أخبار المركز
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (المعضلة الروسية: المسارات المُحتملة لأزمات الانتخابات في جورجيا ورومانيا)
  • إسلام المنسي يكتب: (جدل الوساطة: هل تخلت سويسرا عن حيادها في قضايا الشرق الأوسط؟)
  • صدور العدد 38 من دورية "اتجاهات الأحداث"
  • د. إيهاب خليفة يكتب: (الروبوتات البشرية.. عندما تتجاوز الآلة حدود البرمجة)
  • د. فاطمة الزهراء عبدالفتاح تكتب: (اختراق الهزلية: كيف يحدّ المحتوى الإبداعي من "تعفن الدماغ" في "السوشيال ميديا"؟)

عودة الإصلاحيين:

حدود تأثير فوز بزشكيان في السياسة الداخلية والخارجية لإيران

08 يوليو، 2024


أعلنت لجنة الانتخابات في وزارة الداخلية الإيرانية، يوم السبت 6 يوليو 2024، فوز المرشح الإصلاحي مسعود بزشكيان، في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، بعد حصوله على 16 مليوناً و384 ألفاً و403 أصوات، مُقابل منافسه المحافظ سعيد جليلي الذي حصل على 13 مليوناً و538 ألفاً و179 صوتاً؛ ليصبح بذلك بزشكيان الرئيس الجديد للجمهورية الإسلامية الإيرانية.

وبلغت نسبة المشاركة في الجولة الانتخابية الثانية نحو 50%؛ إذ أدلى ما يقرب من 30.5 مليون ناخب بأصواتهم، بحسب ما أعلنت وزارة الداخلية الإيرانية. ودُعي لهذه الانتخابات نحو 61 مليون ناخب، للإدلاء بأصواتهم في 58638 مركزاً في أنحاء إيران. 

وعلى الرغم من أن السلطات في إيران تتركز بشكل أساسي في يد المرشد الأعلى، وهو حالياً علي خامنئي، وذلك بموجب الدستور الذي تم إقراره عام 1979، وتعديلاته في 1989، والرئيس في إيران هو الشخص الثاني في النظام؛ فإن ذلك لا ينفي أن للرئيس هامشاً من الحركة يمارسه بميزان دقيق، وربما يسمح له في التأثير في بعض القرارات على المستويين الداخلي والخارجي.

صعود الإصلاحيين: 

ثمة دلالات ترتبط بالنتائج التي أسفرت عنها الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية الإيرانية، ويمكن تسليط الضوء عليها على النحو التالي:

1- عودة الإصلاحيين للسلطة: في مُفارقة، مع تراجع فرص التيار الإصلاحي في المشاركة في السلطة داخل إيران خلال السنوات الأخيرة، مقابل هيمنة المحافظين على مفاصل الحكم؛ تمكّن المرشح المدعوم من الإصلاحيين والمعتدلين، مسعود بزشكيان، من الفوز بالرئاسة الإيرانية، في تكرار ربما لسيناريو انتخابات 1997، والتي جاءت بأول رئيس إصلاحي لسدّة الحكم في طهران آنذاك، وهو الرئيس محمد خاتمي، والذي فاز على أحد أقطاب الأصوليين في ذلك الوقت وهو رئيس مجلس الشورى الإسلامي (البرلمان) حينذاك، علي أكبر ناطق نوري. 

ونجح الإصلاحيون في جذب بعض ناخبي ما يُسمى بـ"الكتلة الرمادية"، والتي لم تشارك في الجولة الأولى من الانتخابات، وكانت حوالي 36 مليون صوت، لصالحهم؛ لتضيف إلى إجمالي الأصوات التي حصل عليها بزشكيان في الجولة الأولى، والتي كانت تقدر بعشرة ملايين صوت، حوالي ستة ملايين صوت جديد، ليفوز في النهاية بزشكيان بنسبة تُقدر بحوالي 55% من إجمالي المشاركين في الانتخابات. 

ولا شك في أن الدعم غير المسبوق الذي حصل عليه بزشكيان من رموز التيارين الإصلاحي والمعتدل، أدى دوراً حاسماً في فوزه؛ إذ أبدى خاتمي ووزير الخارجية الإيراني الأسبق، محمد جواد ظريف، دعمهما لبزشكيان منذ البداية، كما انضم لدعمه الرئيس الإيراني الأسبق، حسن روحاني، ورئيس البرلمان الأسبق، مهدي كروبي، وغيرهم. 

كما أن تصدر بزشكيان لنتائج الجولة الأولى من هذه الانتخابات، أحيا الأمل لدى قطاعات واسعة من الشعب الإيراني الساعية للتغيير، في المشاركة في الجولة الثانية، بالرغم من انخفاض المشاركة في الجولة الأولى، ربما لأسباب تتعلق بتوهم أن الفائز في الانتخابات هو المرشح المحافظ سعيد جليلي؛ ومن ثم استبعاد أية محاولة للتغيير قد تحدث.

وجدير بالذكر أن بزشكيان يُعد الإصلاحي الوحيد الذي لم يفز من الجولة الأولى في الانتخابات الرئاسية الإيرانية؛ إذ سبقه خاتمي عام 1997 عندما فاز في ولايته الأولى بنسبة 70%، و80% في ولايته الثانية، وحصل روحاني على نسبة 50.5% في ولايته الأولى، و57% في ولايته الثانية. ولم تشهد إيران جولة ثانية من الانتخابات إلا في عام 2005، عندما تنافس الرئيس الأسبق، هاشمي رفسنجاني، مع الرئيس الأسبق والذي فاز وقتها، محمود أحمدي نجاد.

2- ارتفاع نسبة المشاركة: سجّل حجم المشاركة في جولة الإعادة للانتخابات الرئاسية في إيران، ارتفاعاً بنحو عشر نقاط مئوية مقارنةً بنسبة المشاركة في الجولة الأولى والتي كانت 40%. كما أنها أعلى بشكل طفيف من نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية التي أُجريت عام 2021، وفاز فيها الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي، والتي بلغت حينها 48.8%. 

يُضاف إلى ذلك عامل آخر يتعلق بأن الانتخابات الرئاسية الحالية قد أجريت بمعزل عن الانتخابات البلدية؛ إذ كان من المقرر أن يُجريا معاً عام 2025، وفقاً للقانون، إلا أن الوفاة المفاجئة لرئيسي أسفرت عن تعديل القانون، وإجراء الانتخابات الرئاسية بشكل مُبكر؛ أي إن نسبة المشاركة في هذه الانتخابات (50%) هي نسبة معقولة بالنظر إلى هذا العامل. 

وسعى النظام الإيراني إلى توظيف المشاركة في الانتخابات، أياً كانت للمرشح الإصلاحي أم المحافظ، على أنها تصويت على شرعيته وشعبيته، والتي تراجعت خلال السنوات الأخيرة؛ إذ زادت مساحة الغضب والسخط تجاه النظام وسياساته، وتمت ترجمة ذلك في تكرار الموجات الاحتجاجية خلال السنوات القليلة الماضية، بالإضافة إلى انخفاض نسب المشاركة في الانتخابات مقارنةً بما كان في السابق. 

وربما جاء إفساح مجلس صيانة الدستور المجال لقبول أهلية بزشكيان للترشح للانتخابات الرئاسية، رغبةً من النظام في تعزيز فرص المشاركة الشعبية، في ضوء تدني تلك النسبة خلال انتخابات مجلسي الشورى الإسلامي (البرلمان) وخبراء القيادة التي أُجريت في مارس 2024. 

بل انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي مقطع مصور يوضح تصويت خامئني، خلال الجولة الثانية، لبزشكيان، وليس لجليلي، كما هو متوقع. وربما يكون هذا لامتصاص غضب الشارع، في ضوء الآراء المتشددة التي كشف عنها جليلي خلال المناظرات التلفزيونية، والتي كانت في حال فوزه، تمثل عبئاً على النظام الذي يواجه أزمات عديدة. 

3- سيطرة الجناح المُتشدد داخل التيار المحافظ: بالرغم من هزيمة المحافظين في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، فإن نتائجها أوضحت أن ما يُسمى بـ"جبهه پایداری" أو "جبهة ثبات الثورة الإسلامية"، والتي تمثل الجناح اليميني المتشدد داخل التيار المحافظ، ستكون لها السيطرة والغلبة داخل التيار خلال الفترة المقبلة؛ لأن المرشح الفائز من الجولة الأولى كان سعيد جليلي، الذي ينتمي لهذه الجبهة، في مقابل المرشح الذي خسر من الجولة الأولى، وهو رئيس البرلمان محمد باقر قاليباف، والذي ينتمي للجناح البراغماتي في التيار المحافظ. وجاء ذلك على خلاف ما كشفت عنه بعض استطلاعات الرأي، والتي كانت ترجح أن يكون قاليباف هو الفائز في تلك الجولة. 

4- تراجع رجال الدين: من خلال تقييم نتائج الانتخابات الإيرانية الأخيرة، يبدو أن الشارع الإيراني فقد الثقة في رجال الدين؛ إذ حصل المرشح الرئاسي الخاسر، مصطفى بور محمدي، وهو رجل الدين الوحيد الذي ترشح للانتخابات الرئاسية الحالية، على نحو 200 ألف صوت فقط، من إجمالي 24 مليون ناخب شاركوا خلال الجولة الأولى. ويأتي هذا في مقابل تصدر باقي المرشحين، سواء من كانوا في مناصب سياسية أم عسكرية، أم جمعوا بين الاثنين وهم: قاليباف وجليلي وبزشكيان وعلى رضا زاكاني وقاضي زاده هاشمي؛ وهو ما لم يكن يحدث من قبل؛ إذ كان يتم أحياناً اختيار رؤساء للجمهورية الإيرانية من رجال الدين أمثال: هاشمي رفسنجاني ورئيسي. 

انعكاسات داخلية: 

بالنظر إلى التصريحات التي أدلى بها بزشكيان وقادة حملته الانتخابية، يمكن استشراف عدد من التداعيات والسياسيات المُحتملة لفوز بزشكيان على الداخل الإيراني، وذلك على النحو التالي:

1- التمسك بمبادئ وقيم النظام الإيراني: حرص بزشكيان على إلقاء الخطاب الأول له، في ضريح الإمام الخميني، مؤسس الجمهورية الإسلامية. كما وصف بزشكيان، خلال كلمته، خامنئي بـ"القيادة الحكيمة"، وحرص على أن يكون بجانبه، حسن الخميني، حفيد الإمام الخميني؛ في رسائل تُقرأ على أن بزشكيان رئيس إصلاحي ينتمي للنظام في إيران، ولا يرفضه، وهذا بخلاف بعض تيارات المعارضة الإيرانية، ولاسيما المعارضة في الخارج من أنصار "حركة مجاهدي خلق" وأنصار الملكية، ممن يرفضون الثورة والنظام القائم. 

كما تعكس تلك الخطوات من جانب بزشكيان، حرصه على ألا يدخل في صدام، منذ البداية على الأقل، مع النظام، يعوقه عن تحقيق وعوده الانتخابية، خاصةً في حال استثمار المحافظين ذلك في التنديد بأنه مُعارض للثورة والنظام. وعبّر بزشكيان، في كلمته، والتي تحدث فيها ببساطة رافضاً القراءة من النص المكتوب أمامه، عن حاجته لدعم المرشد الأعلى والبرلمان والشارع من أجل عبور أزمة إيران. 

ومن جهة أخرى، حملت الرسالة الأولى التي وجهها خامنئي لبزشكيان، وحثّه فيها على الالتزام بالخط الذي بدأه الرئيس الراحل رئيسي، دلالات تتعلق بالمسار الذي يجب أن يسلكه بزشكيان. وبالرغم من انتقاد الأخير لبعض السياسات التي تبنتها حكومة رئيسي، فإن رسالة خامنئي تبعث بمضامين تتعلق بأنه إذا كان النظام قد سمح بترشح وفوز رئيس إصلاحي، لأسباب عدّة؛ منها رغبته في احتواء الغضب الشعبي المُتنامي من سياساته، بالإضافة إلى ضيق الوقت والذي ربما لم يسمح للنظام بهندسة الانتخابات بشكل يسفر عن وصول رئيس أصولي كما حدث في انتخابات 2021؛ فإنه (أي النظام) لا يسمح أن يحيد بزشكيان عن طريق الثورة والنظام. 

2- اختيار حكومة تكنوقراط: صرّح الرئيس الإيراني المُنتخب، في خطابه الأول، بأنه يمد يد الصداقة للجميع من أجل مصلحة البلاد، كما أقر بأن "الطريق صعب" ولا يمكن تجاوزه إلا بتعاضد الجميع، وكان استقباله المرشح الأصولي الخاسر، جليلي، تعبيراً على هذا المعنى. 

ومن المُرجح أن يعمل بزشكيان على تشكيل حكومة من التكنوقراط، لا تمثل أطيافاً سياسية بعينها، استناداً إلى تصريحه بأنه "يجب تعيين خبراء في الحكومة"، وانتقاده لمنافسه في الانتخابات، جليلي، بأن المحافظين استبعدوا الخبراء من تولي مناصب مهمة، على أن ينصب اهتمام تلك الحكومة الجديدة على ملفات الاقتصاد والسياسة الخارجية والأمن القومي. 

وليس من الواضح بعد ما إذا كان سيتولى جواد ظريف منصب وزير الخارجية في الحكومة الجديدة أم لا، وذلك في ضوء الشعبية التي حازها نتيجة دعمه لبزشكيان، إلا أن تحذير خامنئي، في 25 يونيو الماضي، الفائز بالرئاسة بألا يستعين بـ"محبين لأمريكا"، قد يمثل عقبة أمام ظريف، والذي يُصنف على أنه من الفريق الدبلوماسي الذي يدعم العلاقات مع واشنطن. وهناك أسماء أخرى قد تكون مطروحة لتولي حقيبة الخارجية، ومنها عباس عراقجي، رئيس فريق التفاوض النووي مع الغرب في عهد روحاني، والذي ربما يكون الأقرب لتولي المنصب، وعلي أكبر صالحي، وزير الخارجية الأسبق في حكومة نجاد، وغيرهم. 

كما يشكل الفريق الاقتصادي جزءاً أساسياً من حكومة بزشكيان المرتقبة، وتضم وزارات مثل: الطاقة، والاقتصاد، والمالية، والنقل والطرق، والزراعة، فضلاً عن البنك المركزي. ومن أبرز المرشحين المُحتملين لهذه الملفات، بيجن زنغنه، وزير النفط الإيراني المخضرم في عهد روحاني، وحسين عبده تبريزي، أحد المستشارين الاقتصاديين لبزشكيان، وبيروز حناجي، رئيس بلدية طهران السابق، ويُعد من المرشحين لتولي حقيبة النقل والطرق. كذلك من المرشحين لتولي حقيبة الأمن والاستخبارات إحدى الشخصيات التالية: محمود علوي، والذي كان وزيراً للاستخبارات في حكومة روحاني، وعلي يونسي، وزير الاستخبارات في حكومة خاتمي، ومصطفى بور محمدي، المرشح الرئاسي الخاسر ووزير الداخلية في حكومة نجاد. 

3- إفساح المجال لمزيد من الحريات: أكد بزشكيان، خلال المناظرات التلفزيونية، ضرورة إيجاد حل دائم لقضية إلزامية الحجاب، منتقداً الممارسات التي وصفها بـ"القمعية" لشرطة الأخلاق ضد النساء. كما انتقد بزشكيان ممارسات الحكومة في قمع الاحتجاجات تجاه المتظاهرين في احتجاجات "الحركة الخضراء" عام 2009. وتعهد الرئيس الجديد بضمان منع الرقابة وتقييد الإنترنت، وتمثيل حكومي أوسع نطاقاً للنساء والأقليات القومية والمذهبية خصوصاً الأكراد والبلوش، علماً بأن بزشكيان نفسه ينتمي لأب أذري وأم كردية. 

4- صراع الثنائية في الحكم: ليس واضحاً ما إذا كان فوز بزشكيان سوف يعيد صراع الثنائية في الحكم، والذي كان سائداً خلال فترة تولي روحاني أم لا؟ إذ إن أغلب مؤسسات صُنع القرار في إيران مُهيمن عليها من جانب الأصوليين، وعلى رأسها مجلسي الشورى (البرلمان) وخبراء القيادة (المعني باختيار المرشد)، وكذلك مجلس صيانة الدستور (المعني بالنظر في أهلية الترشح للانتخابات)، ومجمع تشخيص مصلحة النظام (الذي يشارك في تحديد السياسات الداخلية والخارجية)، ومجلس الأمن القومي، بالإضافة إلى وجود الحرس الثوري وأجهزة الأمن والاستخبارات؛ ومن ثم تعود الازدواجية بوضوح في عملية اتخاذ القرار، فمثلاً في مجال السياسة الخارجية قد تعود ثنائية الميدان والدبلوماسية، وأيهما له الأولية على الآخر؛ وهو ما حدث في عهد حكومة روحاني ووزير خارجيته ظريف. 

ومن ثم فإن السياسات التي سيتخذها بزشكيان قد تلاقي اعتراضاً من جانب هذه المؤسسات؛ مما يؤدي إلى تعطيلها؛ ما يعني أنه أمام بزشكيان أحد أمرين: إما الدخول في مواجهات مع تلك المؤسسات لتنفيذ وعوده الانتخابية أو الانصياع لها وفقدانه الشارع، وتحمل نتيجة كل اختيار. 

5- إشكالية خلافة المرشد: يُعيد انتخاب بزشكيان، باعتباره رئيسياً إصلاحياً، ملف خلافة المرشد الأعلى، للواجهة مرة أخرى، إذ إن وفاة رئيسي أفقدت إيران منصبين معاً؛ أحدهما واقعي وهو رئيس الجمهورية، والآخر مُحتمل وهو المرشد؛ وذلك بالنظر إلى تقدم عمر خامنئي وظروفه الصحية، فضلاً عن أن رئيسي كان من أبرز المرشحين لمنصب الخلافة. ففي حين نجح النظام في سد الشغور الرئاسي، فإن اختيار المرشد القادم ما زال يمثل إشكالية، وربما يسفر عن سيناريوهات معقدة تتعلق إما بالاختيار السلس للمرشد الثالث، أو الصراع بين أجنحة النظام، أو تولي الحرس الثوري زمام الأمور، في حال الفشل في اختياره.

تداعيات خارجية: 

يمكن استشراف مستقبل السياسة الخارجية لبزشكيان، في ضوء ما صرّح به خلال حملته الانتخابية، وذلك على النحو التالي:

1- محاولة الانفتاح على الغرب: دعا بزشكيان، خلال مناظراته التلفزيونية، إلى الانفتاح على الغرب، مدافعاً أيضاً عن الاتفاق النووي الذي وقّعته إيران مع مجموعة (5+1) في 2015، ورأى أن هذا الاتفاق من مصلحة طهران. ويعتقد بزشكيان بضرورة الدخول في مفاوضات مع الغرب، بغية رفع العقوبات التي رأى أنها تسببت في الكثير من الخسائر لإيران، كما يطالب بالانضمام لمجموعة العمل المالي (FATF)، والتي حرم عدم الانضمام لها طهران من الاندماج في النظام المصرفي العالمي. ومن جهة أخرى، فإن انضمام ظريف، وهو "عرّاب الاتفاق النووي"، لبزشكيان يعكس التوجهات المُحتملة للأخير بشأن العلاقة مع الغرب، خاصةً فيما يتعلق بالاتفاق النووي.

بيد أن ثمة تحديات تعقد هذا الأمر، ومنها أن قرار العودة للاتفاق النووي ليس في جعبة بزشكيان منفرداً، بل هو قرار لا بد أن يحظى بموافقة القيادة العليا والمؤسسات النافذة في إيران. كما أن هناك قانوناً أقره البرلمان الإيراني عام 2020 يقضي بأن تواصل البلاد تصعيدها في البرنامج النووي طالما استمر توقيع العقوبات عليها؛ أي إن البرنامج النووي ليس في حل من أن يتم إيقاف تطويره، خاصةً أنه بلغ مستويات تقترب كثيراً من إنتاج السلاح النووي، وفقاً لتقييمات واشنطن والوكالة الدولية للطاقة الذرية. إلى جانب تحدٍّ آخر مرتبط باحتمالية عودة الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، إلى البيت الأبيض، في الانتخابات المقرر إجراؤها في نوفمبر 2024. 

وفي المقابل، فإن كشف طهران، قبيل وفاة رئيسي، بيومين، عن جولات من المباحثات غير المباشرة أجراها مسؤولون إيرانيون مع أمريكيين في سلطنة عُمان، ربما يشي برغبة طهران في إحداث اختراق في هذا الملف؛ والذي قد يعززه فوز بزشكيان.

2- استكمال سياسة "التوجه شرقاً": يعتقد بزشكيان بضرورة توطيد إيران علاقتها مع كل من روسيا والصين، معتبراً أن ذلك سيمنح طهران وضعاً قوياً في المفاوضات النووية مع الولايات المتحدة. والراجح أيضاً أن النظام الإيراني يرى في سياسة "الاتجاه شرقاً" -والتي تعني بشكل أساسي توطيد العلاقات مع القوى غير الغربية مثل: روسيا والصين والقوى الأخرى الصاعدة سواء في آسيا أم غيرها- بديلاً استراتيجياً له عن الاعتماد في علاقته الخارجية على الغرب، في ضوء الملفات المعقدة التي تجمعه بالأخير. 

ويمثل توقيع الحكومة الإيرانية المؤقتة، التي ترأسها القائم بأعمال الرئاسة الإيرانية محمد مخبر، في 26 يونيو الماضي، لاتفاق مهم لتبادل الغاز مع روسيا، بالإضافة إلى الحديث عن التوصل لاتفاق جديد للتعاون الشامل بين البلدين ليكون بديلاً عن اتفاق الـ20 عاماً الذي علقت موسكو المباحثات بشأنه بعد وفاة رئيسي؛ مؤشراً على حرص طهران على استكمال مسار التعاون مع روسيا. ونفس الأمر ينطبق على الصين التي ترتبط مع إيران باتفاق شامل لمدة 25 عاماً، وكذلك الهند التي وقّعت مع إيران، في 13 مايو الماضي، اتفاقاً بشأن استكمال الاستثمار في منياء تشابهار الإيراني. 

3- الاستمرار في تحسين العلاقات مع دول المنطقة: من المُرجح أن يستمر مسلسل تحسين العلاقات بين إيران ودول المنطقة، وهو الذي أخذ زخماً واضحاً خلال رئاسة رئيسي، بتوقيع اتفاق عودة العلاقات مع السعودية في 10 مارس 2023، واستكمال ذلك بمساعي وجهود تحسين العلاقات مع دول مجلس التعاون الخليجي والدول العربية الأخرى، فضلاً عن تركيا وباكستان، وغيرها. والواضح أن هذا المسار يمثل توجهاً استراتيجياً لطهران؛ أي إنه خيار لا يتأثر بتغير الرؤساء ولا الحكومات؛ بل هو نابع من القيادة العليا في إيران. ومن جهة أخرى، فإن بزشكيان دعا، خلال مناظراته الانتخابية، إلى إقامة إيران علاقات أفضل مع دول المنطقة، معتبراً أن ذلك يمثل حلاً للمشكلات الداخلية. وتلقى بزشكيان رسائل تهنئة من قادة وزعماء ورؤساء أغلب دول المنطقة، على انتخابه رئيساً لإيران، فيما يعكس تطلع هذه الدول للتعاون معه.

4- ثبات الدور الإقليمي: يمثل النفوذ الإقليمي إحدى الركائز الأساسية لإيران، وهو من "الخطوط الحمراء" ربما غير القابلة للتغيير، وفقاً لتغير الرؤساء أو الحكومات، كما أن القرارات المتعلقة بشأنه تعود بشكل أساسي إلى المرشد الأعلى والحرس الثوري والمؤسسات النافذة. ويُرجح ذلك استمرار دور طهران في المنطقة، والذي يتضمن مواصلة الحرس الثوري دعم وكلاء إيران في العراق وسوريا ولبنان واليمن. وعبّر بزشكيان عن دعمه لدور الحرس الثوري الإيراني، ووصفه بأنه "مختلف عن الماضي"، كما أدان إعلان الولايات المتحدة تصنيفه "منظمة إرهابية"؛ بل ووصف واشنطن بأنها السبب الجذري للتوترات في الإقليم. 

كما أنه ليس من الوارد أن تتخلى إيران عن عن سياستها تجاه إسرائيل، والتي تعتبرها "عدواً لدوداً"؛ ومن ثم فسوف يستمر التوتر بين البلدين، إلا أن تزايد حدته يرتبط بالتطورات التي قد يفضي إليها التصعيد في الجبهات المشتعلة منذ الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وما تبعها من ساحات أخرى في لبنان واليمن. 

في الختام، يمكن القول إن فوز بزشكيان قد يمثل حالة من تبديل الأدوار داخل النظام الإيراني، والذي أثبت مرة أخرى مرونته وقدرته على التجديد؛ في محاولته تقليل الهوة المُتزايدة بينه وبين الشارع. ومع ذلك، فإن مجيء بزشكيان لا يمثل خروجاً عن النص الإيراني في التعامل مع الملفات الداخلية والخارجية، والتي تخضع جميعها للتوجهات التي يرسمها المرشد الأعلى والمؤسسات التابعة له، في إطار "الثابت" في السياسة الإيرانية. بيد أنه قد يكون للرئيس المُنتخب قدر من الحركة لإدارة تلك الملفات في إطار "المتغير" في السياسة الإيرانية، يسمح له بترك بصمة خاصة وإحداث تغييرات "مصرح بها" في الداخل بشأن الحقوق والحريات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وكذلك إدارة العلاقات مع الخارج.