أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

مجلس الأمن والصراع في ليبيا

14 مايو، 2019


بعد تعثر وانقسام واضحين، نجح مجلس الأمن في إصدار إعلان بشأن الصراع في ليبيا، ويبدو الإعلان أقرب إلى أن يكون نوعاً من إبراء الذمة، أكثر منه محاولة حقيقية لحل الصراع أو حتى تسويته. ومن المعروف أن بريطانيا كانت قد دعت المجلس، عقب العملية العسكرية الأخيرة في طرابلس إلى الانعقاد، وتقدمت بمشروع قرار لم يحظ بتوافق حوله، وبصفة خاصة بين الدول دائمة العضوية، التي تُشترط موافقتها لصدور أي قرار، ونجح المجلس يوم الجمعة الماضي في إصدار إعلان دعا فيه جميع أطراف النزاع الليبي للعودة سريعاً إلى الوساطة السياسية للأمم المتحدة، والتعهد باحترام وقف إطلاق النار، وأكد أن السلم والاستقرار في ليبيا لن يتحققا إلا عبر حل سياسي، مجدِّداً دعمه وساطة مبعوث الأمم المتحدة، وعبّر عن قلقه البالغ بسبب المعارك الدائرة في طرابلس والوضع الإنساني المتدهور، الذي تسبب في نزوح 55 ألف شخص، وخلّف أكثر من 430 قتيلاً حتى الآن. وأضاف الإعلان أن خفض التصعيد وحده هو الذي يمكن أن يساعد في إنجاح وساطة الأمم المتحدة، ولم يُشِر الإعلان إلى مشروع القرار البريطاني الذي سبق ذكره.

ويلاحظ على الإعلان لهجته المعتدلة، إذ لم يتضمن إدانةً لطرف محدد، كما يطالب البعض، وذلك في انعكاس واضح لالتباس المواقف الدولية بشأن الصراع في ليبيا. ولا توجد مشكلة على الإطلاق مع إعلان المجلس بنصه الحالي، فالكل يؤيد الحل السياسي للصراع، ويراه النهج الأمثل لإعادة الاستقرار واستعادة الدولة عافيتها في ليبيا، لكن المشكلة أن الإعلان يعكس في الوقت نفسه حدود المنهج الذي تتبعه الأمم المتحدة، بشأن تسوية الصراعات، على الأقل كما يظهر من خبرتنا معها، فيما يتصل بالصراعات الدائرة على الأرض العربية. وعلى سبيل المثال فإن الإعلان يتحدث عن وقف لإطلاق النار وعن حلول سياسية، لكنه لا يشير إلى العوامل التي تسبب القلق والاضطراب وعدم الاستقرار في المنطقة، وتفضي من ثم إلى تفجر الصراعات، فأين الإشارة مثلاً إلى التدخلات الخارجية، التي تدعم الفصائل الإرهابية في طرابلس ذاتها، بما ينفي تماماً فكرة مدنية الدولة التي يتشدق البعض بها؟ وأين الحديث عن الدعم المخابراتي والمالي والعسكري والإعلامي الذي تقدمه النظم الحاكمة في دول مثل تركيا وقطر لتلك الفصائل، على نحو يجعلها حجر عثرة في طريق أي محاولة حقيقية لإنهاء الصراع؟ الواقع أن هذا النهج ليس خاصاً بليبيا، وإنما هو نهج عام يمكن تبين ملامحه بوضوح في الصراعات الدائرة على الأرض العربية، ففي اليمن مثلاً، وعلى الرغم من أن مجلس الأمن بدأ بداية موفقة بالقرار 2216 الذي انتصر للشرعية وجهود استعادتها وفرض العقوبات على الذين انقلبوا عليها، إلا أنه سرعان ما تنكرت جهود الأمم المتحدة لهذا الموقف الواضح، وبدأت تتعامل مع الصراع بمنطق السياسة الواقعية، فتساوى بين طرفي الصراع المباشرين وتتعامل معهما بندية، وكأن أحدهما لم يغتصب الشرعية اغتصاباً، والأدهى والأَمَر أن جهود الأمم المتحدة لم يدب فيها النشاط المحموم، إلا عندما بدا أن قوات الشرعية والتحالف العربي في سبيلها إلى تحرير مدينة الحديدة ومينائها، فبدأ الحديث المُكَثف عن التكلفة الإنسانية الباهظة التي سوف تنجم عن عملية تحرير الحديدة ومينائها، وبعد استجابة تلك القوات لنداءات وقف القتال دخلت جهود التسوية في نفق مماطلات الحوثيين، وصولاً إلى تفاهم ستوكهولم الذي عابه بدايةً نهجُه الجزئي ثم تكفل تحايل الحوثيين بتفريغه من مضمونه.

وللأسف، فإن هذا النهج القاصر وتكراره والتمسك به، رغم عيوبه الواضحة، يقدم رسالة جلية لأطراف أي صراع بأن إعمال القوة، وليس أي شيء آخر، هو السبيل المضمون الوحيد لتحقيق أهدافها، وهو ما يسير عكس التوجهات المعلنة من المنظمة الدولية، كما يبدو من صياغة الإعلان الأخير بشأن الصراع في ليبيا. ومن هنا فثمة حاجة ملحة لأن تراجع الأمم المتحدة نهجها، ليس بشأن الصراع في ليبيا وحده، وإنما كافة الصراعات التي تهدد السلم والأمن الدوليين، وهي بالتأكيد مراجعة تكتنفها صعوبات جمة، نظراً للتضارب الواضح في المصالح بين القوى الكبرى الفاعلة في هذه المنظمة العريقة.

*نقلا عن صحيفة الاتحاد