أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

تحديات محتملة:

هل تتأثر الشراكة الاقتصادية بين إيران والصين في الفترة المقبلة؟

07 مايو، 2018


يبدو أن التصعيد الحالي بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران سوف يفرض تداعيات على العلاقات الاقتصادية التي أسستها الأخيرة مع بعض القوى الدولية على غرار الصين. فقد أشارت تقارير عديدة إلى إمكانية فرض عقوبات أمريكية على شركة هواوي الصينية نتيجة تورطها في بيع معدات أمريكية الصنع إلى إيران، وهو أمر محظور بموجب القوانين الأمريكية، بناءً على تحقيقات تجريها وزارة العدل الأمريكية مع الشركة حاليًا، وذلك على غرار فرض السلطات الأمريكية سلسلة من العقوبات على شركات صينية أخرى للسبب نفسه في العامين الماضيين.

وتمثل العقوبات الأمريكية خسارة كبيرة للشركات الصينية، حيث سيحظر عليها التعامل مع السوق الأمريكية لفترة طويلة. لكن على المستوى الكلي، لا يوجد حاليًا ما يعرقل استيراد الصين للنفط الإيراني أو مزاولة الشركات الصينية أعمال داخل إيران بموجب القوانين الأمريكية. ورغم ذلك، باتت الشراكة الاقتصادية الصينية- الإيرانية محفوفة بكثير من المخاطر، ليس بسبب مخاوف الشركات الصينية من أية عقوبات مستقبلية محتملة فحسب، وإنما أيضًا بسبب الرغبة الصينية في تجنب تصعيد التوتر القائم مع الولايات المتحدة بسبب نشوب ما يمكن تسميته بـ"الحرب التجارية" بينهما.

تعاون مستقر:

حرصت الصين، في الآونة الأخيرة، على تطوير مستوى شراكتها الاقتصادية مع إيران، وخاصة عقب الوصول للاتفاق النووي، بالتوازي مع استمرار التعاون بين الطرفين في المجالات الأمنية والعسكرية حتى قبل رفع العقوبات التي كانت مفروضة على إيران.

وترى الصين أن تعزيز تعاونها الاقتصادي مع إيران يحقق مكاسب عدة، يتمثل أهمها في تحول إيران إلى مورد موثوق فيه لاحتياجات الصين المتزايدة من النفط. ووفق التقديرات الإيرانية، صدرت إيران كميات من النفط للصين بنحو 628 ألف برميل يوميًا في المتوسط خلال عامى 2016 و2017، أى ما يوازي 8% من إجمالي الواردات النفطية الصينية، حيث جاءت إيران في المرتبة الرابعة كأهم مورد نفط للصين من منطقة الشرق الأوسط.

فضلاً عن ذلك، تعد إيران ركيزة أساسية في مبادرة "الحزام وطريق الحرير الجديد" الصينية، حيث من المتوقع أن تمارس دورًا جوهريًا في الربط اللوجستي بين منطقتى آسيا الوسطى والشرق الأوسط بما يدعم تجارة الصين مع هاتين المنطقتين، وانعكس ذلك في الاهتمام الصيني بالاستثمار في الموانئ الإيرانية، ولا سيما ميناء تشابهار.

في مقابل ذلك، ترى إيران أن الصين حليف موثوق فيه دعمها على نطاق واسع لتجاوز أزمتها الاقتصادية خلال فترة العقوبات المفروضة عليها، حيث كانت الصين شريكًا استثماريًا رئيسيًا لإيران في عدد من المشروعات الحيوية، سواء في قطاع النفط أو البنية التحتية، وبقيمة 14.9 مليار دولار خلال الفترة بين عامى 2005 و2015.

وبناءً على ذلك، وبمجرد رفع العقوبات الاقتصادية في يناير 2016، اتفقت الصين وإيران على زيادة مستويات التجارة إلى 600 مليار دولار في الأعوام العشرة القادمة، مقارنة بمستوى بلغ 37.069 مليار دولار عام 2017 وبزيادة 4 مليار دولار عن عام 2016.

ولم يقتصر التعاون بين الطرفين على المستوى التجاري، وإنما امتد إلى تزايد اهتمام الشركات الصينية بالمشاركة في بعض المشروعات في إيران ومن أهمها مشروع تطوير حقل بارس الجنوبي، والذي تمتلك مؤسسة البترول الوطنية الصينية حصة فيه قدرها 30%، في حين تمتلك شركة توتال الفرنسية 50.1%، وبتروبارس التابعة لشركة النفط الوطنية الإيرانية 19.9%، ومشروع تشييد المرحلة الثانية من مصفى آبادان بجنوب غرب إيران الذي سوف تقوم به شركة سينوبك الصينية.

وإجمالاً، ومنذ الوصول للاتفاق النووي وحتى الآن، أبرمت الشركات الصينية صفقات استثمارية مع الحكومة الإيرانية وصلت قيمتها إلى 9.3 مليار دولار.

متغيرات ضاغطة:

واجهت العلاقات الصينية- الإيرانية، في المجالات المختلفة لا سيما العسكرية، ضغوطًا أمريكية، على نحو دفع اتجاهات عديدة إلى ترجيح احتمال خضوع شركة هواوي الصينية لتحقيقات من جانب وزارة العدل الأمريكية، نظرًا لقيامها بتصدير منتجات أمريكية المنشأ إلى إيران ودول أخرى في انتهاك لقوانين الولايات المتحدة، وهو ما يعني، بالنسبة للشركة الصينية، احتمال تعرض نشاطها لحظر داخل السوق الأمريكية.

وقد وقعت شركة زد تي إيه الصينية فعلاً تحت طائلة العقوبات الأمريكية في العام الجاري، حيث منعت وزارة التجارة الأمريكية، في إبريل الماضي، الشركة الصينية من الحصول على معدات الاتصالات لمدة 7 أعوام من السوق الأمريكية، بالإضافة إلى فرض غرامات عليها قدرها 890 مليون دولار، إلى جانب 300 مليون دولار بموجب حكم محكمة اتحادية في تكساس مرتبط بانتهاك العقوبات الأمريكية عن طريق الشحن غير المشروع لبضائع وتكنولوجيا أمريكية إلى إيران. ودفع ذلك الشركة إلى التعهد بتسريح 4 موظفين كبار ومعاقبة 35 آخرين عن طريق خفض مكافآتهم أو توجيه لفت نظر لهم.

ولم تكن هذه العقوبات الأولى من نوعها، حيث سبق أن تعرضت شركات صينية وأفراد يحملون الجنسية الصينية لعقوبات نتيجة انتهاك القوانين الأمريكية، على غرار العقوبات التي فرضت، في فبراير 2017، على شركتين صينيتين، لاتهامهما بدعم برنامج الصواريخ الباليستية الإيرانية، والتي تلتها عقوبات أخرى على شركة صينية، في يناير الماضي، جاءت ضمن عقوبات شملت قائمة من 14 كيانًا وفردًا إيرانيًا بينهم رئيس السلطة القضائية الإيراني صادق لاريجاني.

وكانت السلطات الأمريكية قد فرضت، في عام 2012، عقوبات على شركة الطاقة الصينية زوهاي زينرونج المملوكة للدولة بعد بيعها لمنتجات البترول المكرر في السوق الإيرانية، وهو ما كان يتعارض وقتها مع العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران.

وكان لافتًا أن السلطات الصينية حصرت نطاق تعاملها مع تلك العقوبات، خاصة التي فرضت على شركة زد تي إيه، في إبداء اهتمامها واستعدادها لاتخاذ الإجراءات اللازمة من أجل حماية مصالح الشركات الصينية وحقوقها المشروعة، معبرة عن أملها في أن تقوم الولايات المتحدة بتطبيق إطار قانوني عادل للشركات، في الوقت نفسه الذي أكدت شركة هواوي التزامها بجميع القوانين والقواعد التنظيمية للأمم المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي السارية للرقابة على التصدير والعقوبات.

تداعيات مباشرة:

لا يزال نطاق العقوبات الأمريكية المفروضة على الصين انتقائيًا ومحدودًا، حيث لا يضم إلا بعض الشركات المتورطة في التعاون العسكري مع إيران، دون أن يمتد إلى العلاقات التجارية والاستثمارية بين الصين وإيران. وعلى غرار كثير من الدول، بإمكان الصين، في الوقت الراهن، استيراد النفط من إيران ودعم مساعي الشركات الصينية لمزاولة أعمال داخل إيران بشكل اعتيادي.

ومع ذلك، فإن مستوى الشراكة الاقتصادية بين الطرفين بات يواجه مخاطر عديدة أكثر من أى وقت مضى، وذلك في ظل احتمال تعرض مزيد من الشركات الصينية للعقوبات نتيجة مزاولتها أعمال مع الشركات التابعة للحرس الثوري، وذلك على غرار العقوبات المفروضة على شركة زد تي إيه وغيرها من الشركات الصينية.

ويتزامن ذلك أيضًا مع اتجاه الإدارة الأمريكية الحالية، مؤخرًا، إلى رفع سقف العقوبات المفروضة على إيران بسبب برنامجها الصاروخي، وربما إقدامها على وقف تجميد العقوبات الاقتصادية والانسحاب من الاتفاق النووي في 12 مايو الجاري، وهو ما سوف تضطر معه كثير من الشركات الصينية إلى تأجيل تنفيذ أعمالها داخل إيران، على نحو يتوافق مع السياسة الأمريكية.

ويبدو أن الصين لن تسعى إلى معارضة الإجراءات الأمريكية، وربما تستجيب، حسب اتجاهات عديدة، إلى رغبتها في خفض تعاونها العسكري والاقتصادي مع إيران، ليس فقط بسبب حرصها على تجنب تأثيرات العقوبات الأمريكية، وإنما بسبب سعيها أيضًا إلى عدم توسيع نطاق الحرب التجارية المتصاعدة مع الولايات المتحدة منذ بداية عام 2018.

ويعني ذلك أن الشركات الصينية سوف تتجه، في الغالب، إلى التمهل في تنفيذ تعهداتها الاستثمارية مع الحكومة الإيرانية، لكن هذا لا ينفي أن الصين ستظل معتمدة على إيران في استيراد النفط لتلبية احتياجات سوقها، وهو ما تصر عليه القيادة الصينية حتى في ظل رفع سقف العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران، التي سيتعرض اقتصادها لضغوط غير مسبوقة خلال المرحلة القادمة.