أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

تحركات متسارعة:

كيف تحاول إيران استباق الحزمة الثانية من العقوبات الأمريكية؟

04 سبتمبر، 2018


اتجهت إيران نحو رفع مستوى علاقاتها الثنائية مع بعض دول الجوار، مثل باكستان وتركيا ودول بحر قزوين، على نحو يشير إلى أنها تحاول استباق بدء تفعيل الحزمة الثانية من العقوبات الأمريكية، التي ستمتد إلى الصادرات النفطية، في 4 نوفمبر القادم، خاصة أن تلك العقوبات سوف تساهم في تصعيد حدة الأزمة الاقتصادية الداخلية التي تواجهها، والتي لم تنجح الإجراءات الحكومية في تقليص تداعياتها خلال المرحلة الماضية.

ومع ذلك، فإن ثمة عقبات عديدة قد تواجه تلك الجهود وتضع حدودًا للنتائج المحتملة التي ربما تحققها خلال المرحلة القادمة، ترتبط بحدود التغييرات المحتملة التي قد تجريها إيران في سياستها إزاء بعض القضايا الرئيسية التي تحظى باهتمام خاص من جانب تلك الدول، فضلاً عن تأثير الضغوط الأمريكية المحتملة على بعض الأطراف، ودور التوازنات السياسية الداخلية.

مؤشرات عديدة:

حرص إيران على تطوير علاقاتها مع تلك الدول بدا جليًا في مؤشرات ثلاثة رئيسية تتمثل في:

1- المسارعة إلى فتح قنوات تواصل مع حكومة عمر خان: كانت إيران من أولى الدول التي رحبت بوصول عمر خان إلى رئاسة الحكومة الباكستانية، حيث سارعت إلى إيفاد وزير الخارجية محمد جواد ظريف إلى إسلام أباد لإجراء مباحثات مع خان والمسئولين الباكستانيين في 30 أغسطس 2018. وكان لافتًا أن تلك المباحثات تركزت على قضايا لا تنفصل عن جهود إيران لاحتواء تداعيات العقوبات الأمريكية، على غرار التعاملات المصرفية الثنائية ومشروعات نقل الطاقة من إيران إلى باكستان، خاصة الغاز، والمشاركة في تطوير الموانئ، لا سيما تشابهار وغوادار، إلى جانب الملف الأمني.

2- دعم أنقرة في مواجهة العقوبات الأمريكية: على نحو انعكس في تأكيد طهران وقوفها إلى جانب الأولى ومطالبتها الولايات المتحدة الأمريكية بـ"وقف إدمانها للحظر". وفي هذا السياق، قام وزير الخارجية محمد جواد ظريف بزيارة أنقرة وعقد اجتماعًا مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ووزير الخارجية مولود تشاويش أوغلو، في 29 أغسطس الفائت، قبيل القمة الثلاثية التي سوف تجمع أردوغان مع الرئيسين الإيراني حسن روحاني والروسي فيلاديمير بوتين في إيران في 7 سبتمبر الجاري.

3- توقيع اتفاق جديد حول الوضع القانوني لبحر قزوين وكيفية استغلال ثرواته: وذلك خلال القمة الخماسية التي عقدت في كازاخستان في 12 أغسطس الفائت، حيث قضت الاتفاقية بأن تكون المنطقة الرئيسية لسطح بحر قزوين متاحة للاستخدام المشترك، وتقسيم الطبقات السفلية إلى أقسام متجاورة بالاتفاق فيما بين الدول الخمس على أساس القانون الدولي، وتحدد الاتفاقية الحكم المتعلق بمنع وجود أى قوات عسكرية لقوى أجنبية دولية أو إقليمية في البحر. 

عقبات مختلفة:

تواجه الجهود التي تبذلها إيران في هذا السياق عقبات عديدة خلال المرحلة القادمة. إذ تدرك طهران أنه لا يمكن التعويل في الفترة الحالية على مدى قدرة حكومة عمر خان في باكستان على الاستمرار في تنفيذ المشروعات الثنائية الخاصة بنقل الطاقة والتعاملات المصرفية الثنائية خلال مرحلة ما بعد تفعيل الحزمة الثانية من العقوبات الأمريكية في 4 نوفمبر القادم.

وربما تتعرض الحكومة الباكستانية لضغوط أمريكية قوية من أجل منعها من دعم الجهود الإيرانية لمواجهة تداعيات العقوبات التي تفرضها واشنطن، خاصة في ظل حرص الأخيرة على سد أية ثغرات قد تحاول إيران استغلالها للالتفاف على تلك العقوبات وتقليص تأثيراتها، وهو ما بدا جليًا، على سبيل المثال، في القرار الذي اتخذه وزير الخارجية مايك بومبيو، في 16 أغسطس الفائت، بتعيين براين هوك مبعوثًا خاصًا لإيران، حيث سيقود مجموعة العمل الخاصة بإيران التي تم تشكيلها في اليوم نفسه لتنسيق الجهود والعقوبات التي فرضتها واشنطن على الأخيرة.

ولذا، فإن اتجاهات عديدة باتت ترى أنه لا يمكن الرهان على الانتقادات السابقة التي وجهها عمر خان للمسارات الخاصة بالعلاقات الباكستانية-الأمريكية، حيث أن موقعه الجديد سوف يفرض عليه خيارات محددة، لا سيما في ظل المعطيات التي تفرضها متغيرات عديدة مثل المشكلات التي تواجه الاقتصاد الباكستاني والتجاذب بين إسلام أباد وواشنطن حول التطورات الأمنية والسياسية في أفغانستان.

كما أن محاولات إيران استثمار التوتر الحالي المتصاعد بين تركيا والولايات المتحدة الأمريكية تواجه عقبة الخلافات المتصاعدة حول الموقف في إدلب، حيث ما زالت أنقرة حريصة على توجيه تحذيرات من عواقب التدخل العسكري من جانب روسيا وإيران والنظام السوري في إدلب، خاصة على صعيد تفاهماتها الأمنية المستمرة مع موسكو وطهران.

إلى جانب ذلك، أثار توقيع الاتفاقية الخاصة بالوضع القانوني لبحر قزوين جدلاً متصاعدًا داخل إيران ربما يخصم من قدرة حكومة روحاني على استثمارها لتحسين العلاقات مع دول البحر، وفي مقدمتها روسيا. إذ أشارت اتجاهات قومية عديدة داخل إيران إلى أن المرونة الملحوظة التي اتسمت بها سياسة إيران خلال المباحثات التي شهدتها قمة كازاخستان أدت في النهاية إلى تقليص حصة إيران من ثروات البحر من 50% حسب ادعاءاتها، إلى 13% فقط، خاصة أن إيران حرصت على تجنب الانخراط في مناقشة تقسيم الحدود المائية للبحر، حيث تدعي تلك الاتجاهات أنه يجب تقسيمها حسب بعض الاتفاقيات التاريخية، على غرار اتفاقيتى 1921 و1940، بما يعني حصول إيران على 50% من ثرواته، باعتبار أن الدول الأربعة الأخرى كانت ضمن الطرف الثاني المشارك في تلك الاتفاقيات وهو الاتحاد السوفيتي السابق.

ومن هنا، سارعت الحكومة إلى تأكيد أن المباحثات التي أجريت خلال قمة كازاخستان لم تتطرق إلى قضية تقسيم ثروات بحر قزوين، معتبرة أن هناك ما بين أربعة إلى خمسة ملفات تم تحييدها خلال التوقيع على الاتفاقية الأخيرة، بسبب عدم الوصول إلى حلول وسط بشأنها بين الدول الخمس. وأشار المتحدث باسم وزارة الخارجية بهرام قاسمي إلى أن الاتفاقيتين المذكورتين لم تتضمنا بنودًا حول الحصص المتساوية أو المشاركة المشاعة في البحر.

وعلى ضوء ذلك، لا يبدو أن الجهود التي تبذلها إيران لرفع مستوى علاقاتها الثنائية مع بعض دول الجوار، سوف تنتج تداعيات إيجابية قوية قد تعزز من قدرتها على احتواء تأثيرات العقوبات التي بدأت الولايات المتحدة الأمريكية تفرضها، لا سيما أن الأخيرة تبدو حريصة على منع إيران من استخدام الآليات نفسها التي تبنتها في المرحلة السابقة للتعامل مع العقوبات الأمريكية والدولية التي تعرضت لها ورفعت بمقتضى الاتفاق النووي الذي توصلت إليه إيران ومجموعة "5+1" في 14 يوليو 2015.

وربما يمكن القول إن انخراط إيران في مثل تلك الجهود يشير إلى أنها قد لا تقدم بسهولة على إجراء تغييرات في سياستها التي تسببت في تصاعد حدة الضغوط الداخلية والإقليمية والدولية ضدها، باعتبار أنها تحاول توجيه رسائل بأن العقوبات الجديدة لن تدفعها إلى الاستجابة للمطالب الأمريكية الخاصة بالتوقف عن دعم الإرهاب والتدخل في الشئون الداخلية لدول المنطقة وتطوير البرنامجين النووي والصاروخي، وأنها سوف تحاول احتواء تداعيات تلك العقوبات عبر الحفاظ على علاقات قوية مع بعض دول الجوار، وهو ما لا يبدو أنه يمثل خيارًا مستقرًا بالنسبة لطهران.