أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • د. أحمد سيد حسين يكتب: (ما بعد "قازان": ما الذي يحتاجه "بريكس" ليصبح قوة عالمية مؤثرة؟)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)
  • أ. د. علي الدين هلال يكتب: (بين هاريس وترامب: القضايا الآسيوية الكبرى في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024)

ماذا يحدث في شرق البحر المتوسط؟

17 يوليو، 2019


وقت كتابة هذا المقال، كانت منطقة الخليج العربي على وشك الاشتعال عندما قامت قوارب الصواريخ السريعة الإيرانية بالتحرش ومحاولة أسر سفينة بريطانية وقيادتها إلى أحد الموانئ الإيرانية، لولا أن الفرقاطة العسكرية المصاحبة والحارسة لها وجهت مدافعها إلى المعتدين فكان انسحابهم الفوري. محاولة الأسر هذه كانت ردا على قيام المملكة المتحدة بتطبيق العقوبات الموقعة على إيران باحتجاز سفينة إيرانية في جبل طارق كانت محملة بالبترول الموجه إلى سوريا في مخالفة صريحة للعقوبات الموقعة عليها. كان الفعل ورد الفعل جزأين من عمليات تصعيد عسكري متوالية شملت منطقة الخليج العربي والبحر الأحمر نجم عنها إعلان أميركي بتكوين تحالف دولي لحماية السفن وناقلات البترول والمنصات البحرية. أصبحت المنطقة التي تشمل البحر الأحمر وخليج عدن والمحيط الهندي وخليج عمان ومضيق هرمز وباب المندب وقناة السويس تشترك في حمايتها الدول المعنية بحماية ناقلاتها أو ممراتها البحرية على أن تقوم الولايات المتحدة بمهام المراقبة والمعلومات والاستخبارات. وبينما تبدو هذه المنطقة تسير في طريق التوتر فإن منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط تبدو هي الأخرى على الطريق المتوترة نفسها، وترزح تحت مياهه أزمة مثلما حال المياه الأخرى المحيطة بالشرق الأوسط تنتظر موعد الانفجار. 

السكرتير العام للأمم المتحدة «أنطونيو غوتيريش» صرح بأن عمليات استخراج المواد الكربونية (النفط والغاز) تحمل في طياتها «خطر الصراع».

والحقيقة أنه ليس جديداً على الشرق الأوسط أن يكون الصراع على الثروات الطبيعية من مياه ونفط وغاز محتملاً بشكل دائم؛ ولكن الجديد في الموقف هو أن هذا النذير يأتي بعد فترة بدا فيها التعاون في منطقة شرق البحر المتوسط أكثر من التوتر، والمشاركة أكثر من الصراع؛ والأخبار الطيبة أسرع من الأخبار المنذرة. وكان ذلك بقدر غير قليل صحيحاً فامتدت الأحوال الطيبة في البحر الأحمر جنوباً إلى تسوية الصراع الإثيوبي الإريتري؛ وشمالاً إلى إنشاء منتدى شرق البحر الأبيض المتوسط ويضم كلا من مصر وإسرائيل وفلسطين والأردن وقبرص واليونان وإيطاليا. ونجحت الولايات المتحدة عن طريق وساطة سفيرها ديفيد ساترفيلد في تقريب وجهات النظر بين لبنان وإسرائيل فيما يتعلق بتخطيط الحدود البحرية بينهما، وهو ما يتيح استخراج الغاز لكليهما، فقام لبنان باستخدام شركات توتال الفرنسية وإيني الإيطالية ونوفاتيك الروسية؛ بينما استخدمت إسرائيل شركتي ديليك الإسرائيلية ونوبل الأميركية، وهما تعملان حاليا في حقلي «تمارا» و«ليفياثان» في المناطق الإسرائيلية. وقامت قبرص باستخدام شركة «شل» الهولندية البريطانية لاكتشاف المزيد من الغاز الذي بات مقرراً بالاتفاق مع مصر على تسييله في مصنع «إيدكو» عبر أنبوب خاص بالغاز القبرصي. وكان آخر الأخبار الطيبة اتفاق بين مصر وإسرائيل على إغلاق ملف التعويضات المصرية لإسرائيل عن عدم مدها بالغاز بعد حدوث 17 تفجيراً إرهابياً لخط الأنابيب بين البلدين؛ حيث انتهت التسوية إلى دفع مصر ما يقابل 500 مليون دولار بدلاً من مبلغ التحكيم وقدره مليار وثمانمائة مليون دولار. وفي الوقت نفسه بدأ في 30 يونيو (حزيران) المنصرم استخدام إسرائيل خط الأنابيب الخاص بالشركة المصرية لغاز شرق البحر المتوسط لنقل الغاز في الاتجاه المصري من خلال حقل تمارا.

إلى هنا كان بادياً أن المصالح المشتركة كفيلة بعبور مناطق حساسة للصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين، فأصبحتا عضوين في منتدى واحد للغاز، فبدأت كلتاهما تستثمر في مناطق مثمرة؛ إلا أن تركيا لم يكن من شأنها أن يسود هذا المنهج وعلى قائمة أعمالها الصراع التركي اليوناني التاريخي؛ ثم الصراع بالوكالة بينهما على قبرص اليونانية والأخرى التركية، والتوتر القائم بينها وبين مصر بسبب استضافتها لجماعة الإخوان المسلمين المصرية على أرضها، وهجماتها المستمرة على مصر وثورتها التي أطاحت حكم الإخوان. 

بدأت تركيا تتحدث عن «حقوق تاريخية» للقبارصة الأتراك في «جمهورية شمال قبرص» التي لم تحصل على اعتراف دولي واحد بوجودها بخلاف أنقرة؛ ودفعت بالفعل أولا بقطع عسكرية إلى مناطق اكتشاف الغاز في محاولة لاستفزاز مصر وقبرص، مما حدا بالأولى إلى نشر قطع بحرية، وتقديم الثانية احتجاجاً أيدها فيه الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. ومن خلال ذلك بدأت تركيا تتحدث عن حقوقها الجغرافية في حوض الغاز الكبير الواقع في شرق البحر المتوسط، وأكثر من ذلك بدأت في عمليات استكشاف عن الغاز في مياه البحر المتوسط دون أي اتفاق مع الدول المتشاطئة، طبقاً لقانون البحار الدولي. هذا النوع من البلطجة الاقتصادية، واكبته تركيا بالقفز على منطقة شرق البحر المتوسط والتدخل المباشر في الأزمة الليبية بمد حكومة السراج وحلفائه من الميليشيات الإرهابية المسلحة وجماعة الإخوان بالسلاح لمنع الجيش الوطني الليبي من دخول «طرابلس» واستكمال تخليص الوطن الليبي من الإرهاب.

وبقدر ما كانت تركيا سبباً رئيسياً في التهاب الأوضاع في شرق البحر المتوسط، وانفجار الأوضاع في ليبيا، فإن تصاعد التنافس الدولي في المنطقة، وخاصة مع استمرار الأزمة السورية، بدأ يلقي بظله الثقيل على التطورات الطيبة في شرق المتوسط. فبينما تعتبر الولايات المتحدة وحلف الأطلنطي وأساطيلهما مسؤولة عن حماية قبرص والدفاع عن مصالحها؛ فإن الوجود الروسي في سوريا ولبنان يراقب التطورات بقلق وهي التي يمكنها منافسة الغاز الروسي لأوروبا، وكذلك فإن الوجود الإيراني في سوريا ولبنان هو الآخر لا يمكن اعتباره عنصراً إيجابياً وهو الرابط ما بين أزمته في الخليج والبحر الأحمر من خلال الحوثيين، وأزمته السورية على البحر المتوسط؛ حيث احتمالات المواجهة مع إسرائيل قائمة. الصين هي الأخرى ليست بعيدة عن الصورة، فقد وجدت لنفسها موطئ قدم في موانئ «بريوس» اليوناني، وحيفا الإسرائيلي، وجيبوتي في الطرف الجنوبي في البحر الأحمر. إلى أين ينتهي هذا التنافس الدولي غير المعلوم؛ وإلى أي حد سوف يكون ذلك مرتبطاً بالتنافس المتصاعد والمقترب من السخونة في الخليج والبحر الأحمر لا يمكن التنبؤ به؛ وهل هناك من وسيلة لتبريد الأوضاع الحالية وإبقائها بعيدة عن نقطة الانفجار؟

الشاهد هنا أن قوة الدفع التي تولدت خلال الأعوام القليلة الماضية في شرق البحر المتوسط لا تزال ماضية بفعل إرادة الدول ورغبة الشركات الدولية العملاقة؛ وهناك كثير يمكن تحقيقه إذا ما تصاعدت المشروعات الصناعية والتجارية. ومن جانب آخر فإن «لقاء القدس» الذي جرى بين روسيا والولايات المتحدة في حضور إسرائيل ربما يخلق اتجاها نحو التهدئة خاصة مع تحسن العلاقات الروسية الأميركية، والعلاقات الأميركية الصينية. ومع ذلك فإن التاريخ يشهد على أن الحماقة والاندفاع في تركيا وإيران ربما يكون فيهما مفتاح الحرب والسلام في البحار المحيطة بالشرق الأوسط!

*نقلا عن صحيفة الشرق الأوسط