أخبار المركز
  • أحمد عليبة يكتب: (هاجس الموصل: لماذا يخشى العراق من التصعيد الحالي في سوريا؟)
  • محمود قاسم يكتب: (الاستدارة السريعة: ملامح المشهد القادم من التحولات السياسية الدرامية في كوريا الجنوبية)
  • السيد صدقي عابدين يكتب: (الصدامات المقبلة: مستقبل العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية في كوريا الجنوبية)
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)

شرارة سيدي حسين:

احتجاجات تونس بين احتمالات التصاعد والاحتواء

13 يونيو، 2021


لم يكن تجريد رجال شرطة لشاب من ثيابه (في 8 يونيو الجاري) بحي سيدي حسين غرب العاصمة تونس سوى الشرارة التي فجّرت موجة الاحتجاجات الغاضبة في البلاد؛ إذ إن حالة الاحتقان الشعبي في الشارع لا ترتبط فقط برفض التجاوزات الأمنية لحكومة "المشيشي"، قدر ما تعود إلى تصاعد حدة الاستقطاب السياسي بين الرئاسيات الثلاث (الرئاسة، والحكومة، والبرلمان) ، وتعثر مؤسسات الدولة في أداء وظائفها الأساسية، إضافة إلى تدهور الأوضاع المعيشية، وارتباك السياسة النقدية، وتزايد سياسات الاعتماد على الاقتراض من الخارج، جنبًا إلى جنب مع تقليص الدعم، وهو ما وفر بيئة خصبة للاحتجاجات الأخيرة.

دوافع متنوعة:

على الرغم من أن الأسباب الرئيسية المعلنة التي أدت إلى اندلاع الاحتجاجات الحالية في تونس ترتبط برفض الانحرافات الأمنية؛ إلا أن ذلك لا ينفي أن ثمة أسبابًا عديدة تقف خلف هذه الاحتجاجات، ويمكن بيانها على النحو التالي:

1- الصراعات الداخلية الحادة: لا تنفصل التظاهرات الراهنة عن تصاعد حدة الصراعات الداخلية بين الرئاسات الثلاث، وانشغال قطاع واسع من القوى التونسية على اختلاف اتجاهاتها وتوجهاتها بتحقيق مكاسب خاصة من دون الاهتمام بآليات التعامل مع الأزمة الاقتصادية التي تواجهها البلاد. فعلى سبيل المثال، تفاقمت مساحات التوتر بين الرئاسة والبرلمان، وانعكس ذلك جليًا في رفض الرئيس التصديق على مشروع قانون المحكمة الدستورية الذي مرره البرلمان بالإجماع في 25 مارس الماضي بدعوى انقضاء الآجال الدستورية لتشكيلها. في المقابل، يسعى البرلمان الذي تقوده حركة النهضة إلى تعديل قانون الانتخابات، حيث قدمت الحركة (في 20 أبريل الماضي) مشروع قانون جديد لتعديل القانون الانتخابي يستهدف بالأساس إلغاء صلاحيات الرئيس الخاصة بالدعوة للاستحقاقات الانتخابية ومنحها للحكومة. كما دخل المناخ مرحلة الشحن بين الرئيس والحكومة منذ يناير الماضي على خلفية إقدام رئيس الحكومة "هشام المشيشي" بإيعاز من حركة النهضة على إجراء تعديل وزاري دون التنسيق والتشاور مع رئيس الجمهورية.  

وهو ما دفع الأخير إلى رفض استقبال الوزراء الجدد لحلف اليمين الدستورية، فضلًا عن رفضه إصدار المرسوم الرئاسي بتعيينهم. وفي أحدث فصول الصراع السياسي بين رأسي السلطة في البلاد، أثار قرار رئيس الحكومة (في 8 يونيو الجاري) بإقالة رئيس الهيئة الوطنية للفساد "عماد بوخريص"، جدلًا واسعًا في الساحة السياسية، دفع الرئيس "قيس سعيّد" للتدخل ورفض هذا القرار.

2- انعدام الثقة: ترسخت قناعة لدى قطاع كبير من المواطنين بأن الهدف الحقيقي الذي تعمل أطراف السلطة التونسية على تحقيقه ليس إيجاد حلول لسوء الأوضاع المعيشية التي يعانيها المواطن التونسي؛ بل تستهدف فقط تأمين نفوذها وترسيخ حضورها في قلب المشهد السياسي، ويظهر ذلك في سعي كلٍّ من أطراف السلطة إلى استخدام مؤسسات الدولة من أجل المناورة السياسية، ناهيك عن توظيف تفسيرات ضيقة للدستور لتحقيق أغراض مصلحية.

 وكان استطلاع للرأي لمؤسسة "سيغما كونساي" ظهرت نتائجه في مايو الماضي قد كشف عن تدهور شعبية حركة النهضة مقابل تراجع ملحوظ في الرصيد التقليدي للرئيس التونسي "قيس سعيد"، وإن كان لا يزال يحافظ على صدارة نوايا تصويت الناخبين التونسيين في الانتخابات الرئاسية المقرر لها عام 2023.

3- تدهور الأوضاع المعيشية: تعاني تونس من تدهور لا تُخطئه عين في الأحوال المعيشية للمواطنين، بسبب تصاعد حدة الأزمة الاقتصادية التي وصلت إلى الذروة نتيجة تداعيات فيروس كورونا الذي ضرب كل قطاعات الاقتصاد التونسي، وفي الصدارة منها القطاع السياحي، القلب الصلب لاقتصاد البلاد، ناهيك عن انعكاس الآثار السلبية للإصلاحات الهيكلية التي تتبنها الحكومة على محدودي الدخل والطبقة المتوسطة في البلاد، وظهر ذلك في كثافة التوجه مؤخرًا نحو رفع الدعم تدريجيًا عن بعض السلع والمحروقات مقابل زيادة الضرائب. كما وصلت معاناة التونسيين إلى مستوى غير مسبوق، مع استمرار التدهور الحادث في سعر صرف العملة التونسية، وتنامي معدلات البطالة إلى 17,8 في المئة، وكذلك ارتفاع معدل التضخم إلى 4,9 في المئة.

اتجاهات محتملة:

يمكن القول إن ثمة سيناريوهات محتملة قد تعكسها الاحتجاجات الشعبية الراهنة، على المشهد السياسي التونسي، يمكن بيانها كالتالي:

1- استيعاب القضايا الخلافية: ربما تدفع الاحتجاجات التي تشهدها تونس الخصوم نحو التوصل إلى آلية لمعالجة الواقع المأزوم الذي تشهده البلاد. وتمثل التظاهرات الراهنة فرصة مواتية لتفعيل المبادرة التي اقترحها الاتحاد العام التونسي للشغل نهاية ديسمبر الماضي، وهي مبادرة للحوار الوطني، في شكل خطة إنقاذ تستهدف إخراج البلاد من الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

وتتضمن المبادرة تأسيس هيئة حكماء تضم عددًا من الشخصيات الوطنية المستقلة من كافة الاختصاصات، تتولى مهام الإشراف على حوار وطني يقود إلى إصلاحات في كافة المجالات. غير أن هذا السيناريو يبدو مستبعدًا في المدى القصير، خاصة مع نجاحات مؤسسة الرئاسة وبعض أحزاب المعارضة طوال الشهور التي خلت في تكوين تحالف داخلي غير معلن لمحاصرة النفوذ السياسي لحركة النهضة. على الجانب الآخر، لا تزال حركة النهضة تندفع نحو تثبيت وتوظيف حكومة "المشيشي" لفرض توجهاته السياسية والمجتمعية، وهو ما يثير غضب الرئيس وخصوم النهضة العلمانيين.

2- استمرار المواجهة: عشية وفاة الشاب التونسي الذي استوقفته الشرطة (في 8 يونيو الجاري)، سعى "قيس سعيد" إلى استثمار الحادث للهجوم على خصومه، حيث اتّهم (في 11 يونيو الجاري) من أسماهم "لوبيات تعمل وراء الستار بافتعال أزمات للبقاء في الحكم"، في إشارة ضمنية إلى حركة النهضة. كما لا يبدو أن حركة النهضة في سبيلها إلى إفساح المجال لحوار سياسي مع جناح السلطة الذي يمثله الرئيس، وهو ما ظهر في تحركاته الأخيرة لتقليص صلاحيات الرئاسة عبر إدخال تعديلات على قانون الانتخابات.

في هذا السياق، فإن استمرار الاحتجاجات الشعبية في تونس يبقى هو الأرجح في ضوء انسداد المشهد السياسي، واتجاه حركة النهضة إلى رفع خطابها الشعبوي ضد الخصوم عشية التظاهرات الأخيرة، حيث يروج قادة النهضة (منذ 9 يونيو الجاري) لاغتيال "الغنوشي"، وأشارت الحركة إلى أن "الجهات المختصة في وزارة الداخلية أبلغت رئيس البرلمان راشد الغنوشي بوجود تهديد حقيقي على حياته".

3- استقالة الحكومة: تحت وطأة الاحتجاجات الشعبية، والعجز عن حدوث اختراق في الأزمات المعيشية؛ قد تتجه حكومة "المشيشي" إلى تقديم استقالتها، خاصة مع تحميل منظمات نقابية وأحزاب وجمعيات حقوقية رئيس الحكومة الذي يشغل بالنيابة منصب وزير الداخلية، المسؤولية عن حادث مقتل الشاب التونسي في حي سيدي حسين، كما جددت العديد من المنظمات والنقابات مطالبها باستقالة "المشيشي".

غير أن هذا السيناريو يبقى مرهونًا باقتناع رئيس الوزراء "هشام المشيشي" بأن جهوده فشلت في اختراق الأزمة، وأن استمرار بقائه في المشهد قد يزيد من حدة التشظي السياسي، أو على الأقل تبقى استقالة الحكومة مرهونة بإمكانية تخلّي حركة النهضة عنه، وقناعتها بأن تعيين حكومة جديدة ربما يسعفها في تبييض صورتها الذهنية من جهة، ومن جهة أخرى يسهم في استيعاب ضغوط الشارع التونسي.

ختامًا، يمكن القول إن التظاهرات في تونس مرشحة للاستمرار في ضوء تصاعد حدة الاستقطاب السياسي في البلاد، وسأم الشارع التونسي من كافة القوى السياسية.