رغم أن رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي حريص على إنجاح زيارته الحالية للولايات المتحدة والتي بدأها في 18 أغسطس الجاري وتحقيق الأهداف المرجوة من الجولة الثانية من الحوار الاستراتيجي العراقي- الأمريكي، إلا أن تلك المساعي تصطدم بجملة من العقبات التي تهدد نجاحها، خاصةً ما يتعلق بالتحركات المُربكة التي تقوم بها الميليشيات الشيعية الموالية لإيران.
مؤشران رئيسيان:
انعكس اهتمام الكاظمي بإنجاح الجولة الثانية من الحوار الاستراتيجي العراقي- الأمريكي، التي بدأت في 19 أغسطس الجاري، في مؤشرين رئيسيين هما:
1- طبيعة الوفد المشارك في الزيارة: كان لافتاً أن الكاظمي حرص على أن يضم معه في زيارته للولايات المتحدة وفداً وزارياً كبيراً ومتخصصاً، فبجانب وزير الخارجية فؤاد حسين الذي غادر مبكراً إلى واشنطن في 16 أغسطس الجاري للترتيب للزيارة، ضم الوفد وزير الدفاع جمعة عناد سعدون ووزير النفط إحسان عبد الجبار إسماعيل ووزيرة الهجرة ايفان جابرو ووزير الكهرباء ماجد مهدي حنتوش.
ويبدو من خلال خلفية أعضاء الوفد أن الحكومة العراقية تستهدف بحث مختلف جوانب العلاقات مع الإدارة الأمريكية خلال الجولة الثانية من الحوار الاستراتيجي بين البلدين، والتي انطلقت في 19 أغسطس الجاري قبيل اللقاء المرتقب بين الكاظمي والرئيس الأمريكي دونالد ترامب في اليوم التالي. وبحسب المتحدث باسم رئيس مجلس الوزراء العراقي أحمد ملا طلال، ستبحث زيارة الكاظمي لواشنطن القضايا الأمنية والاقتصادية والصحية إلى جانب ملف الطاقة.
2- المشاركة الكردية الرفيعة ضمن الوفد العراقي: ضم الوفد الذي رأسه الكاظمي مسئولين أكراد، وذلك من أجل منح ثقل للحوار العراقي- الأمريكي، خاصةً وأن إقليم كردستان أسس علاقات وثيقة مع واشنطن، وهو أمر قد يعزز المكاسب العراقية الممكنة من تلك المباحثات. جدير بالذكر أن الوفد الكردي المشارك يترأسه فوزي هريري كممثل لإقليم كردستان ورئيس ديوان رئاسة الإقليم، بالإضافة إلى 4 ممثلين آخرين عن الإقليم. وبحسب مسئول ملف العلاقات الخارجية في رئاسة إقليم كردستان فلاح مصطفى، فمن المقرر أن يمارس وفد إقليم كردستان دوراً مهماً ضمن الوفد العراقي خلال الزيارة.
عقبات مختلفة:
تتمثل أبرز التحديات التي تهدد فرص نجاح الجولة الثانية من الحوار الاستراتيجي بين بغداد وواشنطن في ما يلي:
1- الاستهداف المتواصل للأهداف والمصالح الأمريكية بالعراق: وكان آخر مؤشرات ذلك هو سقوط صاروخين من نوع كاتيوشا في 15 أغسطس الجاري داخل معسكر التاجي شمال بغداد والذي يضم قوات أمريكية، وكذلك استهداف رتلين للتحالف الدولي ضد "داعش" الذي تقوده الولايات المتحدة في اليوم نفسه في محافظتى البصرة وذي قار. كما سقطت ثلاثة صواريخ كاتيوشا قبل ذلك بيومين على قاعدة بلد الجوية في محافظة صلاح الدين والتي تضم كذلك قوات أمريكية. وتم استهداف رتل للشركات المتعاقدة مع قوات التحالف الدولي أيضاً في 14 أغسطس الجاري في محافظة الديوانية.
2- سعى القوى الشيعية لتقليص الخيارات المتاحة أمام الكاظمي: وانعكس ذلك بوضوح في الاجتماع الذي عُقد في 16 أغسطس الجاري بين الكاظمي وقادة عدد من تلك القوى في منزل زعيم تحالف الفتح هادي العامري، والذي طرحت خلاله الأخيرة رؤيتها لما يجب أن تكون عليه المباحثات بين الجانبين العراقي والأمريكي. ويرتبط بذلك اشتراط عدد من القوى الشيعية، وفي مقدمتها تحالف الفتح كما جاء على لسان بعض أعضاءه، أن تكون هناك موافقة أولية من جانب مجلس النواب العراقي بشأن أى اتفاقيات محتملة مع واشنطن، على اعتبار أن حدوث عكس ذلك سيفرض حالة من الاستياء لدى الكثير من الكتل السياسية.
3- الضغوط المستمرة لجدولة الانسحاب الأمريكي من العراق: تواصل القوى والميليشيات الشيعية ضغوطها على رئيس الوزراء من أجل أن تكون هناك جدولة لعملية الانسحاب الأمريكي من العراق. ويُشار في هذا الصدد إلى ما ذكره النائب عن كتلة بدر البرلمانية كريم عليوي في 18 أغسطس الجاري، حيث قال: "أى اتفاقات يجريها الكاظمي مع واشنطن نحن في حل عنها وغير ملزمين بالقبول بها، مهما كانت فائدتها للعراق، مالم يكن في مقدمتها جدولة خروج القوات الأمريكية من العراق". وقد تشكل هذه الضغوط عائقاً أمام تنفيذ ما يمكن أن ينتهي إليه الحوار مع واشنطن، خاصةً وأن الجولة الأولى من الحوار كشفت عن سعى أمريكي للبقاء العسكري في الساحة العراقية.
4- رسائل طهران الاستباقية إلى الكاظمي: يبدو أن طهران قلقة من الزيارة الجارية لرئيس الوزراء العراقي إلى واشنطن، وهو ما دفعها إلى توجيه رسائل متعددة مفادها أن سقف الخيارات المتاح أمامه ربما لا يكون مرتفعاً. وتأتي التحركات الإيرانية الضاغطة على الكاظمي بخصوص زيارته لواشنطن في ضوء تصاعد مخاوف طهران من فقدان سيطرتها على مجريات الأحداث في العراق، خصوصاً بعد تولي الكاظمي رئاسة الحكومة ومضيه قُدماً نحو تحجيم نفوذ الميليشيات وحصر السلاح بيد المؤسستين الأمنية والعسكرية.
رهان وحيد:
من الواضح إذن أن التحديات التي تهدد نجاح الجولة الثانية من الحوار الاستراتيجي بين العراق والولايات المتحدة تتركز بصورة أساسية في التحركات والضغوط المكثفة التي تمارسها إيران على الحكومة العراقية سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة عبر وكلاءها من القوى والميليشيات المختلفة. وسيبقى الرهان الوحيد المتبقي لإمكانية نجاح تلك المحادثات مرتبطاً بمدى تفهم واشنطن لحجم الضغوط التي تُمارس على الكاظمي رغم برنامجه الإصلاحي وحدود مساندتها له من أجل تجاوزها.