أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • د. أحمد سيد حسين يكتب: (ما بعد "قازان": ما الذي يحتاجه "بريكس" ليصبح قوة عالمية مؤثرة؟)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)
  • أ. د. علي الدين هلال يكتب: (بين هاريس وترامب: القضايا الآسيوية الكبرى في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024)

مناورة محتملة:

كيف تتعامل طالبان مع دعوات التفاوض؟

05 أغسطس، 2018


يكشف إعلان حركة "طالبان" الأفغانية عن قبولها فكرة إجراء محادثات مع الولايات المتحدة الأمريكية، بعد إصدار إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، حسب تقارير عديدة، توجيهات للدبلوماسيين بالسعى لتفعيل هذه الخطوة، لكن دون تحديد تاريخ لذلك، أن الضغوط القوية التي تتعرض لها الحركة في المرحلة الحالية فرضت عليها إحداث تغيير في مواقفها السابقة، القائمة على الانخراط في صراع مفتوح مع الأطراف المناوئة لها في أفغانستان.

لكن اللافت في هذا السياق، هو أن الحركة ربطت، في البيان الذي أصدرته في 17 يوليو 2018، موافقتها على ذلك بشروط، يتمثل أهمها في رفع أسماء قادتها من قائمة العقوبات كإجراء لبناء الثقة قبل المحادثات، وهو ما يطرح تساؤلات عديدة حول دوافع الحركة لقبول الانخراط في هذه المحادثات، ومدى قدرتها على إقناع بعض الاتجاهات الرافضة داخلها بقبول ذلك.

خصائص متعددة: 

ربما يمكن القول إن الخصائص التي تتسم بها حركة "طالبان" كانت سببًا في تعزيز قدرتها على الانفتاح على قوى إقليمية ودولية عديدة معنية بالملف الأفغاني، على غرار إيران وروسيا والصين. إذ كانت الحركة حريصة خلال الفترة الماضية على انتهاج سياسة مرنة للتعامل مع المعطيات التي تفرضها التطورات الطارئة على الساحتين الداخلية والخارجية.

ومن هنا، لم يمنع التوتر السابق بين إيران و"طالبان" الأخيرة من تعيين مبعوث لها في طهران بعد مقتل زعيمها السابق الملا أختر منصور عام 2016 ، خلال عودته من إيران إلى أفغانستان. بل إن تلك الخطوة بدت متناقضة مع التقارير العديدة التي لم تستبعد احتمال تورط إيران في عملية الاغتيال، على نحو يكشف، حسب اتجاهات عديدة، عن حرص الحركة على تغيير سياستها إزاء إيران في هذا التوقيت تحديدًا.

كما كانت الحركة حريصة على تبني أهداف محلية تتركز حول السيطرة على السلطة في أفغانستان، أو على الأقل ممارسة دور بارز على الساحة السياسية بعد خروجها منها، رغم أنها انتهجت الأدوات الإرهابية نفسها التي استخدمتها التنظيمات الإرهابية الأخرى مثل "داعش" و"القاعدة" الذي تحالفت معه.

ورغم الضربات العديدة التي تعرضت لها الحركة، فإنها ما زالت تمتلك قدرات عسكرية وتنظيمية لا يمكن تجاهلها، حيث اعتمدت عليها في تنفيذ عمليات إرهابية متعددة، على غرار الهجومين اللذين شنتهما الحركة بالتزامن، في 9 يوليو 2018، في إقليمى قندوز وفراه بشمال وغرب أفغانستان، وأسفرا عن مقتل 19 جنديًا.

دوافع مختلفة:

يمكن تفسير اتجاه "طالبان" إلى قبول الانخراط في مفاوضات مع الولايات المتحدة الأمريكية في ضوء عوامل عديدة تتمثل في:

1- تعزيز فرص المشاركة في الترتيبات السياسية: يبدو أن الحركة تسعى في المرحلة الحالية إلى تعزيز قدرتها على المشاركة في الجهود التي تبذلها أطراف عديدة إقليمية ودولية من أجل إجراء مفاوضات جديدة للوصول إلى تسوية سياسية للأزمة الأفغانية ودعم حالة الاستقرار على المستويين السياسي والأمني. ومن هنا، فإنها أبدت دعمها للتصريحات التي أدلى بها بعض المسئولين ودعت إلى إشراكها في جهود التسوية، على غرار وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، الذي أبدى، فى 11 يونيو 2018، دعم روسيا لـ"جهود جذب طالبان إلى الحوار مع الحكومة الأفغانية".

لكن ذلك لا ينفصل عن الاتهامات المتبادلة بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية حول تقديم دعم للحركة، حيث قال لافروف أن قوات حلف الناتو لا تتصرف بشفافية في أفغانستان، وأشار ضمنيًا إلى تقديم دعم أمريكي لـ"طالبان"، وذلك بعد أن اتهم الجنرال كيرتس ساكابروتي قائد القائد الأعلى لقوات حلف الناتو خلال جلسة استماع في الكونجرس، في 23 مارس 2017، روسيا بتزويد الحركة بالإمدادات.

لكن مشاركة "طالبان" في جهود التسوية تواجه عقبات عديدة تتصل بالانتهاكات العديدة التي ارتكبتها في السابق فضلاً عن استمرارها في تنفيذ عمليات إرهابية ضد الأطراف المناوئة لها وانقسام قادتها وكوادرها حول التعامل مع هذه الجهود من الأساس. 

2- تقليص الضغوط: تعرضت الحركة لضغوط قوية خلال المرحلة الماضية، سواء بسبب المواجهات المسلحة المستمرة مع القوات الحكومية والدولية، والتي تتوقف خلال الفترات التي يتفق الطرفان على الوصول إلى هدنة مؤقتة، أو بسبب مساعي تنظيم "ولاية خراسان" التابع لـ"داعش"، إلى تكريس نفوذه وتوسيع نطاق تمدده حتى في المناطق التي تتواجد بها الحركة.

ومن هنا، اعتبرت الحركة أن التجاوب مع المبادرات التي تظهر بين الحين والآخر لمواصلة جهود التسوية يمكن أن يساهم في تقليص حدة تلك الضغوط ويساعدها في التعامل مع المشكلات الأخرى التي تواجهها على غرار الانقسامات القوية التي تنشب بين قادتها وعناصرها حول بعض القضايا الرئيسية، وإن كان ذلك لم يمنع اتجاهات عديدة من ترجيح أن يؤدي أى انخراط محتمل في تلك الجهود إلى تأجيج تلك الانقسامات في ظل إصرار بعض كوادرها على رفضها وعدم اتخاذ خطوات عملية لتفعيلها.

3- مواجهة الاتهامات الداخلية: تحاول "طالبان" عبر قبول التفاوض مواجهة الاتهامات التي تطلقها العديد من الأطراف الداخلية ضدها، باعتبارها إحدى العقبات الرئيسية التي تحول دون تكريس الاستقرار السياسي والأمني داخل أفغانستان، حيث سبق أن دعاها زعيم "الحزب الإسلامي الأفغاني" قلب الدين حكمتيار، في 29 إبريل 2017، إلى التخلي عن الحرب والعنف وانتهاج السياسة، معتبرًا أن الحركة لن تستطيع تحقيق أهدافها المختلفة من خلال الآليات التقليدية التي تتبعها.

ومع ذلك، فإن اتجاهات عديدة ما زالت تحذر من أن قبول الحركة لدعوات التفاوض ربما يكون محاولة لتوسيع هامش الخيارات المتاحة أمامها للتعامل مع التطورات التي طرأت على الساحتين الداخلية والخارجية دون أن يكون لديها استعداد لإجراء تغييرات رئيسية في سياستها، على نحو يعني أنها ستظل عقبة أمام الوصول إلى تسوية سياسية للأزمة في أفغانستان.