أخبار المركز
  • صدور تقرير عن برنامج الاستشراف الاستراتيجي بالمركز بعنوان: (الأخلاقيات التقنية: الذكاء الاصطناعي والاستدامة والحاجة إلى الشفافية)
  • د. إيهاب خليفة يكتب: ("الجندي الخارق".. كيف ستطور التكنولوجيا حروب المستقبل؟)
  • حسين معلوم يكتب: (التأزم الاقتصادي: رسائل موجة احتجاجات الشباب من كينيا إلى نيجيريا)
  • محمد العربي يكتب: (درس 1914: السير نوماً نحو حرب شاملة في الشرق الأوسط)
  • آية يحيى تكتب: (المساءلة المفقودة: كيف فاقمت "المعلومات المضللة" الاضطرابات في بريطانيا؟)

"الجندي الخارق".. كيف ستطور التكنولوجيا حروب المستقبل؟

19 أغسطس، 2024


في عام 2018 نشرت وزارة الدفاع الأمريكية تقريراً بعنوان "جندي السايبورغ 2050" حدد أربع حالات تُعد ممكنة تقنياً بحلول عام 2050 أو قبل ذلك؛ تنطوي جميعها على دمج التكنولوجيا المتطورة في جسد الجنود؛ بهدف تطوير جندي خارق، قادر على القيام بمهام غير تقليدية في ساحة المعركة. فما هي محاولات تطوير هذا الجندي وما هي أهم التقنيات المستخدمة؟ 

قدرات خارقة:

تقوم فكرة الجندي السايبورغ، أو الجندي المطور، على دمج تقنيات متطورة داخل الجسد، تحقق ميزة إضافية للجنود داخل ساحة المعركة. يتحقق ذلك من خلال زرع أجهزة مثل: رادارات وأجهزة استشعار داخل أجساد الجنود تمكنهم من اكتشاف الأهداف المعادية بسرعة، وتعطيهم قدرات إضافية مثل: التواصل مع بعضهم بعضاً من خلال التفكير، أو التحكم في المعدات والأسلحة العسكرية عن طريق الدماغ، أو رؤية أطياف موجية مختلفة التردد تسمح لهم بالرؤية في الظلام، أو تسريع عمليات الاستجابة العصبية للدماغ والعضلات البشرية. تخيل معركة جوية بين طيار سايبورغ وآخر تقليدي، أيهما أقدر على إصابة الآخر. 

في عام 1985، وصف الجنرال المتقاعد بول غورمان، محاربي السايبورغ في القرن الحادي والعشرين بأن لهم هيكلاً خارجياً متكاملاً بالطاقة؛ يمكن أن يوفر الحماية ضد التهديدات الكيميائية والبيولوجية والكهرومغناطيسية والبالستية، بما في ذلك طلقات الرصاص المباشرة، كما "يحتوي على مستشعرات صوتية وبصرية ولمسية"( (.

تخيل أن "كل جندي سيكون لديه مواصفاته الفسيولوجية مدمجة في شريحة داخل بطاقة تعريفه، وسيقوم بإدخال إحدى بطاقات التعريف في فتحة تحت درع الصدر ليتم تحميل برنامجه الشخصي في كمبيوتر بدلة المعركة"، وتخيل دمج الأبحاث الطبية والتكنولوجية الحالية، والتطوير والتطبيق العملي في الروبوتات، البيونيك، الأطراف الاصطناعية، واجهات الدماغ-الآلة/ واجهات الدماغ-الكمبيوتر في سايبورغ عسكري واحد.

وهنا يمكن التفكير في 10 سيناريوهات مستقبلية قد تسهم في تطوير جندي السايبورغ، هي:

1. تطوير هياكل خارجية للسايبورغ تعزز بشكل كبير قوة الجنود وقدرتهم على التحمل في الميدان؛ مما يسمح لهم بحمل أوزان أثقل، والتحرك بشكل أسرع، والاحتفاظ بالطاقة لفترات أطول دون تعب.

2. تطوير "غراس طبية" عبارة عن تقنيات دقيقة للغاية يتم زرعها في الدماغ والأجساد تسهم في تعزيز قدرات الحواس مثل: السمع والرؤية الليلية؛ مما يمنح الجنود ميزة تكتيكية في مختلف السيناريوهات القتالية.

3. يمكن لواجهات الدماغ-الحاسوب Computer-Brain Interface أن تحسن الوظائف العقلية؛ مما يتيح للجنود معالجة المعلومات بسرعة أكبر واتخاذ قرارات أفضل تحت الضغط.

4. يمكن لشاشات العرض المعززة بالواقع الافتراضي والمدمجة في الخوذ أو النظارات أن تزود الجنود بالبيانات في الوقت الفعلي، مثل: الخرائط، ومواقع العدو، والأهداف المهمة؛ مما يعزز الوعي بالمواقف ويزيد من القدرة على التنسيق.

5. تستطيع الأطراف الاصطناعية المتقدمة والغراس الطبية أن تساعد الجنود المصابين على التعافي بسرعة أكبر والعودة إلى الخدمة؛ مما يقلل من الأثر الطويل الأمد لإصابات المعركة.

6. تستطيع أجهزة الاستشعار المدمجة أن تراقب باستمرار العلامات الحيوية ومقاييس الصحة؛ مما يتيح التدخل الطبي الفوري في حالة الإصابة أو المرض.

7. يمكن التحكم في الطائرات من دون طيار والمركبات غير المأهولة وأجهزة الاستشعار عن بعد بشكل مباشر من خلال التفكير، عبر اتصالها بالشرائح المزروعة في الدماغ البشري؛ مما يعزز قدرتها على مراقبة وإدارة ساحة المعركة بفعالية أكبر.

8. المساهمة في تحسين التواصل بين الجنود المحسنين؛ مما يسهل التنسيق والتعاون في البيئات العسكرية المعقدة.

9. قد يصبح هذا السايبورغ أيضاً قادراً على مقاومة الأسلحة الكيميائية والغازات السامة والدخان. 

10. قد يكون مدعماً بدروع مضادة للرصاص فيصبح منيعاً في حروب الشوارع، تلك الحرب التي تعجز أقوى الجيوش في الوقت الحالي عن تحقيق النصر فيها. 

وقد ينتهي الأمر بأن يصبح السايبورغ غرفة تحكم مركزية في حد ذاته داخل المعركة، فتتصل بالشريحة المزروعة في دماغه الدرونز والروبوتات والمركبات العسكرية؛ فيصبح بمثابة قائد لكتيبة من نظم الذكاء الاصطناعي، يتحكم فيها من خلال التفكير.

مشروعات جدّية:

بالرغم من أن هذا السيناريو ما زال بعيداً عن التحقق في الوقت الحالي؛ فإن التجارب الجدية داخل المختبرات تسير بخطى حثيثة، فمثلاً يقوم معهد Wyss للهندسة المستوحاة بيولوجياً بجامعة هارفارد، بالتعاون مع وكالة مشروعات البحوث الدفاعية المتقدمة (DARPA) في وزارة الدفاع الأمريكية، بتطوير هياكل خارجية تقلل من التعب ومن إصابات الجنود. هذا المشروع يسمى TALOS؛ وهو عبارة عن مشروع لتصميم بدلة للعمليات الهجومية التكتيكية( (.

يهدف المشروع TALOS إلى تطوير هيكل خارجي مصمم لحماية الجسم بالكامل؛ به أنظمة تدفئة وتبريد مدمجة، مستشعرات وهوائيات وأجهزة كمبيوتر مدمجة، صوت ثلاثي الأبعاد (لتحديد موقع زميل المحارب من خلال الصوت)، بصريات للرؤية في ظروف الإضاءة المختلفة، أنظمة توفير الأكسجين وإنقاذ الحياة والتحكم في النزيف.

وتستهدف هذه البدلة الحفاظ على طاقة الجنود، وتتضمن نظاماً من المستشعرات والمحركات والتروس والكابلات والبكرات المدمجة بين طبقات القماش. هذا النظام يستشعر حركة المرتدي ويستجيب لمساعدته، مما يساعد الجنود على السير لمسافات طويلة مع الأحمال الثقيلة من دون الشعور بالتعب. حتى الآن، أظهرت الاختبارات توفيراً في الطاقة بنسبة 7%، ومن المتوقع أن تكون النسخة النهائية من البدلة أكثر كفاءة بفضل المحركات والمستشعرات والكابلات المحسّنة( (.

كما طور معهد Wyss أيضاً نعالاً اهتزازية لمساعدة الجنود على التنقل في التضاريس الوعرة، وتحتوي النعال على وسادات اهتزازية داخلية توفر نبضات تشعرك وكأنك وضعت قدمك على مضخم صوت. هذه النبضات تجعل القدمين أكثر حساسية للأرض، مما يساعد الجسم على تفسير وضعه بشكل أفضل وضبطه، وعلى الرغم من أن النعال كانت مخصصة في الأصل للمرضى خاصة كبار السن، فإنها أثبتت فعاليتها في تحسين الرشاقة والسرعة عند اختبارها على مرتدين أصغر سناً.

وطورت شركة Invisio للاتصالات الصوتية سدادات أذن تسمى TCAPS، وهي نظام الاتصال والحماية التكتيكي. هذه السدادات تعزز السمع عن طريق استشعار الأصوات الانفجارية وتخفيض الصوت قبل أن يصل إلى طبلة الأذن. بالنسبة للأصوات الخافتة، تقوم السدادات بعكس العملية وتعزز الهمسات؛ مما يسمح للجنود بالتواصل بفعالية وسط ضجيج الحرب. تم توزيع 20 ألفاً من هذه الأجهزة على الجيش الأمريكي، ومن المتوقع أن تمنع هذه السدادات فقدان السمع، الذي يُعد من الإعاقات الرئيسية بين المحاربين القدامى( (.

وفي معهد تكنولوجيا النانو للجنود، تعاون الجيش الأمريكي مع الشركات التجارية والباحثين من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا لتطوير مواد نانوية مبتكرة، تشمل هذه التقنيات الأقمشة الذكية التي تعالج الجروح ونظم رؤية ليلية محسّنة، بالإضافة إلى مواد نانوية مخصصة للخوذات تهدف إلى حماية الجنود من التأثيرات المزعجة للانفجارات. هذه الابتكارات تمثل مستقبل تكنولوجيا النانو في التطبيقات العسكرية، وتسعى إلى تحسين حماية وسلامة الجنود في ساحة المعركة.

كما كشفت (DARPA) في عام 2016 عن خططها لتصميم نظام الهندسة العصبية كجزء من مبادرة البيت الأبيض لأبحاث الدماغ من خلال تعزيز التكنولوجيا المبتكرة؛ يهدف هذا المشروع طويل الأمد إلى إنتاج واجهة عصبية قابلة للزرع تربط بين خلايا الدماغ للجنود وأجهزة الكمبيوتر لتعزيز التواصل؛ هذه التقنية تهدف إلى زيادة عملية الربط بين الإنسان والآلة؛ مما يوفر نظرة طويلة الأمد على جندي المستقبل الذي سيكون معززاً بشكل متزايد بالتقنيات المتقدمة.

جندي السايبورغ 2050:

في عام 2018 تشكلت مجموعة دراسة من مجلس تكنولوجيا البيوتكنولوجيا للصحة والأداء البشري التابع لوزارة الدفاع Biotechnologies for Health and Human Performance Council (BHPC)، وقامت بمسح مجموعة واسعة من التقنيات الحالية والناشئة ذات الصلة بمساعدة وتعزيز الأداء البشري في العديد من المجالات وبصورة خاصة في المجال العسكري، تتمثل هذه التقنيات في التالي( (:

- تحسينات بصرية للتصوير والرؤية والوعي بالوضع: تشمل تحسينات في الرؤية تتيح الإدراك الحسي للطيف خارج المرئي مثل: الأشعة تحت الحمراء والأشعة فوق البنفسجية، تمكن المستخدمين من تمييز الأهداف بوضوح حتى في البيئات المعقدة والمليئة بالتشويش، كما تتيح مشاركة البيانات في الوقت الفعلي مع الأفراد الآخرين أو الأنظمة العسكرية؛ مما يعزز التواصل والتنسيق فيما بينهم، وتكون هذه التقنية مفيدة بشكل خاص في البيئات الحضرية الكثيفة أو المدن العملاقة حيث يكون من الصعب تحديد الأهداف وتتبعها. ويتم القيام بهذه التحسينات بإحدى طريقتين: 

الطريقة الأولى، من خلال وضع نظام تعزيز بصري فوق الأنسجة العينية الموجودة مثل تقنيات معالجة البيانات لإضافة معلومات إضافية إلى مجال الرؤية الطبيعي للفرد؛ إذ يمكن للنظام تفسير الأطوال الموجية المختلفة وتزويد المقاتل بمعلومات بصرية تتجاوز الرؤية الطبيعية.

أما الطريقة الثانية، فهي استبدال كامل لمقلة العين بمكونات اصطناعية تقوم بتغذية البيانات مباشرة إلى العصب البصري عبر واجهة ميكانيكية أو سيبورغية، فتقوم بتفسير مجموعة واسعة من الأطوال الموجية للطيف الترددي، بما في ذلك تلك التي لا يمكن للعين البشرية رؤيتها، ثم تُرسل البيانات المستلمة مباشرة إلى العصب البصري لتفسيرها من قبل الدماغ، لكن يتطلب هذا النظام تكنولوجيا متقدمة للتأكد من أن البيانات المرسلة تتوافق بدقة مع الإشارات العصبية المولدة.

- التحكم العضلي المبرمج من خلال شبكة استشعار ضوئية: إذ يتم التحكم في العضلات من خلال شبكة استشعار تحت الجلد تستخدم عملية التحفيز الضوئي، وفي هذه التقنية تقوم شبكة من الألياف الضوئية المزروعة تحت الجلد في المناطق المستهدفة بتحفيز العضلات الحركية عبر إرسال نبضات ضوئية مبرمجة للقيام بحركات محددة؛ فتستجيب العضلات للنبضات الضوئية بتحريك الأنسجة العضلية بناءً على هذه البرمجة؛ مما يتيح استعادة الوظائف العضلية وتحسين القدرات البدنية. 

وتهدف هذه التقنية إلى مساعدة الأفراد الذين فقدوا القدرة على التحكم في عضلاتهم بسبب الإصابة أو الأمراض. ويمكن أن يتم استخدامها أيضاً لتعزيز القدرات البدنية للأفراد؛ مما يمكنهم من أداء مهام تتطلب قوة أو دقة أعلى، وعلى المستوى العسكري تكون مفيدة بشكل خاص في البيئات القاسية أو العمليات العسكرية حيث يحتاج الجنود إلى أداء مهام بدنية صعبة لفترات طويلة.

- تحسين السمع للتواصل والحماية: تحسين القدرات السمعية للحماية من الضوضاء العالية، وتحسين القدرة على تمييز الأصوات المنخفضة الشدة؛ مما يعزز التواصل في البيئات الصاخبة. يكون ذلك من خلال زرع مكبرات صوت صغيرة داخل الأذن أو أجهزة سمعية توضع خارج الأذن وتكون قادرة على التقاط الأصوات وتحسينها، تشمل هذه التحسينات القدرة على تصفية الأصوات غير المرغوب فيها، وتعزيز ترددات معينة لتسهيل فهم الحديث والأصوات المهمة، بالإضافة إلى الحماية من مستويات الضوضاء الضارة التي يمكن أن تتسبب في تلف السمع، ويُعد هذا مهماً بشكل خاص في البيئات العسكرية الصاخبة أو الفوضوية حيث يكون التواصل الواضح والحماية السمعية أمراً حيوياً لسلامة وأداء الأفراد.

- تعزيز الدماغ العصبي لنقل البيانات ثنائي الاتجاه: تُمكن هذه التقنية من التواصل المباشر بين الأدمغة وبعضها بعضاً وبين الأدمغة والآلات؛ بما يسمح للجنود بالتحكم في الأنظمة غير المأهولة والمستقلة والتواصل مباشرة مع الأفراد المحسنين الآخرين، فيتم إصدار الأوامر وتبادل البيانات ومشاركة المعلومات عبر الأدمغة مباشرة، ويمكن لهذه التقنية تحسين التنسيق والفعالية العملياتية بشكل كبير من خلال تمكين نقل سريع ودقيق للبيانات والمعلومات؛ مما يعزز القدرة على اتخاذ القرارات في الوقت المناسب.

تتضمن هذه التقنية زراعة عصبية تسهل واجهات الدماغ-الحاسوب (BCIs)، تعمل بمثابة قنوات الإدخال والإخراج للإشارات العصبية. يمكن أن تكون هذه الزراعات داخل الدماغ لكنها تتطلب تدخلاً جراحياً لوضع الأقطاب العصبية مباشرة في الدماغ؛ مما يوفر اتصالاً عالي الدقة وسرعة استجابة فائقة. لكن يمكن أيضاً أن توضع خارج الجمجمة لتسجيل ونقل الإشارات العصبية؛ مما يجعلها أقل تدخلاً ولكن قد تكون أقل دقة في بعض الأحيان.

وفقاً لهذا التقرير، يتوقع أن تكون هذه المشروعات ممكنة تقنياً بحلول عام 2050، وتقدم مزايا عسكرية كبيرة مثل: تحسين الوعي بالوضع، تحسين التواصل، والتحكم المتقدم في القدرات البدنية والعقلية؛ مما يعني أن شكل الحروب في المستقبل سوف يتغير استناداً إلى الثورة التي سوف تحققها تقنيات السايبورغ العسكرية، وإذا كان هناك نقاش كبير حول مخاطر أنظمة الأسلحة المستقلة والروبوتات القاتلة في المعارك العسكرية، فإنه حان الوقت أيضاً لبدء مناقشة كيفية التحكم في تقنيات تعزيز الإنسان على المستوى العسكري.