أخبار المركز
  • أحمد عليبة يكتب: (هاجس الموصل: لماذا يخشى العراق من التصعيد الحالي في سوريا؟)
  • محمود قاسم يكتب: (الاستدارة السريعة: ملامح المشهد القادم من التحولات السياسية الدرامية في كوريا الجنوبية)
  • السيد صدقي عابدين يكتب: (الصدامات المقبلة: مستقبل العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية في كوريا الجنوبية)
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)

«ولايتي» والمواطن الإيراني

21 فبراير، 2018


لا يمكن تفسير تصريحات علي أكبر ولايتي، المستشار السياسي للمرشد الأعلى للثورة الإيرانية، التي تعددت مؤخراً منها: ما هدد فيها الولايات المتحدة بالمواجهة لمنع قواتها من الانتشار في العراق وقبلها بأسبوعين تقريباً قال فيها: إن قيادة بلاده لا تعتزم تقليص نفوذها في منطقة الشرق الأوسط إلا في أمرين اثنين إما أن نظام ولاية الفقيه، الذي ينتمي له «ولايتي»، لا يزال يعيش «ذهنياً» في فترة ما قبل عصر العولمة التي أعلنت فيها تغير أدوات التأثير والسيطرة على الشعوب التي عرفها الناس من خلال كتابات الروائي البريطاني جورج أورويل الذي كان يستعرض فيها طبيعة النظم التسلطية وفق نظرية «الأخ الأكبر».

والتفسير الآخر أن أكبر ولايتي يتجاهل عمداً وقاصداً مطالب الشعب الإيراني عموماً التي أعلنها في احتجاجه الأخير بعدم دعم «حلفائه» في المنطقة التي تستنزف الكثير من أمواله عندما حمل شعاره اتركونا من فلسطين ولبنان وسوريا وفكروا فينا، في حين يعلن ولايتي «بغباء سياسي» تمسك نظام ولاية الفقيه اتباع استراتيجيته القائمة على استنزاف موارد الشعب الإيراني، الذي يتظاهر بين الحين والآخر معبراً عن رفضه في دعم التمدد الخارجي، والمشكلة أن «ولايتي» يقول ذلك، وكأنه يفترض أن الشعب الإيراني ما زال يصدق ما يقوله النظام.

الصورة كما تبدو من خارج إيران، وهي الأقرب للواقع، أن «ولايتي» يريد أن يخاطب الرأي العام الخارجي، سواء الإقليمي أو الدولي، بأن النظام ما زال متماسكاً وأن الشعب ما زال يؤيده، ولا يمكن أن يهتز رغم كل الأزمات والتحديات الداخلية والخارجية، وأن مسألة الاستمرار في الاحتفاظ بشعار الزعيم الراحل آية الله الخميني في تصدير الثورة لا نقاش فيها، أو القبول بأي رأي حوله، وأن الانتفاضة الشعبية الأخيرة لا تعني مطالبة الشعب بتغيير الاستراتيجية، في حين لو ركزنا في التطورات التي حدثت بعد السيطرة على الانتفاضة، فإن هذه التصريحات تكشف عن قلق واضح على أركان النظام بأكمله، فالخلافات والاتهامات متبادلة بين «الإصلاحيين» و«المحافظين» حول من يتحمل مسؤولية الاحتجاجات، وبدأت تظهر في الإعلام حيث بدأ «الإصلاحيون» ينتقدون المؤسسات المحافظة وعلى رأسها المرشد، حيث قال حسن روحاني إن الجميع يمكن انتقاد سياساتهم.

وإذا كان «ولايتي» يحاول استغلال «الاختلافات الدولية» حول الاتفاق النووي، ويتلاعب بالمواقف الأوروبية ضد تطبيق العقوبات على النظام كسباً للوقت في زيادة السيطرة الداخلية على المحتجين، حيث إن الضغوطات الدولية لم تكن كافية بالقدر الذي يجبر النظام الإيراني على تقليص وجودها في المنطقة، فإن تجاهله للمتغيرات التي حدثت في المنطقة سواء في وجود موقف سياسي عربي قوي يعبر عن رفضه لتدخلاته ممثلة في التحالف العربي، وكذلك تجاهله للتأثيرات التي تركها ما كان يسمى بـ«الربيع العربي»، إضافة إلى حالة التنمية التي تقوم بها كل من دولة الإمارات وحالة «التغيير» في الوضع الداخلي السعودي، التي يمكن تصنيفهما «بالضغوط الناعمة» ولكن تأثيرها الاجتماعي كبير، من شأنه أن يدفع إلى حراك اجتماعي ربما هو الأخطر على نظام الملالي، قد يكون تأثير هذه التغيرات نتيجته بطيئة، ولكن ستحدث «انكساراً» حقيقياً في النظام الإيراني، لذا من الأفضل للنظام اعتبار حالة الهدوء الحالي فرصة لإدخال تعديلات معينة تعيد من مكانة النظام لدى الرأي العام الإيراني، ولو نسبياً.

من واقع تجربة «الربيع العربي الذي لا يزال طرياً في دول مثل ليبيا وسوريا وبدرجة أخف في مصر وتونس. ومن الواضح أن دول المنطقة معروف عنها أنها تتأثر ببعضها، وإيران جزء من هذه المنطقة، وبالتالي على النظام أن يستوعب الدروس التي مرت على تلك الأنظمة، وأن يتجاوز مغامراته السياسية الخارجية، وألا يبني نجاحه من خلال سلوكياته الخارجية، وألا يغض الطرف عن الرأي العام الداخلي، لأن الموضوع بات يتجاوز الشأن الاقتصادي بحيث يشمل دائرة أوسع تمثل قضية الحريات مساحة أكبر فيها.

الشيء الغريب والمدهش في الوقت نفسه أن النظام الإيراني لم يستوعب بعد أن الشعب الإيراني لم يعد يراهن على «مغامرات» النظام الخارجية لأنها لم تحقق له أي نتائج تنموية، بل زادته فقراً وتعاسة، بل إن استهزاء «ولايتي» من سيادة الدول العربية والعراق تحديداً من خلال إطلاق تصريحاته منها هو الأخطر الأكبر على مستقبل النظام، لأن ردة فعل الشعب العراقي بكل أطيافه كانت واضحة من خلال وسائل الإعلام. الغالب على المشهد الإيراني حالياً هو اعتماد الشعب على نفسه في الضغط على النظام، لأن تبديده لثروات شعبه فيما لا يحقق الارتقاء بمستويات التعليم والصحة والخدمات الاجتماعية، وفي تأمين مستوى معيشي أفضل لم تحرك المواقف الدولية إلا بالكلام، حتى أصبحت مواقفهم تجاه الشعب الإيراني مثيرة للشك لديهم!

*نقلا عن صحيفة الاتحاد