أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

ضربات متتالية:

لماذا تساقط قادة "داعش" بعد مقتل البغدادي؟

21 يناير، 2020


في ضربة جديدة لتنظيم "داعش"، وبعد أيام قليلة من اعتقال السلطات العراقية مفتي التنظيم المعروف بـ"أبي عبد الباري- شفاء النعمة" في الجانب الأيمن من الموصل، والذي كان يفتي بقتل المواطنين ورجال الدين، في 16 يناير 2020، أعلن المركز الإعلامي لميليشيا "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، في 20 من الشهر نفسه، مقتل المدعو "أبي الورد العراقي"، وهو مسئول بارز في التنظيم يحمل الجنسية العراقية، وقد عرف بأنه يتولى مهمة إدارة النفط داخل "داعش"، كما أنه كان يسيطر على عدد من الخلايا النائمة ويحركها لشن الهجمات الإرهابية، وذلك خلال اشتباكات جرت مع مجموعة مسلحة كانت تتولى حراسته، وقد استولت قوات "قسد" خلال تلك العملية على كمية من الذخائر والوثائق، الأمر الذي يطرح تساؤلات عديدة حول أسباب ودلالات تساقط قيادات تنظيم "داعش" بعد مقتل زعيم التنظيم السابق أبو بكر البغدادي.

تطورات متسارعة:

في الوقت الذي كان تنظيم "داعش" يحاول استيعاب الضربة القوية التي تعرض لها بمقتل زعيمه أبو بكر البغدادي في 27 أكتوبر 2019، توالى تساقط العديد من قياداته ما بين قتيل وأسير، إذ نجحت الأجهزة الأمنية العراقية في القبض على عدد منهم، على غرار إعلان جهاز مكافحة الإرهاب العراقي، في 19 يناير الجاري، القبض على المسئول الأمني في "داعش" بالفلوجة، بالتوازي مع إعلان مديرية شرطة الحدباء التابعة لقيادة شرطة نينوى إلقاء القبض على "الداعشي" نزار النعمة الذي كان يعمل مسئولاً فيما يسمى بـ"الأمنية"، وهو شقيق "مفتي داعش"، مشيرة إلى أنه "ضبط بحوزته جهاز تليفون محمول مع شرائح اتصال تعود لمن يسمى مفتى داعش حسب اعترافه".

اعتبارات عديدة:

يمكن تفسير تسارع وتيرة تساقط قادة تنظيم "داعش" بعد مقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي في ضوء اعتبارات عديدة يتمثل أبرزها في:

1- الاعترافات الأمنية: أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية أنه خلال العملية العسكرية التي انتهت بقتل البغدادي في قرية بريشا بمحافظة إدلب شمال غربى سوريا، تمكنت القوة الخاصة المكلفة بالعملية من إلقاء القبض على مجموعة من مرافقيه، حيث تم نقلهم لإحدى القواعد الآمنة من أجل استجوابهم، نظراً لأنهم يمثلون مصدراً مهماً للمعلومات حول القدرات التنظيمية والعسكرية لـ"داعش"، على نحو لا يمكن فصله عن نجاح الأطراف السابقة في القبض على بعض القيادات، خاصة في ظل التنسيق الأمني المستمر مع واشنطن.

2- استمرار الاختراق: رغم أن اتجاهات عديدة رجحت أن تقوم القيادة الجديدة لـ"داعش"، ممثلة في أبو إبراهيم الهاشمي القرشي، بإعادة هيكلة التنظيم، بما يسمح له بمنع الاختراقات المتصاعدة داخله خلال الأشهر الماضية، والتي كان لها دور، على ما يبدو، في العملية التي أسفرت عن قتل البغدادي ومجموعة أخرى من القيادات، إلا أنه لا يبدو أنها حققت نتائج بارزة في هذا السياق، بدليل تواصل الضربات التي يتعرض لها التنظيم من جانب الأجهزة الأمنية العراقية والقوى الأخرى المنخرطة في الحرب ضده، على غرار ميليشيا "قسد". كما أن تعاون المواطنين مع الأجهزة الأمنية كان له دور في هذا الصدد، على نحو بدا جلياً في إعلان السلطات العراقية، في بيان لها في 18 يناير الحالي، عن أن قوة من شرطة محافظة كربلاء نجحت فى إلقاء القبض على مجموعة من عناصر "داعش" من بينهم قيادات في التنظيم، بسبب تعاون الأهالي مع الأجهزة الأمنية وتقديمهم لمعلومات قيمة ساهمت في ذلك.

3-تراجع دور "الأوكار الآمنة": دفعت الضغوط والضربات القوية التي تعرض لها "داعش" قيادته إلى تبني سياسة جديدة تقوم على التوسع في الانتشار التنظيمي، والتخلي تماماً عن مبدأ السيطرة المكانية، على نحو أدى إلى تراجع دور "الأوكار الآمنة" التي كان يتم اللجوء إليها لتقليص قدرة الأجهزة الأمنية على تعقب قيادات وعناصر التنظيم. ومع أن بعض تلك القيادات سعت إلى إتباع آليات أخرى، مثل التخفي من خلال الاستعانة بهويات مزورة، فإن تلك الآلية لم تحقق أيضاً نتائج في هذا الصدد، في ظل المعلومات التي حصلت عليها أجهزة الأمن وكان لها دور بارز في القبض على عدد منهم، حيث كشفت خلية الإعلام الأمني العراقية، على سبيل المثال، في 3 ديسمبر 2019، عن اعتقال نائب زعيم "داعش" في محافظة كركوك الملقب بـ"أبي خلدون" داخل إحدى الشقق في منطقة واحد آذار، والذي "كان يحمل هوية أحوال مزورة باسم شعلان عبيد". 

4- الفجوات التنظيمية: تشير العمليات الأمنية المتتالية التي أسفرت عن القبض على بعض قادة "داعش" إلى وجود حالة من الترهل التنظيمي، لاسيما بعد أن أصبح يعمل بطريقة لا مركزية، بحيث تقوم كل مجموعة بممارسة مهامها وتنفيذ عملياتها الإرهابية بطريقة شبه منفصلة، وهو ما خصم من قدرتها على التنسيق فيما بينها، فضلاً عن أن بعض تلك المهام كان يقوم بها كوادر من الصف الثاني في التنظيم، والذين قُتِل أو قُبِض على عدد كبير منهم، بشكل لم يوفر خيارات متعددة أمام القيادات الرئيسية للتعامل مع الضغوط التي يتعرض لها التنظيم، وكان ذلك أيضاً سبباً في تعرضهم للقتل أو الاعتقال من جانب الأجهزة الأمنية. 

أخيراً، وعلى ضوء ما سبق، يمكن القول إن الهزائم التي منى بها "داعش" في الفترة الماضية قلصت من قدرته على الحفاظ على قياداته الرئيسية، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى انهياره تنظيمياً بشكل كبير خلال المرحلة القادمة، على نحو ربما يدفع ما تبقى من كوادره إما إلى الهروب والتخفي، أو اللجوء إلى الإرهاب الفردي في إطار ما يطلق عليه "الذئاب الداعشية المنفردة"، أو الانضمام للتنظيمات المنافسة وفي مقدمتها تنظيم "القاعدة".