أخبار المركز
  • د. أيمن سمير يكتب: (خمسة سيناريوهات للتصعيد العسكري بين إسرائيل وإيران)
  • مهاب عادل يكتب: (رسائل الإصلاح: كيف انعكست أزمات الشرق الأوسط في الدورة الـ79 للأمم المتحدة؟)
  • د. هايدي عصمت كارس تكتب: (بين العزلة والانقسام: دوافع تفضيل أوروبا هاريس على العودة المحتملة لترامب)
  • مركز "المستقبل" يُشارك في معرض الرياض الدولي للكتاب 2024
  • د. إيهاب خليفة يكتب: (قوة صاعدة: فرص الإمارات في سباق الذكاء الاصطناعي)

ثورة المركبات:

تداعيات النقل الذكي من "الهايبرلوب" إلى "الباص المفرغ"

24 أغسطس، 2017


هل يمكن أن تتحقق نبوءات أفلام الخيال العلمي ونجد السماء مزدحمة بالسيارات الطائرة قريبًا؟ يبدو أن العالم على وشك أن يشهد ذلك بالفعل؛ فهناك ثورة حقيقية ومتسارعة يشهدها قطاع النقل حول العالم، سواء على الأرض أو تحت الأرض أو في الجو والفضاء الخارجي، من شأنها تغيير مفاهيم السفر والتنقل في مختلف أنحاء المعمورة، لتكون أكثر سهولة وسرعة، بعيدًا عن أعباء الازدحام المروري والتكدس في الطرقات، كما أنها تساعد في تقليل الحوادث وعدد الوفيات، وتبدأ هذه التقنيات بالسكوتر، مرورًا بالدراجات الهوائية، وصولًا إلى قطارات الهايبرلوب والتاكسي الطائر والطائرات الصغيرة الأسرع من الصوت.

وتُعتبر دولة الإمارات أحد مراكز تحول صناعة النقل في العالم، بما تمتلكه من خطط ومبادرات حكومية طموحة في هذا المجال، فمن المنتظر تشغيل التاكسي الطائر بنهاية هذا العام، فضلًا عن خطة حكومة دبي لتحويل 25% من إجمالي رحلات التنقل في المدينة لرحلات ذاتية القيادة بحلول عام 2030، يتزامن مع ذلك أن معدل استخدام أجهزة الذكاء الاصطناعي في الإمارات أعلى من المعدل العالمي، بالإضافة إلى حصول الإمارات على المركز الأول على مستوى الشرق الأوسط، والـمركز 22 عالميًّا على "مؤشر التطور الرقمي" الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي.

تطور ثورة النقل:

يُعد قطاع النقل أحد مخرجات الثورات البشرية التي شهدها التاريخ، والتي ساهمت بقوة في تغير أنماط حياة البشر ومعيشتهم عبر التاريخ، حيث ساهمت الثورة الزراعية في ظهور العربات التي تجرها الحيوانات والقوارب الأولية، وأدت الثورة الصناعية الأولى إلى ظهور الوقود الأحفوري وتطوير صناعة الصلب مما ساعد في ظهور القطارات التي تعمل بقوة البخار والسفن العملاقة.

وساهمت الثورة الصناعية الثانية التي قامت على الكهرباء في تطوير صناعة السيارات، وجاءت من بعدها الثورة الصناعية الثالثة القائمة على الكمبيوتر لتساعد في تحسين الأنظمة الملاحية للطائرات والغواصات، ويمكن القول إن كافة هذه الثورات قد أدت إلى طفرة هائلة في وسائل النقل.

ولما كان العالم حاليًّا على أعتاب ثورة صناعية رابعة قائمة على الذكاء الاصطناعي، كان من الطبيعي أن يكون لذلك أثره البالغ أيضًا على تطور وسائل النقل، في محاولة منها للتغلب على المشكلات التقليدية التي تواجه هذا القطاع العملاق، والذي تزداد تحدياته بزيادة عدد البشر وارتفاع مستواهم المعيشي سنويًّا.

حيز جغرافي مطلوب:

سعت كثير من الشركات للبحث عن آليات لحل مشكلة الازدحام المروري عن طريق إيجاد بدائل لوسائل النقل التقليدية كالدراجات البخارية، والسيارات، والقطارات، وذلك للتخلص من الكوارث الناتجة عن الأخطاء البشرية أثناء القيادة والتي تسبب وفاة الملايين حول العالم سنويًّا، ومن أبرز الوسائل غير التقليدية التي تم ابتكارها ما يلي:

1- التاكسي الطائر: اتجهت بعض الأفكار إلى تغيير الحيز الجغرافي الخاص بالتنقل بدلًا من الطرقات العادية، مثل شركة "إيرباص" التي تبنت مشروع التاكسي الطائر، الذي يمكن له السير على الأرض وفي الجو أيضًا، حيث أكدت "إيرباص" أن مشروعها "فاهانا" (Vahana) سيدخل حيز التشغيل التجريبي بنهاية عام 2017، وهو عبارة عن مركبة ذاتية القيادة للإقلاع والهبوط العمودي، ونظرًا لعدم حاجة هذه المركبات لوجود مدرج للإقلاع، فإنها ستكون مشابهة للهليكوبتر أكثر منها بالسيارة الطائرة، كما أنها ستكون مجهزة بأساسيات السيارات ذاتية القيادة، كتقنيات القيادة الآلية والرادار والكاميرات، لكنها ستعمل كتاكسي طائر، وستكون جاهزة للإنتاج بعد أربع سنوات من الآن، في عام 2020.

إيرباص ليست هي الشركة الوحيدة التي تعمل في مجال التاكسي الطائر، بل إن شركة "أوبر" أيضًا لديها خطة طموحة لدخول هذا المجال، حيث صرح "جيف هولدن" (رئيس المنتجات في أوبر) بأن الشركة ستقوم بالتشغيل التجريبي للمشروع خلال "إكسبو 2020" في دبي، فيما ستسعى لإطلاق هذه الخدمة تجاريًّا بحلول عام 2023.

كما ذكرت شركة "فولوكوبتر" الألمانية أنها حصلت على 25 مليون يورو لتمويل مشروع تصنيع سيارة أجرة طائرة تعمل بالكهرباء، وتعتزم إجراء الاختبارات الأولية للسيارة الجديدة في الربع الأخير من عام 2017.

كما تُعتبر "جيرو درايف" أول طائرة يُرخّص لها بالسفر على الطرقات البرية، وتطير بسرعة تصل إلى 180 كلم في الساعة لمدة 600 كلم دون التزود بالوقود، وتقوم شركة "نيرفانا سيستم" التشيكية صاحبة المشروع ببيع السيارة بمبلغ 63 ألف دولار.

2- الأنفاق الأرضية والأنابيب: بينما اتجهت "إيرباص" و"أوبر" إلى السماء، قامت شركة "ذا بورينج" (The Boring) التابعة لمؤسسة "أيلون ماسك" بالذهاب إلى أعماق الكرة الأرضية، حيث تسعى لتخطيط شبكة من الأنفاق المعقدة في شكل طبقات فوق بعضها تحت مدينة لوس أنجلوس الأمريكية للسير بداخلها بعيدًا عن ازدحام المدن، ويحدث ذلك من خلال نزول السيارات إلى الأنفاق عبر المصاعد الكهربائية، لتستقر السيارة على مركبات آلية تنقلها بسرعة تتجاوز 200 كلم في الساعة عبر هذه الأنفاق إلى وجهتها.

ولم تكن فكرة الأنفاق هي الاختراع الأول في هذا الصدد لـ"أيلون ماسك"؛ بل سبقتها فكرة قطار الهايبر لوب، وهي عبارة عن تقنية تقوم على دمج أنابيب منخفضة الضغط خالية من الهواء للربط بين محطتين، ويوجد داخل هذا الأنبوب كبسولات ركاب تندفع بسرعات عالية على وسادة هوائية مضغوطة، ولا تحتك بجدران الأنبوب بفعل حقل مغناطيسي يولده موتور كهربائي، وتستطيع كل كبسولة حمل نحو 20 راكبًا.

ويمكن إطلاق كبسولة للركاب كل 30 ثانية في الخط الواحد دون أي مشكلة أو خطر من اصطدام الكبسولات ببعضها أو خروجها عن المسار، ويسير الهايبرلوب بسرعة تفوق سرعة الصوت وتبلغ 1200 كم في الساعة.

ابتكار لتعديل الواقع:

فيما تهدف بعض المبادرات إلى التغلب على المشكلات التقليدية التي يواجهها قطاع النقل دون إحداث تغيير جوهري في الطرقات وجغرافيا الطرق، ومن هذه المبادرات:

1- السيارات ذاتية القيادة: من المتوقع أن تستحوذ السيارات ذاتية القيادة على مكانة رئيسية في قطاع النقل في غضون السنوات القليلة المقبلة، وعلى الرغم من التحديات التي يواجهها هذا القطاع، إلا أنه تم اجتياز الاختبارات الأولية الخاصة بسير السيارة ذاتية القيادة بدرجة منخفضة وفي أماكن خاصة وبعيدة عن الطرقات العامة.

ويجري حاليًّا اختبار تسيير قوافل من السيارات ذاتية القيادة في شكل مجموعات لتطوير عملية التواصل بين هذه السيارات وبعضها بعضًا، كما أطلقت بعض الشركات مثل "أوبر" خدمة السيارات ذاتية القيادة لكن مع سائق بشري احتياطي خلف المقود.

ويعمل قطاع السيارات ذاتية القيادة على ثلاثة مستويات رئيسية، حيث يعمل المستوى الأول على إنشاء سيارة كاملة ذاتية القيادة (مثل شركات: تسلا، وفولكس فاجن)، ويحاول المستوى الثاني تعديل السيارات التقليدية لكي تصبح سيارات ذاتية القيادة (مثل شركة دريف إيه أي)، ويحاول المستوى الثالث تصميم النظم الآلية والبرمجية والمعدات الخاصة بتهيئة السيارات لكي تصبح ذاتية القيادة على غرار شركة جوجل.

2- باص الصين "المفرغ": يعد من الأفكار التي حاولت التأقلم والتكيف مع الواقع، حيث قامت الصين بإنشاء أول حافلة مفرغة من نوعها في العالم، تسمح بمرور السيارات من أسفلها، متجاوزة الازدحام المروري، ويبلغ طولها 22 مترًا، وعرضها 7.8 أمتار، وارتفاعها 4.8 أمتار، كما يمكنه حمل أكثر من 300 راكب بسهولة وسرعة فائقة مع إتاحة الفرصة للسيارات للمرور أسفله.

تداعيات متعددة:

يؤدي التوجه نحو "النقل الذكي" والمركبات ذاتية القيادة إلى العديد من التداعيات، سواء أكانت إيجابية أو سلبية، وهو ما يمكن توضيحه فيما يلي:

1- المستوى الاقتصادي: سوف يؤثر سلبيًّا على قطاع كبير من العاملين في مجال قيادة السيارات، ولكن من ناحية أخرى سوف يُنعش عددًا أكبر من الوظائف، خاصة في مجال البرمجيات والروبوتات والذكاء الاصطناعي.

2- المستوى الاجتماعي: قد تتقبل بعض المجتمعات هذه التغيرات الجديدة في التعامل مع الآلات، وقد لا تتقبلها مجتمعات أخرى كثيفة السكان كثيرة الأيدي العاملة.

3- المستوى القانوني: تحتاج هذه التقنيات إلى تطوير المنظومة القانونية لكي تحكم آلية عمل وسير هذه المركبات في الشوارع، فمثلًا إذا قامت سيارة ذاتية القيادة بقتل أحد الأفراد، فمن سيتم توقيع العقاب عليه؟ هل الشركة المصنِّعة؟ أم صاحب السيارة؟ أم المقاول المسئول عن رصف الطريق؟.

4- المستوى الأخلاقي: فمثلًا إذا وَجدت هذه السيارة أمامها عمود إنارة وطفلة صغيرة، وكانت مضطرة للاصطدام بأحدهما، فإن قرار السيارة في هذه الحالة سيكون بناءً على أقل ضرر سوف يقع على مَن بداخل السيارة، أي أنها قد تقتل الطفلة الصغيرة.