أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • د. أحمد سيد حسين يكتب: (ما بعد "قازان": ما الذي يحتاجه "بريكس" ليصبح قوة عالمية مؤثرة؟)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)
  • أ. د. علي الدين هلال يكتب: (بين هاريس وترامب: القضايا الآسيوية الكبرى في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024)

ثمن الاعتراف:

مأزق أفغانستان بين تشدد طالبان والانهيار الإنساني

21 نوفمبر، 2021



منذ سيطرة حركة طالبان على الحكم في أفغانستان، بعد صراعات عنيفة بين الحركة والجيش الأفغاني، أدت إلى خسائر فادحة، تصاعدت وتيرة الهجوم على الولايات المتحدة ووصف البعض قرارها بالانسحاب العسكري من هذا البلد بالكارثي، خاصة مع مظاهر الخروج العشوائية التي ستظل عالقة في ذاكرة التاريخ لسنوات. وكان التعويل على تعهد طالبان بإجراء محادثات سلام وطنية، وعدم العودة إلى حكم "العصور الوسطى" نوعاً من السذاجة السياسية أو ما يعرف بالتفكير بالتمني، خاصة في ظل تاريخ الحركة المعروف وسلوكها الإرهابي تجاه المجتمع الأفغاني. 

لم تقف عواقب سيطرة طالبان على أفغانستان على إحكام قبضتها على المجتمع الأفغاني وفرض سياسات اجتماعية جديدة تنحو بالمجتمع في اتجاه الرجعية والتشدد وغيرها من الأمور، بل أن الأوضاع الاقتصادية في البلاد، والتي كانت هشة من الأساس، ازدادت سوءاً، وتصاعدت حدة المشكلات الإنسانية خاصة مع وقف المساعدات الإنسانية من غالبية الدول المانحة، لأسباب تتعلق بعدم الاعتراف الدولي بالحركة من جانب، والتفكير في استخدام المساعدات والمنح الدولية كأداة ضغط على طالبان لتعديل وتقويم سلوكها، سواء على مستوى الداخل أو في إطار التفاعلات الإقليمية والدولية. 

ومن واقع الشهور الماضية، لا يمكن القول إن الضغط الاقتصادي أو اختناق الوضع الاجتماعي أثر، حتى الآن على الأقل، في تغيير توجهات طالبان، وما زال المجتمع الأفغاني يدفع ثمن الدخول الأمريكي للدولة والخروج العشوائي منها.  

انهيار الداخل 

بحسب بيانات صندوق النقد الدولي 2021 تشير تقديرات عدد السكان إلى 39 مليون نسمة. يعيش ثلثا سكان أفغانستان تحت خط الفقر، فلا تتعدى حصة الفرد دولاراً ونصف الدولار الأمريكي يومياً، فيما تبلغ نسبة البطالة في البلاد نحو 40%. في الوقت نفسه، تتربع أفغانستان على قمة الدول المنتجة للأفيون، ويزيد إنتاجها على إنتاج الدول الأخرى مجتمعة، على الرغم من إنفاق الحكومة ملايين الدولارات للقضاء على إنتاج المخدرات في البلاد. ومن ثم تعد أفغانستان واحدة من أكثر دول العالم فقراً، وأقلها نمواً وتطوراً، وتعيش الدولة على القروض والمساعدات الدولية، في ظل ظروف حياة قاسية وصعبة، لا تخلو من الصراعات الدامية، والاقتتال الداخلي، حيث يستشري الفساد والعنف. 

وبناءً على ذلك سوف تنهار أفغانستان إذا ما تم ايقاف مد يد العون والمساعدات الخارجية. فقد حذرت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو) وبرنامج الغذاء العالمي، من سوء الأوضاع الإنسانية والمعيشية في أفغانستان، وبدأت تتصاعد حدة المخاوف مع بداية دخول فصل الشتاء وتحول الجو إلى البرودة القارسة، واجتياح الجفاف العديد من المناطق. فنحو ٩٥ % من الأفغان لا يحصلون على الغذاء الكافي ويواجه نحو ٢٣ مليون مواطن المجاعة، بعد الفوضى التي شهدتها البلاد إثر سيطرة حركة طالبان على مقاليد الحكم، فمن المتوقع أن تكون الأوضاع أكثر كارثية في الشهور المقبلة. 

تجميد المساعدات الدولية 

من جانبها، تسعى حركة طالبان إلى نيل الاعتراف الدولي، والتي تعتبر خطوة فارقة في الوضع الاقتصادي للدولة، خاصة مع عودة المساعدات الدولية، فضلاً عن دلالاتها السياسية. غير أن الموقف الدولي ما زال يسوده التردد بشأن إعادة المساعدات والمنح، خاصة في ظل سيطرة حركة طالبان على الحكم والتخوف من عدم وصول هذه المساعدات لمستحقيها. كما أعلنت بعض الدول والمؤسسات الدولية ربط المساعدات بالتزام حركة طالبان ببعض الحقوق المدنية والشروط منها احترام حقوق المرأة، وعدم إعاقة خروج اللاجئين الأفغان، منع عودة الإرهاب، تسهيل وصول المساعدات والسماح بوصولها إلى الأراضي الأفغانية، تشكيل حكومة انتقالية غير استبعادية. 

مثل هكذا شروط تأتي من منطلق أن حق المجتمع في العيش بمنأى عن الخوف والتمييز والقمع، مع احترام مبادئ وحقوق الإنسان، وأن تصريحات طالبان بعدم التشدد لا يمكن تصديقها إلا إذا ما اقترنت بالأفعال. وإذا لم تلتزم طالبان بهذه الشروط لن يتم الاعتراف بها. وقد أعربت طالبان عن عدم موافقتها على شروط المجتمع الدولي لأنها تخالف القوانين الدولية، كما أنها غير مناسبة لها، وقد طلبت طالبان الأمم المتحدة بإيجاد أرضية مشتركة وأن تتعاون وتعترف بشرعية الحكومة الانتقالية.

وبناء عليه أعلن صندوق النقد الدولي تعليق المساعدات المخصصة لأفغانستان، كما علقت برلين التي تعد من أكبر عشرة مانحين لأفغانستان مساعداتها التنموية التي تقدر بـ 430 مليون يورو، وتدرس كل من بريطانيا وفرنسا واستراليا أيضاً خفض التعهدات.

وفي المقابل، دعت حركة طالبان المجتمع الدولي لزيادة المساعدات للبلاد وعدم تسييس المساعدات، مشددة على أن الحركة ليست تنظيماً إرهابياً، وتعهدت طالبان بأنها لن تسمح بأن تصبح أفغانستان قاعدة للإرهابيين الذين قد يهددوا الغرب، وأنها حريصة على إيصال المساعدات للمستحقين من الفقراء والنساء والأطفال من الشعب الأفغاني. وأكدت الحركة أن أوضاع الدولة لن تشهد أي تحسن من دون المساعدات الخارجية، وقد يبدو أن هذه خطوة في اتجاه الضغط على سلوك طالبان، غير أن المؤشرات على ذلك ما زالت غير ملموسة.

إغاثات إقليمية 

تعاملت دول أخرى مع الوضع الداخلي في أفغانستان من منطلق الإغاثة الإنسانية بمنأى عن موقفها السياسي من الحركة، فقد بادرت دولة الامارات العربية المتحدة بإرسال المساعدات، حيث قامت بإرسال طائرة مساعدات إنسانية طبية وغذائية إلى العاصمة كابول، وقد أعربت وزارة الخارجية الأمريكية عن تقدير دعم الامارات، خاصة أنها استهدفت سد الاحتياجات الأساسية والضرورية لآلاف الأسر الأفغانية، وبالأخص الفئات الأكثر ضعفاً كالنساء والأطفال وكبار السن. وعلى غرار ما قامت به الامارات أرسلت باكستان الدقيق وزيت الطعام وامدادات طبية طارئة.

 بيد أن هناك حاجة ملحة إلى المزيد لتفادي كارثة إنسانية لملايين الأفغان المغلوبين على أمرهم، فقد حذرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسف"، من تدهور الأوضاع الإنسانية للأطفال في أفغانستان، لأن العديد من خدمات الدعم توقفت منذ استيلاء طالبان على السلطة، فجميع المنظمات غادرت افغانستان وترك الشعب الأفغاني ليواجه مصيره الذي أقل ما يوصف به بالمأسوي، فإلى جانب أكثر من نصف مليون شخص نزحوا داخلياً في هذه السنة بعد أن أجبروا على ترك منازلهم بعد اجتياح طالبان للبلاد، هناك آلاف نزحوا بسبب الجفاف. ففي شمال غرب البلاد مرضت الماشية وجفت الحقول، وقد تسبب الجفاف في أنحاء البلاد في تفاقم نقص الغذاء وصار الملايين معرضيين لخطر المجاعة، مما دفع الأمم المتحدة إلى دق ناقوس الخطر.

 وقد أوضح يينس لارك من مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية أن الخدمات الأساسية في أفغانستان آخذة في الانهيار وأن الغذاء والمساعدات الأساسية على وشك النفاد، وأن الاقتصاد في طريقه للتوقف مع نقص المخزون النقدي، إضافة إلى ازدياد مشاعر القلق بشأن حقوق النساء والفتيات. وتسعى منظمات إغاثية وبعض الحكومات إلى سد النقص الحاصل، حيث جمع مؤتمر المانحين الذي عقد في جنيف مبلغاً قدره 606 ملايين دولار لإنقاذ حياة ملايين الأفغان خلال الأربعة أشهر الأخيرة من العام الحالي. وأوضحت الأمم المتحدة أن الأفغان بحاجة إلى الغذاء والدواء والخدمات الصحية ومياه الشرب والصرف الصحي.

ختاماً، يبدو أن أمر المساعدات لن يحسم في القريب المنظور، مع استمرار المخاوف من عودة القاعدة التي ارتبطت تاريخياً بطالبان، وتصاعد هجمات تنظيم داعش خراسان، وعدم وجود ضمانات حقيقية من جانب طالبان، والتي بدورها تؤكد على استهدافها إقامة حكومة إسلامية وليست إرهابية وتتعهد باحترام حقوق الإنسان في محاولة منها لتشجيع منظمات الإغاثة على مواصلة عملها، قائلة إن المساعدات محل ترحيب ما دامت لا تُستخدم كوسيلة للتأثير السياسي على أفغانستان. وهذه الحالة الرمادية تهدد أوضاع ٢٣ مليون مواطن يعيشون في خطر المجاعة، وتعيق أي احتمالات لإعادة بناء الدولة قريباً وإزالة آثار الدمار الهائل الذي لحق بالمدارس والمؤسسات والبنية التحتية للدولة.