شارك الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في قمة نواكشوط التي عقدت في 30 يونيو 2020، مع قادة دول موريتانيا ومالي وبوركينافاسو والنيجر وتشاد، لبحث سبل تعزيز القوة المشتركة لدول الساحل، والدعم المالي لجيوش هذه الدول، وذلك بهدف الحد من مخاطر الإرهاب المتصاعد في تلك المنطقة، على نحو يوحي بأن القوى المعنية بها سوف تسعى خلال المرحلة القادمة إلى رفع مستوى التنسيق الأمني والعسكري لمواجهة التحديات التي تفرضها أنشطة التنظيمات الإرهابية.
توقيت لافت:
تتزامن الجهود التي تبذلها تلك الدول لمواجهة أنشطة التنظيمات الإرهابية في منطقة الساحل والصحراء مع تصاعد حدة المخاوف الدولية من التداعيات السلبية للأزمة الليبية على تلك الجهود، خاصة بعد وصول آلاف من الإرهابيين والمرتزقة إلى ليبيا من سوريا عبر تركيا، مما قد يقوِّض استقرار دول أخرى في الساحل مثلما حدث في مالي نهاية عام 2011، بعد أن تمكنت مجموعات إرهابية قادمة من ليبيا ومناطق أخرى من التسلل لشمال البلاد بأسلحتها، مما ممكنها من فرض سيطرتها على مناطق عديدة بالبلاد.
ومن هنا، أكد قادة الدول المشاركة في قمة نواكشوط على ضرورة إيجاد حل سياسي للأزمة في ليبيا، لأن الحرب الدائرة هناك تؤثر بشكل مباشر على الأمن والاستقرار في منطقة الساحل، وطالبوا بضرورة وقف التدخل الأجنبي في ليبيا، في إشارة إلى تركيا.
وتعكس التحركات الفرنسية لمواجهة مخاطر الإرهاب في منطقة الساحل رغبة باريس في مشاركة الدول الأوروبية بشكل أكثر فاعلية في الحرب على الإرهاب في تلك المنطقة، وهو ما عبر عنه الرئيس ماكرون خلال تلك القمة بقوله: "يجب أن تكون الحرب على الإرهاب في منطقة الساحل الإفريقي قضية أوروبية".
واللافت في هذا السياق، أن انعقاد القمة جاء بعد نجاح باريس في توجيه عدد من الضربات القوية إلى التنظيمات الإرهابية النشطة في منطقة الساحل والصحراء، والتي كان من أبرزها تصفية زعيم تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" عبد المالك دروكدال، في شمال مالي في مطلع يونيو 2020، وإلحاق خسائر كبيرة بتنظيم "داعش" في المثلث الحدودي بين النيجر ومالي وبوركينافاسو.
عقبات متعددة:
يمكن القول إنه رغم أهمية جهود فرنسا ومعها دول الساحل الإفريقي، من الناحية العسكرية والاستخباراتية، لمواجهة التنظيمات الإرهابية المنتشرة في تلك المنطقة، الا أنها تواجه مجموعة من التحديات المرتبطة بطبيعة تلك المنطقة، يمكن تحديد أبرزها فيما يلي:
1- الطموح "القاعدي": مع أن تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" تعرض لضربة قوية بمقتل قائده والأب الروحي له عبد الملك دروكدال المعرف بـ"أبو مصعب عبد الودود" في العملية العسكرية التي شنتها باريس، إلا أن ذلك لا ينفي أن "القاعدة" لا يزال التنظيم الأقوى في تلك المنطقة من الناحية العسكرية والتنظيمية، وهو ما مكنه من تصدر خريطة التنظيمات الإرهابية فيها، خاصة في ظل تعدد المجموعات الإرهابية التابعة له، فضلاً عن وجود عدد ليس قليلاً من القيادات التي تمتلك خبرات عسكرية وتنظيمة ليست هينة، على غرار مختار بلمختار واياد اغا غالي وامادو كوفا. ويعني ذلك أن التنظيم سوف يحاول احتواء خسائره وربما الرد على الضربات العسكرية التي يتعرض لها عبر عمليات إرهابية جديدة.
2- النفوذ "الداعشي": كشفت تصريحات المسئولين الفرنسيين عن أن فرنسا تعطي الأولوية لمحاربة تنظيم "داعش"، بعد أن بدأ في توسيع نطاق نشاطه في منطقة الساحل والصحراء منذ بداية عام 2018، على نحو بدا جلياً في الهجمات الإرهابية التي قام بتنفيذها، والتي لم تقتصر على القوات الحكومية في دول مثل مالي والنيجر وتشاد، وإنما امتدت أيضاً إلى القوات الأجنبية.
وقد أكد الرئيس ماكرون، خلال قمة نواكشوط، على ضرورة التصدي لخطر تنظيم "داعش" في منطقة الساحل والصحراء، حيث صرح قائلاً: "إن قوات دول الساحل والقوات الفرنسية التي تساندها في محاربة المتشددين نجحت في أن تعكس توازن القوى في منطقة الحدود الثلاثية (مالي وبوركينافاسو والنيجر) حيث ركزت في الأشهر الأخيرة عملياتها العسكرية ضد المجموعات المسلحة الموالية لتنظيم داعش".
3- الإرهاب العرقي: سعت التنظيمات الإرهابية إلى تكوين ظهير اجتماعي مساند لها في المناطق التي تسيطر عليها، من أجل تعزيز قدرتها على التخفي والهروب من الملاحقات الأمنية، وتفادي الضربات العسكرية النوعية. ومن هنا، كان لافتاً أن الإرهاب في تلك المنطقة لم يعد يقتصر على نشاط التنظيمات "القاعدية" والمجموعات "الداعشية" فحسب، بل امتد إلى نشاط بعض التنظيمات العرقية والقبلية، على غرار "حركة تحرير ماسينا" و"جماعة أنصار الإسلام"، حيث يعبر كل منها عن عرقية الفولاني، وتهدفان، حسب بياناتهما، إلى إعادة إحياء إمبراطوريتها من جديد، ولكن عبر رفع شعارات جهادية، إلى جانب "حركة أنصار الدين"، التي تعبر عن قبيلة الطوارق، وترفع شعار المطالبة بحقوقها.
4- الهشاشة الحدودية: تتسم الطبيعة الجغرافية لدول الساحل والصحراء بالوعورة الشديدة، على نحو يضفي مزيداً من الصعوبات على السيطرة عليها أمنياً، ويوفر فرصاً للتنظيمات الإرهابية للتسلل والتمدد داخلها، من أجل شن هجمات إرهابية نوعية تستهدف القوات المحلية والمصالح الحكومية والقوات الأجنبية، إلى جانب استغلال تلك الحدود في مواصلة عمليات التهريب التي تعتبر المصدر الأساسي لتمويل أنشطتها الإرهابية.
أخيراً، وعلى ضوء ما سبق، يمكن القول إن نجاح الجهود الحالية التي تبذلها فرنسا ودول الساحل الإفريقي لمكافحة الإرهاب في هذه المنطقة، يتوقف بشكل كبير على مدى قدرتها على تجاوز العقبات السابقة، خاصة وأنها ربما تمثل "البؤرة الأبرز" للإرهاب خلال المرحلة القادمة، الأمر الذي يفرض على كل القوى الدولية والإقليمية المعنية دعم تلك الجهود، لتقليص حدة التهديدات التي تفرضها أنشطة التنظيمات الإرهابية فيها.