أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • د. أحمد سيد حسين يكتب: (ما بعد "قازان": ما الذي يحتاجه "بريكس" ليصبح قوة عالمية مؤثرة؟)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)
  • أ. د. علي الدين هلال يكتب: (بين هاريس وترامب: القضايا الآسيوية الكبرى في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024)

الشرق الأوسط 2016:

اتجاهات التحول من الفوضى إلى احتواء الأزمات

12 فبراير، 2016


* مُوجز ملحق خاص صادر عن دورية "اتجاهات الأحداث"، العدد 15، يناير - فبراير 2016.

كيف سيكون إقليم الشرق الأوسط في عام 2016؟ وما الذي تغير نسبياً خلال العام الماضي؟ هذه التساؤلات وغيرها كانت محور الملحق الخاص الذي أصدره مركز المستقل للأبحاث والدراسات المتقدمة مع العدد الخامس عشر من دوريته الأكاديمية (اتجاهات الأحداث).

وتشير الاتجاهات الأساسية التي توصل إليها التقرير إلى أن ثمة متغيرات ومؤشرات عديدة في منطقة الشرق الأوسط بدأت في التبلور، وهي إن بدت سلبية في ظاهرها كاتجاهات متفرقة، فإن الجمع بينها وفق معادلات التوازنات الجيواستراتيجية، يشير إلى أن الشرق الأوسط بدأ ينتقل تدريجياً من الفوضى غير المنضبطة، بمعنى أنها قد تخرج عن نطاقات السيطرة، إلى فوضى يمكن احتوائها في المدى القصير.

وهذا التحول مرده سببان، أولهما أن متطلبات العودة للاستقرار لم تعد غائبة كما كانت بعد أربع سنوات من الثورات، فعلى الرغم من استمرار الصراعات الدموية في سوريا والعراق وليبيا واليمن، فإن بقية دول الإقليم تمكنت بأعلى تكلفة متصورة من الحفاظ على الحد الأدنى من التماسك، في ظل بيئات اجتماعية واقتصادية ضاغطة. كما اتجهت الدول العربية إلى تشكيل "تحالف عربي" يمكن تسميته بمحور "الاستقرار"، وهو إن كان في طور النشأة حتى الآن، فإنه يمثل نقطة توازن أساسية لتأسيس "علاقات متعادلة" إقليمياً.

أما ثاني الأسباب فيتعلق بأن موجات التحول الكبرى التي عرفها الإقليم منذ عام 2011 وحتى 2014 قد بلغت مداها الأقصى إلى هذا التاريخ، وتوقف زحفها المفاجئ وتأثيرها غير المتوقع نسبياً، من دون أن يعني ذلك تحسن الأوضاع بالضرورة.

ويمكن تحديد أبرز عشرة ملامح متوقعة لمنطقة الشرق الأوسط عام 2016، بناءً على قراءة التفاعلات الرئيسية السائدة في عام 2015، وذلك كالتالي:

1- عسكرة السياسات الإقليمية:

اتسمت التفاعلات الإقليمية في عام 2015 بتصاعد الاعتماد على القوة العسكرية مع اتباع القوى الإقليمية نهج الاستباق الوقائي في مواجهة التهديدات، حيث تبرز عدة ملامح أساسية تؤكد هذا التوجه، ومن أبرزها لجوء العديد من الدول من داخل الإقليم ومن خارجه إلى استخدام القوة العسكرية لأسباب متباينة، وصعود الإنفاق العسكري وصفقات التسلح التقليدية وغير التقليدية إلى مستوى قياسي.

كما ظهرت أشكال التدخل العسكري في سوريا والعراق، كما يبرز في حالتي روسيا وتركيا، فضلاً عن تدخل قوات التحالف العربي بقيادة السعودية لاستعادة الشرعية في اليمن بعد انقلاب الحوثيين.

ومن المرجح أن يتصاعد سباق التسلح الإقليمي مع تركيز صفقات الأسلحة في المستقبل على امتلاك مقاتلات هجومية متعددة المهام لديها القدرة على تنفيذ عمليات خارج حدود الدولة لمواجهة تهديدات محتملة.

2- استقطاب إقليمي على أُسس مذهبية:

شهدت التحالفات الإقليمية تحولات جوهرية على مدار عام 2015 من خلال تصاعد الاستقطاب بين المحاور الإقليمية على أسس مذهبية. واستناداً لشواهد العام الماضي، يمكن القول إن هذا الاستقطاب سوف يتصاعد في عام 2016، في ظل انتشار التحالفات المرنة في الإقليم نتيجة الافتقاد للتوافق الكامل بين القوى الإقليمية وتناقضات المصالح في أغلب القضايا المعقدة.

وتتمثل أهم المحاور المتقاطعة للتحالفات الإقليمية في: التحالف الدولي - الإقليمي لمحاربة "داعش" والتصدي للتنظيمات الإرهابية، والتحالف العربي السني لمواجهة المحور الإيراني في الإقليم، والتقارب المصري - اليوناني - القبرصي في مواجهة تركيا.

ومن المرجح كذلك أن تستمر إيران خلال عام 2016 في سياساتها التدخلية في دول المنطقة، وربما لن تتوانى، إن استطاعت، إشعال الخلافات المذهبية في بعض دول الإقليم.

3- صعود اتجاه "استعادة العروبة":

في ظل استمرار خطر الميليشيات المسلحة والجماعات الإرهابية بالمنطقة، وعدم استقرار الوضع في سوريا والعراق واليمن وليبيا، فضلاً عن التدخلات الإيرانية في شؤون البلدان العربية، يمكن الوقوف على عدد من التوقعات خلال عام 2016 في إطار الحديث عن اتجاه "عودة العروبة"، ولعل من أبرزها ما يلي:

أ- استمرار جهود التضامن العربي، خاصةً في أوقات الأزمات، مع تواصل محاولات تشكيل الكيانات العربية العسكرية المشتركة، وإن كان من المرجح عدم دخولها حيز التنفيذ على أرض الواقع في عام 2016، وذلك حتى يتم تقريب وجهات النظر بين بعض البلدان العربية بشأن آليات تسوية أزمات المنطقة.

ب- استمرار حالة الاستقطاب السني – الشيعي في أي تحالفات عربية محتملة في عام 2016، بمعنى أنه يتوقع ابتعاد الدول التي تمارس فيها إيران نفوذاً كبيراً (سوريا، العراق، ولبنان) عن دعوات الاصطفاف العربي التي سيغلب عليها الطابع السني لمجابهة التحديدات التي تهدد الأمن القومي العربي.

4- عودة القوى الدولية التقليدية للإقليم:

شهد العام الماضي 2015 عودة لتصاعد التدخل العسكري للقوى الدولية في بؤر الصراعات الداخلية في الإقليم، وفي مقدمة هذه القوى (روسيا، بريطانيا، فرنسا، والصين). وتتمثل أهم دوافع تكثيف القوى الدولية لوجودها العسكري في الشرق الأوسط، في الحفاظ على وجود مستديم في المنطقة للحفاظ على المصالح الاستراتيجية لهذه الدول، واستباق تهديدات الإرهاب من خلال استهداف معاقل تنظيم "داعش"، والتصدي لمنابع التهريب العابرة للحدود والهجرة غير الشرعية وتدفقات اللاجئين التي باتت تمثل التهديد الأكثر خطورة للقارة الأوروبية.

وفي المجمل، تتمثل تداعيات تصاعد الأدوار الدولية في منطقة الشرق الأوسط في عدة مسارات، أولها تعقيد تسوية الصراعات الداخلية في الإقليم نتيجةً لتشابك مصالح الأطراف المختلفة المنخرطة في الصراعات. ويتمثل ثانيها في إعادة هيكلة خرائط التحالفات الإقليمية مع تصاعد انخراط القوى الدولية في الشؤون الإقليمية. أما المسار الثالث فيرتبط بإمكانية انتقال التهديدات إلى القوى الدولية ذاتها.

5- تسويات غير مرضية في دول الصراعات الداخلية:

إن إحدى السمات المميزة التي برزت خلال عام 2015 هي أن الجهود المكثفة لتسوية الصراعات الداخلية في بعض الدول (مثل سوريا واليمن وليبيا)، قد واجهت إشكاليات متعددة. ومن غير المحتمل أن تكتمل تسوية الصراعات الداخلية خلال عام 2016 في ظل الافتقاد للمشروطيات الأساسية لتحقيق التسوية، ومنها تحقيق الحد الأدنى من توافق مصالح الأطراف الداخلية والإقليمية والدولية المنخرطة في الصراعات.

ولهذا فالاتجاه الأرجح هو التوصل إما لتسويات غير مرضية لبعض الأطراف، وهو ما يتوقف على درجة التطورات الميدانية على الأرض من حيث قدرة أحد الأطراف على السيطرة على أكبر قدر من المناطق، وإما التوجه إلى التسويات "القطاعية"، أي تلك التي تتعلق بأحد بنود الصراع فقط أو الاتفاق على آليات ما لتخفيف حدته على الأقل مثل الهدنة الإنسانية وفتح مناطق آمنة.

6- قوى "الإسلام السياسي" تتأرجح بين الاحتواء والتحجيم:

من المتوقع أن يشهد عام 2016 مسارات متباينة فيما يتعلق بالتعامل مع تيارات الإسلام السياسي وجماعة الإخوان، ومكانتها في المنطقة؛ إذ من المرجح أن يستمر تراجعها في مصر والأردن على سبيل المثال في ظل حالة التصدع والانشقاقات التي تعانيها الجماعة.

وفي المقابل، سوف تتعزز وضعية حزب العدالة والتنمية في تركيا بشكل أكبر إذا ما تمكن أردوغان وحزبه من إجراء التعديلات الدستورية التي يهدف من خلالها إلى تعزيز سلطاته وتحويل النظام من برلماني إلى رئاسي.

وفيما يخص تيارات الإسلام السياسي غير المرتبطة بجماعة الإخوان، فمن المرجح أنها سوف تستمر في تغليب المصالح السياسية على توجهاتها الأيديولوجية، وستعتمد استراتيجية "التعايش" مع معطيات الواقع السياسي في بعض الدول، ومثال على ذلك السلفيون في مصر.

7- انحسار محدود للتنظيمات الإرهابية:

شهد عام 2015 تناقضات شتى فيما يتعلق بظاهرة تنامي التنظيمات الإرهابية، إلى درجة يصعب معها الجزم بأن هذه التنظيمات قد انحسرت أم ازدادت تأثيراً، فمقياس عدد العمليات الإرهابية التي جرى تنفيذها يشير إلى تزايد أنشطتها، بينما تؤكد خسارة "داعش" بعض المدن في العراق وسوريا انحساره نسبياً في معاقله الأساسية.

ومن المتوقع أن يشهد عام 2016 مزيداً من تكثيف الضربات العسكرية ضد تنظيم "داعش" وقد يتم تحرير العديد من الأراضي في العراق، كما قد تشهد ليبيا عمليات عسكرية ضد التنظيم بعد تمدده الملحوظ في الأشهر الأخيرة.

ويتوقع كذلك أن تبرز ظاهرة "الأسراب الهائمة" بشكل أكبر، فمع كل تراجع للتنظيمات الإرهابية يقوم أتباعها بتنفيذ عمليات إرهاب فردية أو عائلية، فيما يعرف أحياناً بـ"الإرهاب العشوائي" أو المخطط له من التنظيم الأكبر.

8- صراعات دولية – إقليمية على مشروعات الغاز في المنطقة:

تتمثل أبرز التوقعات بشأن خريطة الصراعات حول الغاز الطبيعي في منطقة الشرق الأوسط في الآتي:

أ- تسريع وتيرة المشروعات الاستكشافية وزيادة حدة التنافس بين دول شرق المتوسط للظفر باحتياطات الغاز في هذه المنطقة.

ب- مواصلة روسيا تأجيج صراعات الغاز في الشرق الأوسط، وذلك من خلال حملاتها العسكرية المستمرة في سوريا، وكذلك التصعيد في علاقاتها المتوترة مع تركيا.

ج- ثمة ترجيحات بأن يؤدي التراجع المستمر في أسعار النفط خلال العام الجاري، إلى تقلص موازنات بعض الدول النفطية التي تنوي تنفيذ بعض مشروعات الغاز الطبيعي في الشرق الأوسط، ومن ثم إجبارها على تأجيل أو إلغاء تنفيذ هذه المشروعات.

9- ظهور تداعيات انخفاض أسعار النفط:

شهد عام 2015 انهياراً كبيراً في أسعار النفط استكمالاً لما حدث منذ يونيو 2014. وإذا كانت ثمة نظرة تفاؤلية لمنظمة "أوبك" بارتفاع أسعار النفط العالمية في عام 2016، وعودة التوازن للأسواق من خلال ارتفاع الطلب على النفط مدعوماً بتحسن معدلات النمو العالمية، فإن العديد من المؤشرات تشير إلى عكس ذلك، على نحو يُرجح معه أن يشهد العام الحالي استمراراً لتراجع في أسعار النفط.

ومن بين هذه المؤشرات زيادة المعروض من النفط في ظل التوقعات بضخ إيران مزيداً من الوقود في السوق العالمي (قد تصل الزيادة إلى مليون برميل يومياً) بعد رفع العقوبات الغربية عليها العام الجاري بعد بدء سريان الاتفاق النووي. ويُضاف إلى ذلك، قيام شركات الطاقة الأمريكية بزيادة عدد الحفارات النفطية، ما يشير إلى أن إمدادات إضافية ستصل إلى السوق.

10- ملامح معقدة لارتباك القيم المجتمعية في المنطقة العربية:

برزت مجموعة من التحولات المجتمعية في عام 2015، وهي إما على صلة بالصراعات السياسة وغياب الأمن أو تنامي الاستقطاب المذهبي في المنطقة. ومن أبرزها ما يلي: (تغيير الملامح الديموغرافية في مناطق الصراعات بسبب عمليات اللجوء والنزوح القسري، وتصاعد الاستقطاب المجتمعي على أسس طائفية عابرة للحدود، وتفكك بعض القيم المجتمعية الراسخة).

ومن ثم إذا كانت المجتمعات العربية تعيش حالة مربكة بها كثير من التناقضات الأخلاقية والدينية، لاسيما لدى فئة من الشباب، فإنه يرجح أن يشهد عام 2016 مزيداً مما يمكن تسميته بـ"حرب الديموغرافيا" على وقع صراعات المنطقة، وتصاعد حدة التوترات المجتمعية القائمة على أسس طائفية، بحيث قد تدفع الأحداث الطائفية في إحدى الدول إلى إثارة الاحتقان الطائفي في دول أخرى.