أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • د. أحمد سيد حسين يكتب: (ما بعد "قازان": ما الذي يحتاجه "بريكس" ليصبح قوة عالمية مؤثرة؟)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)
  • أ. د. علي الدين هلال يكتب: (بين هاريس وترامب: القضايا الآسيوية الكبرى في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024)

أهداف بودابست:

أين تكمن مصالح المجر في الشرق الأوسط؟

01 يناير، 2019


تبدي المجر اهتمامًا خاصًا بأوضاع منطقة الشرق الأوسط، على نحو انعكس في الزيارات الرسمية على مستوى القادة ورؤساء الوزراء ووزراء الخارجية والدفاع ولقاءات الوفود البرلمانية وانعقاد اللجان الاقتصادية بين بودابست وبعض دول الإقليم. وتتمثل مصالح المجر في الشرق الأوسط، في الوصول إلى تسوية سلمية للصراعات المسلحة، ومكافحة الإرهاب العابر للحدود، والتصدي لتدفق الهجرة غير النظامية، ومواجهة نزعات "الأسلمة" في القارة الأوروبية، والحفاظ على علاقات استراتيجية مع إسرائيل، وعدم معاداة روسيا، وتأسيس شراكات اقتصادية فعالة مع الاقتصاديات المزدهرة أو البازغة. 

مصالح استراتيجية:

تشير تفاعلات الأعوام القليلة الماضية إلى أن هناك عدة أهداف لبودابست تعكس الحفاظ على مصالحها الاستراتيجية في الإقليم، يمكن تناولها على النحو التالي:

1- الوصول إلى تسوية سلمية للصراعات المسلحة: وخاصة في ليبيا واليمن وسوريا. وفي هذا السياق، قال رئيس دائرة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بوزارة الخارجية والتجارة المجرية سلفستر برش، خلال لقائه في 23 أغسطس 2017 القائم بأعمال السفارة اليمنية في بودابست حماد دحان، أن "المخرج للأزمة اليمنية يعتمد على الحل السلمي".

2- مكافحة الإرهاب العابر للحدود: لا سيما أن الشرق الأوسط يمثل منطقة الجوار المباشر لأوروبا، وهو ما يعكس التخوف المجري من تدهور الوضع الأمني في ليبيا والتهديد المتصاعد للإرهاب فيها، على نحو تطلب، من وجهة نظر المجر، توثيق التعاون مع حكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج، حيث بحث الأخير بالعاصمة طرابلس، في 12 أغسطس 2018، مع سفير المجر لدى ليبيا ديبلا مارتون علاقات التعاون المشترك بين البلدين، وخاصة في مجالات الأمن والصحة وإمكانية الاستعانة بطواقم طبية مجرية، فضلاً عن التعاون في مجال الاتصالات والتعليم.

كما تحرص بودابست على توثيق أطر التعاون مع الدول الرئيسية بالإقليم المعنية بمكافحة الإرهاب، مثل مصر والإمارات. وفي هذا الإطار، شارك الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في قمة تجمع دول "فيشجراد" ومصر في 4 يوليو 2017، الذي يعد تحالفًا سياسيًا وثقافيًا يجمع الدول الأربعة (المجر وبولندا والتشيك وسلوفاكيا) عبر تقوية التعاون في المجالات الاقتصادية والعسكرية والطاقة والهجرة. 

واستقبل سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي لدولة الإمارات وزير الشئون الخارجية والتجارة المجري بيتر سيراتو، في 12 نوفمبر 2018، حيث وقع الجانبان الإماراتي والمجري على مذكرة تفاهم بشأن التعاون الأمني ومكافحة الإرهاب. وبحث رئيس هيئة أركان الجيش الأردني محمود فريحات مع وزير الدفاع المجري ستافان شيميشكو، في 29 أكتوبر 2017، أوجه التعاون والتنسيق في مكافحة الإرهاب والتطرف في الشرق الأوسط.

3- التصدي لتدفق الهجرة غير النظامية: تقود بودابست جناحًا معاديًا للهجرة في الاتحاد الأوروبي، حتى وفق الحصص التي حددتها بروكسيل، حيث تم تغيير بنود الدستور المجري لينص على أن أى هيئة لا يمكنها المس بـ"تكوين الشعب المجري"، الأمر الذي يشير إلى أن فرض حصص المهاجرين من جانب الاتحاد الأوروبي غير دستوري. وللمرة الأولى، استخدم البرلمان الأوروبي، في سبتمبر 2018، حقه بإطلاق إجراء يعرف باسم "المادة 7" التي تتيح له الطلب من الدول الأعضاء في الاتحاد التحرك لمنع "ارتكاب خروقات خطيرة تمس قيم الاتحاد في المجر". 

وللرد على ذلك، قال فيكتور أوربان رئيس الوزراء المجري أمام البرلمان الأوروبي: "لن أقبل بأن تهددنا القوى المؤيدة للهجرة، وبأن تبتزنا وتهين المجر على أساس اتهامات كاذبة". وتمارس المجر ضغوطًا متزايدة ضد اللاجئين والمهاجرين غير النظاميين، عبر بناء الحواجر على الحدود، وإقرار قوانين وسياسات تفرض قيودًا على الأشخاص الذين فروا من بلادهم بسبب الحروب الأهلية والنزاعات المسلحة. 

وهنا تجدر الإشارة إلى مشاركة دولة مثل اليمن في أعمال المؤتمر الدولي الثالث للحدود المنعقد في المجر في ديسمبر 2014، لا سيما مع استمرار حركة اللجوء والهجرة غير النظامية إلى سواحلها، وأعباءها الإضافية على البلاد. وقد أعلنت المجر، في 19 يوليو 2017، وفقًا لما ذكرته وكالة "رويترز"، أنها سوف تنسحب من اتفاق الأمم المتحدة بشأن المهاجرين، حيث وصفته بأنه يشكل "تهديدا للعالم"، وانسحبت بالفعل في 18 يوليو 2018.

كما أقر البرلمان المجري، في 20 يونيو 2018، قانونًا ينص على معاقبة المنظمات غير الحكومية الممولة من الخارج والتي تساعد المهاجرين غير النظاميين، بحيث يمكن سجن الموظفين والنشطاء لمدة تصل إلى عام بحق أى شخص يساعد شخصًا آخر دخل المجر "بشكل غير نظامي" انطلاقًا من دولة ليست جزءًا من فضاء شنغن، وذلك إذا كانت حياة الشخص المذكور غير معرضة لخطر فوري. واللافت للنظر أن إقرار القانون يأتي في اليوم العالمي للاجئين، والذي يصادف 20 يونيو من كل عام.

والأكثر من ذلك، نشرت الحكومة المجرية، على نحو ما أشارت إليه المواقع الإخبارية، إعلانات باللغتين الإنجليزية والعربية في الصحف اللبنانية والأردنية في سبتمبر 2015، تحذيرًا للراغبين في الهجرة من عواقب الدخول إلى أراضيها بصورة غير شرعية، مشيرة إلى أن ذلك يعد جريمة يعاقب عليها القانون بالسجن. وتضمن الإعلان دعوة لعدم الانصياع لشبكات المهربين التي حققت أموالاً طائلة من "اقتصاد الظل". 

وسبق أن اقترح رئيس وزراء المجر فيكتور أوربان، في 23 سبتمبر 2016، أن يؤسس الاتحاد الأوروبي مدينة كبيرة للاجئين على الساحل الليبي ويبدأ في استقبال طلبات اللجوء من الأشخاص الذين يصلون من إفريقيا بمساعدة من حكومة ليبية جديدة، حيث رأت الحكومة المجرية ضرورة أن تكون الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي تحت السيطرة الكاملة بما في ذلك حدود المتوسط الذي تمثل فيه ليبيا محطة أساسية. 

4- مواجهة نزعات "الأسلمة" في القارة الأوروبية: قال أوربان، في 19 فبراير 2018، أن "المجر تمثل آخر معاقل أوروبا" في مواجهة ما وصفه بـ"ظاهرة الأسلمة"، مضيفًا: "إن الأسلاك الشائكة التي أقامتها بلاده على حدودها وإجراءات الأمن المشددة ضد المهاجرين نجحت في الحيلولة دون وقوع غزو إسلامي لبلاده" التي اتهمتها الأمم المتحدة بخرق التزاماتها بموجب القوانين الدولية الأوروبية بسبب فرضها قيودًا على اللاجئين المسلمين.

5- الحفاظ على علاقات استراتيجية مع إسرائيل: أثار رئيس الوزراء المجري قلق الجالية اليهودية في المجر (تشير التقديرات إلى أن عددها يتراوح بين 75 ألف و100 ألف) عندما أشاد بالزعيم ميكلوس هورثي أحد حلفاء هتلر. ولذا، حرص أوربان على تقليص حدة هذا القلق خلال زيارته لإسرائيل، في 19 يوليو 2018، حيث قال: "إن لليهود أن يشعروا بالأمان في ظل حكومته"، مضيفًا: "إن المجر لن تتهاون على الإطلاق مع معاداة السامية".

6- عدم معاداة روسيا: وذلك سواء باعتبارها قوة دولية أو فاعلاً رئيسيًا في الشرق الأوسط، إذ تتسم سياسة المجر الخارجية بالتوازن داخل الاتحاد الأوروبي، وخاصة حيال الأزمة الأوكرانية منذ اندلاعها في عام 2014، بخلاف موقفها المغاير لدول الاتحاد إزاء قضية الهجرة. ومن هنا، يمكن تفسير زيارة فيكتور أوربان إلى موسكو، في 18 سبتمبر 2018، عقب إعلان مجلس الاتحاد الأوروبي قراره بمعاقبة المجر على خلفية انتهاكها "المبادئ الرئيسية للاتحاد ومنها موقف القيادة المجرية من مسألة الهجرة". 

وفي رؤية بودابست، لا يمكن تحقيق الأمن في الإقليم والعالم بعزل روسيا. وقد أدى ذلك إلى توتر العلاقات مع واشنطن التي حذرت المجر من تقاربها مع روسيا. وتجدر الإشارة هنا إلى أن المجر تعتمد بشكل رئيسي على روسيا في مجال الطاقة، حيث تمد الأخيرة الأولى بما يقرب من 75% من احتياجاتها من النفط و60% من احتياجاتها من الغاز.

7- تأسيس شراكات اقتصادية فعالة: وخاصة في المجالات التي تتمتع فيها المجر بميزة نسبية مقارنة بغيرها من الدول الأوروبية، وهو ما ينطبق على مشاركتها في تحديث السكك الحديدية ومجالات البنية التحتية الأخرى. ففي 24 سبتمبر 2018، شهد الدكتور مصطفى مدبولي رئيس الوزراء وزير الإسكان المصري مراسم توقيع عقد توريد وتصنيع 1300 عربة سكة حديد جديدة في صفقة تعد الأضخم في تاريخ السكك الحديدية المصرية، وذلك بين هيئة سكة حديد مصر والتحالف الروسي المجري الممثل في شركة "ترانسماش هولدينج".

وتركز المجر على الدول ذات القدرات المُحفِّزة على الاستثمار في الإقليم، وخاصة السعودية والإمارات. فعلى سبيل المثال، قال ياتوس بيريني رئيس الهيئة العامة للاستثمار المجرية في تصريحات لصحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية في 4 إبريل 2014: "عزمنا على خلق شراكات في المنطقة العربية"، مشيرًا إلى أن "هناك خمسة قطاعات واضحة للمستثمر العربي وتحتاج لها بلاده، وهى الإنشاءات والغذاء والرعاية الطبية والصحية والطاقة المتجددة".

كما تطرق الاجتماع الأول للجنة الاقتصادية المشتركة بين الإمارات والمجر، في 2 مارس 2016، إلى تعزيز التعاون في 12 قطاع تشمل التجارة والاستثمار، والشركات الصغيرة والمتوسطة، والطاقة، والزراعة والبيئة، وإدارة المياه، والصحة، والسياحة، والعلوم والتكنولوجيا والابتكار، والمعلومات والاتصالات، والنقل، والتعليم والثقافة، والملكية الفكرية. 

قضايا مترابطة:

خلاصة القول، إن المجر تحرص بشكل مستمر على متابعة ودعم الجهود التي تهدف إلى وضع حد للصراعات المسلحة الإقليمية ومكافحة الهجرة غير النظامية وتكاتف القوى الدولية لمحاربة التنظيمات الإرهابية وتدعو إلى عدم التمييز بين التنظيمات الإرهابية التي تختلف مسمياتها، حيث تتمثل الرؤية المجرية التي يتبناها رئيس الوزراء فيكتور أوربان في أن ثمة علاقة بين الهجرة غير النظامية إلى أوروبا وتصاعد مخاطر الإرهاب، خاصة أن هذا النمط ساهم في زيادة معدلات البطالة والجريمة في الدول الغربية. ويتوازى ذلك كله مع سعيها إلى زيادة الاستثمارات في بعض دول الإقليم والاستفادة من الخبرة المجرية في مجالات البنية التحتية والسكك الحديدية.