أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يصدر العدد الثاني من مجلة "اتجاهات آسيوية"
  • أ. د. نيفين مسعد تكتب: (عام على "طوفان الأقصى".. ما تغيّر وما لم يتغيّر)
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (بين موسكو والغرب: مستقبل جورجيا بعد فوز الحزب الحاكم في الانتخابات البرلمانية)
  • د. أيمن سمير يكتب: (هندسة الرد: عشر رسائل للهجوم الإسرائيلي على إيران)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (من المال إلى القوة الناعمة: الاتجاهات الجديدة للسياسة الصينية تجاه إفريقيا)

عقبات متعددة:

كيف تسعى أوروبا إلى حماية مصالحها الاقتصادية مع إيران؟

20 مايو، 2018


يبدو أن الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي سوف يفرض تداعيات اقتصادية قوية على العلاقات بين إيران والاتحاد الأوروبي، على نحو دفع الأخير إلى التحرك من أجل حماية مصالحه الاقتصادية مع الأولى، دون أن تتوافر له خيارات عديدة في هذا السياق، في ظل اتساع مساحة الخلافات بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية، وتزايد مخاوف الشركات الأوروبية من مواصلة أعمالها داخل إيران خلال المرحلة القادمة، بشكل يشير إلى أن الجهود التي تبذل في الوقت الحالي من أجل مواصلة العمل بالاتفاق تواجه تحديات عديدة لا تبدو هينة.

قيود أمريكية :

تتجه الولايات المتحدة الأمريكية، فيما يبدو، نحو تصعيد حدة ضغوطها الاقتصادية على إيران، وذلك بعد خطوتها الأخيرة بالانسحاب من الاتفاق النووي، التي تأتي في إطار تزايد شكوك الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حيال جدوى الاتفاق في منع إيران من امتلاك القنبلة النووية أو تطوير برنامج الصواريخ الباليستية أو وقف أعمالها المعادية والمهددة لاستقرار منطقة الشرق الأوسط.

وفي غضون الشهور الستة المقبلة، سوف تفرض الإدارة الأمريكية سلسلة من العقوبات التدريجية على إيران سوف تشمل كافة الأنشطة الاقتصادية، بما سيؤدي، على الأرجح، لشلل اقتصادي واسع. ويعتبر قطاعا النفط والشحن البحري من أبرز مجالات العقوبات المحتملة، بالتوازي مع حزمة من العقوبات الأخرى على المعاملات المالية المقومة بالدولار الأمريكي من قبل المؤسسات المالية الأجنبية مع إيران.

ووفق ترجيحات مختلفة، سوف تؤدي العقوبات الأمريكية إلى تقلص إمدادات النفط الإيرانية للأسواق الدولية بأكثر من نصف مليون برميل يوميًا، فضلاً عن تهديد أعمال الشركات الأجنبية داخل إيران، فيما قد تعرقل أيضًا الصفقات التجارية التي أبرمتها إيران مع الشركات الأجنبية في وقت سابق من العامين الماضيين، ومن بينها صفقات شراء طائرات مدنية من شركتى "بوينج" الأمريكية و"إيرباص" الأوروبية، وخاصة بعد قرار وزارة الخزانة الأمريكية بسحب تراخيص التصدير من الشركتين قريبًا.

وقد حذر جون بولتون مستشار الأمن القومي الأمريكي، في 13 مايو الجاري، الشركات الأوروبية من إمكانية فرض عقوبات عليها حال مواصلة معاملاتها مع إيران. وفي خطوة سريعة لإثبات جدية العقوبات، سارعت الإدارة الأمريكية، في 15 مايو، نحو فرض عقوبات جديدة على محافظ البنك المركزي الإيراني ولى الله سيف وبنك "البلاد" الإسلامي ومقره العراق بالإضافة إلى مجموعة من الأشخاص الإيرانيين ذوي الصلة بالحرس الثوري وحزب الله اللبناني، على نحو سوف يقيد، نسبيًا، من المعاملات الراهنة للبنوك الأجنبية مع النظام المصرفي الإيراني.

تعقيدات أوروبية:

في الواقع، لازال من المبكر حسم تداعيات الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي على صادرات النفط الإيرانية للأسواق الدولية أو أعمال الشركات الأجنبية المتعاملة مع إيران، حيث أنه بخلاف الولايات المتحدة الأمريكية، أبدى الشركاء الآخرون، على غرار الاتحاد الأوروبي وروسيا والصين، التزامًا شديدًا تجاه الاتفاق النووي، بشكل قد يقوض من فعالية العقوبات الأمريكية بحسب اتجاهات عديدة.

وفي الوقت نفسه، أشارت الدول الأوروبية إلى أنها ستسعى لحماية مصالحها التجارية والاستثمارية مع إيران، وهو ما عبرت عنه مسئولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي فيدريكا موغيريني، في 15 مايو، بقولها أن الاتحاد سيوصل جهوده لحماية التجارة والاستثمار مع إيران على الرغم من أنه لن يستطيع تقديم ضمانات قانونية واقتصادية كافية للأخيرة.

لكن هذا الموقف الأوروبي لم يكن كافيًا لطمأنة الشركات الأوروبية لمواصلة أعمالها مع إيران، على نحو قد يدفعها إلى مراجعة أعمالها داخل إيران سواء على صعيد المعاملات التجارية أو الاستثمارية. وفي هذا الصدد، أعلنت شركات مثل "إم.إس.سي" السويسرية مراجعة عملياتها مع إيران، في الوقت الذي توقفت فيه شركة "ميرسك لاين" الدنماركية عن قبول شحنات النفط من السوق الإيرانية، وبالمثل أيضًا أرجأت شركة "تورم" الدنماركية لناقلات المنتجات النفطية تلقي الطلبيات الجديدة في إيران.

فيما أبدت شركات أخرى مثل "سارس" الإيطالية مخاوفها من تأثير الانسحاب الأمريكي ليس على عدم توافر إمدادات نفطية من إيران ولكن على ارتفاع محتمل لأسعار النفط في الأسواق الدولية رغم وجود خامات بديلة من منطقة الشرق الأوسط وغرب إفريقيا.

في ظل هذا المناخ، يبدو أن الصفقات التي أبرمتها إيران مع الشركات الأوروبية في العامين الماضيين باتت محط متابعة من جانب الإدارة الأمريكية، وهو ما قد يدفع هذه الشركات إلى التخلي عن أنشطتها التجارية والاستثمارية في السوق الإيرانية في الفترة المقبلة ما لم تحصل على الإعفاءات من السلطات الأمريكية كأحد الحلول الممكنة لاستمرار أعمالها هناك.

وتمثل صفقة تطوير المرحلة الحادية عشر من حقل بارس الجنوبي التي أبرمت بين شركة "توتال" الفرنسية وشركاء آخرين بقيمة 5 مليار دولار أحد أهم تلك الصفقات، ولدى الشركة أيضًا معاملات تجارية لتوريد النفط الإيراني للأسواق الأوروبية. وربما لن يختلف موقف شركة "إيرباص" الأوروبية عن نظيرتها الفرنسية، فعلى الأرجح سوف تضطر إلى تجميد صفقتها مع إيران لتوريد طائرات مدنية في ظل قرار وزارة الخزانة الأمريكية بسحب تصريح التصدير للسوق الإيرانية، وذلك رغم مساعي إيران لاستكمال الصفقة قبل المهلة التي حددتها واشنطن لتطبيق العقوبات بشكل كامل في نوفمبر المقبل.

مساران رئيسيان:

يبدو أن الاتحاد الأوروبي سوف يتحرك نحو حماية مصالحه التجارية والاستثمارية مع إيران من خلال محورين رئيسيين: يتمثل أولهما، في التنسيق مع الولايات المتحدة الأمريكية بشأن العقوبات المفروضة على إيران، حيث سيحاول، على الأرجح، إقناع الأخيرة باستثناء بعض الشركات الأوروبية من تلك العقوبات لكى تستطيع مواصلة أنشطتها التجارية والاستثمارية مع إيران، وهو ما تمت مناقشته فعلاًَ خلال لقاء وزير الاقتصاد والشئون المالية الفرنسي برونو لو مار مع نظيره الأمريكي ستيفن منوتشين في 11 مايو الجاري.

وبالتوازي مع ذلك، قد يتجه الاتحاد الأوروبي نحو محاولة إقناع واشنطن بإعادة إبرام اتفاق أوسع نطاقًا مع إيران يشمل فرض رقابة أكثر صرامة على برنامجها النووي، وتحجيم برنامجها للصواريخ الباليستية، وتقييد تدخلاتها في منطقة الشرق الأوسط، وهو ما كان يطالب به الرئيس الأمريكي قبل الانسحاب من الاتفاق، وبما يسمح للشركات الأوروبية في نهاية المطاف بممارسة الأعمال بحرية داخل إيران.

وينصرف ثانيهما، إلى تبني سياسة تصعيدية تجاه الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك من خلال مواصلة الأنشطة الاقتصادية مع إيران دون الامتثال للعقوبات الأمريكية، أو الاعتراف بأية أحكام قضائية أمريكية قد تصدر ضد الشركات الأوروبية نفسها، بالتزامن مع إقامة خطوط ائتمان حكومية باليورو للتحايل على قيود تمويل الدولار، حيث قد يكون بنك الاستثمار الأوروبي أحد المصادر المحتملة للتمويل وفق ترجيحات عديدة.

وربما يكون التقاضي أمام منظمة التجارة العالمية إحدى الآليات الأخرى المتاحة أمام الاتحاد الأوروبي لحماية مصالحه الاقتصادية في إيران، على نحو ما أشار إليه المتحدث باسم الحكومة الفرنسية بنجامين جريفو، في 9 مايو، حيث قال أن الاتحاد الأوروبي مستعد للطعن أمام منظمة التجارة العالمية على أية إجراءات أحادية تضر بمصالح الشركات الأوروبية والرد على نحو ملائم وفقًا بالطبع لقواعد تلك المنظمة الدولية.

لكن في واقع الأمر، لن تساهم الآليات السابقة، رغم تعددها، في حماية المصالح الأوروبية داخل إيران، نظرًا لمخاوف الشركات الأوروبية نفسها من الحرمان من العمل بالسوق الأمريكية حال مواصلة أعمالها في إيران، وهو ما سيدفعها، في الغالب، للامتثال للعقوبات الأمريكية، فضلاً عن أن آلية شكاوي منظمة التجارة العالمية تستغرق وقتًا طويلاً للبت فيها بالتزامن مع ضعف دور المنظمة كما تبين مؤخرًا.

ولا شك أن اتجاه الاتحاد الأوروبي إلى تبني المسار الثاني قد يفرض تبعات خطيرة تتمثل في تصاعد حدة التوتر السياسي مع واشنطن، والذي يتزامن مع التهديد الأمريكي مؤخرًا بتقييد التجارة الأوروبية في الأسواق الأمريكية، وهى كلها عوامل تضعف من جدوى أية تدابير محتملة من جانب الاتحاد، بشكل لن يكون أمامه سوى محاولة إقناع إدارة الرئيس دونالد ترامب للحصول على بعض الإعفاءات والاستثناءات بهدف الحفاظ على الحد الأدنى من العلاقات الاقتصادية والتجارية مع إيران.