أخبار المركز
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)
  • إيمان الشعراوي تكتب: (الفجوة الرقمية: حدود استفادة إفريقيا من قمة فرنسا للذكاء الاصطناعي 2025)
  • حسين معلوم يكتب: (تفاؤل حذر: هل تشكل الانتخابات المحلية فرصة لحلحلة المسار الليبي؟)
  • أحمد عليبة يكتب: (هاجس الموصل: لماذا يخشى العراق من التصعيد الحالي في سوريا؟)

الأزمة القطرية وجدل الإقليمي والعالمي

18 يوليو، 2017


عرف حقل العلاقات الدولية جدلاً واسعاً حول العلاقة بين النظام العالمي والنظم الإقليمية التي يتكون منها هذا النظام، واستقطب هذا الجدل بين مدرستين رأت الأولى، التقليدية منهما، أن الهيمنة المطلقة في هذه العلاقة تعود لقيادة النظام العالمي وبالتالي لا تعدو النظم الإقليمية سوى أن تكون تابعة لهذه القيادة منفذة لأوامرها، ومن ثم يتعين على من يريد أن يفهم ما يجري في أقاليم العالم أن يولي وجهه شطر القوى العظمى والكبرى كي يعرف توجهاتها إزاء هذه الأقاليم التي ستكون بالضرورة هي ما سيحدث فعلاً فيها. أما المدرسة الثانية فقد ظهرت في أواخر ستينيات القرن الماضي وأوائل سبعينياته، وجادلت بأنه مع الاعتراف بالتأثيرات القوية للدول القائدة في النظام العالمي فإن للأقاليم تفاعلاتها الذاتية التي تؤثر على أوضاعها بالإضافة إلى التأثيرات الدولية. بل إن تأثير هذه التفاعلات قد يصل إلى درجة عدم تأثر نظام إقليمي ما بالدول القائدة في النظام العالمي وصولاً إلى تأثير النظم الإقليمية على هذا النظام، ولو لم يكن هذا صحيحاً لما استطاع النظام الإقليمي العربي أن يصد محاولات نظام التحالفات الغربية اختراقه في خمسينيات القرن الماضي. ومع أن الغلبة باتت للمدرسة الثانية لأنها لا تنكر التأثيرات العالمية على النظم الإقليمية، وإنما تضيف إليها تأثيرات نابعة من داخل هذه النظم، فقد ظل أنصار المدرسة الأولى التقليدية متمسكين بأن مصائر الأقاليم تتحدد في عواصم الدول العظمى والكبرى.

وقد ظهر هذا الجدل في الأزمة التي تسبب فيها النظام القطري بممارساته التخريبية، فمنذ البداية ذهب فريق من المحللين في داخل الوطن العربي وخارجه إلى أن الأزمة نشأت بضوء أخضر أميركي! وربط هؤلاء بين قمة الرياض الإسلامية- الأميركية، وبين تفجر الأزمة، أي أن ترامب قد «سمح» لقادة الدول المقاطعة للنظام القطري بأن يفعلوا ما فعلوه فاستجابوا! وسرعان ما تكشف زيف هذه المقولة بالموقف الأميركي المرتبك من الأزمة، والذي بدأ بتصريحات للرئيس الأميركي تدين قطر بشكل أو بآخر، وانتهى بوساطة قام بها وزير الخارجية الأميركي الذي حاول التوسط، ووقع أثناء زيارته الدوحة على مذكرة تفاهم أميركية- قطرية لمكافحة تمويل الإرهاب! مروراً بتصريحات متضاربة من المتحدثين باسم وزارتي الدفاع والخارجية تميّع الموقف الأميركي بل وتنتقد أحياناً موقف الدول المقاطعة كما حدث على سبيل المثال عندما أبدت المتحدثة باسم الخارجية دهشتها من عدم تقديم الدول المقاطعة مطالب لقطر أو التعليق على المطالب لاحقاً بأن بعضها ينطوي على مغالاة! وقد استغلت قطر هذه المواقف الدولية غير الحاسمة فطاف وزير خارجيتها عواصم العالم الكبرى باحثاً عن دعم لبلاده، وكانت الخطوة المقابلة هي زيارات عديدة من وزراء خارجية دول كبرى آخرهم وزير الخارجية الفرنسي الذي يزور أطراف الأزمة أثناء كتابة هذه السطور. وكان لسان الجميع في هذه الزيارات واحداً، وهو الدعوة إلى الحوار من أجل استقرار دول الخليج العربية ووحدتها! وكأن أحداً منهم لم يسمع عن الاتهامات الموجهة لقطر بتمويل الإرهاب، وبالتالي فبدلاً من بحث الموضوع والنظر في أدلة تورط النظام القطري في دعم الإرهاب يدعون إلى الحوار!

غير أن اللافت في كل ما سبق أن الأزمة لم تـُحل بهذه التدخلات الدولية التي اتسم بعضها بالفجاجة وذلك لأن «الدولي» إما أنه لا يفهم الأزمة على حقيقتها، وإما أنه لا يريد أن يفهم، ومن المؤكد في التحركات الدولية السابقة أن لغة «المصالح» الخاصة بأطراف هذه التحركات هي التي كانت تتحدث وليس لغة البحث المخلص في جذورها ومسبباتها، بما ييسر التوصل إلى حلول عادلة ومنطقية لها، ومن ثم لم تستطع هذه القوى الدولية أن تتفهم المطالب المشروعة للدول المقاطعة التي تضرر أمنها واستقرارها من ممارسات النظام القطري. وفي الوقت نفسه فإن هذه الدول تعلم جيداً أنه لا مجال للمجاملات في مسألة بهذه الخطورة، وبالتالي لا مناص من التوقف عن سياسات لم تلحق الضرر بها فحسب وإنما امتد هذا الضرر إلى دول عربية عديدة. وهكذا خرج وزير الخارجية الأميركي صفر اليدين من جولته الخليجية الأخيرة في إشارة واضحة لانتصار «الإقليمي» على «العالمي».

*نقلا عن صحيفة الاتحاد