أخبار المركز
  • أحمد عليبة يكتب: (هاجس الموصل: لماذا يخشى العراق من التصعيد الحالي في سوريا؟)
  • محمود قاسم يكتب: (الاستدارة السريعة: ملامح المشهد القادم من التحولات السياسية الدرامية في كوريا الجنوبية)
  • السيد صدقي عابدين يكتب: (الصدامات المقبلة: مستقبل العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية في كوريا الجنوبية)
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)

الحرب النفسية:

لماذا تتصاعد الأخبار حول إصابة "بوتين" بمرض مميت؟

16 يونيو، 2022


نشر موقع نيوزويك الأمريكي ثلاث مقالات في شهر مايو تتحدث حول إصابة الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، البالغ من العمر 69 عاماً، بمرض خطير، مع روايات متضاربة حول طبيعة هذا المرض، بينما أشار تقرير لصحيفة "ديلي ميل" البريطانية إلى أن الرئيس الروسي "تلقى تحذيراً صحياً بأن أمامه من عامين إلى 3 أعوام فقط للعيش".

ولم يقتصر هذا الحديث على بعض المواقع الأمريكية الأخرى التي نقلت تقارير مشابهة، بل امتد الأمر إلى توجيه الصحفيين أسئلة إلى المسؤولين الروس حول الموضوع نفسه، ونفى كل من ديمتري بيسكوف، المتحدث باسم الكرملين، وسيرجي لافروف، وزير الخارجية الروسي، في موقفين منفصلين معاناة الرئيس الروسي أي مرض. 

وفي واقع الأمر لا تقف أهمية الأخبار بشأن احتمالات إصابة الرئيس الروسي بوتين بمرض خطير عند حدود صحته الشخصية، بل قد تنعكس هذه الأخبار ــ إن ثبتت صحتها ــ على العملية العسكرية بأوكرانيا من جانب وعلى الدولة الروسية كقوة صاعدة تحاول أن تستعيد مكانتها الدولية من جانب آخر، خاصة أن الصعود الروسي لا يمكن فصله عن شخص بوتين.

 في هذا الإطار تناقش المقالة التالية الأخبار التي تم تداولها ودلالاتها وانعكاساتها. 

تقييم الخبر: 

عند قراءة التقارير المفصلة الثلاثة التي نشرها موقع النيوزويك الأمريكي حول صحة بوتين، فضلاً عن السرديات الإعلامية الغربية الأخرى، فيمكن الوقوف على عدد من الملاحظات والتي يمكن تفصيلها في التالي: 

1- غموض طبيعة المرض: يلاحظ أن طبيعة المرض الذي يعانيه الرئيس الروسي كان غامضاً، فلم يحدد موقع النيوزويك مرضاً بعينه على وجه التحديد، فقد أشار إلى احتمالية إصابته بأحد ثلاثة أمراض، وهي السرطان والخرف وباركنسون، وذلك في المقالة المنشورة بتاريخ 3 مايو 2022. وفي المقابل، فإن التقرير الذي نشره الموقع ذاته في 30 مايو أكد أن بوتين مصاب بسرطان الدم، وأن حالته تتدهور بسرعة حادة. 

ونفى بيسكوف في مايو أن يكون بوتين أجرى جراحة لسرطان الغدة الدرقية، بينما قال لافروف خلال حوار مع تليفزيون فرنسي في الشهر نفسه: "الرئيس فلاديمير بوتين يظهر علناً يومياً. يمكنكم مشاهدته عبر الشاشات. لا أعتقد أنه يمكن للعقلاء رؤية علامات على أي شكل للمرض أو اعتلال الصحة".

2- استدلالات ضعيفة: يبدو أن المحرك الأساسي لهذه الشائعات جاء نتيجة للاستدلال على بعض تحركات الرئيس الروسي. ومن ذلك على سبيل المثال، إمساك بوتين بالطاولة التي أمامه، وذلك أثناء حديثه مع وزير الدفاع الروسي سيرجي شويجو، في 21 أبريل، حول كيفية التعامل مع المقاتلين الأوكران المتحصنين في مصنع أزوفستال في ماريوبل، والذي أصدر بوتين حينها أوامره بفرض حصار كامل على المصنع دون اقتحامه. 

كما استند أحد التقارير الثلاثة على تحريك الرئيس الروسي لإحدى قدميه بصورة قد تبدو انفعالية، وذلك أثناء مقابلته للرئيس البيلاروسي، ألكسندر لوكاشينكو، بمدينة سوتشي في 24 مايو. 

وبطبيعة الحال، فإن تحرك قدميه بهذه الصورة لا يعد مؤشراً على إصابته بالسرطان، بل قد يكون مؤشراً على إصابته بمرض يتصل بالأعصاب، غير أن موقع نيوزويك نفسه أشار إلى رأي الأطباء الذين راجعهم، وأكدوا أن هذه التحركات يستحيل أن تكون مؤشراً على إصابته بمرض باركنسون، أو الزهايمر. 

3- مصادر ضعيفة ومجهولة: يلاحظ أن تقارير النيوزويك الثلاثة قد استندت في حصولها على المعلومات السابقة حول صحة الرئيس الروسي على مصادر غير موثوقة، ومن غير المرجح أن تكون لديهم المعلومات الاستخباراتية التي يزعمون أنهم يمتلكونها. فقد بنت نيوزويك أحد تقاريرها الثلاثة على ضابطين سابقين في الاستخبارات البريطانية.

وبطبيعة الحال، فإنه لا يمكن لضابطين سابقين في الاستخبارات البريطانية أن يكونا على إطلاع على تقارير استخباراتية سرية، في حين أن تقريراً آخر أشار إلى أن المصدر هو أحد الأوليجاركية، وذلك من دون الإشارة إلى اسمه، بينما استندت المصادر الأخرى إلى قنوات على التليجرام لأشخاص مجهولين يدعون أنهم ضباط سابقون في أجهزة الاستخبارات الروسية.

وكما أشار موقع النيوزويك نفسه، فإنه من الصعب التأكد من الهوية الحقيقية لهذه القنوات، بل وأشار إلى أن إحدى هذه القنوات التي تروج لمثل هذه الأخبار حول صحة بوتين تقف خلفها الاستخبارات الأوكرانية، وهي التي تديره، وأنه سبق وأن تورط في نشر معلومات غير صحيحة وثبت زيفها لاحقاً، وبالتالي، فإن مصداقية هذه التقارير كلها تعد محل شك، ولا تستند إلى أي مصدر معلوم، أو محدد الهوية. 

4- إدانة مزدوجة: زعم أحد التقارير الثلاثة التي نشرتها نيوزويك أن صحة الرئيس بوتين قد تكون جيدة، وأنه يهدف من ذلك إلى كسب تعاطف الناس معه، خاصة بعد تراجع صورته بسبب الحرب الأوكرانية، غير أن مثل هذا المنطق يجهل حقيقة أن مصدر هذه المعلومات كانت مصادر معادية لموسكو، بل وأن المسؤولين الروس أنفسهم نفوا صحة هذه المعلومات حول صحة بوتين، ولذلك لا يمكن أن يكون الكرملين هو مصدر هذه المعلومات لكسب تعاطف أحد.

أهداف متعددة: 

من الواضح أن هناك أهدافاً مبتغاة من وراء تركيز وسائل الإعلام الغربية على نشر معلومات غير مؤكدة عن صحة بوتين، والتي يمكن توضيحها على النحو التالي: 

1- إثارة الاضطرابات الداخلية: تستهدف الحرب النفسية التي يشنّها الغرب ضد روسيا إثارة الاضطرابات الداخلية. فقد أعلن الرئيس الأمريكي، في 26 مارس 2022، صراحة أن هدفه هو الإطاحة ببوتين، فهو القائل إنه "لا يمكن للرئيس بوتين البقاء في السلطة بسبب الحرب على أوكرانيا". كانت هناك محاولات سابقة في هذا الاتجاه. ففي بداية العمليات العسكرية الروسية ضد أوكرانيا، زعمت وسائل الإعلام الغربية، خاصة البريطانية، أن الشعب الروسي يعارض الحرب ضد أوكرانيا، بل وألمحت إلى أن هناك تحضيرات جارية لاحتجاجات شعبية للإطاحة ببوتين.

وعندما اتضح ارتفاع حجم التأييد الشعبي للحرب، وأن أغلب الشعب الروسي يتفهم مبررات الحرب التي ساقها الرئيس بوتين، انتقلت وسائل الإعلام الغربية لتأكيد وجود انقسامات داخل الكرملين، ووجود اعتراض متنامٍ داخل النخبة الروسية، خاصة بعدما اتضح أن العمليات العسكرية قد استغرقت فترة أطول مما هو متوقع، وفقاً لما ذكرته هذه المصادر. 

ثم ما لبثت أن عادت الصحافة الغربية نفسها لتؤكد نقلاً عن مصادر استخباراتية غربية أن الكرملين متماسك حول بوتين في حربه ضد أوكرانيا. جاءت أخيراً الشائعة حول صحة بوتين، والتي يبدو أن هدفها النهائي هو المضي في المسار السابق نفسه، أي تشجيع حدوث انقسامات داخل الكرملين، أو حتى التحريض على الانقلاب ضد بوتين.

2- رفع معنويات الجيش الأوكراني: تعرض الجيش الأوكراني لسلسلة من الانتكاسات العسكرية مؤخراً أمام الجيش الروسي، فبالإضافة إلى إخفاق الجيش الأوكراني في شن هجوم مضاد ضد القوات الروسية في إقليمي خاركيف وخيرسون، فإن الجيش الروسي يحقق تقدماً ثابتاً باتجاه السيطرة على إقليمي لوهانسك ودونيتسك، خاصة مع اعتراف الرئيس الأوكراني مؤخراً بأن الجيش الأوكراني يتكبد خسائر فادحة في الأرواح والمعدات، بل ويتجه لنشر قوات من المتطوعين أقل تدريباً على الخطوط الأمامية للجبهة، وهو ما يكشف عن حجم انهيار الجيش الأوكراني على هذه الجبهة، فضلاً عن إمكانية انهيار هذه القوات المنشورة حديثاً بسرعة بالنظر إلى تراجع خبرتها القتالية. 

ولذلك، فإن محاولة الإيحاء بأن الرئيس الروسي يحتضر يهدف في جانب منه إلى رفع معنويات الجيش الأوكراني، والتشويش على الانتصارات الأخيرة للجيش الروسي، خاصة بعد استسلام أكثر من ألفي جندي أوكراني في ماريوبل، وإحكام روسيا سيطرتها على مساحة 20٪ من مساحة أوكرانيا، وفقاً للتقديرات الرسمية الأوكرانية. 

3- لفت الانتباه بعيداً عن بايدن: قد يتمثل أحد الأهداف الثانوية هو لفت الأنظار بعيداً عن الرئيس الأمريكي جو بايدن، والذي من الواضح أن يعاني من بعض المشاكل الصحية الواضحة، وهو ما يتضح في تفوهه بكلمات غير مفهومة، أو كلام غير متسق، بالإضافة إلى مصافحته لأشخاص غير موجودين، وهي كلها علامات على تدهور صحته تزايدت وتيرتها في الآونة الأخيرة. 

وفي الختام، يمكن القول إن مثل هذه الأخبار لا تخرج عن سياق تصعيد الحرب النفسية، خاصة في الوقت الذي تتقدم فيه روسيا عسكرياً، وذلك في محاولة لإحباط الروح المعنوية الروسية، سواء بين الجمهور أو العسكريين، وفي المقابل رفع معنويات الجماهير الأوكرانية ورفع همم القوات العسكرية والمتطوعين والإيحاء لهم بأن "بوتين" على وشك الانتهاء، وإذا كانت المحاولات السياسية والعسكرية والاستخباراتية قد أخفقت في هزيمته فالانتقام الإلهي قد أتى به.