أخبار المركز
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (عام على حرب السودان.. ترابط المسارين الإنساني والسياسي)
  • د. أحمد أمل يكتب: (إرث فاغنر: هل قاد "التضليل المعلوماتي" النيجر للقطيعة مع واشنطن؟)
  • عادل علي يكتب: (موازنة الصين: دوافع تزايد الانتشار الخارجي للقوة البحرية الهندية)
  • إبراهيم فوزي يكتب: (معاقبة أردوغان: لماذا خسر حزب العدالة والتنمية الانتخابات البلدية التركية 2024؟)
  • شريف هريدي يكتب: (مخاطر الانفلات: خيارات إيران للرد على استهداف قنصليتها في دمشق)

تحجيم التداعيات:

استيعاب إيران الخلافات مع طالبان بعد الاشتباك الحدودي بينهما

07 ديسمبر، 2021


أفادت وكالة "آماج نيوز" الأفغانية، في 1 ديسمبر الجاري، باندلاع اشتباكات باستخدام أسلحة خفيفة وثقيلة على الحدود بين مقاتلي حركة طالبان وعناصر حرس الحدود الإيراني، وأضافت الوكالة أن مقاتلي الحركة سيطروا على ثلاث نقاط تفتيش إيرانية. 

وفي المقابل، نفت وكالة "تسنيم" الإيرانية، سيطرة طالبان على النقاط الحدودية، مشيرة إلى أن الاشتباكات نشبت بسبب ما وصفته بـ"سوء فهم حدودي" بين الجانبين، مضيفة أن القتال قد توقف، وأن السلطات الإيرانية دخلت في نقاش مع الحركة حول الحادث. ويُعد هذا التصعيد هو الأول من نوعه، الذي يصل لحد استخدام الأسلحة بين الجانبين، منذ سيطرة طالبان على زمام الأمور في أفغانستان، 15 أغسطس الماضي. 

ملفات خلافية ثنائية:

يمكن الوقوف على بعض المؤشرات على وجود توتر متصاعد بين الجانبين، والذي لا يقتصر على المناوشات الحدودية الأخيرة، ولكن يمتد إلى ملفات أخرى، وذلك على النحو التالي:

1- اقتحام قوات إيرانية الأراضي الأفغانية: وقعت الاشتباكات الحدودية بين الجانبين، بالقرب من ولاية نيمروز شمال أفغانستان، وذلك على أثر دخول قوات حرس الحدود الإيرانية الأراضي الأفغانية، الأمر الذي أسفر عن استخدام طالبان الأسلحة الثقيلة في مواجهتها حيث أرسلت مدرعات أمريكية للتعامل مع القوات الإيرانية عسكرياً.

وفي المقابل، نقلت وسائل إعلام إيرانية رواية مغايرة، وهي أن الحادث وقع بعد قيام مزارعين إيرانيين، بعبور جدار كان قد تم بناؤه، منذ سنوات، على مسافة عدة مئات من الأمتار من الحدود مع أفغانستان، لمواجهة المهربين وتجار المخدرات، وقامت طالبان بمهاجمتهم اعتقاداً منها أنهم قد تجاوزا الحدود بين البلدين.

ويعد هذا الحادث هو أول خلاف معلن بين طالبان وإيران على هذا المستوى، وذلك منذ سيطرة الأولى على ولاية نيروز، في 7 أغسطس الماضي، حيث قام الجيش الإيراني، وقتذاك، بنشر جنوده على طول الشريط الحدودي مع أفغانستان. 

وكان وزير الدفاع الأفغاني، الملا يعقوب محمد عمر، نجل الملا عمر، مؤسس طالبان، قد حذر في 24 أكتوبر الماضي، دول الجوار من الاعتداء على الأراضي الأفغانية، مشدداً على أن بلاده لن تبقى صامتة إزاء أي اعتداء على أراضيها، في إشارة ضمنية إلى إيران.

2- رفض طهران تشكيلة حكومة طالبان: تبدي إيران غضبها من تشكيلة حكومة طالبان، على أساس أنها لا تضم أي شخصية محسوبة على الطائفة الشيعية الموالية لإيران. وعلى الرغم من إعلان طالبان عن توسيع نسبي لحكومتها بضم بعض العناصر التي تمثل الأقليات، فإن طهران كانت تتطلع إلى مشاركة أكبر لممثلين عن قبيلة الهزارة، والقبائل الشيعية الأخرى في شمال أفغانستان، وذلك لضمان امتلاكها أدوات التأثير على الحكومة الأفغانية.

وفي ذلك السياق، أعلن وزير الخارجية الإيراني، في اجتماع دول الجوار الأفغاني، في 27 أكتوبر الماضي، أن إيران تدعم تشكيل حكومة شاملة في أفغانستان، وهو ما فسرته طالبان باعتبارها محاولة إيرانية لمنع الاعتراف الدولي بحكومة طالبان، على نحو ما أوضح قلب الدين حكمتيار، زعيم الحزب الإسلامي الأفغاني المقرب من طالبان.

3- مخاوف طهران من أنشطة داعش: تتخوف طهران، منذ سيطرة طالبان على العاصمة كابول، من أن تتحول أفغانستان لملاذ آمن للجماعات الإرهابية، وعلى رأسها تنظيم داعش، بما يمثل ذلك من تهديداً مباشراً على أمنها القومي. 

وشهدت الفترة الأخيرة، تصاعداً في الهجمات التي ينفذها تنظيم داعش، والتي استهدفت الشيعة ومساجدهم في أفغانستان، حيث أعلن التنظيم عن مسؤوليته عن تفجير مسجد "بيبي فاطمة" للشيعة في قندهار في جنوب البلاد، والذي أسفر عن مقتل 61 على الأقل، وذلك بعد أسبوع من هجوم على مسجد آخر للشيعة في خان آباد بولاية قندوز بشمال أفغانستان، أودى بحياة أكثر من 120 شخصاً. 

ولعل تصريح قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، إسماعيل قاآني، في جلسة للبرلمان الإيراني، في 7 سبتمبر الماضي، بأن "الشيعة الأفغان مهمون جداً أيضاً لإيران، وطهران لديها سيطرة كاملة على شؤون أفغانستان"، يعكس وجود اعتقاد إيراني بإمكانية التدخل في أفغانستان عسكرياً، لمواجهة مخاطر داعش، أو حماية الشيعة الأفغان، وهو الاعتقاد الذي كشفت الاشتباكات الأخيرة عدم صحته. 

4- المخاوف من إثارة أزمة البلوش: تتخوف طهران من إمكانية استغلال أفغانستان كقاعدة لدعم الجماعات المتمردة الانفصالية، لاسيما في المنطقة الحدودية بين البلدين، والتي تُعد مأوى للحركات السنية المُناهضة للنظام في إيران، وعلى رأسها أقلية البلوش.

وتمكن مقاتلو طالبان في الاشتباكات الأخيرة من السيطرة على عدد من المواقع العسكرية من بينها مخفر قرية دهريس التابع لمدينة هيرمند بمحافظة سيستان وبلوشستان على الحدود الأفغانية، وهو ما يثير المخاوف الإيرانية، إذ إن مثل هذه السيطرة تعني أنه لن يعد بمقدور طهران تنفيذ عمليات عابرة للحدود ضد أي تهديدات تراها طهران تنطلق من الأراضي الأفغانية، خاصة ضد الانفصاليين البلوش. 

ومن الملحوظ أنه في السابق توترت العلاقات بين إيران وباكستان، بسبب اتهام الأولى للأخيرة بالسماح باستخدام أراضيها للبلوش كقاعدة لتنفيذ هجمات ضد إيران، وهي الاتهامات التي تنفيها إسلام آباد. 

سياقات متزامنة:

يأتي التصعيد الأخير بين إيران وطالبان على وقع تزامنها مع عدد من التطورات الخاصة بكلا الجانبين، وهو ما يمكن توضيحه على النحو التالي:

1- إضعاف فرص إيران في الملف الأفغاني: يبدو أن هناك توجهاً إقليمياً ودولياً تشهده الساحة الأفغانية، يدفع باتجاه التقليل من الدور الإيراني في الملف الأفغاني، وهو ما وضح في اجتماعات مجموعة "ترويكا بلس"، والتي تضم باكستان والولايات المتحدة والصين وروسيا، والتي اجتمعت للمرة الأولى منذ سيطرة طالبان على الحكم في أفغانستان، في 11 نوفمبر الماضي، في العاصمة الصينية بكين.

وأقرت هذه الدول ضمنياً بحكومة طالبان، وتسعى للتأثير عليها مقابل تقديم حوافز اقتصادية، نظير تجاوب الأخيرة مع مطالبها. وهناك مسار آخر موازٍ يضم إيران وكازاخستان وقيرغيزستان وروسيا وطاجيكستان وتركمانستان وأوزباكستان، ويعرف باسم "حوار نيودلهي". وتشترك هذه الدول في ارتباطها بعلاقات جيدة مع حكومة الرئيس الأفغاني السابق، أشرف غني، كما أن علاقاتها بطالبان تتراوح بين الشك والعداء، وهو ما يخصم من قدرتها من التأثير على أفغانستان.

2- انفتاح واشنطن على طالبان: يبدو أن انفتاحاً نسبياً في العلاقة بين طالبان والولايات المتحدة قد بدأ في التشكل. فقد تقابل وفد برئاسة وزير الخارجية بالإنابة في حكومة طالبان أمير خان متقي، في 27 نوفمبر الماضي مع وفد أمريكي يقوده الممثل الخاص لأفغانستان، توم ويست، حيث تم بحث العلاقات الثنائية والمساعدات الإنسانية التي يمكن تقديمها. ولاشك أن انفتاح طالبان على واشنطن يعد تطوراً سلبياً من وجهة نظر إيران.

3- استئناف المفاوضات النووية مع القوى الكبرى: تتزامن هذه التطورات في العلاقات الإيرانية – الأفغانية، مع استئناف الجولة السابعة من المفاوضات بين إيران ومجموعة (4 + 1) بمشاركة غير مباشرة من الولايات المتحدة، في فيينا منذ 29 نوفمبر الماضي، وهي الجولة التي يُفترض أن تكون الأخيرة في تلك المفاوضات والتي بدأت منذ أبريل الماضي. 

ويبدو أن ذلك التطور فرض على إيران تجنب فتح أي جبهة صراع جديدة مع أفغانستان، حتى لا يُضعف من موقفها في المفاوضات النووية. ولعل ذلك ما دفع وزارة الخارجية الإيرانية إلى المسارعة في الإعلان عن أنه تم احتواء التوتر بتنسيق بين الجانبين.

وفي التقدير، تظل أسباب الخلاف بين إيران وطالبان قائمة، إلا أن إيران اتجهت لاستيعاب التوتر في العلاقات الثنائية، ولو بشكل مؤقت على الأقل في المرحلة الحالية، حتى تعيد مراجعة حساباتها فيما يتعلق بالملف الأفغاني، إذ إنه بات من الواضح أن الدور الإيراني في أفغانستان لا يسير، وفقاً للمأمول له إيرانياً، خاصة في ظل وجود بوادر على إمكانية انفتاح كابول على العلاقات مع الولايات المتحدة والصين عبر الوساطة الباكستانية، وهي كلها تطورات تنظر إليها طهران بعين الشك والقلق.