أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • د. أحمد سيد حسين يكتب: (ما بعد "قازان": ما الذي يحتاجه "بريكس" ليصبح قوة عالمية مؤثرة؟)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)
  • أ. د. علي الدين هلال يكتب: (بين هاريس وترامب: القضايا الآسيوية الكبرى في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024)

شروط "ترامب":

لماذا تخشى إسرائيلُ "صفقةَ القرن"؟

10 يونيو، 2019


أدى الغموض وعدم اليقين المرتبط بـ"صفقة القرن" التي ينتظر أن تطرحها الإدارة الأمريكية على الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني، إلى تصاعد التحذيرات من جانب قادة الفكر والرأي ومراكز التفكير الإسرائيلية من أن الصفقة قد تفرض على إسرائيل تقديم تنازلات لتحقيق التسوية، وفي حال عدم قبول تل أبيب لما تُقرره إدارة "ترامب" فإن ذلك قد يؤثر على العلاقات الوثيقة بين تل أبيب وواشنطن، بالإضافة إلى أن عدم إمكانية التنبؤ بردود أفعال الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" يزيد من المخاوف الإسرائيلية حول ترتيبات الصفقة والقضايا التي تتضمنها والتنازلات التي يمكن فرضها لدفع الطرف الفلسطيني لقبول الصفقة.

الخلاف حول حدود إسرائيل:

على الرغم من إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" رضاه عن اعتراف الولايات المتحدة بالقدس المحتلة عاصمة لإسرائيل، وتبعية الجولان السوري المحتل للسيادة الإسرائيلية؛ إلا أن متابعة تعليقات وكتابات الخبراء والصحفيين الإسرائيليين أشارت إلى وجود تخوفات واسعة من هذا الدعم، لا سيما وأن "ترامب" قد أوضح في سياق اعترافه بالقدس المحتلة عاصمة لإسرائيل، أن هذا الاعتراف لا يمتد إلى حدود المدينة التي تدعي إسرائيل أنها عاصمتها الموحدة، وأن الأمر متروك للمفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين لحسم هذه الحدود.

وتجدر الإشارة إلى أن إسرائيل وسعت من حدود المدينة إداريًّا منذ احتلالها القدس الشرقية عام ١٩٦٧، بحيث استولت على أجزاء واسعة من المدينة القديمة ومن الأراضي الممتدة إلى جوارها في الضفة الغربية. علاوةً على ذلك، فقد تكون الولايات المتحدة على استعداد للاعتراف المسبق بالحدود التي ستنشأ فيها أي دولة فلسطينية مستقبلًا دون التشاور مع إسرائيل، وهو ما يعني تجريد "الدولة العبرية" -على حد تعبير إسرائيل- من احتكار حق تعريف حدودها الآمنة بمفردها، وهو مبدأ تحرص على تطبيقه مهما كانت الضغوط الواقعة عليها.

وترتبط الخلافات حول تحديد حدود إسرائيل بنتائج الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة التي جرت في أبريل الماضي وأسفرت عن فوز الليكود بأعلى عدد من المقاعد (36 مقعدًا) في الكنيست ليصبح المرشح الأول لتشكيل الائتلاف الحاكم. ويسعى "نتنياهو" إلى إرضاء الأحزاب اليمينية التي ستشاركه في الائتلاف، وترفض جميعها أي تنازلات في الضفة الغربية، كما يعارض بعضها الاعتراف بأي كيان فلسطيني. وقد ألمح "جاريد كوشنر" (مبعوث الرئيس "ترامب" الذي يعمل مع آخرين على صياغة "صفقة القرن") إلى أن إسرائيل قد تبادر إلى إعلان سيادتها على الضفة الغربية أو على أجزاء واسعة منها قبل طرح "صفقة القرن". معربًا عن أمله في ألا يقوم "نتنياهو" بهذا الآن حتى لا توضع عراقيل استباقية أمام خطته، وهو ما يعني أن إسرائيل تخشى بالفعل من أن تحمل "صفقة القرن" اعترافًا بحدود "الوطن الفلسطيني".

ويتوقع ألا يجد "نتنياهو" الذي يواجه مصاعب عديدة في تشكيل حكومته الجديدة أمامه سوى إرضاء الأحزاب اليمينية المتطرفة لكي تقبل بالانضمام لحكومته بشروطها، وعلى رأسها أن تتولى إسرائيل تحديد حدودها بنفسها دون انتظار معرفة كيف تناولت "صفقة القرن" هذه النقطة، وعدم إقدام "نتنياهو" على هذه الخطوة سيزيد من الأزمات السياسية في الداخل الإسرائيلي في ظل وجود احتمال بإعادة الانتخابات الإسرائيلية في حال عدم التوصل لاتفاق،  بينما قد تدفعه استجابته لضغوط الأحزاب اليمينية إلى خسارة العلاقات المتميزة مع إدارة الرئيس الأمريكي "ترامب". 

تخوفات من عقوبات أمريكية:

نشرت صحيفة "إسرائيل هيوم" تسريبًا لبعض ملامح "صفقة القرن"، منها أن إسرائيل قد تتعرض لعقوبات أمريكية حال رفضها الصفقة. كما نشرت صحيفة "هآرتس" مقالًا في 15 مايو 2019 يشير إلى أن "ترامب" قد يفرض عقوبات على إسرائيل في حال رفضها "صفقة القرن"، ولا سيما في صادرات الولايات المتحدة في مجال التكنولوجيا إليها، وفي صادراتها للمنتجات الزراعية إلى واشنطن.

كما أشار مقال لـ"روبرت ساتلوف" (المدير التنفيذي لمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، وأحد أشد المؤيدين لـ"نتنياهو") إلى خطورة الصفقة على إسرائيل، والخوف من أن يؤدي تمريرها إلى كارثة، وأن يؤدي فشلها إلى كارثة أشد. وطالب المقال "نتنياهو" بالعمل على إيقافها دون التضحية بالعلاقات الجيدة مع إدارة "ترامب".

ويلاحَظ أن التصريحات الرسمية الإسرائيلية لا تتناول ورشة العمل التي سيتم عقدها في البحرين في يونيو 2019 على الرغم من أن الدعوة قد وُجهت رسميًّا لتل أبيب؛ إلا أن تصريحات مبعوثي "ترامب" تؤكد أن هذا الملتقى الذي وصفته بعض التسريبات بأنه المرحلة الأولى من "صفقة القرن"، والذي يركز على حشد الدعم الاقتصادي للفلسطينيين؛ لن يعني أن الصفقة ستكون بلا بُعد سياسي كما تروج التسريبات، وهذه التصريحات تصيب إسرائيل بالقلق، كونها تشدد على أن ثمة تصورًا للحل السياسي قد يكون في المرحلة الثانية من "صفقة القرن"، ويشير هذا القلق أيضًا إلى أن إسرائيل ليست على بينة كاملة بخطة "ترامب".

عقبات إتمام "صفقة القرن":

كما لم تبدأ الحركة الصهيونية بالبحث عن إنشاء دولة (State) في نهاية القرن التاسع عشر بشكل علني، بل كان هدفها المرحلي إنشاء وطن قومي وصولًا لإنشاء الدولة؛ يبدو أن "ترامب" يُعيد ترتيب الحل الذي يتصوره للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي بنفس الأسلوب الذي اتّبعته الحركة الصهيونية. ولكن "ترامب" يتناسى أن الفلسطينيين قد مروا بهذه المرحلة بالفعل في اتفاق أوسلو عام 1993 الذي أجّل فكرة إعلان الدولة الفلسطينية، والاتفاق على الحدود والترتيبات الأمنية، ومعالجة قضية اللاجئين، ومستقبل القدس الشرقية، إلى ما بعد مفاوضات الحل النهائي عام 1999، فما هو الجديد الذي يمكن أن تقدمه خطة "ترامب" إذن؟

ولأن "ترامب" يُؤْمِن بالصفقات لا بالمفاوضات كأسلوب عمل في سياساته الخارجية، فمن المنطقي أن يُطيح بكافة المرجعيات الدولية والأمريكية التي واكبت الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي على مدى تاريخه، وبدلًا من البناء على هذه المرجعيات فقد يذهب "ترامب" مباشرة إلى تحديد شروط الصفقة بما يحقق مصالحه وما يراه ملائمًا دون قبول أي اعتراضات من الطرفين، وسيرى أن ما سيقدمه من تصور سيكون فارقًا، لا سيما وأنه لم يقسم الحل السياسي إلى مرحلتين كما حدث في أوسلو.

كما أن صفقته ستقدم وعودًا اقتصادية أضخم من تلك التي قدمها اتفاق أوسلو، والأهم أنه لن يترك الحدود النهائية تتم عن طريق التفاوض بين إسرائيل وفلسطين، بل ستكون محددة في صفقته، حيث سيطرح ما أطلق عليه "كوشنر" (فلسطين الجديدة)، وذلك على النقيض من اتفاق أوسلو الذي وضع قرار مجلس الأمن الدولي رقم 242 لعام 1967 مرجعية لتحديد إطار المفاوضات، وهو ما أثار مشكلات عديدة وقتها بسبب الخلاف بين الطرفين حول تفسير القرار.

ويشير بعض المحللين إلى أن صفقة "ترامب" قد تهتم بمفهوم السيادة الفلسطينية أكثر من اهتمامها بتحديد مدة زمنية لإقامة الدولة الفلسطينية فعليًّا لتفادي المقارنة مع حل الدولتين. ومفهوم السيادة يعني أن صفقة "ترامب" ستتحدث عن الحدود التي ترى أن للفلسطينيين الحق في رفع أعلامهم فوقها، أما مسألة الترتيبات الأمنية مع إسرائيل فهي التي ستحدد حدود صلاحيات الحكومة الفلسطينية.

ولهذا تتخوف غالبية الأطراف المعنية من تصورات "ترامب" وفريقه التي سعى التحليل إلى عرضها، وعلـى رأسهم إسرائيل، لا سيما وأن مثل هذه الصفقة سيكون لها العديد من التداعيات السياسية والأمنية، وتظل هناك عقبة أمام إتمامها وهو رفض السلطة الفلسطينية وكافة الفصائل المعنية لها.