أخبار المركز
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (المعضلة الروسية: المسارات المُحتملة لأزمات الانتخابات في جورجيا ورومانيا)
  • إسلام المنسي يكتب: (جدل الوساطة: هل تخلت سويسرا عن حيادها في قضايا الشرق الأوسط؟)
  • صدور العدد 38 من دورية "اتجاهات الأحداث"
  • د. إيهاب خليفة يكتب: (الروبوتات البشرية.. عندما تتجاوز الآلة حدود البرمجة)
  • د. فاطمة الزهراء عبدالفتاح تكتب: (اختراق الهزلية: كيف يحدّ المحتوى الإبداعي من "تعفن الدماغ" في "السوشيال ميديا"؟)

الحزبية المقيدة:

دلالات تصاعد احتجاجات المعارضة في صوماليلاند

25 أغسطس، 2022


شهدت جمهورية أرض الصومال "صوماليلاند" الانفصالية، احتجاجات واسعة نظمتها قوى المعارضة، في 11 أغسطس 2022، للاعتراض على أي تأجيل محتمل للانتخابات الرئاسية المقبلة، والتي يفترض إجراؤها في 13 نوفمبر المقبل، وقد أسفرت هذه الاحتجاجات عن وقوع عدد من القتلى، بالإضافة إلى عشرات الجرحى.

توترات متنامية:

انفصلت صوماليلاند عن مقديشو في عام 1991 بشكل أحادي، لكنها لم تحظ باعتراف دولي بها، وتبنت منذ عام 2001 نظاماً للتعددية الحزبية، بيد أن العلاقة بين الرئيس وأحزاب المعارضة شهدت توترات متزايدة خلال الفترة الأخيرة، وهو ما يمكن عرضه على النحو التالي:

1- تصعيد المعارضة: نظمت قوى المعارضة في صوماليلاند احتجاجات واسعة في العاصمة هرجيسا، ومدينتي بوراو وإيريجافو، للمطالبة بإجراء الانتخابات الرئاسية، في 13 نوفمبر القادم، حيث أقام المحتجون حواجز على الطرقات وأحرقوا إطارات السيارات.

واتهمت المعارضة قوات الأمن الحكومية باستخدام القوة المفرطة لقمع الاحتجاجات، بما في ذلك استخدام الرصاص الحي واعتقال العديد من المحتجين، الأمر الذي أسفر عن مقتل نحو 6 من المتظاهرين، بالإضافة إلى إصابة نحو 100 آخرين، فيما ألمحت المعارضة إلى مواصلتها الاحتجاج حتى منتصف نوفمبر المقبل حال عدم إنجاز الانتخابات الرئاسية في موعدها، كما لوحت بالتصعيد والتشاور مع بقية القوى السياسية والقبلية لتشكيل حكومة مؤقتة بديلة عن الحكومة الحالية.

2- استنكار الحكومة: استنكرت الحكومة اتهامات المعارضة، ووجهت الشرطة في صوماليلاند اتهامات للمحتجين برفض اتباع التعليمات وتسلحهم بسكاكين، الأمر الذي اضطر قوات الشرطة إلى إطلاق النار، كما نشرت الشرطة في هرجيسا صوراً لعناصر الشرطة المصابين نتيجة لأعمال العنف التي ارتكبها المحتجون، مشيرةً إلى أنه تم اعتقال نحو 100 من المتظاهرين المتورطين في الاشتباكات، ومتهمة قادة أحزاب المعارضة بالوقوف وراء أعمال العنف، وهي الرواية نفسها التي أصر عليها رئيس أرض الصومال، موسى بيهي عبدي، والذي أكد أن أغلب المصابين خلال الاحتجاجات الأخيرة كانوا من قوات الأمن.

3- دعوة مقديشو للحوار: دعا الرئيس الصومالي، حسن شيخ محمود، القيادة السياسية والمجتمعية في صوماليلاند إلى ضرورة الحفاظ على الاستقرار والسلام والوحدة، داعياً الأطراف إلى الحوار، وعلى المنوال ذاته جاءت دعوة رئيس الوزراء الصومالي، حمزة عبدي بري، والذي أبدى استعداد مقديشو للمشاركة في تسوية الخلافات سلمياً.

4- تنديد دولي: أصدرت ست من البعثات الدبلوماسية الأجنبية، وتحديداً الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد الأوروبي، بياناً في 9 أغسطس الجاري، أدانت فيه ما اعتبرته استخداماً مفرطاً للقوة خلال التظاهرات الأخيرة. 

كما حثت السفارة الأمريكية في الصومال قادة الحكم والمعارضة في هرجيسا بضرورة تجنب العنف والعودة إلى الحوار السياسي، محذرة من تداعيات فشل الاتفاق على الانتخابات على مكتسبات صوماليلاند في الحكم الديمقراطي، وقام وفد أمريكي، برئاسة مساعد وزير الخارجية السابق للشؤون الافريقية، يبور ناجي، بزيارة مفاجئة إلى هرجيسا لبحث التصعيد الأخير وسبل حلحلة الأزمة المتفاقمة، فيما طالبت رئيسة المكتب البريطاني في هرجيسا، ليزي والكر، بالمطالب الأمريكية السابقة نفسها. 

دوافع التصعيد:

تعددت الدوافع التي ربما تفسر أسباب التصعيد الراهن من قبل المعارضة في أرض الصومال، وهو ما يمكن عرضه على النحو التالي:

1- تعثر الحوار بين الحكومة والمعارضة: اتفقت الحكومة مع قوى المعارضة على تشكيل لجنة للوساطة، برئاسة رئيس مجلس الحكماء، سليمان محمود آذن، ورئيس مجلس النواب، عبد الرازق خليف، والتي تولت تنظيم عدد من الاجتماعات بين الطرفين بداية من 10 يوليو الماضي، لمحاولة التوصل إلى تفاهمات مشتركة.

وكان شيوخ العشائر في صوماليلاند عمدوا، في يونيو 2022، إلى محاولة الوساطة بين المعارضة وحكومة هرجيسا لحلحلة الخلافات المتعلقة بالتحضير للانتخابات المقبلة. وقررت المعارضة حينها تأجيل التظاهرات لإعطاء فرصة للحوار والتفاوض مع الحكومة، قبل أن تعلن المعارضة تعثر هذه الوساطة، بعدما سحب الرئيس، موسى بيهي، الثقة من لجنة الوساطة.

2- إشكالية النظام الحزبي في صوماليلاند: اتفق مندوبو العشائر المشاركون في مؤتمر 1996 على التحوّل إلى نظام الانتخابات المباشرة، وإعداد دستور للبلاد، تم الاستفتاء عليه عام 2001، والذي نص في مادته التاسعة على أنه لا يجوز أن يتجاوز عدد الأحزاب السياسية في أرض الصومال ثلاثة أحزاب. 

ونص القانون رقم (14) لتنظيم الجمعيات السياسية وترخيص الأحزاب السياسي على تسجيل الجمعيات السياسية الجديدة التي سوف تتنافس على المجالس المحلية، وأن الجمعيات الثلاث الحاصلة على أعلى مقاعد تتحول إلى أحزاب سياسية وتقوم بالمنافسة في الانتخابات البرلمانية والرئاسية التالية.

وفي عام 2002، تم تسجيل 6 من الجمعيات السياسية، والتي نافست على الانتخابات المحلية، حيث حصل ثلاث منها على المراكز الأولى هي، حزب أودب وكلمية وحزب العدالة والرفاهة "أوعيد". وساد اعتقاد لدى هذه الأحزاب بأنها ستظل هي الوحيدة المسموح بها في المشهد السياسي في أرض الصومال بشكل دائم، بيد أن الضغوطات التي مارسها بعض السياسيين المعارضين دفعت إلى إجراء تعديل على القانون رقم (14) في عام 2011، وبموجبه أصبح تسجيل الجمعيات السياسية يتم كل 10 سنوات، بحيث تتنافس الجمعيات الجديدة المسجلة مع الأحزاب الثلاثة القائمة في الانتخابات المحلية، وأصحاب المراكز الثلاثة الأولى يصبحون هم الأحزاب السياسية في البلاد لمدة عشر سنوات جديدة. 

وبناء على هذه التعديلات تم تسجيل جمعيات جديدة في عام 2012، وخاضت الانتخابات المحلية مع الاحزاب الثلاثة القائمة، وجاء في المراكز الثلاثة الأولى، كلمية ووداني وأوعيد. وكان من المقرر إجراء الانتخابات المحلية التالية في 2017، وتعطلت هذه الاستحقاقات حتى تم إجراؤها في مايو 2021، وهو ما أفرز إشكالية تتعلق بعدم وجود انتخابات محلية بالتوازي مع تاريخ انتهاء تراخيص الأحزاب الثلاثة القائمة وتسجيل جمعيات جديدة، ولحلحلة هذه الإشكالية قضت المحكمة العليا بأنه يمكن إجراء انتخابات منفصلة يتم خلالها تحديد الأحزاب السياسية خلال السنوات العشر المقبلة من دون الحاجة لإعادة الانتخابات المحلية.

وثمة تخوفات لدى أحزاب المعارضة من فكرة فتح الباب لتسجيل الجمعيات الجديدة قبل الانتخابات الرئاسية المقبلة، في ظل القلق من إمكانية خسارتها لصالح الجمعيات السياسية الجديدة، أو أن تؤثر هذه الخطوة على تماسك التحالفات الراهنة بين حزبي المعارضة وداني وأوعيد، وبالتالي يسعى الأخيران لإجراء الانتخابات الرئاسية قبل انتخاب الجمعيات والأحزاب السياسية.

3- اتهامات للرئيس بالسعي للبقاء في السلطة: يفترض أن تنتهي فترة ولاية موسى بيهي، في 13 نوفمبر المقبل، وتتهم قوى المعارضة الرئيس بأنه يسعى لتمديد فترة ولايته، وذلك باستخدام سلطة مجلس الحكماء "غورتي" (Guurti)، إذ تتشكل السلطة التشريعية في أرض الصومال من مجلسين، يتمثل الأول في "غورتي"، ومجلس النواب، وهو ما تم إقراره في المؤتمر العشائري في هرجيسا عام 1996، والذي تم خلاله انتخاب أعضاء المجلسين. 

وفي حين تمت إعادة إجراء انتخابات لمجلس النواب في عامي 2005 و2021، بعدما أقر دستور 2001 هذا الهيكل للسلطة التشريعية. وفي المقابل لم يتم إجراء أي انتخابات لمجلس "غوتي"، ولم يصدر قانون ينظم عملية انتخابه، وهو ما أدى إلى احتفاظ الأعضاء المختارين بمقاعدهم في المجلس منذ منتصف التسعينيات، وحتى حال شغور أحد المقاعد يتم استبداله بوريثه مباشرة، كما تم تعزيز سلطة المجلس بمرور الوقت، ومنحه عرفياً سلطة تمديد فترة ولاية الرئيس وأعضاء مجلس النواب والمجالس المحلية.

4- تراجع سيطرة الحزب الحاكم: كشفت الانتخابات التشريعية والمحلية الأخيرة، في مايو 2021، عن نجاح حزبا "وداني" و"أوعيد" في تحقيق الأغلبية في البرلمان بالحصول على 52 مقعداً من أصل 82 مقعداً يتكون منها البرلمان (31 مقعداً لحزب "وداني" و21 مقعداً لحزب أوعيد)، مقابل 30 مقعداً حصل عليها حزب "كلمية" الحاكم، كما نجح حزبا المعارضة من تحقيق الفوز في الانتخابات المحلية، مما عكس صعوداً تاريخياً لأحزاب المعارضة في صوماليلاند.

وفي المقابل، يعاني حزب كلمية الحاكم تراجعاً ملحوظاً في شعبيته، وهو ما يهدد هيمنة الحزب على السلطة منذ عام 2010، فقد تشكل حزب كلمية في عام 2002، ووصل للسلطة في عام 2010، بعدما نجح في انتزاع السلطة من حزب أودب، حيث فاز مرشح الحزب، أحمد سيلانيو، في انتخابات 2010، قبل أن يتمكن رئيس الحزب والرئيس الحالي، موسى بيهي، من الفوز في انتخابات 2017.

وربطت بعض التقديرات تراجع الحزب الحاكم إلى حالة الانقسام الداخلية بالحزب، وذلك بين التيار المدني والعسكري، حيث يمثل موسى بيهي التيار العسكري داخل الحزب، وعمد منذ وصوله للسلطة إلى محاولة تهميش التيار المدني، والذي كان يمثله الرئيس السابق، أحمد سيلانو، الأمر الذي أحدث تصدعات داخلية بالحزب وأثر على قاعدته الشعبية.

وكان حزب كلمية قد تعرض في عام 2015 إلى موجة أخرى من الانقسامات الداخلية، إبان فترة الانتخابات الداخلية بالحزب لتحديد مرشح الحزب للانتخابات الرئاسية في 2017، وهو ما أدى إلى انشقاق بعض قيادات الحزب وانضمامها لحزب وداني، وهو ما عزز من قوة الأخير وجعله منافساً قوياً في رئاسيات 2017، وأضحى منذ ذلك الوقت نداً قوياً لحزب كلمية.

مسارات محتملة: 

في إطار تصاعد التوترات الراهنة في المشهد الداخلي في أرض الصومال، يمكن رصد عدد من المسارات المحتملة التي يمكن أن تسلكها هرجيسا خلال الفترة المقبلة، والتي يمكن عرضها على النحو التالي:

1- تمديد مشترك: يمكن أن تسهم جهود الشركاء الدوليين والاقليميين في التوصل إلى توافقات بين الحكومة والمعارضة يتم بموجبها التمديد للرئيس والأحزاب السياسية القائمة، مقابل الاتفاق على جدول زمني جديد للانتخابات الرئاسية المقبلة، على أن يتم التمسك بإجراء انتخابات الرئاسة قبل إجراء انتخابات الجمعيات والأحزاب السياسية.

ويلاحظ أن مطالبة موسى بيهي بضرورة تسجيل الجمعيات السياسية قبل إجراء الانتخابات الرئاسية، إنما يستهدف فقط الضغط على قوى المعارضة للقبول بفكرة تمديد فترة ولايته مقابل السماح بتمديد تراخيص الأحزاب القائمة.

2- انتخابات متوازية: يفترض هذا السيناريو إمكانية اتفاق الحكومة وقوى المعارضة على إجراء الانتخابات الرئاسية وانتخابات الجمعيات والأحزاب السياسية بشكل متوازٍ، سواء خلال هذا العام أو العام المقبل.

3- تمديد جزئي: يتم، وفق هذا السيناريو، تمديد ولاية بيهي مقابل تحديد موعد لانتخابات الجمعيات والأحزاب السياسية، أو الالتزام بموعد إجراء الانتخابات الرئاسية في نوفمبر المقبل، مقابل تأجيل انتخابات الجمعيات والأحزاب السياسية لوقت لاحق. ويبقى هذا المسار هو الأقل احتمالية في ظل تصاعد حدة الخلافات بين الجانبين.

4- الالتزام بالجدول الزمني المحدد: يتم إجراء الانتخابات الرئاسية في الموعد المحدد، في 13 نوفمبر المقبل، وإجراء انتخابات الجمعيات والأحزاب السياسية في موعدها المقرر في ديسمبر المقبل. ويبقى هذا المسار مطروحاً بقوة في ظل الوساطة الدولية المتوقعة خلال الفترة المقبلة.

وفي الختام، يمكن القول إنه نظراً لأهمية صوماليلاند بالنسبة للعديد من القوى الدولية والإقليمية، يرجح أن تشهد الفترة المقبلة انخراطاً مكثفاً من جانبهم للقيام بالوساطة بين الحكومة والمعارضة، وذلك للتوصل لتفاهمات مشتركة لإدارة المرحلة المقبلة، على غرار سيناريو انتخابات عام 2010، عندما اندلعت تظاهرات ضد الرئيس الأسبق، طاهر ريالي كاهين، بعدما مدد فترة ولايته، قبل أن يتدخل الشركاء الدوليون للوساطة، ويتم التوصل إلى اتفاق في عام 2009 مهدت الطريق لإجراء الانتخابات الرئاسية عام 2010. وربما يعزز من هذا الطرح الزيارة الأخيرة التي قام بها وفد أمريكي إلى هرجيسا.