أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • د. أحمد سيد حسين يكتب: (ما بعد "قازان": ما الذي يحتاجه "بريكس" ليصبح قوة عالمية مؤثرة؟)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)
  • أ. د. علي الدين هلال يكتب: (بين هاريس وترامب: القضايا الآسيوية الكبرى في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024)

الرابطة الدولية للخبراء والمحللين السياسيين:

هل يُشعل الانقلاب العسكري في النيجر صراعاً إقليمياً شاملاً؟

10 أغسطس، 2023


أعلن الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، في 30 يوليو 2023، أن بلاده سترد فوراً وبقوة على أي عنف ضد رعايا ومصالح باريس في النيجر، وذلك في أعقاب تظاهر آلاف الأشخاص أمام السفارة الفرنسية في نيامي، ومحاولتهم اقتحام المبنى، وإشعال النار في بعض أجزائه، دعماً للانقلاب العسكري الذي أطاح أخيراً بحليف فرنسا هناك، الرئيس محمد بازوم.

تصعيد حاد

تصاعدت حدة التوترات بين المجلس العسكري الجديد في النيجر، بقيادة الجنرال عبدالرحمن تشياني من جانب، وبعض الأطراف الخارجية، ولاسيما فرنسا ومجموعة دول غرب إفريقيا (إيكواس) من جانب آخر، وهو ما يمكن تناوله على النحو التالي:

1. تلويح فرنسا بالتدخل عسكرياً ضد النيجر: يأتي تهديد ماكرون، في ضوء الانزعاج الفرنسي من الانقلاب في النيجر على حليفها بازوم والذي قد يؤثر في مصالحها الاستراتيجية هناك، إذ استثمرت باريس بكثافة في نيامي، وصارت الأخيرة تُشكل القاعدة الرئيسة للقوات الفرنسية في منطقة الساحل الإفريقي، خاصةً بعد الانتكاسات المتتالية للمصالح الفرنسية في مالي وبوركينا فاسو وإفريقيا الوسطى، حيث تحتفظ فرنسا بحوالي 1500 جندي لها داخل النيجر، كما تعتمد باريس على اليورانيوم المستورد من نيامي في تشغيل مفاعلاتها النووية وتوليد نحو 35% من الطاقة الكهربائية التي يحتاجها الداخل الفرنسي.

وفي هذا السياق، نشر المجلس العسكري الحاكم في النيجر بياناً اتهم خلاله فرنسا بالتخطيط لشن عملية عسكرية تستهدف إعادة الرئيس محمد بازوم لمنصبه، فيما نفت وزيرة الخارجية الفرنسية، كاثرين كولونا، أي نية لدى بلادها للتدخل عسكرياً في النيجر، مشيرةً إلى أن بازوم لا يزال يشكل الرئيس الشرعي في نيامي ويمكن إعادته لمنصبه دون تدخل عسكري، كما قررت باريس والاتحاد الأوروبي تعليق التعاون الأمني والمساعدات المقدمة لنيامي رداً على الانقلاب العسكري، وهو ما رد عليه قادة الانقلاب في النيجر بإلغاء اتفاقيات التعاون العسكري مع فرنسا.

2. مهلة "الإيكواس" لقادة الانقلاب في النيجر: بعدما فشلت مساعي "الإيكواس" في الوساطة بين تشياني وبازوم، عقد زعماء "الإيكواس" اجتماعاً طارئاً، في 30 يوليو 2023، في نيجيريا، طالبوا خلاله بضرورة الإفراج الفوري عن بازوم، وأعطى قادة الكتلة الإقليمية مهلة أسبوع واحد لقادة الانقلاب في النيجر للامتثال لهذه المطالب، متعهدين باتخاذ كافة الإجراءات، بما في ذلك القوة العسكرية، لاستعادة النظام الدستوري، كما فرضت المجموعة حزمة من العقوبات تتعلق بحظر السفر وتجميد الأصول لقادة الانقلاب العسكري وأفراد أسرهم. وقد أعلن عضو المجلس العسكري النيجري، أمادو عبدالرحمن، أن قادة "الإيكواس" يخططون لتدخل عسكري وشيك ضد النيجر، وذلك بالتعاون مع بعض الدول الإفريقية غير الأعضاء في مجموعة "الإيكواس"، وعدد من الدول الغربية، خاصةً وأن الاتحاد الأوروبي كان قد أعلن استعداده لدعم القرارات المستقبلية لـ"الإيكواس" في هذا الصدد.

دلالات مهمة:

عكست التوترات المرتبطة بالانقلاب العسكري الأخير في النيجر جملة من الدلالات المهمة، يمكن عرضها على النحو التالي:

1. تصاعد السخط داخل النخبة العسكرية في النيجر: كشفت بعض التقارير الغربية عن محدد رئيس للانقلاب العسكري الأخير في النيجر، يتمثل في تصاعد حالة السخط داخل النخبة العسكرية هناك، وهو ما عزته هذه التقارير إلى عدة أسباب، يتعلق بعضها بعرقية الرئيس المعزول، محمد بازوم، والذي ينحدر من أقلية عرقية عربية في النيجر، وهو ما أثار استياءً نسبياً داخل الدائرة العسكرية، والتي تتشكل في مجملها من مجموعات عرقية أكبر.

يُضاف لذلك تزايد حالة الامتعاض لدى النخبة العسكرية من تزايد الوجود العسكري الغربي في النيجر، حيث صار هناك اعتقاد راسخ داخل هذه النخبة أن هذا الوجود يقوض كثيراً من نفوذها في البلاد، حيث افتتحت الولايات المتحدة قاعدة لها للطائرات من دون طيار في النيجر، منذ عام 2019، كما عمدت باريس إلى الدفع بجزء كبير من قواتها التي كانت موجودة في مالي، في المقابل لم يساعد هذا الوجود الغربي على تخفيض حدة الهجمات الإرهابية في نيامي، وهو ما ضاعف من استياء النخبة العسكرية.

2. حسم الجدل بشأن توجهات قادة الانقلاب العسكري: أثار الانقلاب العسكري الأخير في النيجر تساؤلات عدة خلال الأيام الماضية بشأن موقف قادة الانقلاب من القوى الدولية المختلفة، حيث تباينت التقديرات في هذا الصدد، ففي حين رجح بعضها إمكانية أن يدفع قادة المجلس العسكري الجديد نحو التقارب مع روسيا، ذهبت تقديرات أخرى إلى احتمالية مواصلة نيامي تعاونها مع الغرب.

بيد أن التصعيد الأخير من قبل فرنسا ومجموعة "الإيكواس"، القريبة من باريس، عكس مؤشرات مهمة بشأن توجهات المجلس العسكري الجديد، ورغبته في تعزيز التقارب مع موسكو، خاصةً بعدما قرر المجلس وقف تصدير الذهب واليورانيوم إلى باريس والدول الأوروبية، فقد كانت النيجر هي ثاني أكبر مورد لليورانيوم الخام للاتحاد الأوروبي في عام 2022، بإجمالي يقدر بحوالي 2975 طناً من اليورانيوم الخام، وهو ما من شأنه أن يفاقم أزمة الطاقة في أوروبا. هذا إلى جانب أن المتظاهرين أمام السفارة الفرنسية في نيامي، قد كتبوا عبارات "فلتسقط فرنسا والإمبريالية، عاشت روسيا"، في إشارة واضحة لتوجهات الانقلاب الأخير في النيجر.

3. استقطاب إقليمي حاد: كشف الانقلاب العسكري الأخير في النيجر عن حالة الاستقطاب الإقليمي الحاد في منطقة الساحل وغرب إفريقيا، إذ حذرت مالي وبوركينا فاسو في بيان مشترك من أي تدخل عسكري مُرتقب في النيجر، معتبرتان أن هذا التدخل سيكون بمثابة إعلان حرب ضد باماكو وواغادوغو، وذلك رداً على التهديدات الأخيرة من قبل مجموعة "الإيكواس"، كما أعربت غينيا كوناكري عن تضامنها مع السلطات الحالية في النيجر، رافضةً المشاركة في أي إجراءات ضد نيامي، وذلك في مقابل تأكيد السنغال استعدادها إرسال قوات عسكرية إلى النيجر، في حال قررت "الإيكواس" تنفيذ تدخل عسكري في النيجر.

وعلى المنوال ذاته، حذرت الجزائر من أي نية للتدخل العسكري الأجنبي في النيجر، معتبرةً أن هذه الخطوة ستؤدي إلى تعقيد الأزمة وتفاقمها، كما انتقدت وزارة الخارجية الروسية، في 2 أغسطس 2023، التهديد باستخدام القوة ضد النيجر، معتبرةً أن هذا الأمر لن يسهم في تسوية الصراع، في مؤشر رأته بعض التقديرات بمثابة مقدمة لتعزيز التقارب بين موسكو ونيامي.

4. غموض الموقف الأمريكي: بينما تحتفظ الولايات المتحدة بحوالي 1000 جندي لها داخل النيجر، وتمتلك قاعدة عسكرية لها للطائرات من دون طيار، تُشكل ركيزة أساسية لعمليات واشنطن الاستخباراتية في القارة الإفريقية، لا يزال الموقف الأمريكي من الانقلاب العسكري الأخير في نيامي يتسم بالارتباك، فبينما انتقدت واشنطن عملية الإطاحة ببازوم، وأكدت تمسكها باستعادة الحكم الديمقراطي في النيجر، شككت بعض التقديرات في احتمالية مشاركة الولايات المتحدة في أي عملية عسكرية مُحتملة يمكن أن تشارك فيها فرنسا ومجموعة "الإيكواس" ضد قادة الانقلاب العسكري في نيامي، وذلك على الرغم من إشارة بعض التقارير الغربية إلى أن خسارة الغرب للنيجر واتجاه الأخيرة بعيداً عن هذه الدول لصالح روسيا والصين سيشكل انتكاسة كبيرة للمصالح الأمريكية والأوروبية في المنطقة. وربما يُشير هذا الموقف إلى رغبة واشنطن في الإبقاء على خياراتها مفتوحة للتوصل إلى تفاهمات مع قادة الانقلاب، إذا ما استقرت الأوضاع له، تضمن مصالح الولايات المتحدة في المنطقة، أو على الأقل تحول دون تغذية المشاعر المعادية للغرب، في حال وقوف واشنطن ضد الانقلاب، بما يعجل من تقارب النيجر مع روسيا.

ارتدادات مُحتملة:

هناك جملة من التداعيات التي يمكن أن تتمخض عن الانقلاب العسكري الأخير في النيجر، يمكن عرضها على النحو التالي:

1. تزايد التكهنات بشأن التدخل العسكري: حذرت بعض التقديرات الغربية من احتمالية اندلاع صراع إقليمي أوسع في منطقة الساحل، حيث يفترض هذا السيناريو احتمالية أن تدفع مجموعة "الإيكواس"، بعد نهاية المهلة الممنوحة للمجلس العسكري النيجري، في 6 أغسطس 2023، إلى إطلاق عملية عسكرية ضد نيامي، لمحاولة إعادة الرئيس بازوم للسلطة، وهو ما سيتمخض عنه تدخل من قبل بعض الأطراف الإقليمية لدعم المجلس العسكري الحالي، خاصةً مالي وبوركينا فاسو، حيث توجد عناصر "فاغنر" الروسية في كلتا الدولتين، بالإضافة للجزائر التي ترفض أي تدخل عسكري في نيامي.

ويُشكل رئيس نيجيريا والرئيس الحالي لمجموعة "الإيكواس"، بولا تينوبو، أحد أبرز الداعمين لفكرة التدخل العسكري ضد قادة الانقلاب الأخير في النيجر، باعتبار أن هذه التطورات تُشكل التحدي الأول والأبرز له في المنطقة، ويسعى لتقديم نفسه كشريك قوي للغرب.

وربما يُعزز هذا الاتجاه، لجوء الأطراف الغربية، خلال الأيام الأخيرة، إلى القيام بعمليات إجلاء مُستمرة لرعاياها الموجودين في النيجر، حيث أعلنت فرنسا، في 3 أغسطس 2023، انتهاء عملية إجلاء الرعايا من النيجر، كما تقوم بالأمر نفسه كل من إيطاليا وألمانيا وإسبانيا، وهي الخطوات التي عدتها بعض التقديرات أنها ربما تُشكل مقدمة لتصعيد عسكري مُحتمل في النيجر خلال الفترة المقبلة.

وفي المقابل، تُشكك بعض التقديرات في احتمالية أن تدفع دول "الإيكواس" نحو الانخراط العسكري المباشر في النيجر ضد السلطات الجديدة هناك، حيث استندت هذه التقديرات إلى غياب الإرادة السياسية أو القوة العسكرية الكافية التي تجعل دول "الإيكواس" قادرة على الوفاء بتهديداتها، خاصةً في ظل التجارب السابقة في مالي وبوركينا فاسو وغينيا، ناهيك عن الاستقطابات الإقليمية الحادة التي يتوقع أن تزيد من صعوبة أي عملية عسكرية في نيامي. بيد أن ثمة تقديرات أخرى ألمحت إلى أن هناك ضغوطاً فرنسية حالية على مجموعة "الإيكواس" لشن عملية عسكرية ضد النيجر.

2. تعزيز تقارب النيجر مع روسيا: حذّر تقرير صادر عن صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية من تنامي حالة السخط في الداخل النيجري إزاء التدخل الغربي في شؤونه الداخلية، بالتزامن مع التقارير التي رصدت وجود اتجاه داخل نيامي يدعم التقارب مع موسكو على حساب الغرب، حيث طالب بعض المتظاهرين المجلس العسكري الجديد بضرورة طلب الدعم من روسيا ومجموعة "فاغنر".

وفي هذا السياق، قام الرجل الثاني في المجلس العسكري الحاكم في النيجر، الجنرال ساليفو مودي، بزيارة مفاجئة إلى مالي، في 2 أغسطس 2023، أجرى خلالها مشاورات مع قائد المجلس العسكري الحاكم في باماكو، عاصمي جويتا، كما كشفت بعض التقارير عن لقاءات سيعقدها مودي خلال زيارته مع بعض المسؤولين في مجموعة "فاغنر" الروسية الموجودة في باماكو لطلب الدعم منها في مواجهة أي تدخل محتمل من قبل "الإيكواس".

3. تخوفات من تأثير "الدومينو" في المنطقة: حذرت بعض التقديرات من التداعيات الإقليمية المحتملة للتوترات الراهنة في النيجر، حيث يتوقع أن تؤدي إلى تفاقم الأوضاع الأمنية المتدهورة بالفعل في منطقة الساحل وغرب إفريقيا، وتمددها نحو مزيد من الدول ذات الاقتصادات المهمة، كغانا ونيجيريا، كما لم تستعبد هذه التقديرات احتمالية أن تشهد مزيد من الدول انقلابات عسكرية جديدة، وربما يدعم هذا الطرح التطورات التي شهدتها أخيراً سيراليون، العضو بمجموعة "الإيكواس"، ومحاولة عناصر من الجيش هناك الإطاحة بالرئيس جوليوس مادا بيو، لذا يبدو أن ثمّة قلقاً متزايداً لدى قادة "الإيكواس" من تمدد الظاهرة الانقلابية داخل دول المجموعة.

وفي التقدير، يمكن القول إنه لا تزال حالة عدم اليقين تهيمن على مآلات المشهد الراهن في النيجر، إلا أن المرجح أن المتغيرات الراهنة في نيامي سيكون لها ارتدادات إقليمية واسعة في منطقة الساحل وغرب إفريقيا، من خلال إعادة هيكلة التحالفات القائمة وبلورة ترتيبات أمنية جديدة هناك، كما يتوقع أن تُفاقم هذه المتغيرات من حدة التنافس الدولي في هذه المنطقة.

*لينك المقال في الرابطة الدولية للخبراء والمحللين السياسيين*