أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

رؤية أمريكية:

ثلاثة مفاتيح لهزيمة داعش وتحقيق الاستقرار

16 سبتمبر، 2014


إعداد: أحمد عاطف


تزامناً مع الذكرى الثالثة عشرة لأحداث 11 سبتمبر 2011، تواجه الولايات المتحدة مخاطر جمة تهدد مصالحها في منطقة الشرق الأوسط، وذلك في ظل تنامي قوة تنظيم "داعش"، وسيطرته على مساحات واسعة في كل من سوريا والعراق، وقيامه بأعمال إبادة جماعية هناك.

وخلال الأيام القليلة الماضية، كثف الرئيس الأمريكي باراك أوباما جهوده لحشد أكبر دعم لاستراتيجيته ضد هذا التنظيم، والتي كشف عنها خلال خطاب موجه للشعب الأمريكي. وفي السياق ذاته قام وزير الخارجية جون كيري بجولة إقليمية شهدت استضافة السعودية اجتماعاً بين كيري ووزراء خارجية عشر دول عربية، لتأكيد الالتزام بالوقوف متحدة ضد الخطر الذي يمثله الإرهاب على المنطقة والعالم، بما في ذلك "داعش".

في هذا الإطار نشر "مركز التقدم الأمريكي" Center for American Progress تقريراً أعده ثلاثة من الخبراء بالمركز والمتخصصين في شؤون الأمن القومي والسياسة الدولية، وهم Brian Katulis, Hardin Lang and Vikram Singh. ويتضمن هذا التقرير مجموعة من الإجراءات التي يوصي بأن تشملها الاستراتيجية الأمريكية في التعامل مع خطر تنظيم "داعش"، وذلك بغرض تحقيق ثلاثة أهداف رئيسية، هي: (احتواء ومواجهة التهديد الذي يشكله داعش على منطقة الشرق الأوسط والأمن العالمي، وتخفيف الأزمة الإنسانية التي تؤثر على ملايين السوريين والعراقيين، واستعادة وحدة أراضي العراق وسوريا).

ويؤكد التقرير إمكانية تحقيق الأهداف الثلاثة المذكورة من خلال مجموعة من التدابير أو الركائز التالية: ـ

أولاً- بناء وإدارة التحالفات لهزيمة "داعش" وتحقيق الاستقرار في المنطقة

يشير التقرير إلى ضرورة عدم مواجهة الولايات المتحدة وحدها للتهديد الذي يشكله "داعش، وإنما ينبغي تكوين تحالف دولي وإقليمي ضد هذا التنظيم، مثلما حدث في حرب الخليج عام 1991 أو التحالف الدولي بعد 11 سبتمبر ضد تنظيم القاعدة، وبمستوى أقل من التحالف في الحرب على العراق عام 2003. وأثنى التقرير على زيارات كل من وزير الخارجية الأمريكي جون كيري ووزير الدفاع تشاك هاجل إلى المنطقة من أجل تنسيق العمل مع دولها، معتبراً أنها بداية جيدة ينبغي أن تتبعها خطوات أخرى في سبيل دعم التحالف المناهض ل"داعش"، وذلك على ثلاثة مستويات: (القوى الفاعلة في المنطقة، والشركاء عبر الأطلسي، والأمم المتحدة).

1- التعاون الإقليمي:

يجب على الولايات المتحدة أن تلزم الدول في المنطقة بمبادئ مشتركة وإجراءات محددة للمساعدة في عزل ومواجهة "داعش"، وإن كان هذا الأمر لن يكون سهلاً، ليس فقط بسبب الانقسام الطائفي بين السنة والشيعة في المنطقة، ولكن أيضاً لأن هذا الانقسام باتت تصاحبه كذلك توترات بين الدول الكبرى ذات الأغلبية السنية، فضلاً عن أن البلدان الرئيسية في المنطقة تفتقر إلى بعض القدرات الأساسية اللازمة للتأثير، وهو ما يتبين من فشل الجهود الإقليمية لدعم عناصر المعارضة المناهضة لبشار الأسد في سوريا.

وعلى الرغم من هذه الصعوبات، فإن التقرير يشدد على أهمية أن تقوم الولايات المتحدة مع الشركاء في المنطقة باتخاذ الخطوات التالية:

أ- تكوين شبكة استخباراتية في المنطقة ضد "داعش": فالولايات المتحدة لديها علاقات متشابكة مع أجهزة الاستخبارات الرئيسية في الشرق الأوسط، ومنها الأردن الذي يعد شريكاً وثيقاً في جهود مكافحة الإرهاب في جميع أنحاء الشرق الأوسط وخارج المنطقة في أماكن مثل أفغانستان، وكذلك المخابرات السعودية التي تتصدى لبعض الجماعات الإسلامية المتطرفة مثل "داعش" و"جبهة النصرة" التابعة لتنظيم القاعدة. وهناك أيضاً الاستخبارات التركية التي تمتلك معلومات عن مختلف المجموعات المتطرفة التي تنشط في شمال سوريا.

ب- استهداف الموارد الاقتصادية والمالية لتنظيم "داعش": فهذا التنظيم يمول أنشطته من المناطق الخاضعة لسيطرته عبر فرض الضرائب، والاقتصادات غير المشروعة مثل تهريب النفط، فضلاً عن الدعم الخارجي. وتشير بعض التقديرات إلى توقع ارتفاع الموارد المالية لـ"داعش" بحلول العام المقبل ما بين 100 و200 مليون دولار. ويؤكد التقرير ضرورة أن تعمل واشنطن مع شركائها الإقليميين للقضاء على هذه المنابع المالية، واستهداف الشبكات الإجرامية التي يستخدمها "داعش" في بيع السلع وتعظيم إيراداته، وكذلك الحد من عمليات استخراج النفط ونقله من قبل "داعش" إلى الأسواق الخارجية، وتعطيل جمع الأموال والتبرعات للتنظيم عبر الإنترنت. ومن ثم يستلزم الأمر أن تنشئ الولايات المتحدة ما وصفه التقرير بـ"خلية" لمواجهة التهديدات المالية لداعش، على أن يشرف عليها إما وزارة الخزانة الأمريكية أو وزارة الخارجية مع أفراد من الجيش والمخابرات.

ج- تقديم المساعدات الأمنية للقوى الفاعلة في محاربة "داعش" و"جبهة النصرة" على الأراضي السورية والعراقية: فقد عززت الولايات المتحدة بالفعل مساعدتها العسكرية المباشرة للقوات الكردية العراقية، كما اقترحت مبلغاً إضافياً يقدر بنحو 500 مليون دولار لدعم المعارضة السورية المعتدلة، ومن ثم يتطلب الأمر إدراج هذه الجهود وتنسيقها في خطة إقليمية، من خلال فريق عمل مشترك من وزارتي الخارجية والدفاع، على نحو يمكن من خلاله دعم الشركاء – سواء على مستوى الدول أو العشائر والقبائل – التي لديها القدرة على محاربة "داعش".

د– شن ضربات جوية لدعم القوى الإقليمية في قتالها ضد "داعش" و"جبهة النصرة": فالولايات المتحدة عليها أن تشن غارات جوية مباشرة لاستهداف "داعش" وغيره من الجماعات المتطرفة في سوريا والعراق، وينبغي أن تتم هذه الضربات الجوية في إطار تحالف إقليمي أو دولي، مع وجود تفويض من الكونجرس.

2- دور الشركاء عبر منطقة الأطلسي والحلفاء التقليديين:

اتخذت قمة الناتو في سبتمبر 2014 عدة خطوات لتفعيل دور الدول عبر الأطلسي لمواجهة خطر "داعش"، وقد تعهدت تسع دول منها بالانضمام إلى جهود الولايات المتحدة في هذا الصدد، ولكن لم يتم إجراء أي التزامات محددة. ويؤكد التقرير أهمية عمل واشنطن مع الشركاء عبر الأطلسي والحلفاء التقليديين من خلال ما يلي:

أ- تمكين الشركاء الموثوق بهم في المنطقة لمحاربة "داعش": يجب على حلف "الناتو" وحلفاء الولايات المتحدة الآخرين العمل معاً نحو تطوير استراتيجية لمساعدة دول المنطقة على التصدى لتنظيم "داعش"، من خلال تقديم الدعم التقني والمساعدة العسكرية، ودعم الحكومة العراقية والقوات الكردية، وكذلك المعارضة السورية ضد نظام الأسد.

ب- تعزيز جهود إنفاذ القانون وتبادل المعلومات الاستخباراتية لمكافحة "داعش" والمقاتلين الإرهابيين الآخرين الذين يحملون جوازات سفر غربية: يجب أن يُبنى ذلك على الجهود الأمريكية الأوروبية الحالية بالتنسيق مع "الإنتربول". وتشير التقديرات إلى أن أكثر من 12 ألف مقاتل أجنبي تدفقوا إلى العراق وسوريا. ووفقاً للأجهزة الاستخبارات فإن 25% من هؤلاء المقاتلين يأتون من الدول الغربية، ولا يمكن تجاهل مخاطر عودة المتطرفين إلى بلدانهم، وهو ما يتطلب من الدول الغربية أن تتعاون مع الحلفاء في الشرق الأوسط والمجتمعات المحلية في جهود مكافحة التطرف.

3- الجهود عبر الأمم المتحدة:

اتخذت إدارة أوباما خطوات مهمة لدشين آليات دولية لمكافحة الإرهاب، إلا أنه يجب توسيع الجهود في الأمم المتحدة خلال الجمعية العامة المقبلة. وقد صوت مجلس الأمن الدولي خلال الصيف الحالي لإضافة أعضاء "داعش" لنظام عقوبات "القاعدة" بموجب الفصل السابع من ميثاق المنظمة الدولية، مما يعكس حجم التهديد الذي يشكله "داعش" على السلم والأمن الدوليين. ويشير التقرير إلى أن ذلك القرار يمكن أن يمثل أساساً مفيداً لتنسيق العمل الدولي لعرقلة التمويل والدعم الآخر لـ"داعش"، وتوفير الشرعية لعمل دولي موحد ضد هذا التنظيم، بما في ذلك توجيه ضربات عسكرية.

وينصح التقرير الولايات المتحدة بالآتي:

أ- السعي لتمرير قرار من مجلس الأمن الدولي بشأن المقاتلين الإرهابيين الأجانب: يهدف ذلك إلى حشد جهود الدول لمواجهة التطرف، وللوفاء بالتزاماتها لقمع الإرهاب ومنع تجنيد الإرهابيين، والتأكيد على زيادة التعاون بين مختلف كيانات مكافحة الإرهاب وإنفاذ القانون.

ب- بحث تعيين مبعوث للأمم المتحدة لقيادة الجهود الدولية لمعالجة للأزمة الإنسانية الإقليمية وتكثيف المساعدات للنازحين السوريين والعراقيين: يجب على واشنطن خلال الاجتماع القادم للجمعية العامة للأمم المتحدة دعم التمويل اللازم للاجئين المتضررين من النزاع في المنطقة، ودعوة الأمين العام بان كي مون لتعيين مبعوث رفيع المستوى للأمم المتحدة لقيادة جهود الإغاثة الثنائية ومتعددة الأطراف.

ج- التخطيط لوجود بعثة حفظ سلام في منطقة النزاع: من الضروري أن تبدأ الولايات المتحدة المناقشات في مجلس الأمن الدولي حول التخطيط لوجود قوات حفظ السلام الدولية في أجزاء من سوريا وربما العراق بعد استعادة الاستقرار، ويمكن أن تكون على غرار مهمة قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان "اليونيفيل".

ثانياً- زيادة الدعم للعراق

يؤكد التقرير أن هناك العديد من الإجراءات الأساسية ينبغي أن تتخذها الولايات المتحدة في الأشهر القادمة في العراق بعد تشكيل حكومة جديدة، وهي:

1- إجراءات سياسية ودبلوماسية:

أ- إعادة إشراك الحكومة العراقية في اتفاقية الإطار الاستراتيجي بين الولايات المتحدة والعراق: فهذه الاتفاقية الشاملة بين الحكومتين الأمريكية والعراقية التي تحدد مجالات واسعة من التعاون في العلاقات الثنائية، ستكون حاسمة لأي جهد طويل الأجل لدعم الحكومة العراقية في إعادة ترسيخ الأمن في البلاد ومواجهة الجماعات المتطرفة مثل "داعش".

ب- استمرار مشروطية الدعم العسكري الأمريكي بالحكم الرشيد: بمعنى أنه يتعين على الولايات المتحدة الاستمرار في تقديم مزيد من الدعم للحكومة الجديدة برئاسة "حيدر العبادي"، وربط هذا الدعم بأداء الحكومة.

ج- تواصل الشركاء الإقليميين مع القبائل السنية العراقية: من الأهمية بمكان أن تعمل إدارة أوباما مع شركائها الإقليميين السنة في الأردن ودول الخليج، للقيام بالتواصل مع القبائل السنية في غرب العراق، والنظر في تقديم الدعم العسكري وغير العسكري لهذه القبائل إذا ثبت أنها على استعداد لمواجهة "داعش".

2- المساعدات الأمنية:

أ- الحفاظ على الدعم العسكري الأمريكي المشروط للجيش العراقي: ينبغي على الولايات المتحدة تقديم حزمة دعم قوية لمساعدة الجيش العراقي ضد "داعش"، بما في ذلك الدعم الجوي، وكذلك المساعدة في إعادة هيكلة المؤسسات الأمنية العراقية وبناء عناصر متنوعة من قوات الأمن العراقية التي تم تفكيكها في عهد رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، مع تأمين المناطق السنية.

ب- دعم حكومة إقليم كردستان: ثمة ضرورة لتقوية قوات "البشمركة" الكردية للقيام بعمليات هجومية ضد تنظيم "داعش" في شمال العراق.

3- القيام بعمل عسكري أمريكي مباشر:

ينبغي استمرار واشنطن في العمل مع قوات الأمن الوطني العراقية والقوات العراقية الأخرى مثل "البشمركة"، لاستهداف "داعش"، وإعادة السيطرة على الأراضي العراقية من قبل المؤسسات العراقية الشرعية.

ثالثاً- مواجهة "داعش" في سوريا:

يرجح التقرير أن يستمر الرئيس السوري بشار الأسد في استيعاب "داعش" وغيره من المتطرفين من أجل الحفاظ بنظامه على قيد الحياة، لذا فإن الولايات المتحدة بحاجة إلى تطوير آليات مشتركة مع الأردن ولبنان وتركيا والدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي لمكافحة "داعش"، عن طريق الخطوات التالية:

1- دعم الفاعلين في الداخل:

أ- تقوية المعارضة السورية: اقترحت إدارة أوباما تقديم 500 مليون دولار كمساعدات إضافية للمعارضة السورية، ويجب على الكونجرس الموافقة على هذا الطلب، وتكثيف الجهود لدعم المعارضة المعتدلة في سوريا مثل "حركة حزم" و"جبهة ثوار سوريا" لمكافحة "داعش" وإعاقة تقدمها على الأرض، وسيحتاج ذلك إلى تنسيق مع الشركاء الإقليميين الآخرين الذين لديهم القدرة على دعم المعارضة في سوريا.

ب- توسيع التواصل مع القبائل السنية في سوريا: يؤكد التقرير أهمية توسيع الولايات المتحدة تواصلها مع زعماء العشائر السنية وتوفير الدعم اللازم لهم، للحد من نفوذ "داعش".

2- التغيير السياسي:

أ- الحفاظ على الهدف الطويل الأجل للتخلص من نظام الأسد في سوريا: يرى التقرير أن تعزيز الجهود الإقليمية ضد "داعش" لن ينجح إذا نُظر إليه على أنه سيفيد نظام الأسد، ومن ثم يتعين على واشنطن مواصلة العمل مع الجهات الإقليمية الفاعلة لاستكشاف واستغلال الانقسامات داخل حكومة الأسد، لأن مثل هذه الانقاسامات يمكن أن تفتح مسارات للتخلص من الرئيس الأسد.

ب- تعزيز جهود المؤسسات الإقليمية والدولية للتوسط لحل الصراع السوري: على الرغم من فشل محادثات السلام في جنيف أوائل عام 2014، فإن الأمر يقتضي تنشيط الدبلوماسيين الأمريكيين اتصالاتهم الإقليمية بشأن الصراع السوري، والبدء في محادثات سلام جديدة، لأن الصراع في سوريا يتطلب في النهاية حلاً سياسياً.

3- شن ضربات جوية مستهدفة "داعش":

يشدد التقرير على النظر في توسيع نطاق الضربات الجوية في سوريا، وذلك في إطار تحالف مع الشركاء الخليجيين وحلف الناتو وبدعم من الأمم المتحدة، حيث تستهدف هذه الضربات الجوية دعم قوات المعارضة السورية في حربها ضد "داعش"، ولحمايتها أيضاً من هجمات قوات الأسد. كما ينصح التقرير بأن يسبق تلك الضربات جمع المعلومات الاستخبارية ذات الصلة، مع احتفاظ الولايات المتحدة بالحق في القيام بعمل عسكري منفرد إذا أصبح "داعش" يمثل تهديداً وشيكاً لها كما كانت الحال مع تنظيم القاعدة في اليمن أو حركة الشباب في الصومال.


* عرض موجز لتقرير بعنوان: "هزيمة داعش.. استراتيجية متكاملة لتحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط"، المنشور في 10 سبتمبر 2014 عن "مركز التقدم الأمريكي".

المصدر:

Brian, K., Hardin, L.,Vikram, S., Defeating ISIS: An Integrated Strategy to Advance Middle East Stability (Washington: Center for American Progress, September 2014).