أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • د. أحمد سيد حسين يكتب: (ما بعد "قازان": ما الذي يحتاجه "بريكس" ليصبح قوة عالمية مؤثرة؟)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)
  • أ. د. علي الدين هلال يكتب: (بين هاريس وترامب: القضايا الآسيوية الكبرى في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024)

مخازن التهديد:

لماذا يتمدد الصراع الأمريكي – الإيراني إلى أزمة فنزويلا؟

24 يونيو، 2019


شهدت الشهور القليلة الماضية، تصاعد وتيرة الاتهامات التي وجهتها الإدارة الأمريكية لإيران، بالضلوع في أنشطة إجرامية وإرهابية في فنزويلا، الأمر الذي اعتبرته واشنطن بمثابة تهديد لأمنها القومي، وكذلك أمن منطقة أمريكا اللاتينية برمتها. وتكشف الاتهامات الأمريكية لإيران عن اتساع نطاق المواجهة الأمريكية الإيرانية إلى خارج حدود منطقة الشرق الأوسط، لتمتد إلى أمريكا اللاتينية، حيث تعمل طهران على تكثيف حضورها هناك، وهو الأمر الذي تحركه العديد من الدوافع والأسباب.

دوافع وأسباب متعددة: 

لا يُعد الوجود الإيراني في فنزويلا بالأمر الجديد؛ إذ شهدت العلاقات الإيرانية الفنزويلية تطورًا ملحوظًا منذ عام 2005، وتحديدًا في عهد الرئيس الإيراني الأسبق "أحمدي نجاد" الذي ربطته علاقات قوية مع الرئيس الفنزويلي الراحل "هوجو شافيز"، غير أن إيران سعت على مدار الشهور الماضية إلى ترسيخ وجودها العسكري والمالي في فنزويلا، من خلال استثمار الأوضاع السياسية والأمنية المتدهورة نتيجة الأزمة السياسية التي تصاعدت حدتها مع تنصيب رئيس الجمعية الوطنية الفنزويلية "خوان جوايدو" نفسه "رئيسًا بالوكالة"، في يناير الماضي، واعتراف الولايات المتحدة به، وهو الأمر الذي رفضته إيران التي أعلنت دعمها القوي للرئيس "نيكولاس مادورو". ويقف وراء المحاولات الإيرانية المستمرة لتعزيز نفوذها في فنزويلا، عوامل وأسباب متعددة، منها:

1- تحدي الهيمنة الأمريكية: تُمثل أمريكا اللاتينية وفنزويلا على وجه التحديد ساحة مهمة من ساحات المواجهة الإيرانية مع واشنطن، ليس فقط لأهميتها الاستراتيجية ولكونها الفناء الخلفي للولايات المتحدة بسبب قربها الجغرافي منها، ولكن أيضًا لأن تلك المنطقة تُمثل بيئة سانحة لإيران لتحدي الهيمنة الأمريكية، خاصة مع وجود بعض القوى الإقليمية التي تتبنى أجندة معادية لواشنطن في أمريكا اللاتينية، وتأتي فنزويلا في مقدمة تلك القوى؛ حيث تسعى إلى تنسيق جهودها مع بعض الدول خارج المنطقة، وتحديدًا روسيا والصين وإيران، لعرقلة محاولات واشنطن لاستعادة نفوذها في نصف الكرة الغربي.

وفي الإطار ذاته، تأتي التحركات الإيرانية الأخيرة في فنزويلا كمحاولة من جانبها لكسر حصار العزلة الأمريكية المفروضة عليها، ومع تصاعد وتيرة المواجهة الإيرانية مع واشنطن وحلفائها في منطقة الخليج العربي، تعمل طهران على تعزيز تحركاتها ونشاطها في فنزويلا، سعيًا منها إلى موازنة ضغوط واشنطن ضد إيران على الساحتين الإقليمية والدولية، وتوسيع هامش المناورة مع واشنطن. وهو الأمر الذي برز بوضوح مع إعلان نائب قائد البحرية الإيراني في 4 يناير 2019 أن طهران تعتزم إرسال سفن حربية لغرب المحيط الأطلنطي بالقرب من المياه الأمريكية، ردًّا على قيام حاملات الطائرات الأمريكية بالإبحار في المياه الدولية بالقرب من إيران.

2- تهديد الأمن القومي الأمريكي: خاصة مع تصريح وزير الخارجية الأمريكي "مايك بومبيو" في 6 فبراير الماضي بأن "حزب الله لديه خلايا نشطة، الإيرانيون يؤثرون على شعب فنزويلا وجميع أنحاء أمريكا الجنوبية"، وفي اليوم التالي مباشرة، شهد الأدميرال "كريج إس. فالير"، قائد القيادة الجنوبية للولايات المتحدة، أمام لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ بأن "إيران قد عمقت تغطيتها الإعلامية باللغة الإسبانية المناهضة للولايات المتحدة، وصدّرت دعمها الحكومي للإرهاب إلى نصف الكرة الغربي". هذا بالإضافة إلى ما تشير إليه تقارير صادرة عن وزارة الدفاع الأمريكية من وجود معسكر تدريب لإرهابيي حزب الله في جزيرة مارجريتا قبالة ساحل الكاريبي في فنزويلا، والتي يُرجح أن الحزب يتخذها مركزًا لتخطيط عملياته الإرهابية وجمع المعلومات الاستخباراتية، والتي يمكن أن تستخدمها إيران لتنفيذ عمليات إرهابية ضد أهداف أمريكية في أمريكا اللاتينية أو على الأراضي الأمريكية، وهو ما دفع نائب الرئيس الأمريكي "مايك بينس" في مايو الماضي إلى التحذير من أن "النظام الإيراني عمل مع ديكتاتورية فنزويلا الفاسدة لإقامة ملاذ آمن لعملائه الإرهابيين في نصف الكرة الغربي". 

3- المساعدة في استئناف البرنامج النووي الإيراني: حيث أكد مستشار الأمن القومي الأمريكي "جون بولتون" في 11 يونيو الجاري، امتلاك فنزويلا ثاني أكبر احتياطي من اليورانيوم في العالم، بعد كندا، مما يدفع طهران لإيجاد موطئ قدم لها في فنزويلا للوصول إلى احتياطياتها الضخمة من اليورانيوم، وهو ما يرتبط بشكل وثيق برغبة إيران في امتلاك السلاح النووي وتطويره. وارتباطًا بذلك، اتفقت إيران وفنزويلا في أبريل الماضي على إطلاق رحلات طيران مباشرة بين البلدين، من خلال قيام "ماهان إير"، وهي شركة طيران إيرانية خاصة، بتسيير رحلات جوية مباشرة بين طهران وكاراكاس، وسبق أن فرضت واشنطن عقوبات على هذه الشركة عام 2011، بسبب تقديمها الدعم المالي للحرس الثوري الإيراني، كما حظرت فرنسا وألمانيا رحلات الشركة، متهمة إياها بنقل معدات عسكرية وأفراد إلى حلفاء إيران في سوريا ولبنان واليمن، ويخشى المسئولون الأمريكيون من أن الرحلات الجوية الإيرانية إلى فنزويلا قد تستخدم للغرض ذاته.

4- توفير مصادر تمويل بديلة: كتب الرئيس "نيكولاس مادورو" مؤخرًا خطابًا إلى الأمين العام لحزب الله "حسن نصر الله" يشكره على دعمه بعد أن تعهد الأخير بإرسال أخصائيين عسكريين وأمنيين للحفاظ على نظام "مادورو". وصرح "نصر الله" ردًّا على خطاب "مادورو" بأن ذلك "جزء صغير" يمكن لحزب الله تقديمه لمادورو ولذكرى "شافيز"، خاصة مع الدعم الذي قدموه لحزب الله وإيران، وتحديدًا توفير الأموال للحزب. في هذا السياق، صرح وزير الخارجية الأمريكي في 13 أبريل الماضي بأنه "لا شك في أن إيران لها وجود مالي في أمريكا الجنوبية، تستخدمه لأغراض خبيثة؛ لدعم حزب الله والمنظمات الإجرامية العابرة للحدود الوطنية، ودعم الجهود الرامية إلى نشر الإرهاب في جميع أنحاء المنطقة". كما أكد "بومبيو" في 12 يونيو الجاري خلال جلسة لمجلس الشيوخ "أن مجموعة إرهابية كبرى، تدعمها إيران، تستخدم شبكات تهريب المخدرات في فنزويلا لتمويل عملياتها في الشرق الأوسط".

وتُعتبر فنزويلا نقطة عبور رئيسية للكوكايين، وهو ما حاول حزب الله الاستفادة منه من خلال تعزيز وجوده فيما يعرف بـ"المثلث الحدودي"، بين فنزويلا والبرازيل وباراجواي، حيث توفّر هذه المنطقة بيئة مثالية لعناصر حزب الله التي تسعى إلى بناء شبكات دعم مالي ولوجيستي للحزب. وبفضل شبكة علاقاته المصرفية السرية في أمريكا اللاتينية، نجح حزب الله، في تبييض ما يتراوح بين 600 و700 مليون دولار بين عامي 2014 و2016، يُعتقد أنها من عائدات تجارة المخدرات وغيرها من الأنشطة غير المشروعة.

وفي السياق ذاته، تُشير بعض التقارير الأمريكية إلى سيطرة حزب الله على مشروع فنزويلي ضخم في مجال التعدين والتنقيب عن الذهب، وذلك في المنطقة الممتدة بين ولاية بوليفار وحدود ولاية الأمازون، ويحتوي على 7000 طن من احتياطيات الذهب. كما كشفت إذاعة "بي بي سي" البريطانية في فبراير الماضي عن حصول تركيا على ما قيمته حوالي مليار دولار من الذهب الخام من فنزويلا بحجة صقله وإعادة تصديره إليها، ويُعتقد على نطاق واسع أن جزءًا من الذهب الذي يتم تصديره من فنزويلا إلى تركيا يتم تهريبه سرًّا إلى إيران، وهو ما يوفر لحزب الله مصادر مهمة لتمويل عملياته، ووسيلة جيدة للالتفاف على العقوبات الاقتصادية الأمريكية.

مستقبل الدور الإيراني:

يتوقف مستقبل دور إيران في فنزويلا، ومدى قدرتها على الحفاظ على نفوذها هناك، على عوامل عدة يأتي في مقدمتها: 

1- بقاء النظام الفنزويلي الحاكم: يعتمد استمرار نفوذ حزب الله في أمريكا اللاتينية اعتمادًا كبيرًا على نظام "مادورو". وفي هذا السياق، تُثار التساؤلات حول مستقبل وجود الحزب في فنزويلا في حال الإطاحة بـ"مادورو"، وتولي "جوايدو" قيادة البلاد. فمن المرجح وفقًا للمعطيات الراهنة أن "جوايدو"، الموالي للولايات المتحدة، سوف يكون أكثر حرصًا على تقليص نفوذ حزب الله في فنزويلا، وهو الأمر الذي سيفرض ضغوطًا كبيرة على الحزب، حيث لن يكون بمقدوره العمل بحرية مثلما هو الحال في عهد "مادورو"، مما يعني أن تغيير قيادة فنزويلا سيضر بمصالح إيران وحزب الله في نصف الكرة الغربي، وهو ما يفسر دفاع إيران المستميت عن بقاء نظام "مادورو"، باعتباره أمرًا بالغ الأهمية لمواصلة عملياتها الإقليمية، وبالنسبة لـ"مادورو"، فإن إيران حليف رئيسي سوف يساعده في بقاء نظامه.

ومن المرجح أن تسعى واشنطن إلى الاعتماد على "جوايدو" في حال تنحي "مادورو"، لتحجيم أنشطة حزب الله في فنزويلا. وقد تُظهر حكومة بقيادة "جوايدو"، في البداية، إرادة سياسية قوية في مواجهة حزب الله وإيران، على الأقل لإرضاء إدارة "ترامب"، غير أن فنزويلا كدولة تواجه تحديات سياسية واقتصادية واجتماعية هائلة، وسوف يحتل هدف مواجهة حزب الله مرتبة متأخرة في قائمة أولويات "جوايدو" وإدارته مقارنة بما ترغب فيه الولايات المتحدة. وفي السياق ذاته، فإن الأمر مرهون برغبة الإدارة الأمريكية واستعدادها لتوفير الدعم المالي لحكومة بقيادة "جوايدو"، وتوفير التدريب اللازم للقوات الفنزويلية على مكافحة الإرهاب وعصابات الجريمة المنظمة عبر الوطنية ذات الروابط القوية بالمجتمع الفنزويلي، وذلك على غرار "خطة كولومبيا" التي قدمت واشنطن من خلالها مليار دولار لدعم كولومبيا في مواجهة حركة القوات المسلحة الثورية الكولومبية (فارك).

2- فاعلية الضغوط الأمريكية: ثمة حالة من القلق الشديد تنتاب المسئولين الأمريكيين إزاء تصاعد أنشطة المخابرات الإيرانية في أمريكا اللاتينية، وتخشى واشنطن من أن بقاء نظام "مادورو"، سيكون بمثابة نصر جديد لإيران وحزب الله وحليفته روسيا، في مواجهة الولايات المتحدة والغرب عمومًا، وذلك على غرار الانتصار الذي تحقق في سوريا بنجاحهم في الإبقاء على نظام "بشار الأسد"، وهو ما يفسح المجال أمام إيران وروسيا لترسيخ حضورهم في أمريكا اللاتينية وتحدي النفوذ الأمريكي هناك، هذا إلى جانب المخاوف الأمريكية من استغلال حزب الله لأوضاع الدولة الهشة التي تعاني منها فنزويلا لتحقيق المزيد من العائدات من تهريب المخدرات.

وتُفسر تلك المخاوف الخطط الأمريكية لفرض عقوبات تستهدف أي شركة أجنبية أو شخص أجنبي يزاول أنشطة مع أي من الكيانات الفنزويلية الخاضعة للعقوبات، كما تسعى واشنطن لتقديم حوافز مالية ودبلوماسية كبيرة للزعماء السياسيين والعسكريين الفنزويليين الذين يعلنون انشقاقهم عن "مادورو"، إلى جانب تصنيف وزارة العدل حزب الله كواحدة من أكبر خمس منظمات إجرامية عبر وطنية في أمريكا اللاتينية وذلك في أكتوبر 2018.

وتُمارس واشنطن ضغوطًا كبيرة على المسئولين الفنزويليين الذين تربطهم صلات بحزب الله، حيث صنّفت الولايات المتحدة وزيرَ الصناعة والإنتاج الوطني الفنزويلي "طارق العيسمي"، بأنه "ملك المخدرات" واتهمته باستقدام عملاء لـ"حزب الله" إلى فنزويلا، وذلك من خلال منحهم جوازات سفر فنزويلية، لتسهيل تنقلاتهم إلى الولايات المتحدة بحرية.وبغض النظر عن المحاولات الأمريكية المستمرة للضغط على إيران وذراعها العسكري "حزب الله"، بهدف تقليص نفوذها في فنزويلا وأمريكا اللاتينية عمومًا؛ فمن غير المرجح أن تتخلى طهران بسهولة عن حليف مهم بالنسبة لها مثل "مادورو".