أخبار المركز
  • شريف هريدي يكتب: (الرد المنضبط: حسابات الهجمات الإيرانية "المباشرة" على إسرائيل)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (عام على حرب السودان.. ترابط المسارين الإنساني والسياسي)
  • د. أحمد أمل يكتب: (إرث فاغنر: هل قاد "التضليل المعلوماتي" النيجر للقطيعة مع واشنطن؟)
  • عادل علي يكتب: (موازنة الصين: دوافع تزايد الانتشار الخارجي للقوة البحرية الهندية)
  • إبراهيم فوزي يكتب: (معاقبة أردوغان: لماذا خسر حزب العدالة والتنمية الانتخابات البلدية التركية 2024؟)

مقاربة الجوار:

هل تشكل ليبيا مفتاحاً للخروج من التأزم التونسي؟

25 مايو، 2021


أفضى انتخاب سلطة تنفيذية ليبية جديدة في فبراير الماضي، وهي خطوة وحّدت السلطات السياسية في البلاد، إلى مسارعة العديد من الدول إلى تعزيز التعاون مع ليبيا، وكان على رأس تلك الدول تونس، التي كثّفت من اهتمامها بشكل كبير خلال الفترة الأخيرة من أجل دفع تلك العلاقات إلى مستويات غير مسبوقة، وهو ما تجلّى بشكل واضح في زيارة رئيس الحكومة التونسية (في 22 مايو 2021) على رأس وفد رفيع المستوى إلى طرابلس، وكان قد سبق ذلك بشهرين فقط زيارة الرئيس التونسي "قيس سعيد"، الذي قدم كامل الدعم للسلطة الليبية الجديدة.

مؤشرات متعددة":

هناك رغبة حثيثة من جانب السلطات الليبية والتونسية من أجل دفع العلاقات الثنائية للبلدين إلى مستوى أفضل، وهو ما يمكن توضيحه من خلال بعض المؤشرات، وذلك على النحو التالي:

1- زيارة وفد تونسي رفيع المستوى: وصل رئيس الحكومة التونسية "هشام المشيشي"، في 22 مايو 2021، إلى العاصمة الليبية طرابلس، على رأس وفد ضخم يضم مسؤولين بارزين منهم أربعة وزراء ومحافظ البنك المركزي إلى جانب مائة رجل أعمال، وهو ما يحمل دلالة مهمة ترتبط بالرغبة التونسية في دعم التعاون الاقتصادي بين البلدين، خاصة في ظل ما تشهده ليبيا من استقرار نسبي مقارنة بالأعوام السابقة، وبالتحديد منذ وصول حكومة الوحدة الوطنية إلى السلطة في فبراير الماضي.

فيما أعلن رئيس حكومة الوحدة الوطنية "عبدالحميد الدبيبة" أن حكومته طلبت من تونس تسهيل الإجراءات اللازمة لانسياب الحركة في البوابات الحدودية بين الجانبين، كما لفت إلى أنه سيتم تسوية أوضاع العمالة التونسية في ليبيا، ورفع القيود عن اعتمادات البضائع القادمة لتونس برًّا.

2- افتتاح المنتدى والمعرض التونسي في ليبيا: على هامش زيارة "المشيشي" إلى ليبيا تم افتتاح المنتدى والمعرض الليبي التونسي، وذلك بمشاركة حوالي 150 مؤسسة اقتصادية تونسية في مجالات مختلفة تتضمن التجارة والبناء والخدمات إلى جانب القطاع المصرفي. ومن جانبه، فقد أكد وزير الاقتصاد والتجارة بحكومة الوحدة الوطنية "محمد الحويج"، في 23 مايو 2021، أن هناك رغبة في تشجيع الاستثمار بالسوق الليبية والتونسية ودعم الصادرات المحلية وتحفيز التبادل التجاري جنبًا إلى جنب مع عقد المزيد من الاتفاقيات والتشبيك بين الشركات ورجال الأعمال في البلدين.

3- عودة الرحلات الجوية بعد انقطاع سبع سنوات: استأنفت الخطوط الجوية التونسية منتصف مايو 2021، تسيير رحلاتها إلى المطارات الليبية، وذلك بعد انقطاع دام نحو سبع سنوات، على أن تكون الرحلات الجديدة بمعدل رحلة يومية نحو مطار معيتيقة بطرابلس وثلاث رحلات نحو مطار بنغازي. وأعقب ذلك (في 24 مايو 2021) إعلان رئيس الحكومة التونسية رفع كل القيود التي تمنع أو تحد من إقامة المواطن الليبي في تونس أو من تنقّله في البلاد، ومؤكدًا على أن "المواطنين التونسيين والليبيين أشقاء، وهذه ليست شعارات فحسب".

4- مساعي الانخراط في مشاريع إعادة الإعمار: تَعتبر تونس ملفَّ إعادة الإعمار في ليبيا هو أحد الملفات الرئيسية في سبيل تعزيز التعاون بين البلدين، وهو ما شدد عليه رئيس الحكومة التونسية الذي ذكر أن "السوق الليبية تُعتبر اليوم سوقًا استراتيجية واعدة لتونس، خاصة بعد التقدم الذي شهده المسار السياسي الليبي على طريق الاستقرار"، ومضيفًا أن "تونس سيكون لها دور هام في إعادة إعمار ليبيا"، وهو ما يأتي في ظل تقديرات من البنك الدولي تشير إلى أن تكلفة إعادة الإعمار في ليبيا تبلغ نحو 200 مليار دولار.

دوافع ثنائية:

تدفع السياقات الحالية، سواء في ليبيا أو في تونس، إلى ضرورة تعزيز علاقات البلدين في المجالات المختلفة، وذلك على النحو التالي:

1- توظيف التقدم السياسي: تسعى تونس إلى استغلال تدشين مرحلة انتقالية في ليبيا عبر انتخاب الحكومة والمجلس الرئاسي، وصولًا إلى عقد انتخابات نهاية العام الجاري، وهي تطورات تعكس إنهاء عقد دامٍ في البلاد، خاصة وأن تونس قد لعبت دورًا مهمًا على مدار السنوات القليلة الماضية من أجل إنهاء العنف والتوتر في البلاد، حيث استضافت في نوفمبر 2020 ملتقى الحوار السياسي الليبي، وقد كشفت المسؤولة الأممية السابقة "ستيفاني وليامز"، عقب انتهاء الملتقى، أنه قد نجح في إحداث توافق حول ثلاثة ملفات مهمة تشمل اختصاصات السلطة التنفيذية ومعايير الترشح وخارطة الطريق، وهو ما مثّل خطوة مهمة أمام انتخاب السلطة التنفيذية الليبية في جنيف في مرحلة لاحقة.

كذلك فقد توجه الرئيس التونسي "قيس سعيد"، في مارس 2021، إلى ليبيا، في أول زيارة لرئيس تونسي للبلاد منذ عام 2012، وهي زيارة هدفت بشكل رئيسي لدعم المسار الديمقراطي في ليبيا عقب تأدية الحكومة الجديدة اليمين الدستورية.

2- إنقاذ تونس اقتصادياً: تمثل ليبيا بالنسبة للحكومة التونسية نافذة فرص حقيقية يتوجب استغلالها، خاصة في ظل ما يشهده الاقتصاد التونسي من أزمات حادة فاقمتها جائحة كورونا بشكل أكبر، حيث انكمش الاقتصاد التونسي في عام 2020 بنحو 8.8%، مع تسجيل عجز في الموازنة بلغ نحو 11.4% من الناتج المحلي الإجمالي، وبالتالي يمكن أن يشكل تعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين قوة دفع مهمة للاقتصاد التونسي. وتبرز مؤشرات معهد الإحصاء التونسي أن حركة التجارة بين البلدين قد زادت في مارس 2021 بنسبة 148.1% مقارنة بشهر فبراير السابق، وهو ما يعكس تطورًا ملحوظًا في علاقات البلدين التجارية.

3- تحييد التأزُّم السياسي: يعد ملف تعميق التعاون مع ليبيا، هو أحد الملفات التي تحظى بتوافق سياسي واسع في الداخل التونسي، نظرًا لأهميته المتعددة. وفي هذا الإطار، فإن التحركات التونسية في ليبيا تسعى لتجاوز خلافات الرئاسات الثلاث، إذ إن الدعم القوي الذي يوليه الرئيس التونسي لتعزيز التعاون مع ليبيا متماهٍ بشكل كبير مع تحركات رئيس الحكومة، وكذلك لا يختلف كثيرًا عن موقف رئيس البرلمان "راشد الغنوشي" الذي يدعو بشكل مستمر لدور تونسي قوي في ليبيا.

4- مقاربة "دول الجوار": أكد الرئيس التونسي "قيس سعيد" في أكثر من مناسبة على أن دول الجوار الليبي قادرة على بذل دور كبير من أجل تحجيم الصراع الممتد منذ سنوات، ويأتي تصاعد الاهتمام التونسي بتعزيز التعاون مع ليبيا متوازيًا مع اهتمام مماثل من جانب مصر، وهو ما تجلّى مع زيارة رئيس الوزراء المصري "مصطفى مدبولي" إلى طرابلس، في أبريل 2021، على رأس وفد مكون من 11 وزيرًا، وهي زيارة شهدت توقيع اتفاقيات تجارية واقتصادية مختلفة، والتأكيد على تعزيز التعاون الثنائي بين البلدين بشكل أكبر.

وفي المجمل، وبالرغم من تصاعد اهتمام دول الجوار وعلى رأسها تونس بتعزيز التعاون مع ليبيا؛ إلا أن هناك العديد من العقبات التي يمكن أن تحول دون إتمام ذلك، خاصة في ظل استمرار الوضع الأمني المتدهور ولا سيما في غرب ليبيا في ظل سطوة المليشيات المسلحة وانتشار المرتزقة الأجانب، جنبًا إلى جنب مع احتمالية تصاعد حدة الخلافات حول آليات إنهاء المرحلة الانتقالية وعقد الانتخابات في نهاية العام الجاري، وبما يتطلب ضرورة تعزيز الدعم للسلطة التنفيذية الليبية من أجل تجاوز تلك المرحلة وصولًا إلى تسليم البلاد لسلطة منتخبة من الشعب الليبي.