أخبار المركز

عوامل الحسم:

هل يفوز الغزواني بولاية رئاسية ثانية في موريتانيا؟

21 مايو، 2024


في التاسع والعشرين من يونيو 2024، يتوجه الناخبون الموريتانيون لاختيار رئيس البلاد لمدة خمس سنوات قادمة، من بين سبعة مرشحين، يمثلون مختلف التيارات السياسية المتنافسة، يُعد أبرزهم الرئيس المنتهية ولايته، محمد ولد الشيخ الغزواني، والمرشح المستقل، بيرام ولد الداه اعبيد، الذي حصل على المركز الثاني في انتخابات 2019، بنسبة 18,58% من إجمالي أصوات الناخبين، البالغة 967594 ناخباً، بالإضافة إلى حمادي ولد سيد المختار، مرشح حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية "تواصل" (الذراع السياسية لجماعة الإخوان الموريتانية).

وعلى الرغم من الارتفاع البسيط لعدد المرشحين في انتخابات 2024 مقارنةً بانتخابات 2019 التي تنافس فيها ستة مرشحين، فإن الظروف الجيوسياسية المحيطة بالدولة الموريتانية من الناحيتين الشرقية والجنوبية، بالإضافة إلى عمليات الفك والتركيب التي تشهدها التفاعلات بين دول المغرب العربي ودول الغرب الإفريقي؛ قد تحد من فرص المرشحين الجدد، وتُثقل وزن الكتلة الانتخابية للغزواني، خاصةً في ظل ما تشهده البيئة الانتخابية الداخلية الموريتانية من تراجع لبعض القوى السياسية منذ الانتخابات التشريعية في مايو 2023، وحدوث انشقاقات في قوى التيار الإسلامي، تقلل من فرص مرشحه ولد سيد المختار.

خريطة المرشحين:

يتوزع المرشحون المتنافسون على رئاسة موريتانيا 2024 على ثلاث قوى سياسية، تتمثل في أحزاب السلطة (الحزب الحاكم وأحزاب الموالاة)، وهي طرف رئيسي في المعادلة الانتخابية، وأحزاب المعارضة المدنية التي اعتادت الترشح، وإن كان بعضها دائم التغيير في الموقف الانتخابي من مرشح السلطة. أما الطرف الثالث في المنافسة، فيتمثل في جماعة الإخوان الموريتانية، وذراعها السياسية حزب "تواصل"، الذي تجرأ للمرة الأولى منذ عام 2014 على المواجهة المباشرة؛ إذ قاطع الانتخابات مرة واحدة، وفي الأخرى عام 2019 دعم مرشحاً من قوى المعارضة المدنية.

ومن خلال قراءة خريطة المرشحين في انتخابات الرئاسة 2024، لُوحظ أن طرفي المنافسة هما المرشحون الحزبيون والمستقلون، وإن كانت نسبة المستقلين هي الأعلى؛ إذ بلغت 62.5%. ويمكن توضيح ذلك على النحو التالي:

1- المرشحون الحزبيون: اقتصرت المنافسة الحزبية على ثلاثة أحزاب؛ أولها حزب الأغلبية حزب الإنصاف ومرشحه الرئيس محمد ولد الغزواني، الذي يخوض الانتخابات للمرة الثانية بعد انتهاء ولايته الأولى، التي زادت فيها نسبة الأصوات التي حصل عليها آنذاك بمقدار 4.7% على حاصل جمع أصوات جميع منافسيه، إذ بلغت نسبة الأصوات التي حصل عليها الغزواني 52.01% من إجمالي عدد الناخبين البالغ 1.544.123 صوتاً، مقابل حصول منافسيه الخمسة على نسبة بلغت 47.64%.  

أما المرشح الحزبي الثاني فهو حمادي ولد سيد المختار، الذي يخوض الانتخابات ممثلاً لجماعة الإخوان ويترأس ذراعها السياسية، حزب "تواصل". وهنا تجدر الإشارة إلى أن حمادي يرفع الشعار الذي رفعه الإخوان في كل الدول التي خاضوا فيها انتخابات منذ عام 2011؛ وهو "ضرورة الخلاص من السلطة الحاكمة"، مُرتكزاً في خطابه الانتخابي على المحركات التقليدية التي تستخدمها الجماعة في الاستغلال السياسي للناخبين، ومنها مكافحة الفقر وتشغيل العاطلين، ومهاجمة النظام الحاكم. 

ومن مرشحي الأحزاب أيضاً في هذه الانتخابات، مامادو بوكار، رئيس حزب التحالف من أجل العدالة والديمقراطية، أحد الأحزاب المعارضة، الذي احتل الترتيب الـ12 من بين 26 حزباً تنافست في الانتخابات الجهوية والبلدية والبرلمانية التي أُجريت في مايو 2023؛ إذ حصل فيها على 50 مقعداً، منها مقعدان في البرلمان.

2- المرشحون المستقلون: استطاع أربعة مرشحين مستقلين الحصول على موافقة المجلس الدستوري للترشح في الانتخابات الرئاسية، بعد الحصول على العدد المطلوب من التزكيات؛ إذ اشترط قانون الانتخابات أن يتطلب قبول المرشحين الرئاسيين في كشوف الترشح النهائية حصول المتقدم على توقيع 50 مستشاراً بلدياً مع تحديد الولاية التي ينتمي إليها المستشار ومقاطعته وبلديته. 

وبالتالي، يصبح المرشح المستقل وعضو البرلمان الحالي، المعارض بيرام ولد الداه اعبيد، أحد أقوى المتنافسين في الانتخابات الموريتانية 2024، خاصةً أنه يحظى بكتلة انتخابية ظلت متماسكة منذ انتخابات 2019، التي احتل فيها المرتبة الثانية بنسبة أصوات بلغت 18.8%. ويترشح ولد اعبيد، الذي يخوض الانتخابات ممثلاً لحركة "إيرا" الحقوقية، المناهضة للرق، ببرنامج انتخابي يتوافق مع القوى المعارضة وتكتل الأحزاب التي لم تستطع الحصول على تزكية التقدم في الانتخابات.

 كذلك، يترشح مستقلاً كل من محمد الأمين المرتجى ولد الوافي، الذي يخوض الانتخابات للمرة الثانية، إذ ترشح في انتخابات 2019، وحصل حينها على نسبة 0.40% من أصوات الناخبين، والنائب البرلماني المعارض العيد ولد محمدن امبارك، الذي يلقى دعماً انتخابياً من حزب الجبهة الجمهورية للوحدة والديمقراطية، بالإضافة إلى أوتوما سوماري، المدعوم من تكتل الديمقراطيين التقدميين من أجل موريتانيا موحدة وقوية، وتكتل طلائع قوى التغيير، وهذان التكتلان تأثيرهما محدود في مسار العملية الانتخابية، باعتبارهما تجمعين على أرضية غير حزبية وتمثيل جهوي وبلدي وبرلماني. 

فيما استبعد المجلس الدستوري الرئيس السابق، محمد ولد عبدالعزيز، من المنافسة على انتخابات الرئاسة، بالرغم من سماح المحكمة له بمغادرة السجن لتقديم أوراق ترشحه؛ وذلك لعدم حصوله على التزكيات الكافية وتقديمه ملفاً منقوصاً من عدة جوانب، وهي خطوة قد تثير الكثير من الجدل.

عوامل مؤثرة:

ثمة عوامل مؤثرة في مسار العملية الانتخابية ونتائجها المُحتملة. وإن كانت هذه العوامل تعطي فرصة لمرشح أحزاب الموالاة، فإنها ربما تمثل ضغطاً انتخابياً عليه، وقد تمنح فرصاً لمرشح المعارضة المستقل، بيرام ولد الداه اعبيد، ولكن لا تضعه في مقدمة المتنافسين، وذلك على النحو التالي:

1- انعكاسات دول الجوار الموريتاني وتأثير التداخل المجتمعي: تمثل الاضطرابات في دولة مالي، الجارة الشرقية لموريتانيا، أحد العوامل المؤثرة في اتجاهات تصويت الناخبين الموريتانيين. فسيطرة المجلس العسكري المالي على السلطة وتعليقه لأنشطة الأحزاب السياسية المعارضة في مالي، قد ينعكسان إيجابياً لمصلحة مرشح حزب الإنصاف، الغزواني، باعتباره قادماً من المؤسسة العسكرية الموريتانية، التي تدرج فيها من قائد للأركان الوطنية ثم قائد للأركان العامة للجيوش حتى وصل إلى منصب وزير الدفاع الوطني. 

وفي الاتجاه المعاكس، قد يؤثر التداخل المجتمعي والمصالح الاقتصادية مع الجارة الجنوبية، السنغال، وانتخاب المعارض الشاب باسيرو ديوماي فاي، رئيساً للسنغال؛ إيجابياً في الكتلة الناخبة للمرشح المعارض، بيرام ولد الداه اعبيد، وإن كانت انعكاسات الحالة السنغالية تتراجع مقابل مؤثرات الوضع في مالي، نظراً للتكوين القبَلي والداخلي للدولة الموريتانية.

2- تأثير نتائج الانتخابات الجهوية والبلدية والبرلمانية السابقة: ستؤثر النتائج، التي حققها الحزب الحاكم (الإنصاف) وأحزاب الموالاة مقارنةً بالأحزاب المعارضة المدنية، وحزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية "تواصل" الإسلامي في الانتخابات التشريعية والجهوية والبلدية، التي أُجريت في مايو 2023؛ في نتائج الانتخابات الرئاسية؛ إذ يسيطر حزب الإنصاف على 230 مقعداً من مقاعد البلديات من إجمالي 237، بنسبة 97% مقابل 3% للمعارضة؛ الأمر الذي يشير إلى سيطرة انتخابية مُحتملة لأحزاب السلطة في مواجهة مرشحي المعارضة من المدنيين والإسلاميين، خاصةً أن الفترة الزمنية بين الانتخابات البلدية والرئاسية تُعد قصيرة في أعمار الانتخابات. 

وعليه، يمكن القول إن نتائج الانتخابات البلدية والجهوية السابقة ستعزز فرص المرشح الرئاسي محمد ولد الغزواني في معظم البلديات باستثناء تلك التي خرجت من عباءة الحزب الحاكم، وهي نواذبيو، وكيفة، وألاك، وسيليبابي التي يُرجح أن يصوت ناخبوها للمرشحين المستقلين أو مرشح الإخوان الذي قد يلقى حظوظه في بعض المناطق من الولايات الشرقية التي يسيطر حزبه على بعض عمدها ومستشاريها.

3- التغير في العلاقات الحزبية - الحزبية مقارنةً بانتخابات 2019: يشير إعلان بعض أحزاب المعارضة، وعلى رأسها تكتل القوى الديمقراطية، عن دعمها للغزواني، إضافة إلى تأكيد أحمد ولد داداه، أشهر الرموز المعارضة خلال انتخابات 2012 و2016 و2019، دعمه ومساندته لمرشح حزب الإنصاف؛ إلى حدوث تغيير في تحالفات المعارضة، واتجاه بعضها للتحالف مع مرشح الحزب الحاكم من منطلق أن الظروف المحيطة بالدولة الموريتانية تتطلب الوحدة الوطنية والانسجام المجتمعي. هذا بالإضافة إلى حدوث انشقاقات في بعض القوى الإسلامية الداعمة لموقف حزب تواصل في انتخابات سابقة؛ إذ أعلن بعض الإسلاميين تراجعهم عن مساندة حمادي ولد سيد المختار والتنسيق مع مرشح حزب الإنصاف. 

4- التركيبة المجتمعية وتأثير القوى الدينية المنافسة لجماعة الإخوان: على الرغم من التداخل المجتمعي بين بعض دول الغرب الإفريقي، فإن تركيبة المجتمع الموريتاني تُعد ذات خصوصية مقارنةً بدول الغرب الإفريقي الست عشرة، فيُحتمل أن تحضر تأثيرات الدولة العميقة الموريتانية في اتجاهات تصويت الناخبين، فتكون أصوات القبائل والعائلات وأفراد المؤسسة العسكرية في اتجاه محمد ولد الغزواني. كما أن القوى الدينية المناهضة والمنافسة لجماعة الإخوان، المتمثلة في الطرق الصوفية، ستصوت لمصلحة مرشح الإنصاف، وستكون أصواتها وازنة، نظراً لقوة نفوذ التيار الصوفي الموريتاني وتشابك طرقه، التي تُعد أكثرها تأثيراً ومساندة للحزب الحاكم الطرق: التيجانية، القادرية، المريدية، الشاذلية، النقشبندية، الصديقية.

احتمال وارد:

إذا كانت العوامل السابقة تُرجح حدوث مسار واحد تأخذه نتائج الانتخابات الرئاسية الموريتانية، وهو فوز مرشح الحزب الحاكم، محمد ولد الغزواني، بولاية رئاسية ثانية، وبنسبة أصوات ستحسم الانتخابات من الجولة الأولى؛ فإن العملية الانتخابية قد تشهد مجموعة من المتغيرات المؤثرة في مستقبل القوى المتنافسة، هي كالتالي:

1- التشبيك الانتخابي غير المؤثر: يُرجح أن يحدث توافق انتخابي بين المرشحين الخارجين من السباق الانتخابي، الذين لم يتمكنوا من الحصول على التزكيات التي طلبها المجلس الدستوري، سواءً أكانوا حزبيين أم مستقلين، والمرشحين المعارضين من التيار المدني. وعليه، يُرجح أن يحدث توافق انتخابي - غير مقلق لمرشح الحزب الحاكم - بين أصحاب أزمة الحصول على موافقة البلديات للترشح والمرشح المستقل بيرام ولد الداه اعبيد، وهو ما قد يجعله يحل ثانياً في ترتيب عدد الأصوات، خاصةً أن هناك كتلاً تصويتية صغيرة للمرشحين المستبعدين، حاصل جمعها يؤثر في ترتيب المرشحين الستة المنافسين للغزواني.

2- التراجع الانتخابي المصحوب بالانسحابات في صفوف الإخوان: في ضوء النتائج الضعيفة التي حققها حزب "تواصل" الإخواني في الانتخابات التشريعية السابقة وحصوله على 11 مقعداً فقط من إجمالي 176، وكذلك إخفاقه في الانتخابات الجهوية والبلدية، بالإضافة إلى البرنامج التقليدي الذي أعلن ملامحه المرشح الرئاسي لجماعة الإخوان أثناء تقدمه بأوراقه للمجلس الدستوري؛ فإن كل ذلك يُرجح ترتيباً متأخراً لولد سيد المختار في الانتخابات الرئاسية. وبالتالي قد تهاجم الجماعة المرشح الفائز، وتصدّر مظلوميتها للناخبين كالعادة؛ الأمر الذي قد ينتهي بمزيد من الانسحابات في صفوف الإسلاميين المحسوبين عليها. 

إجمالاً، يمكن القول إن ثبات التركيبة المجتمعية في موريتانيا، بالإضافة إلى تقارب عدد المرشحين في الانتخابات الرئاسية 2019 وتلك المقررة في أواخر يونيو 2024، ودعوات بعض المعارضين لانتخاب الغزواني؛ كل ذلك يُرجح نجاح مرشح حزب الإنصاف من الجولة الأولى للانتخابات الرئاسية.