أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

ما بعد "سليماني":

كيف ستتعامل إدارة ترامب مع إيران؟

23 يناير، 2020

ما بعد "سليماني":

استضاف مركز "المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة" يوم الأحد 12 يناير 2020، عبر الفيديو كونفرانس، من واشنطن، الخبيرة باربرا سلافين، مدير مبادرة "مستقبل إيران بمجلس الأطلسي The Atlantic Council"، والتي تعد واحدة من أهم الخبراء في شؤون العلاقات الأمريكية الإيرانية داخل الولايات المتحدة الأمريكية.

وخلال اللقاء، قدمت "باربرا سلافين" تحليلاً حول كيفية تعامل إدارة الرئيس ترامب مع إيران، خاصة في أعقاب مقتل "قاسم سليماني" قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، وأبو مهدي المهندس نائب رئيس هيئة "الحشد الشعبي" العراقية، وبعض المسؤولين الآخرين عقب خروجهم من مطار بغداد الدولي يوم 3 يناير، في عملية أمريكية نفذتها طائرة أمريكية من دون طيار.

وفيما يلي أبرز النقاط التي أثارتها الخبيرة "باربرا سلافين" خلال الحلقة النقاشية، وهي:

رسائل "ترامب" ومقتل "سليماني"

إن فكرة تنفيذ عملية قتل قاسم سليماني، قائد فيلق القدس الإيراني، كانت مطروحة داخل إدارة ترامب منذ شهر يونيو الماضي، بعد الهجمات الإيرانية على منشآت النفط في المنطقة، وإسقاط طائرة درونز أمريكية، ثم أصبحت عملية اغتياله بمثابة أمر واقع، بل وأفضل الخيارات المطروحة للرئيس ترامب بعد حادث اقتحام السفارة الأمريكية في بغداد، فهذا الحادث ذكَّر "ترامب" بمصير الرئيس "جيمي كارتر" بعد أزمة الرهائن الأمريكيين عقب اقتحام السفارة الأمريكية في طهران في عام 1979، حيث أدت هذه الأزمة إلى خسارة "كارتر" في الانتخابات الرئاسية التالية وعدم فوزه بولاية ثانية.

ويُضاف إلى توافر الدوافع المتعددة لاغتيال "سليماني"، أن تنفيذ العملية أمر سهل، إذ أمكن تنفيذها بطائرة مسيرة، ودون الحاجة لإنزال قوات عسكرية أمريكية على الأرض. كما أن هذا الهدف السهل نسبياً، والمهم استراتيجياً، يمثل ضربة أمريكية قوية لإيران رداً على تعمدها التصعيد في الشهور الأخيرة بأساليب مختلفة، ويوجه رسالة قوية أيضاً بأن إدارة "ترامب" سوف ترد في حالة تكرار تجاوز إيران ما تعتبره واشنطن "الخطوط الحمراء".

وبالنسبة لردود الفعل في الداخل الأمريكي، أكدت استطلاعات الرأي أن نسبة عالية من المواطنين الأمريكيين يعتبرون أن الولايات المتحدة ليست أكثر أمناً بعد العملية، وأنهم لا يثقون فيما يردده الرئيس "ترامب" بشأن مبررات هذه العملية. كما أشارت بعض التقارير الإعلامية إلى أنه لم يكن هناك أي تهديد للمصالح الأمريكية، وأن عملية قتل "سليماني" كانت بهدف الانتقام من الهجمات ضد الولايات المتحدة، ومنع أي هجوم مستقبلي على المصالح الأمريكية.

حدود المواجهة بين واشنطن وطهران

أشارت "باربرا سلافين" إلى أنه من غير المُحتمل أن يدخل الرئيس "ترامب" في حرب مع إيران، لعدة أسباب، من أبرزها أن الحركات المناهضة للحرب داخل الولايات المتحدة الأمريكية، بدأت تصبح أكثر قوة ضد ترامب، وهذا سيمنعه من الدخول في أي حرب خارجية في عام الانتخابات الرئاسية الأمريكية.

من جانب آخر، فإن "ترامب" ليس لديه استراتيجية واضحة في التعامل مع إيران، بل وثمة خلافات ما داخل إدارته، فعلى سبيل المثال يشكك البعض داخل الإدارة في حديث "ترامب" عن أنه كان يوجد مخطط إيراني وشيك سينفذه الحرس الثوري الإيراني لاستهداف أربع سفارات أمريكية في المنطقة، وذكر وزير الدفاع الأمريكي "مارك أسبر" لاحقاً أنه لم يكن لديه علم بهجوم وشيك.

ويبدو أن الاستراتيجية الوحيدة التي يملكها ترامب وينفذها في التعامل مع إيران منذ انسحاب الاويات المتحدة الأمريكية من الاتفاق النووي وعدم قبول إيران التفاوض وفق شروط جديدة، هي استراتيجية الضغوط القصوى، وتحديداً العقوبات الاقتصادية، وفيما عدا ذلك يتعامل "ترامب" بإجراءات منفردة، حسب رد فعله ورؤيته للموقف.

أما بالنسبة لإيران، فإن أول رد فعل مباشر على مقتل "سليماني"، جاء يوم 8 يناير، حيث وجهت ضربات صاروخية ضد قاعدتين عراقيتين توجد بهما قوات أمريكية، ولكن حادث إسقاط الطائرة الأوكرانية بسبب أحد الصواريخ التي أطلقها الحرس الثوري، ساعد في تهدئة الموقف، والحد من التصعيد بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية، حيث ربما كانت احتمالات التصعيد قائمة بدرجة أكبر قبل إسقاط الطائرة.


مرحلة ما بعد سليماني

تشير تطورات الأحداث منذ اغتيال "سليماني" إلى أنه ليس وارداً أن تُقدِمَ إيران على التفاوض مع الولايات المتحدة خلال الفترة المتبقية من إدارة ترامب؛ فطهران سوف تنتظر حتى الانتخابات الرئاسية، والإيرانيون يريدون بالطبع خسارة ترامب في الانتخابات، وسوف يعملون على استفزازه أو وضعه تحت ضغط حتى يتصرف بطريقة مماثلة تضره شخصياً قبل الانتخابات.

وعلى مستوى الداخل الإيراني، فقد خرج بعض المتظاهرين عقب قتل أوراح نتيجة سقوط الطائرة الأوكرانية، ولكن هذه المظاهرات لن تنجح في خلخلة النظام الإيراني، بل على العكس، سوف يقوم النظام بعد اغتيال "سليماني" بمواجهة أية تظاهرات بشكل أكثر حدة، كما تم إبعاد بعض المحسوبين على تيار المعتدلين أو الإصلاحيين عن البرلمان.

أما على مستوى تداعيات مرحلة ما بعد مقتل "سليماني"، فيمكن الإشارة إلى النقاط التالية:

- إن فكرة الانتقام الإيراني لا تزال ورادة طالما أن العقوبات الاقتصادية الأمريكية مستمرة ضد إيران. وكذلك ثمة احتمال وارد بأن تقوم الميليشيات الشيعية بردود فعل انتقامية ضد المصالح الأمريكية. كما أن هناك احتمالات بقيام إيران بشن هجمات سيبرانية ضد المصالح الأمريكية أو ضد حلفاء الولايات المتحدة.

- إن أحد أبرز تداعيات عملية مقتل سليماني، هو استمرار عدم الثقة في الولايات المتحدة الأمريكية، فإدارة ترامب قامت بعملية قتل "سليماني" دون إبلاغ حلفائها، وهذا قد يزيد من عدم مصداقيتها، فالولايات المتحدة لم تعد حليفاً موثوقاً به من قبل العديد من الأطراف، وموقف إدارة ترامب يبدو محل شك من الجميع، خاصة بعد ما تخلت إدارته عن الأكراد.

وعلى سبيل المثال، تقود عملية الاغتيال إلى تعقيد العلاقات العراقية – الأمريكية، فهناك محاولات من البرلمان العراقي للتصويت على خروج القوات الأمريكية، وهناك مظاهرات ضد إيران وأمريكا في العراق، وهذا وضع صعب جعل الولايات المتحدة كأنها قوة استعمارية.

- لقد دعا ترامب حلف شمال الأطلسي "الناتو" بتعزيز دوره في منطقة الشرق الأوسط، لكن يبدو من غير الواضح كيف سيكون دور "الناتو" أو كيف يكون "بديلاً" للولايات المتحدة أو يضطلع بمسؤولية أكبر نيابة عن الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.

- فيما يتعلق بالموقف الدولي، فإن الأوروبيين مستمرين في محاولتهم إنقاذ الاتفاق النووي، لكن دون جدوى، على الرغم من تمسكهم بالاتفاق وعدم استجابتهم لمطلب الرئيس ترامب بالانسحاب منه. كما أن الصين سوف تستمر في علاقاتها مع إيران، وسوف تواصل شراء النفط الإيراني، فهم غير معنيين بالعقوبات الاقتصادية الأمريكية ضد إيران، ويدركون أن ترامب لا يستطيع تحمل المزيد من تداعيات الحرب التجارية مع الصين، لأن هذه الحرب التجارية لها تأثيرات سلبية بدت ملامحها في بداية تراجع معدل النمو الأمريكي.

وبناءً على هذه الاعتبارات، أشارت " باربرا سلافين" إلى أنه لا مخرج من الأزمة الراهنة، إلا إذا عرضت إدارة "ترامب" حوافز ما للإيرانيين للجلوس مجدداً على طاولة المفاوضات، في ظل تدهور أوضاع الاقتصاد الإيراني، وهو ما قد يقود لإعادة التفاوض بالتزامن مع تعليق جزئي للعقوبات الاقتصادية.