أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

دبلوماسية التهدئة:

كيف تواجه باكستان عزلتها من دول الجوار؟

31 مايو، 2017


تُعاني باكستان في الفترة الأخيرة مما يمكن تسميته "عزلة خارجية"، سواء في علاقاتها مع دول جوارها المباشر أو مع بعض القوى الدولية، حيث تصاعدت حدة التوتر والصدام بين باكستان وجيرانها (أفغانستان، والهند، وإيران)، في ظل اتهام الدول الثلاث لقادة إسلام آباد بالعجز عن وضع حد للإرهاب المنطلق من أراضي باكستان تجاه هذه الدول، وتردد أن هذه الدول تسعى إلى تشكيل تحالف "ثلاثي" مُوَجَّهٍ ضد باكستان.

وقد تزامن ذلك مع فتور في العلاقات الباكستانية - الأمريكية، وهو ما بدا واضحًا في التجاهل الذي تعرض له رئيس الوزراء الباكستاني "نواز شريف" من قِبَل الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" خلال القمة "العربية - الإسلامية - الأمريكية" التي عُقِدت خلال مايو الجاري في الرياض، وحضرها قادة وزعماء أكثر من 50 دولة عربية وإسلامية.

عزلة الجوار

تعاني باكستان من عزلة واضحة مع حالة التصعيد في علاقاتها مع ثلاث من دول الجوار المباشر لها، وهي: الهند، وأفغانستان، وإيران.

فمن ناحية، فإن الهند غاضبة من عدم سعي إسلام آباد لوقف أنشطة الجماعات المتطرفة التي تعمل في البنجاب الباكستانية وكشمير ضدها، وما يزال في الذاكرة الهندية تأخر باكستان في اتخاذ أي إجراءات ضد "حافظ محمد سعيد"، زعيم "جماعة الدعوة"، وهو مطلوب لمسئوليته عن هجمات مومباي في الهند عام 2008، حيث اكتفت السلطات الباكستانية بوضعه قيد الإقامة الجبرية في نهاية يناير 2017. ومن جهتها، طالبت باكستان، في يناير الماضي، الأمم المتحدة بـ "منع الهند من التدخل في شئونها، ومن ممارسة الأنشطة التي تهدف إلى زعزعة الاستقرار في باكستان".

على جانب آخر، عبَّر قادة أفغانستان، في أكثر من مناسبة، عن عدم رضاهم عن استمرار دعم إسلام آباد لحركة "طالبان" الأفغانية و"شبكة حقاني"، مشيرين إلى استهانة باكستان بهم، ووصفهم بأنهم "دمية" في يد الهنود لإثارة القلاقل في باكستان. فيما تطلب باكستان من كابول وقف أعمال "جماعة الأحرار" المسلحة، التي تقف وراء كثير من الهجمات الإرهابية في باكستان.

في سياق متصل، أصبحت إيران تنظر إلى باكستان في عهد "نواز شريف" على أنها جزء لا يتجزأ من التحالف السعودي ضدها، الأمر الذي دفعها إلى التهديد بشن هجمات عسكرية داخل باكستان لاقتلاع ما تسميه "ملاذًا آمنًا للجهاديين السنة". وهدد رئيس أركان الجيش الإيراني الجنرال "محمد حسين باقري"، في بداية شهر مايو الجاري، بضرب مواقع جماعة "جيش العدل" البلوشية المعارضة لإيران، والتي تنشط في الأراضي الباكستانية المحاذية للحدود مع إيران إذا لم توقف إسلام آباد نشاطها.

تجاهل أمريكي

شهدت القمة "العربية - الإسلامية - الأمريكية" في الرياض مؤخرًا، رفض الرئيس الأمريكي "ترامب" طلبًا لعقد اجتماع مع رئيس الوزراء الباكستاني "نواز شريف"، حيث التقى به فقط على هامش القمة، واقتصر الحديث بينهما على تبادل عبارات التحية المعتادة، في الوقت الذي عقد فيه "ترامب" محادثات جيدة ومطولة مع العديد من قادة وزعماء الدول الأخرى.

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فقد تجاهل "ترامب" في خطابه أمام قمة الرياض، الحديث عن باكستان ولو بكلمة واحدة، رغم معاناتها الشديدة من الأنشطة الإرهابية، لكنه في المقابل وصف الهند، العدو اللدود لباكستان، بأنها من ضحايا الإرهاب.

من جانبها، أبرزت وسائل الإعلام الباكستانية مأزق العزلة والتجاهل الذي تعرض له رئيس الوزراء "نواز شريف" في قمة الرياض الأخيرة، حيث ذكر تقرير لصحيفة "ذي نيشن" أن "باكستان تنفث غضبًا من لا مبالاة الرئيس ترامب". وأكد تقرير آخر لنفس الصحيفة أن "مشاعر غالبية المشاركين في وفد وسائل الإعلام الباكستانية إلى قمة الرياض، كانت الإهانة الكاملة للدولة النووية الإسلامية الوحيدة، لأنه لم يكن هناك أي ذكر لدور إسلام آباد في مواجهة الإرهاب العالمي، كما لم يُعْطَ رئيسُ الوزراء فرصة لطرح وجهة نظره".

ويمكن القول إن التجاهل الذي تعرض له رئيس الوزراء الباكستاني في قمة الرياض، يعكس إلى حدٍّ كبير حالة الفتور والتشكك اللذين تنظر بهما الإدارة الأمريكية الجديدة إلى إسلام آباد، خاصة بعد الشكاوى والطلبات التي تقدمت بها كل من الهند وأفغانستان للولايات المتحدة من أجل كبح جماح الأجهزة الأمنية الباكستانية التي تتهمها الدولتان بأنها لا تبذل جهودًا كافية من أجل منع هجمات الجماعات المسلحة ضدهما. 

وربما تكون هذه الطلبات هي ما دفع مدير الاستخبارات الوطنية الأمريكية، "دانيال كوتس"، إلى التأكيد أمام لجنة الاستخبارات في الكونجرس الأمريكي، في 11 مايو الجاري، على أن الجماعات الإرهابية المتمركزة في باكستان لديها خطط لمهاجمة الهند وأفغانستان. وفي اليوم نفسه، أعلن مكتب مراقبة الأصول الأجنبية في وزارة الخزانة الأمريكية عن إدراج 3 أفراد باكستانيين، هم: "حياة الله غلام محمد حاجي حياة الله" و"علي محمد أبو طراب" و"عنايات الرحمن"، ومنظمة الرفاه والتنمية الاجتماعية، التابعة لجماعة "دعوة القرآن"، على قائمة الحظر المالي في الولايات المتحدة، لقيامهم بتوفير الدعم المادي والمالي لحركة "طالبان" وتنظيمي "القاعدة" و"داعش".

وكان مستشار الأمن القومي الأمريكي، الجنرال "ماكماستر"، قد دعا القادة في باكستان، خلال زيارته الأخيرة إلى كابل وإسلام آباد في أبريل الماضي، إلى ملاحقة الجماعات المتطرفة المسلحة العاملة على أراضيها.

تداعيات إقليمية

لا شك أن حالة التشكك التي تنظر بها إدارة الرئيس "ترامب" إلى إسلام آباد، والعزلة الإقليمية المتزايدة لباكستان في علاقاتها مع ثلاثٍ من دول جوارها المباشر؛ يضع القيادة الباكستانية الحالية في مأزق شديد خلال الفترة المقبلة، لما قد يترتب على ذلك من تداعيات إقليمية؛ يأتي في مقدمتها تزايد إمكانية تعزيز التعاون الاستراتيجي بين الولايات المتحدة والهند، وهي الشراكة التي يُرجَّح أن تتعمق خلال إدارة الرئيس "ترامب".

وكان الرئيس "ترامب" قد وعد، خلال حملته الانتخابية، بأنه سيكون "أفضل صديق للهند". كما أن الإدارة الأمريكية الحالية ستميل -على الأرجح- إلى إقامة علاقات أقوى مع الهند لمواجهة "التنين الصيني" الذي يعد أكبر أصدقاء باكستان في الوقت الراهن، خاصة بعد البدء في مشروع الممر التجاري الصيني – الباكستاني، والذي يبلغ طوله 3000 كلم من مدينة كاشجار الصينية وينتهي في ميناء جوادار الباكستاني، ويشتمل على مشروعات بقيمة أكثر من 55 مليار دولار، منها مشروعات بقيمة أكثر من 35 مليار دولار في قطاع الطاقة، الذي يعاني بشدة في باكستان.

ثمة أمر آخر لا يبشر بخير بالنسبة للباكستانيين في علاقاتهم مع الولايات المتحدة والهند وأفغانستان، وهو التأكيد الذي وضعته إدارة "ترامب" منذ البداية بضرورة محاربة ما يُسمى "الإرهاب الإسلامي". وقد تؤدي هذه الأولوية إلى حدوث مواجهة أمريكية مع الجيش الباكستاني حول "الملاذات" الخاصة بحركة "طالبان" الأفغانية. وعلى الرغم من أن كثيرًا من القادة العسكريين في الولايات المتحدة يتطلعون إلى تعزيز التعاون العسكري مع باكستان في الوقت الحالي لمواجهة تنظيم "داعش" الإرهابي، خاصة وأن الجيش الباكستاني يمكن الاعتماد عليه؛ إلا أنه ليس من المؤكد أن يترك الباكستانيون كل أوراقهم في السلة الأمريكية في ظل إدارة الرئيس "ترامب"، وإنما سيميلون -على الأرجح- إلى تعزيز وتنويع علاقاتهم الخارجية في محاولة لفك العزلة المتزايدة عليهم. 

بدائل محتملة

في ظل توتر العلاقات مع دول الجوار، ظهرت أصوات في الداخل الباكستاني تطالب حكومة "نواز شريف" بتفادي العزلة الخارجية، وتبني مبادرات دبلوماسية للتهدئة وتبديد مخاوف بعض الدول مثل إيران. ومن ثم يبدو كل من إيران والصين بديلين محتملين أمام صانع القرار الباكستاني في الفترة المقبلة للتكيف مع التغييرات المحتملة على الساحة الإقليمية، وذلك كالتالي:

1- تحسين العلاقات مع إيران: على الرغم من أن التوتر الحالي في العلاقات الباكستانية - الإيرانية مرشح للاستمرار في المدى المنظور، نتيجة حرص "حزب الرابطة الإسلامية"، بزعامة "نواز شريف"، على تقوية العلاقات الباكستانية - الخليجية، إلا أن التقارب بين إسلام آباد وطهران لا يبدو مستبعدًا خلال الفترة المقبلة في ضوء عدد من الاعتبارات، لعل أهمها ما يلي:

أ- وجود قوى عسكرية وسياسية في باكستان تطالب بتقوية العلاقات مع إيران لمواجهة التحالف الأمريكي - الهندي المتنامي، إذ تخشى المؤسسة العسكرية الباكستانية من أن تفضل إدارة الرئيس "ترامب" الانسحاب من جنوب آسيا، والاعتماد على الهند في أداء دور "شرطي المنطقة"، وهذا ما لا يرغبه الجيش الباكستاني. كما أن تركيبة باكستان الطائفية تجعل من الصعب على إسلام آباد اتخاذ موقف صريح بشأن معاداة إيران، خشية انعكاس ذلك على الصراعات الطائفية داخلها؛ إذ يشكل الشيعة في باكستان حوالي 20% من سكانها الذين يقدّر عددهم بـ 190 مليون نسمة تقريبًا.

ب- أن العلاقات بين باكستان وإيران ظلت تحت السيطرة، في السنوات الأخيرة، ولم تشهد تصعيدًا ملحوظًا إلا في الشهور الأخيرة، وذلك في ظل وجود تعاون استراتيجي بين إسلام آباد وطهران؛ يرتبط بإسهام باكستاني في تطوير البرنامج النووي الإيراني، ووجود تفاهمات حول مد خط أنابيب "مشروع السلام" لنقل الغاز من حقل "بارس" في جنوب غرب إيران إلى الساحل الجنوبي الشرقي لباكستان، فضلا عن ترقب الدولتين لمسار الأوضاع في أفغانستان، وهو ما قد يدفع باكستان وإيران للعمل نحو تطوير علاقتهما.

2- تعزيز العلاقات مع الصين: من المنطقي أن تقود عزلة إسلام آباد الخارجية في الوقت الراهن إلى دفعها نحو تعزيز علاقاتها الاستراتيجية مع بكين، فالصين ستصبح في الغالب دولة الجوار الوحيدة التي ستدعم باكستان، وتتيح لها شريان الحياة الاقتصادي، وبالتالي الحفاظ على أمنها واستقلالها الوطني.