أخبار المركز
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)
  • هالة الحفناوي تكتب: (ما مستقبل البشر في عالم ما بعد الإنسانية؟)
  • مركز المستقبل يصدر ثلاث دراسات حول مستقبل الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي
  • حلقة نقاشية لمركز المستقبل عن (اقتصاد العملات الإلكترونية)

رسائل الحوار الاستراتيجي بين دول الخليج وآسيا الوسطى

14 سبتمبر، 2022


شكل الاجتماع الوزاري المشترك الأول للحوار الاستراتيجي بين مجلس التعاون لدول الخليج العربية ودول آسيا الوسطى الخمس (أوزبكستان وتركمانستان وكازاخستان وطاجيكستان وقرغيزستان)، والذي عُقد يوم 7 سبتمبر 2022، في مقر الأمانة العامة لمجلس التعاون بالعاصمة السعودية الرياض، تطوراً بالغ الأهمية في مسيرة العلاقات بين هاتين المنطقتين الحيويتين من العالم (الخليج العربي وآسيا الوسطى)، وجهود دولهما لتحقيق التنمية المُستدامة والمصالح المشتركة، لاسيما في ضوء ما يتوفر لهما من إمكانيات هائلة.

وتسعى هذه المقالة إلى توضيح أهمية هذا التطور والدلالات التي ينطوي عليها واستشراف مستقبل العلاقات بين دول الخليج العربية وجمهوريات آسيا الوسطى، في ضوء النتائج التي أفرزها هذا الحوار وما تضمنته خطة العمل المشترك للحوار الاستراتيجي والتعاون بين الجانبين خلال الفترة 2023-2027 والتي تم اعتمادها وتضمنها البيان الختامي الصادر عن الاجتماع الأول للحوار الاستراتيجي.

أهمية استراتيجية:

تنبع أهمية الحوار الاستراتيجي بين مجلس التعاون الخليجي ودول آسيا الوسطى من أهمية المنطقتين الجيواستراتيجية والاقتصادية، فجمهوريات آسيا الوسطى الإسلامية الخمس تقع في موقع القلب مما أسماه عالم الجغرافيا السياسية البريطاني ماكيندر، بجزيرة العالم التي تتيح لمن يسيطر عليها السيطرة على العالم، حيث تحيط بها كل من روسيا والصين وإيران وتركيا وأفغانستان وشبه القارة الهندية. ويتيح التمركز في هذه المنطقة الإطلالة الأكثر سهولة والأقل تكلفة نحو العمق الحيوي الروسي باتجاه الشمال، والعمق الحيوي الصيني باتجاه الجنوب الشرقي، علاوة على العمق الحيوي لشبه القارة الهندية باتجاه الجنوب، والعمق الحيوي الإيراني باتجاه الجنوب الغربي، والعمق الحيوي لكامل منطقة بحر قزوين باتجاه الغرب.

ولذا شكلت هذه المنطقة في العقود الأخيرة مجالاً حيوياً للتنافس على السيطرة والنفوذ فيها بين القوى الدولية المختلفة، لاسيما الصين والولايات المتحدة وروسيا التي خضعت المنطقة لسيطرتها منذ القرن التاسع عشر، وهي بمنزلة منطقة "محايدة" لمنع الاحتكاك بين هذه القوى الدولية. وتُقدر مساحة المنطقة بأربعة ملايين كيلومتر مربع، ما يجعلها أكبر من حيث المساحة من دول أوروبا، كما تتميز بتنوعها العرقي، حيث تقطنها شعوب متنوعة الأعراق ومتباينة اللغات، مما يضفي عليها مزيداً من الأهمية الاستراتيجية.

ومن الناحية الاقتصادية، تتمتع دول آسيا الوسطى بموارد طبيعية كبيرة، خاصةً في مجال الطاقة، حيث تقع معظم دولها على بحر قزوين الغني بالنفط والغاز، ويشكل حجم الغاز الطبيعي فيها نحو 34% من الاحتياطي العالمي، كما تمتلك نحو 27% من الاحتياطي العالمي من النفط، فضلاً عما تملكه من ثروات طبيعية أخرى مثل المياه العذبة والذهب والفحم واليورانيوم والفضة والمعادن الأخرى. فعلى سبيل المثال، تمتلك كازاخستان نحو ربع احتياطي العالم من اليورانيوم، فيما تمتلك تركمانستان رابع أكبر احتياطي للغاز الطبيعي في العالم، وتعد أوزبكستان أكبر مُنتج للقطن في العالم وتمتلك رابع أكبر احتياطي من الذهب وعاشر احتياطي عالمي من النحاس. كما تسيطر المنطقة على طرق التجارة بين القوى الدولية الرئيسية في أوراسيا، بما في ذلك خطوط توريد الطاقة. وتحظى مخزونات آسيا الوسطى الكبيرة من الطاقة بأهمية لأوروبا التي تتطلع إلى مصادر بديلة للطاقة في منطقة بحر قزوين لتخفيف اعتمادها على الغاز الروسي.

أما منطقة الخليج العربي فأهميتها ليست بحاجة لكثير من البراهين، سواء من الناحية الجيوسياسية، حيث تقع المنطقة في قلب العالم القديم وتربط الشرق بالغرب، وتسيطر على أهم الممرات البحرية، مثل مضيق هرمز ومضيق باب المندب وبحر العرب وخليج عُمان والبحر الأحمر. ومن الناحية الاقتصادية، تبرز أهمية هذه المنطقة، لاسيما لجهة امتلاكها مخزونات النفط الأكبر عالمياً، وهيمنتها على أسواق الطاقة العالمية، حيث يحتوي الخليج العربي على ثُلثي احتياطي النفط المُكتشف في العالم، كما يُنتج أكثر من ربع إجمالي الإنتاج العالمي من النفط ويُخزّن قرابة ثُلث إجمالي الاستهلاك العالمي، إلى جانب ما تتمتع به المنطقة من فوائض مالية ضخمة وإمكانيات اقتصادية كبيرة عززت مكانتها ودورها في الاقتصاد العالمي.

ومن هنا، فإن إقامة حوار استراتيجي بين المنطقتين، الخليج العربي وآسيا الوسطى، بهدف تعزيز التعاون المشترك بينهما، سيزيد بكل تأكيد من أهميتهما، ويعزز من دورهما الإقليمي والعالمي، ويخدم جهود دولهما المشتركة لتحقيق السلام والرفاهية والتنمية المُستدامة.

دلالات مُهمة:

ينطوي البدء في تفعيل هذا الحوار الاستراتيجي بين مجلس التعاون الخليجي ودول آسيا الوسطى، على مجموعة من الدلالات المُهمة لعل أبرزها ما يلي:

1- إدراك دول الخليج العربية أهمية منطقة آسيا الوسطى ومحاولة الاستفادة مما تتيحه من فرص وإمكانيات كبيرة لخدمة المصالح الخليجية على المستويين الجيوسياسي والاقتصادي. فعلى المستوى الجيوسياسي، ثمة تنافس إقليمي ودولي على النفوذ والوجود في هذه المنطقة الحيوية، لاسيما من قِبل القوى الإقليمية، مثل إيران وتركيا وإسرائيل، والتي لدى كل منها خططه واستراتيجياته للتغلغل في هذه المنطقة. ومن ثم فإن بناء علاقات أوثق بين دول الخليج وجمهوريات آسيا الوسطى سيُسهم في الحفاظ على وتعزيز المصالح الخليجية الاستراتيجية في المنطقة وعدم العبث بها من قِبل القوى المنافسة. وهناك أيضاً مصلحة مشتركة في التصدي لجماعات التطرف والإرهاب التي بدأت تنمو في منطقة آسيا الوسطى، مثل الحركة الاسلامية في أوزبكستان وحزب التحرير، وهما الجماعتان الرئيسيتان في المنطقة وتتهمهما الحكومات المحلية بممارسة نشاطات إرهابية. 

أما من الناحية الاقتصادية، فإن هذا الحوار يتيح المجال لتعزيز التعاون الاقتصادي بين الجانبين بما يخدم جهود تحقيق التنمية المُستدامة في منطقة آسيا الوسطى، ويُوفر مدخلاً مُهماً للوصول إلى الموارد الطبيعية الاستراتيجية التي تمتلكها المنطقة، وإيجاد موطئ قدم في أسواقها الضخمة، إلى جانب تنسيق سياسات الطاقة بما يعزز استقرار أسواق النفط والغاز العالمية.

2- يعكس هذا الحوار الاستراتيجي الاهتمام الكبير الذي توليه دول مجلس التعاون الخليجي لوضع الأُطر المؤسسية التي تخدم تطوير علاقاتها مع القوى الدولية والإقليمية المختلفة، في عصر تتكاثر فيه التكتلات الاقتصادية وتزداد أهميتها. وهناك بالفعل ما يزيد على 15 حواراً استراتيجياً بدأته الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي لتعزيز علاقات التعاون والشراكة مع مختلف القوى والتجمعات الدولية والإقليمية، مثل الحوار الاستراتيجي مع رابطة دول الآسيان، والصين، وروسيا، وأستراليا، وباكستان، واليابان، والولايات المتحدة الأمريكية، وغيرها.

3- ثمة دلالة مُهمة لهذا الحوار الاستراتيجي وهي متعلقة بوحدة الموقف والتحرك الخليجي تجاه الدول والمجموعات الإقليمية المختلفة. فالحوار هنا يحمل الصفة الخليجية الكلية، وبالتالي يؤكد أن دول الخليج يحركها هدف واحد ورؤية مشتركة، وهذا من شأنه أن يُعزز من المكاسب الاستراتيجية التي يمكن أن تجنيها دول المجلس من مثل هذه الحوارات الاستراتيجية.

مستقبل العلاقات:

لا شك أن قراءة سريعة لنتائج الاجتماع الأول للحوار الاستراتيجي بين مجلس التعاون الخليجي ودول آسيا الوسطى وما تضمنه البيان الختامي من مبادرات وتوصيات، تكشف بوضوح عن رغبة الجانبين في العمل على تعزيز علاقات التعاون المشترك مستقبلاً، حيث أكد البيان التزام الجانبين بتأسيس شراكة مستقبلية قوية وطموحة بين دولهم، بناءً على القيم والمصالح المشتركة والروابط التاريخية العميقة بين شعوبهم والتعاون القائم بينهم على المستويين الثنائي والمتعدد الأطراف، وفي شتى المجالات. كما أكد الجانبان أهمية تنسيق المواقف بينهما تجاه القضايا المختلفة، وهذا أمر في غاية الأهمية؛ لأنه يضمن لدول الخليج الحصول على الدعم السياسي من آسيا الوسطى لمواقفها وقضاياها في المحافل الدولية.

وقد اتسمت القضايا التي تم تناولها خلال الاجتماع بالتنوع، ما يعكس رغبة الجانبين في توسيع نطاق التعاون ليشمل المجالات المختلفة، وبما يعزز الآفاق المستقبلية لهذه العلاقات. ومن بين هذه القضايا التي تم بحثها، التعاون المشترك لتعزيز جهود التعافي الاقتصادي العالمي، ومعالجة المضاعفات التي ترتبت على جائحة كوفيد-19، وتعافي سلاسل الإمداد والنقل والاتصال، والأمن الغذائي، وأمن الطاقة، والأمن المائي، وتطوير مصادر وتقنيات الطاقة الخضراء، ومواجهة التحديات البيئية وتغير المناخ، والتعليم، وتبادل أفضل الممارسات والخبرات في جميع المجالات، وخلق فرص الأعمال ودعم الاستثمار، بما في ذلك من خلال الآليات التجارية والاستثمارية المناسبة لدى الجانبين.

أما النتيجة الأهم لهذا الاجتماع الأول للحوار الاستراتيجي، فتمثلت في وضع آليات لتحقيق الأهداف المنشودة من هذا الحوار وتعزيز العلاقات المشتركة بين الجانبين، وهو ما تجسد في اعتماد "خطة العمل المشترك للحوار الاستراتيجي والتعاون بين مجلس التعاون ودول آسيا الوسطى للفترة 2023-2027"، بما في ذلك الحوار السياسي والأمني، والتعاون الاقتصادي والاستثماري، وتعزيز التواصل بين الشعوب، وإقامة شراكات فعالة بين قطاع الأعمال في دول مجلس التعاون ودول آسيا الوسطى.

وهذه الآليات تؤكد بوضوح رغبة الجانبين (دول الخليج وآسيا الوسطى) في العمل من أجل تفعيل وتطوير العلاقات بينهما عبر خطوات وإجراءات وآليات مؤسسية محددة، الأمر الذي يعزز التفاؤل بالآفاق الإيجابية لمستقبل العلاقات بين دول هاتين المنطقتين الحيويتين.