أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

تطورات متشابكة:

لماذا تتكرر العمليات الإرهابية في واجادوجو؟

23 أغسطس، 2017


رغم الجهود الحثيثة التي تبذلها دول الساحل بالتعاون مع بعض القوى الدولية المعنية بتلك المنطقة، على غرار فرنسا، من أجل مكافحة انتشار بعض التنظيمات الإرهابية، إلا أن الأخيرة أثبتت قدرتها على تنفيذ عمليات إرهابية نوعية في بعض تلك الدول، وكان آخرها الهجوم الذي نفذه مسلحون، في 14 أغسطس الجاري، في أحد المطاعم السياحية الذي يرتاده أجانب، وهو ما أدى إلى مقتل 18 شخصًا وإصابة 8 آخرين، فضلا عن تصفية منفذيه بعد تدخل قوات الشرطة. 

ومع أن أية جهة لم تعلن مسئوليتها عن الحادث حتى الآن، إلا أن المؤشرت تكشف عن احتمال تورط تنظيم "القاعدة"، أو أحد فروعه، أو إحدى المجموعات المؤيدة له في منطقة شمال وغرب إفريقيا، خاصة وأن تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" سبق أن أعلن مسئوليته عن العملية الإرهابية التي وقعت في بوركينافاسو في يناير 2016، فضلا عن بعض العمليات التي شهدتها دول أخرى مثل مالي.

وربما يكون ذلك دافعًا للإسراع في تشكيل القوة الإقليمية لمكافحة التنظيمات الإرهابية، والتي أقرتها قمة دول الساحل التي عقدت في العاصمة المالية باماكو في 3 يوليو الفائت، بحضور الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وتتألف من 5 آلاف عنصر وبتكلفة تصل إلى 423 مليون يورو، حيث من المتوقع أن تبدأ مهامها قبل نهاية العام الحالي.

استهداف متواصل:

 لم يكن الهجوم الإرهابي على المطعم التركي في واجادوجو الأول من نوعه، حيث شهدت بوركينافاسو عددًا من الهجمات الإرهابية منذ بداية العام الماضي، كان من أهمها الهجوم الإرهابي على فندق سبلنديد، في يناير 2016، والذي أعلن تنظيم "القاعدة" مسئوليته عنه، حيث اقتحمت مجموعة مسلحة الفندق واحتجزت 170 شخصًا قتلت منهم 30 خلال الهجوم.

كما شن تنظيم "أنصار الإسلام"، الذي يتزعمه مالام إبراهيم ديكو، المعروف بـ"العدو الأول" لبوركينافاسو، وهو أحد التنظيمات التي تمثل ما يمكن تسميته بـ"الإرهاب القبلي"، والقريبة فكريًا من تنظيم "القاعدة"، بعض الهجمات الإرهابية، كان من أبرزها الهجوم على منطقة ناسومبو شمال البلاد، فى سبتمبر 2016، والذي أسفر عن مقتل 12 جنديًا، والهجوم على مقر للشرطة فى منطقة بارابولي في يناير 2017، ما أدى إلى إصابة شخص.

واللافت في هذا السياق، هو أنه إلى جانب تلك الهجمات، وقعت عمليات إرهابية أخرى في بوركينافاسو لم تعلن جهة معينة مسئوليتها عنها، مثل الهجوم على نقطتين للشرطة فى مارس 2017، مما أسفر عن مقتل ثلاثة أشخاص، وكذلك خطف شخصين فى الشهر نفسه أيضًا، إلى جانب إشعال النيران في إحدى المدارس، عقب تهديدات تلقتها من قبل بعض العناصر الإرهابية، الأمر الذي يشير إلى أن بوركينافاسو صارت مستهدفة بأنماط مختلفة من العمليات الإرهابية، التي تقوم بها مجموعات داخلية أو خارجية.

دلالات متعددة:

يطرح الهجوم الأخير في العاصمة واجادوجو والذي أسقط عددًا كبيرًا من القتلى معظمهم من الأجانب، دلالات عديدة يمكن تناولها على النحو التالي:

1- نقطة جذب: شهدت المنطقة التي وقع فيها الهجوم الأخير عمليات إرهابية عديدة في السابق، نظرًا لتواجد بعض الأجانب فيها باستمرار، بغض النظر عن كون العديد منهم من المسلمين، حيث يمثل الأجانب هدفًا رئيسيًا بالنسبة للتنظيمات الإرهابية، وخاصة القاعدية منها، والمنتشرة فى منطقة الساحل والصحراء، سواء من أجل الضغط على حكومات المنطقة التي تسعى إلى إسقاطها، أو بهدف الحصول على أموال، بعد اختطافهم تحت مسمى "الفدية".

 وبالطبع، فإن أحد الأهداف الأساسية من التركيز على مثل تلك الأماكن هو محاولة إيقاع أكبر قدر من الضحايا لتوجيه رسائل مباشرة إلى دول المنطقة والقوى الدولية الداعمة لها تفيد أن تلك التنظيمات قادرة على استهداف مصالحها.

 ومن هنا، ربما لا يمكن فصل تصاعد تلك العمليات في الفترة الأخيرة عن إقرار قمة دول الساحل تشكيل القوة الإقليمية الجديدة لمكافحة التنظيمات الإرهابية، والتي ربما تكون مقدمة، حسب اتجاهات عديدة، لسحب القوة الفرنسية الموجودة في تلك المنطقة رغم نفى باريس لذلك.

2- ملامح تكفيرية: تكشف المؤشرات عن أن منفذي الهجوم على المطعم التركي يعتنقون الفكر التكفيري القريب، إلى حد ما، من الفكر القاعدي، وغالبًا ما تعتنقه المجموعات التي ترتبط بـ"القاعدة" فكريًا أكثر منه تنظيميًا. 

وقد كان لافتًا في هذا السياق أن الإرهابيين الذين قاموا بتنفيذ الهجوم فتحوا النار بشكل عشوائي على رواد المطعم دون تفرقة، أو دون محاولة استهداف شخص بعينه، الأمر الذي يشير إلى أن المهاجمين كان هدفهم القتل من أجل القتل، وهو ما يسمى فى أدبيات التنظيمات الإرهابية "وجوب الجهاد أو القتل"، بمعنى قتل الآخر لمجرد الاختلاف عنه فكريًا وعقائديًا، بغض النظر عن النتائج المترتبة على ذلك، وهو موروث فكرى قديم تبناه تنظيم "القاعدة" فيما بعد.

3- هجوم انتحاري: يبدو أن المهاجمين لم يستبعدوا احتمال عدم قدرتهم على الهروب بعد تنفيذ العملية، وهو ما دفعهم إلى الدخول في مواجهة مع قوات الشرطة التي قامت بتصفيتهم، بشكل يدخل تلك العملية الإرهابية في إطار "الهجمات الانتحارية"، وهى إحدى الأنماط الرئيسية التي يستخدمها تنظيم "القاعدة" بشكل بارز خلال السنوات الأخيرة، خاصة فى منطقة شمال مالي.

4- عملية مجهولة: يعتبر الهجوم على المطعم التركي من العمليات الإرهابية مجهولة الهوية، نظرًا لعدم إعلان أى تنظيم أو مجموعة مسئوليته عنه، وهى ظاهرة انتشرت في الآونة الأخيرة داخل بعض دول الساحل، حيث وقع هجوم استهدف بعثة حفظ السلام في مالي، في 15 أغسطس الجاري، مما أسفر عن مقتل سبعة أشخاص، كما أصيب ستة آخرون في هجوم مماثل استهدف المقر العام للبعثة في مدينة تمبكتو التاريخية، دون أن يعلن أى تنظيم إرهابي مسئوليته عن أى منهما، وغالبًا ما يكون أحد أسباب عدم الإعلان هو قيام مجموعة بالهجوم دون التنسيق المسبق مع قيادة التنظيم.

لكن رغم ذلك، فإن المؤشرات الأولية تكشف أن تنظيم "القاعدة فى بلاد المغرب الإسلامي"، أو إحدى المجموعات المرتبطة به، أو المؤيدة له، أو المتحالفة معه، هو الجهة المسئولة عن تلك العملية، إلا أن حرصه على عدم إعلان ذلك حتى الآن ربما يعود لحسابات خاصة به، منها الرغبة فى التأكد من ارتباط المجموعة التي نفذت العملية به، أو لصعوبة الإعلان عن مسئوليته فى هذا التوقيت، وتأجيل ذلك لوقت لاحق، أو ربما لرغبة التنظيم في أن يتم الإعلان من قبل مجموعة معينة.

ومن دون شك، فإن ذلك يشير إلى أن التنظيمات القاعدية تستعد لرفع مستوى نشاطها في دول الساحل خلال المرحلة القادمة، سواء بهدف إثبات قدرتها على تنفيذ عمليات إرهابية نوعية، أو بهدف الحصول على مصادر تمويل جديدة في ظل تراجع مواردها بسبب الإجراءات التي بدأت تتخذها تلك الدول، التي بدأت في تفعيل التنسيق الأمني فيما بينها لمواجهة المخاطر التي يفرضها انتشار تلك التنظيمات على أراضيها.