وقّع وزير الدفاع البريطاني، جون هيلي، ووزير الدفاع الألماني، بوريس بيستوريوس، في أكتوبر 2024، اتفاقية "ترينيتي هاوس" للتعاون الدفاعي، وهي أول اتفاقية إطارية من نوعها بين بريطانيا وألمانيا تستهدف تعزيز الجناح الشرقي لحلف "الناتو"، وكذا تعزيز الركيزة الأمنية الأوروبية في مواجهة التهديدات المتصاعدة، ولاسيما المتصلة بالحرب الروسية الأوكرانية؛ ما يمثل محطة مهمة في سياق الحديث عن العلاقات الدفاعية البينية الأوروبية بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
تستند الاتفاقية إلى الإعلان الوزاري المشترك بشأن تعزيز التعاون الدفاعي الذي وقّعه البلدان في 24 يوليو 2024، والذي حدّد أهداف تطوير صناعات الدفاع، وتعزيز الأمن الأوروبي الأطلسي، والتشغيل البيني للقدرات العسكرية، ودعم أوكرانيا، وبتوقيع اتفاقية "ترينيتي هاوس"، يكون قد اكتمل ما يوصف بـ"مثلث الاتفاقات الدفاعية"، الذي يجمع القوى العسكرية الأبرز في أوروبا: بريطانيا، وألمانيا، وفرنسا؛ إذ إن لندن وباريس كانتا قد وقعتا على اتفاق مماثل عام 2010، يُعرف باسم "لانكستر هاوس"، عطفاً على توقيع فرنسا وألمانيا، في عام 2019، اتفاقية للتعاون والتكامل الثنائي، تحمل اسم "معاهدة آخن".
مجالات التعاون:
يمثل توقيع اتفاقية "ترينيتي هاوس" تحولاً جوهرياً في علاقات بريطانيا مع ألمانيا، من جانب، وبالنسبة لأمن أوروبا من جانب آخر؛ إذ من المقرر أن تؤدي الاتفاقية إلى انخراط البلدين لسنوات قادمة في مجموعة من التفاهمات والاتفاقيات الدفاعية ذات الصلة بالمجالات العسكرية الجوية، والبرية، والبحرية، والفضائية، والسيبرانية، ويمكن توضيح أبرز مجالات التعاون المعلنة بخصوص الاتفاقية على النحو التالي:
1. الالتزام بتطوير صواريخ بعيدة المدى: تركز الاتفاقية على تعزيز ترسانة من الصواريخ ذات القدرة على توجيه ضربات بعيدة المدى، وذلك من خلال تطوير أنظمة الضربات الدقيقة، وإنشاء شبكة دفاع جوي وصاروخي أوروبية أكثر تكاملاً يمكنها الاستجابة للتهديدات المحتملة بسرعة وبدقة عالية؛ مما سيعزز بطبيعة الحال موقف الردع لحلف "الناتو" على جانبه الشرقي، ويطور نهجاً قوياً ومتزامناً للدفاع عن المجال الجوي الأوروبي من أنظمة الصواريخ المتقدمة.
2. الأنظمة الجوية غير المأهولة (UAS): تولي الاتفاقية أهمية قصوى للتشغيل البيني للأنظمة الجوية غير المأهولة؛ مما يمهد الطريق للتعاون المستقبلي في القدرات الجوية من الجيل التالي، بما في ذلك أنظمة مثل نظام القتال الجوي المستقبلي (FCAS)؛ مما سيفتح الباب أمام احتمالات دمج الأنظمة المستقلة التي تعمل بالذكاء الاصطناعي للاستجابة للتهديدات المختلفة بصورة أكثر فعالية.
3. الشراكة الاستراتيجية البرية: في إطار التركيز على تعميق مستويات التعاون داخل الأراضي الشرقية لحلف شمال الأطلسي، تشير الاتفاقية إلى تعزيز الدفاعات البرية من خلال التدريبات المشتركة وتحديث ودمج القوات البرية للبلدين بصفة رئيسية؛ مما قد يمكنهما من ضمان تعزيز قدرات الردع لـ"الناتو" في دول مثل إستونيا وليتوانيا، ومن المقرر أن تشمل تلك الشراكة البرية تعزيزاً لجهود البحث والتطوير المشتركة في تقنيات القتال البري المتقدمة، وإعداد كلا البلدين للرد على التهديدات البرية الناشئة باستعداد أكبر.
4. البنية التحتية في بحر الشمال: إدراكاً للأهمية الاستراتيجية لحماية البنية التحتية تحت الماء، ولاسيما في بحر الشمال، مثل: الكهرباء، وخطوط أنابيب الغاز، وخطوط الاتصالات الأوروبية؛ تضمن الاتفاقية تحقيق مراقبة شاملة ودقيقة للبنية التحتية البحرية الأوروبية، حيث ستعمل لندن وبرلين على تأمين سلاسل الإمداد البحرية والبنية التحتية الحيوية من التهديدات التقليدية والهجينة، وكذلك ضمان أمن الشبكات البحرية الأساسية.
5. الالتزام بتطوير نموذج أوروبي متعدد الأطراف: تحدد مضامين الاتفاقية نموذجاً أوروبياً متعدد الأطراف لاتخاذ القرارات يركز بصفة أساسية على أهداف الدفاع والأمن المشتركة في إطار إعادة هيكلة البنية الأمنية الأوروبية الشاملة، وتعزيز التكامل الدفاعي الأوروبي في المستقبل المنظور، وسيسمح هذا النموذج لبريطانيا وألمانيا بالتحرك وفقاً لمعايير "الناتو" واستراتيجيات الدفاع في الاتحاد الأوروبي لإشراك الحلفاء الأوروبيين الآخرين في المشروعات الدفاعية المشتركة؛ مما سيخلق مجالاً لتعزيز المساهمة الأوروبية الجمعية في أمن الجناح الشرقي لحف "الناتو"، ولاسيما أن الاتفاقية تتماشى مع الاتفاقيات الثنائية للبلدين والقائمة بالفعل مع فرنسا.
مُكتسبات مُتعددة:
تتأسس دوافع الطرفين -أي بريطانيا وألمانيا- لإتمام الاتفاقية على جملة المكتسبات المتوقع تحقيقها على إثر الانخراط في تفاهمات دفاعية طويلة الأمد داخل الإطار الأوروبي، وعلى نحوٍ مماثل، تضمن الاتفاقية بعض المكتسبات فيما يتعلق بمسألة الأمن الأوروبي، وهو ما يمكن توضيحه على النحو التالي:
1. بالنسبة لبريطانيا: تمثل الاتفاقية خطوة حاسمة لدى بريطانيا من أجل الحفاظ على سمعتها الأمنية داخل الإطار الأوروبي بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي، وتعزيز نفوذها داخل حلف "الناتو" وعلاقاتها مع الحلفاء الأوروبيين من ناحية تأكيد التزامها بالأمن الأوروبي؛ وهو ما يتقاطع بوجهٍ عام مع توجهات حكومة العمال البريطانية صوب إعادة ترميم العلاقات مع الاتحاد الأوروبي. ومن خلال التعاون الدفاعي مع ألمانيا، من المرجح أن تطور بريطانيا قدراتها العسكرية، وخاصة في أنظمة الضربات الدقيقة، والدفاع الجوي، والصواريخ؛ مما يعزز موقعها الاستراتيجي على الجبهتين الشمالية والشرقية لحلف شمال الأطلسي.
بالإضافة إلى ذلك، ستستفيد بريطانيا من نشر ألمانيا لطائرات الدورية البحرية (P-8 Poseidon) في إسكتلندا؛ مما يعزز مراقبة شمال الأطلسي وحماية البنية التحتية البحرية هناك؛ كما تجدر الإشارة إلى أن الاتفاقية ستدعم بشكل أساسي صناعات الدفاع في بريطانيا من خلال إنشاء مصنع (Rheinmetall) الألماني في بريطانيا؛ والذي سيخلق حسب التقديرات أكثر من 400 فرصة عمل، ويعزز أيضاً القاعدة الصناعية البريطانية.
2. بالنسبة لألمانيا: تحصل ألمانيا بمقتضى الاتفاقية على إمكانية الوصول إلى الموارد والخبرات العسكرية البريطانية، ولاسيما فيما يتعلق بقدرات الضربات بعيدة المدى؛ ومن ثم تعزيز موقفها الدفاعي، وتتماشى تلك الجهود التعاونية في أنظمة الدفاع الجوي والصواريخ مع دور ألمانيا القائم بالفعل والمتصل بالمشروع الدفاعي الألماني المتعدد الطبقات فوق القارة الأوروبية "درع السماء". وعلى جانب آخر، يعكس التعاون بين بريطانيا وألمانيا في مجال الدفاع البري، بما في ذلك دعم الجناح الشرقي لحلف "الناتو" وأوكرانيا، التزام ألمانيا بحماية حدود الحلف من أي تهديدات روسية محتملة.
وإضافة إلى ذلك، تتضمن الاتفاقية استثمارات في البنية التحتية لبريطانيا، ونقاطاً لتعزيز العلاقات الدفاعية الصناعية الألمانية ودمج اقتصادها مع الاقتصاد البريطاني؛ وهو ما سيقوي دور ألمانيا داخل حلف شمال الأطلسي ويعزز التزامها بدفاع أوروبي أكثر استقلالية ومرونة، بعيداً عن أي التزامات دفاعية أو عسكرية مقوضة مع دول بعينها مثل: فرنسا والولايات المتحدة، لاسيما وأن الدولتين بالفعل هما الشريكان الوحيدان المذكوران في وثيقة استراتيجية الأمن القومي الألمانية الصادرة عام 2023.
3. بالنسبة للأمن الأوروبي: تسمح الشراكات والتوافقات المتوقعة بين بريطانيا وألمانيا بشأن أنظمة الصواريخ، والدفاعات الجوية، والأنظمة الجوية غير المأهولة، بزيادة استجابة كلا البلدين بصورة فعالة لأي تهديدات على الحدود الشرقية لـ"الناتو"، والتحول إلى تكوين موقف رادع يدعم قدرات كييف الدفاعية والعسكرية بشكل عام. وفي سياقٍ متصل، يُبرز الاتفاق حجم الاستعداد الأوروبي للتعامل مع مسألة الأمن الجماعي بجدية أكبر، والحد من اعتمادها على ضمانات الدفاع الخارجية (الولايات المتحدة) من خلال تعزيز القدرات الذاتية والبينية، حيث إن التوافق بين بريطانيا وألمانيا فيما يتصل باستراتيجية الدفاع والاستثمار في التقنيات المتقدمة، يشير إلى بادرة لمزيد من التكامل الدفاعي الأوروبي؛ مما قد يلهم دول الاتحاد الأوروبي ودول حلف "الناتو" الأخرى لتعزيز تعاونها العسكري للاستجابة بشكل أفضل للتهديدات المشتركة؛ ومن ثم تعمل تلك الاتفاقية كمحفز لموقف دفاعي أوروبي أكثر قوة وتوحداً؛ مما يضمن استعداد القارة بشكل أفضل لمواجهة التحديات الأمنية المستقبلية بشكل مستقل، خاصة في ظل المخاوف داخل الدوائر الأوروبية إزاء احتمالات أن تشهد السياسة الخارجية للولايات المتحدة تغييرات كبيرة في ظل ما تلقاه الدعوات الانعزالية من دعم شعبي أمريكي، والتي من المتوقع أن تتزايد احتمالاتها بعد انتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة؛ مما يتطلب عدم الاعتماد بشكل مفرط على واشنطن في المسائل الدفاعية والأمنية.
تحديات جليّة:
ثمة بعض التحديات التي يمكن أن تقوض فعالية الاتفاقية لتشمل نطاقات محدودة دون الأخرى؛ مما قد يدحض الحديث عن نجاح أي التزامات أوروبية جمعية لتعزيز مسألة الأمن الجماعي على المدى القريب والمتوسط، ويمكن الإشارة إلى أبرز تلك التحديات على النحو التالي:
1. العامل الألماني: يظل حجم المشاركة الألمانية الفعلية في الاتفاقية مرتبطاً بشكل أساسي بالإرادة السياسية الألمانية؛ إذ إن أحد أبرز التحديات التي قد تواجه تنفيذ الاتفاقية يتمثل في القلق الألماني إزاء تسليح أوكرانيا المحتمل، حيث تخشى ألمانيا أن يُفسَر الدعم العسكري الكبير لأوكرانيا على أنه موقف عدواني؛ ومن ثم جلب المزيد من العداء الروسي وربما جر أوروبا إلى صراع أوسع نطاقاً؛ وهو ما يتعارض، على الجانب الآخر، مع الدعم الكبير من بريطانيا لأوكرانيا؛ الأمر الذي قد يخلق تباعداً استراتيجياً يلقي بظلاله على مجالات التعاون الدفاعية الخاصة بالاتفاقية، ويكشف عن اختلاف جوهري في الدور المتصور للدفاع الأوروبي في الاستقرار الجيوسياسي؛ بحيث يحاول كل من البلدين تحقيق التوازن بين المصالح الوطنية والاعتبارات الأمنية الأوروبية الشاملة.
وفي السياق ذاته، يشكل الركود الاقتصادي في ألمانيا، إلى جانب الإحجام العام عن زيادة الإنفاق الدفاعي، تحدياً جلياً للاتفاقية، حيث يزيد ذلك من احتمالات التردد الألماني في تقديم الدعم المالي الذي تحتاجه مبادرات الدفاع المشتركة، كما قد تعمل الظروف الاقتصادية على تقييد قدرة ألمانيا على المساهمة في المشروعات التعاونية أو تحديث القدرات العسكرية الحاسمة؛ مما يضعف التآزر الدفاعي المأمول بين لندن وبرلين. كما قد يؤدي الرفض الشعبي للإنفاق على التسليح إلى زيادة الضغوط على صناع السياسات الألمان لإعطاء الأولوية للقضايا المحلية على الالتزامات الدفاعية؛ وهو ما قد يؤثر أيضاً في الدور القيادي لألمانيا في الأمن الأوروبي، وكذلك التأثير السلبي في خلق موقف دفاعي أوروبي قوي وموحد؛ فألمانيا إن لم تتمكن من الالتزام الكامل مالياً أو سياسياً بالاتفاقية، فقد تتحمل بريطانيا عبئاً أكبر؛ مما سيؤدي إلى اختلال التوازن في الشراكة وتقليل التأثير الاستراتيجي وفعالية الاتفاقية.
2. الاختلافات المؤسسية: من غير المستبعد أن يشكل الهيكل المؤسسي الذي سيتم إنشاؤه بموجب الاتفاقية تحدياً لنجاحها في حد ذاته، وذلك إذا أدت التعقيدات التنظيمية والأولويات المتباينة إلى إبطاء عملية صنع القرار، وخاصة في الاستجابة للتهديدات الأمنية، كما قد تؤدي الاختلافات في العقيدة العسكرية وسياسات الدفاع بين بريطانيا وألمانيا إلى تعقيد تكامل هذه المؤسسات بشكل أكبر؛ مما قد يؤدي إلى عدم التوافق في الأهداف والغايات. بالإضافة إلى ذلك، إذا كانت تلك الهياكل المؤسسية المقرر تدشينها تفتقر إلى قنوات واضحة للتواصل، فسيعوق ذلك التعاون البيني والتوافق العملياتي بين البلدين.
3. تطوير نموذج صنع القرار متعدد الأطراف: من الواضح أن تحقيق التوازن بين الحاجة إلى المشاركة من جانب الاتحاد الأوروبي من جانب، والتركيز على التوافق بين بريطانيا وألمانيا، من جانب آخر، سيلقي بظلاله على تطوير نموذج صنع القرار متعدد الأطراف بموجب الاتفاقية؛ ففي حين أن إشراك دول أعضاء أخرى في الاتحاد الأوروبي قد يعزز الموقف الدفاعي الأوروبي العام، فإن كل دولة عضو داخل الاتحاد قد تجلب أولوياتها الأمنية الخاصة، وعقائدها الدفاعية، وضغوطها السياسية؛ مما قد يؤدي إلى عدم وجود إجماع بشأن القضايا الحرجة. بالإضافة إلى ذلك، فإن التباعد المحتمل في تصورات التهديد -مثل الاختلافات بين دول أوروبا الشرقية التي تركز على الردع الروسي ودول أوروبا الغربية التي قد تعطي الأولوية لتهديدات أمنية أخرى كالهجرة غير النظامية- قد يزيد من تعقيد ديناميكية العمل داخل الإطار الأوروبي.
4. الاختلالات العسكرية: أدى تراجع القدرات الصناعية في بريطانيا على مدى العقدين الماضيين إلى زيادة الاعتماد على الحلول الألمانية لتحديث القوات البرية، مثل: ترقيات دبابات "تشالنجر 3" وإنتاج مركبات "بوكسر"؛ وهو ما قد يؤدي إلى تحجيم الاستقلال الاستراتيجي لبريطانيا في المشتريات الدفاعية وتقليص نفوذها في تحديد المعايير أو الأولويات ضمن المبادرات المشتركة. بالإضافة إلى ذلك، قد يتطلب مواءمة القوات البريطانية مع التكنولوجيا التي تشرف عليها ألمانيا، تكييف عقائدها التشغيلية وأطرها اللوجستية؛ مما قد يتسبب في حدوث مشكلات لوجستية إذا تباعدت استراتيجيات الدفاع لدى كل طرف.
5. قيود التصدير: تُمثل القيود المفروضة على التصدير تحدياً كبيراً لإنجاح الاتفاقية حال أثرت سلباً -وهو المرجح- في قدرة بريطانيا وألمانيا على الاستفادة الكاملة من التعاون الدفاعي البيني، فضوابط التصدير الألمانية صارمة بشكل كبير وتدفعها أطر سياسية وقانونية غالباً ما تقيد بيع أو نقل التكنولوجيا العسكرية إلى مناطق صراع معينة؛ مما قد يؤدي إلى تعقيد جهود الإنتاج الدفاعي المشترك، وخاصة إذا كانت بريطانيا تنوي تصدير أنظمة تم تطويرها بشكل مشترك إلى دول تعتبرها ألمانيا محظورة بسبب سياسات تصدير الأسلحة التقييدية. كما قد تؤدي سياسات التصدير المتباينة إلى تأخير الإنتاج وزيادة التكاليف والحد من قابلية التوسع لمشروعات الدفاع التعاونية، حيث قد تحتاج الشركات المشاركة إلى التنقل عبر متطلبات قانونية وتنظيمية معقدة للموافقة على التصدير، بالإضافة إلى ذلك، قد تؤدي تلك القيود إلى إضعاف الجاذبية الاستراتيجية للاتفاقية لكلا الطرفين، حيث إن عدم القدرة على تسويق وتصدير التكنولوجيا المنتجة بشكل مشترك بحرية قد يقلل من الحوافز للتعاون في صناعة الدفاع؛ ومن ثم التأثير في الفوائد الاقتصادية والأمنية التي تهدف الاتفاقية إلى تحقيقها.
وفي التقدير، يتضح أن اتفاقية "ترينيتي هاوس" تستهدف بشكل أساسي هيكلة التعاون العسكري والتسليحي بين بريطانيا وألمانيا، فضلاً عن تيسير المفاوضات غير الرسمية الجارية بالفعل بشأن اتفاقية بين الاتحاد الأوروبي وبريطانيا في هذا المجال على إثر بروز موقف مشترك بين بريطانيا، وألمانيا، وفرنسا في ظل طموح رئيس الوزراء البريطاني، كير ستارمر، إلى جعل التعاون الدفاعي والأمني الركيزة الأساسية للمصالحة الشاملة مع الحلفاء الأوروبيين بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي؛ فعلى الرغم من أن الاتفاق هو اتفاق ثنائي مع ألمانيا؛ فإن ستارمر يريد إعادة التكامل نحو اتفاق أكثر شمولاً على مستوى الاتحاد الأوروبي، يغطي المسائل العسكرية وكذلك بعض الملفات الأخرى كالهجرة غير النظامية، وأمن الطاقة، وقضايا المناخ.
وعلى جانب آخر، تتوافق الاتفاقية طردياً مع التوجه الأوروبي العام خلال الآونة الأخيرة بشأن إيلاء اهتمام متزايد لتعزيز الإنفاق والاستعداد الدفاعي استجابة لديناميكيات الأمن الدولي والإقليمي المتغيرة وكذا التهديدات الناشئة، وتعزز الاتفاقية في ذلك السياق اعتراف الكتل والدوائر الأوروبية بأن بريطانيا لا يمكن التعامل معها باعتبارها "دولة ثالثة"، ولاسيما في ظل تذبذب الالتزام الأمريكي تجاه الأمن الأوروبي، بعد أن بات واضحاً أن واشنطن قد تقلص بشكل ملحوظ التزاماتها الأمنية تجاه أوروبا خلال الفترة المقبلة لصالح بعض النطاقات والمناطق الاستراتيجية الأخرى مثل: الشرق الأوسط ومنطقة الإندوباسيفيك؛ وهو ما يعزز بطبيعة الحال أطروحات بناء اتحاد دفاعي أوروبي حقيقي على المدى القريب.