفراج عن لاعبها، وإصدار وزارة الخارجية الصربية بياناً تؤكد فيه أن جوكوفيتش تم إذلاله في أستراليا. كما قامت صربيا بتسليم مذكرة احتجاج رسمية للحكومة الأسترالية ولسفيرها في بلجراد، وذلك وسط تظاهرات مؤيدة لجوكوفيتش في صربيا، والتي تم التعبير خلالها أن السبب الرئيسي للأزمة هو رغبة أستراليا في منع اللاعب الصربي من تحقيق رقم قياسي حال فوزه بالبطولة. كذلك وقعت صدامات بين الشرطة في ملبورن وبين مؤيدي جوكوفيتش، مما دفع الحكومة الأسترالية للتأكيد أن صربيا دولة حليفة وأن القرار ليس تمييزاً ولكنه يأتي تطبيقاً للقوانين. 

وبدوره لجأ جوكوفيتش إلى القضاء الأسترالي للطعن على إلغاء تأشيرة دخوله، وصدر أمر قضائي بالإفراج عنه، إلا أن وزير الهجرة الأسترالي، أليكس هوك، أصدر قراره بإلغاء التأشيرة للمرة الثانية في 14 يناير الجاري، وبرر ذلك بأن جوكوفيتش يمثل خطراً على صحة الأستراليين. وطعن اللاعب على هذا القرار أيضاً، غير أن المحكمة أقرت بشكل نهائي في 16 يناير الجاري ترحيله ومنعه من دخول أستراليا لمدة 3 سنوات إلا في ظروف استثنائية وفقاً للقوانين الأسترالية. وبالتالي قد ينتج عن ترحيل جوكوفيتش بعض التوترات في العلاقات الأسترالية – الصربية. وأيضاً قد يصبح ترحيل جوكوفيتش بمنزلة سابقة تستند إليها دول أخرى لمنع غير المُلقحين من دخولها، وعدم مشاركتهم في أي بطولات رياضية تُقام على أراضيها أثناء الجائحة.  

ختاماً، يبقى السؤال المهم وهو كيف ستتمكن الدول من التعامل مع التحدي المتعلق باستمرار فرض القيود على غير المُلقحين لفترة طويلة، وهنا لا يبدو أن هناك أي حل لضمان استمرار السلام المجتمعي، وتفادي التوترات الدبلوماسية بين الدول؛ سوى الإعلان عن أن فيروس كورونا أصبح مرضاً متوطناً مثل الأنفلونزا الموسمية. وهذا الإعلان ربما يعفي الدول من إجبار مواطنيها على التطعيم، وقد ينزع فتيل الانقسام المجتمعي والنظر لغير المُلقحين على أنهم يعطلون عودة الحياة إلى طبيعتها. بيد أن صدور مثل هذا الإعلان من منظمة الصحة العالمية هو عملية تتطلب وقتاً طويلاً نسبياً للتأكد من أن أي سلالات جديدة لفيروس كورونا هي أقل انتشاراً وأضعف فتكاً. وحتى إصدار مثل ذلك الإعلان، سيظل تشديد الإجراءات التقييدية تجاه غير المُلقحين أو تخفيفها مرهوناً بتفاقم الوضع الوبائي أو انحساره في دول العالم.