أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

عودة لولا:

انعكاسات "المباراة الانتخابية" الأكثر جدلاً في البرازيل

13 نوفمبر، 2022


حلّ الشوط النهائي من "المباراة" الاستثنائية في البرازيل يوم 30 أكتوبر 2022، حيث كان يقف إيناسيو لولا دا سيلفا على خط اليسار في المعارضة في مواجهة جايير بولسونارو على خط اليمين في التيار الرسمي مرة أخرى، وكانت النتيجة هي الانتخابات الأكثر إثارة للجدل في تاريخ البرازيل، والتي تتماشى تماماً مع الاستقطاب السياسي الشديد في البلاد. وفي بلد يبلغ عدد سكانه حوالي 214 مليون نسمة، أُعلن فوز حزب لولا (حزب لولا - حزب العمال) بـإجمالي أصوات 60.3 مليون صوت (50.9٪) مقابل 58.2 مليون صوت (49.1٪) لبولسونارو من الحزب الليبرالي. ومن المهم أيضاً تسليط الضوء على رقم مثير للاهتمام، ألا وهو 5.7 مليون صوت باطل، وهو ما نفى شبهة تزوير الانتخابات عن الرئيس الحالي.

بقايا اليمين:

بعد إعلان النتائج النهائية رسمياً، خرج الملايين من ناخبي الحزب الليبرالي إلى الشوارع مطالبين بإعادة الفرز. ووُضعت حواجز على الطرق السريعة الرئيسية وانتشرت تظاهرات حاشدة أمام المقرات العسكرية في مدن مثل ريو دي جانيرو وساو باولو وبرازيليا، مطالبة الجيش بالإشراف على الفرز الجديد للأصوات.

وفي يوم الأربعاء الثاني من نوفمبر، أي بعد يومين من الانتخابات، وجّه الرئيس الحالي (جايير بولسونارو) كلمة إلى أتباعه طالباً منهم أن يرفعوا الحواجز كافة من على الطرق في جميع أنحاء البلاد للسماح للأفراد والبضائع بالتنقل بحرية، لكنه في الوقت نفسه أشار إلى دعمه لكل تظاهرة سلمية، لأنها جزء من "اللعبة الديمقراطية". ووسط عدم اعترافه بهزيمته، فوض بولسونارو أعضاء حكومته بالبدء في انتقال السلطة. وحتى يتولى لولا منصبه في يناير 2023، التقى نائب الرئيس المنتخب جيرالدو ألكمين في الثالث من نوفمبر بوزيري بولسونارو لتنسيق انتقال سلس وسلمي للسلطة.

ومن المهم للغاية أن نضع في اعتبارنا أنه فيما يتعلق بالسلطة المحلية، فإن جايير بولسونارو قد فاز في 14 من أصل 27 دائرة انتخابية. لذلك، سيواجه لولا دا سيلفا عقبة قوية على المستوى الإقليمي المحلي، نظراً لوجود 10 حكام فحسب من أصل 27 حاكماً إقليمياً ينتمون فعلياً لحزب العمال. وسيحكم تارسيسيو دي فريتاس ولاية ساو باولو – وهي أكبر ولاية برازيلية، ويسكنها 45 مليون نسمة، وهي المحرك الرئيسي لاقتصاد البلاد – ولقد كان دي فريتاس وزيراً سابقاً في إدارة بولسونارو.

ولقد انتُخب خمسة عشر محافظاً في الجولة الأولى من التصويت في الثاني من أكتوبر، فأعلن تسعة منهم دعمهم لبولسونارو بينما دعم الستة الآخرون لولا. وبعد ذلك، جاءت خمس ولايات – من بين 12 ولاية إقليمية تم تحديدها في الجولة الثانية – من نصيب حكام موالين تماماً لبولسونارو (وهذه الولايات هي ساو باولو، وماتو غروسو دو سول، وروندونيا، وسانتا كاتارينا، وأمازوناس)، بينما ذهبت أربع ولايات إلى حزب العمال أو لحلفاء لولا (مثل باهيا، وألاغواس، وإسبيريتو سانتو في بارايبا)، أما الولايات الثلاث الأخرى فستحكمها أحزاب يمين الوسط (وهي ريو غراندي دو سول، وبيرنامبوكو، وسيرغيبي). بعبارة أخرى، سيعتلي لولا كرسي الرئاسة، ولكنه لن يقبض على كل السلطة في يديه (بل الأمر أبعد ما يكون عن ذلك).

ومن المعروف عن البرلمان البرازيلي أنه متعدد الأقطاب وشديد التنوع، مما يجبر أحزاب الأغلبية على السعي باستمرار لتكوين تحالفات مع أحزاب الأقليات. وخلال الفترة الرئاسية المقبلة – والتي ستبدأ في يناير 2023 – سيصبح مخطط الأحزاب أكثر إثارة مما كان عليه في الماضي.

وفي داخل مجلس الشيوخ الوطني، الذي يتألف من 81 عضواً، سيكون لحزب العمال تسعة أعضاء فقط (11٪ من الأعضاء)، بينما سيكون للحزب الليبرالي 14 عضواً في مجلس الشيوخ (17٪)، وهو الحزب الأكثر تمثيلاً في المجلس بأكمله. لذا من الجلي أن كلا الحزبين بعيدان كل البعد عن الحصول على الأغلبية كل على حدة، وعن القدرة على فرض أي قرار على الباقين، لذلك سيضطران للتوصل إلى اتفاقيات مع أحزاب أخرى.

ومن ناحية أخرى، نجد أن الوضع داخل مجلس النواب مماثل، فالمجلس يتألف من 513 نائباً، منهم 99 سيمثلون الحزب الليبرالي (19٪) و68 سيمثلون حزب العمال (13٪)، مما يكشف بوضوح عن الضرورة الملحة لتشكيل تحالفات داخلية من أجل اتخاذ أي قرارات.

وقد يعكس هذا التنوع والانقسام داخل البرلمان وجود نظام ديمقراطي "صحي" في بعض الأحيان، حيث يتم تمثيل العديد من الأحزاب (15 حزباً في مجلس الشيوخ و 23 في مجلس النواب)، ولكنه يؤدي في كثير من الأحيان إلى "شل" العديد من مشروعات القوانين وشل البرلمان نفسه. ويعتبر هذا الوضع شائعاً بسبب النظام التمثيلي الخاص في البرازيل، ولكن قد تزداد صعوبة إدارة هذا الوضع هذه المرة.


لولا يُبعث من جديد:

سيصادف العام الجديد عودة لولا دا سيلفا لقصر بلانالتو (وهو المقر الرسمي للرئيس البرازيلي) بعد أن حكم فترتين سابقتين في 2003 و2007. وسيعود لولا، الذي يبلغ الآن 77 عاماً، إلى الرئاسة بعد 12 عاماً بعد سلسلة من الأحكام القضائية التي أودت به إلى السجن. ويأتي فوزه الأخير بعد حوالي ثلاث سنوات من إطلاق سراحه.

ففي عام 2014، تم فتح ملف فساد (قضية بتروبراس) حيث تم فيها تحويل الأموال المرتبطة بمشروعات البنية التحتية الكبيرة لشركات سيئة السمعة مثل كامارغو كريا (Camargo Correa)  وأو أيه إس (OAS)، وغيرها من الشركات. وتم التحقيق مع لولا تحديداً فيما يتعلق بعقارات يُفترض أنه يمتلكها.

علاوة على ذلك، تورط لولا في قضية غسيل أموال بعد بضع سنوات (في عام 2017)، وحُكم عليه بالسجن لمدة 9 سنوات بعد أن أدانه القاضي بتلقي حوالي 1.1 مليون دولار على هيئة رشى.

باختصار، حُكم على لولا بما يقرب من 13 عاماً في أقل من ثلاث سنوات، لكنه لم يمض في السجن سوى عاماً ونصف. وأخيراً، وبعد 580 يوماً قضاها لولا في السجن ومُنع فيها من المشاركة في انتخابات 2018، أبطل القضاء البرازيلي الاتهامات الموجهة للولا في نوفمبر 2019. ومؤخراً في مارس 2021، أبطل قاض بالمحكمة العليا باقي الاتهامات كلها، فاستعاد حقه السياسي في الترشح للرئاسة.

وقال لولا في أول خطاب له بعد فوزه: "كدت أن أُدفن حياً في هذه البلاد، لذا أعتبر هذه اللحظة لحظة بعث". وما أن صار فوز لولا رسمياً، حتى توجّه العديد من رؤساء أمريكا اللاتينية له بالتهنئة، وأغلبهم من الحلفاء المقربين في المنطقة، مثل الأرجنتين وبوليفيا وكوبا وفنزويلا ونيكاراغوا والمكسيك والإكوادور وغيرها. حيث يعد هذا الفوز أيضاً انتصاراً مهماً لليسار في أمريكا اللاتينية، فهو يتيح له السيطرة على أكبر دولة وأكبر اقتصاد في المنطقة. 

كما تلقى لولا دعماً من قادة دوليين من الولايات المتحدة وكندا وأستراليا وفرنسا وإسبانيا، والذين شددت رسائلهم على ضرورة التعاون لمكافحة تغير المناخ وللعمل على الأجندات المشتركة الأخرى.

تحديات قديمة وجديدة:

سيواجه لولا في فترة ولايته الجديدة تحديات عديدة، ليس على المستوى المحلي فحسب، بل وعلى الساحة الدولية كذلك. فعلى المستوى المحلي، سيحكم لولا الدولة وهو ينتمي إلى حزب أقلية داخل البرلمان، ولن يحظى بالتالي بدعم قوي بين حكام الأقاليم المحلية. وبجانب التعامل مع القضايا الملحة دوماً، مثل الحد من الفقر (والفقر المدقع) ومستويات الجريمة والبطالة، سيتعين على لولا كذلك مواصلة السيطرة على مستويات التضخم التي تبلغ الآن حوالي 6.8٪ سنوياً، وهو رقم إيجابي مقارنة بالعديد من الدول الغربية. وفي هذا الصدد، نجد أن رد فعل الأسواق المالية المبدئي على فوز حزب العمال كان أفضل من المتوقع، ربما لأن خطاب لولا الأول بعد الانتخابات أظهره بمظهر الزعيم الأكثر اعتدالاً مقارنة بأدائه في فترتيه السابقتين. وإذا تأكد هذا المسار على المدى الطويل واستمرت بعض سياسات الاقتصاد الكلي الحالية، فلن تتأثر الأسواق المالية والاستثمارات الأجنبية – مسبقاً – بالإدارة الجديدة.

وتعتبر البرازيل على الصعيد العالمي من أهم الجهات الفاعلة في مجال العناية بالبيئة والتنمية المستدامة. ولقد ساهم الرئيس المنتخب، أثناء ولايتيه الأولى والثانية، في الحد من عملية إزالة الغابات في منطقة الأمازون، كما شدد أثناء حملته وفي خطابه الأول بعد النصر على ضرورة السعي من أجل وضع المزيد من سياسات الحماية والعقوبات على المستويين المحلي والدولي. وقال تحديداً في خطابه إن "البرازيل على أتم الاستعداد لتولي زمام المبادرة من جديد في مكافحة أزمة المناخ [...] وسنحاول إثبات أنه من الممكن خلق قيمة مضافة وتكوين ثروات دون تدمير بيئتنا [...] فالبرازيل وكوكب الأرض كله بحاجة إلى أمازون مفعم بالحياة".

ولا شك أن لولا سياسي متمرس، وهو ما أنقذه من العديد من المواقف الحرجة في حياته سواء أكان ذلك على المستوى الشخصي أم القضائي أم السياسي. وحان الوقت الآن لاستعادة السلطة في بلد شديد الاستقطاب، في ظل تراجع الدعم الداخلي عما كان عليه في فترتي الولاية الأوليان. وسيكون من المهم مراقبة خطوات لولا الأولى بعد توليه منصبه في يناير 2023 لاكتشاف أي نسخة سنراها منه في السنوات الأربع القادمة. والمنطقة بأسرها، لا سيما أمريكا الجنوبية، بحاجة إلى انتعاش الاقتصاد البرازيلي لأنه محرك القارة، فإذا نهضت البرازيل، نهضت معها باقي دول الإقليم. فإذا نظرنا إلى اقتصاد الأرجنتين على سبيل المثال، نجد أن كل نقطة من نمو الناتج المحلي الإجمالي البرازيلي تعادل 0.25 نقطة في نمو الناتج المحلي الإجمالي في الأرجنتين.

كما أن البرازيل بحاجة إلى المنطقة، لذلك لا يمكننا اعتبار هذه الانتخابات مجرد انتخابات محلية، بل هي أيضاً انتخابات إقليمية. وعلى قدر التوقعات الكبيرة القائمة على عودة لولا، تأتي أيضاً الكثير من الضغوط على كاهله، وهي ضغوط نأمل جميعاً أن يتمكن لولا من مقاومتها لتوجيه مصير أمريكا اللاتينية في السنوات الأربع المقبلة.